الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم يسرى بموسى وغيره إلى بيت المقدس، كما أسري بنبينا فيراهم فيه، ثم يعرج بهم إلى السماوات كما عرج بنبينا فيراهم فيها، كما أخبر، وحلولهم في أوقات مختلفة بأمكنة مختلفة.. جائز عقلا كما ورد به خبر الصادق، وفي كل ذلك دلالة على حياتهم) اهـ «1»
وقد ثبتت حياة الشهداء بنص القرآن، وصرح ابن عباس وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم بأنه صلى الله عليه وسلم مات شهيدا، والمراد- كما مر بالروح-: النطق، صرح به جماعة.
فهو صلى الله عليه وسلم حيّ على الدوام، لكن لا يلزم من حياته دوام نطقه، وإنما يردّ عليه عند سلام كل مسلّم عليه، وعلاقة التجوز بالروح عن النطق ما بينهما من التلازم غالبا.
[مطلب في معنى رد الروح إليه ص]
وأجاب البيهقي بأن معنى رد الروح إليه: أنها ردت إليه عقب دفنه؛ لأجل سلام من يسلّم عليه، واستمرت في جسده الشريف صلى الله عليه وسلم، لا أنها تعاد لردّ السلام ثم تنزع ثم تعاد لرد السلام وهكذا؛ أي: لما يلزم عليه من تعدد حياته ووفاته في أقل من ساعة مرات كثيرة، وأجيب بأنه لا محظور فيه؛ إذ لا نزع ولا مشقة في ذلك الرّد وإن تكرر.
وأجاب السبكي بأنه يحتمل أن يكون ردّا معنويّا، وأن تكون روحه الشريفة مشتغلة بشهود الحضرة الإلهية والملأ الأعلى عن هذا العالم، فإذا سلّم عليه.. أقبلت روحه الشريفة على هذا العالم؛ لتدرك سلام من يسلّم عليه وترد عليه «2» .
ولا يلزم عليه استغراق الزمان كله في ذلك؛ نظرا لاتصال الصلاة عليه في أقطار الأرض؛ لأن أمور الآخرة لا تدرك بالعقل، وأحوال البرزخ «3» أشبه
(1) حياة الأنبياء (ص 85) .
(2)
شفاء السقام (ص 51) .
(3)
في هامش (ج) : (البرزخ: الوقت الذي من الموت إلى القيامة، فمن مات.. دخله، وقد يطول وقد يقصر) .
بأحوال الآخرة، وقال بعضهم: المراد بالرّوح: الملك الموكّل به.
وقال ابن العماد: (يحتمل أن يراد به هنا السرور مجازا؛ فإنه قد يطلق ويراد به ذلك) .
ولا ينافي ما تقرر من حياتهم ما في «صحيح ابن حبّان» في قصة عجوز بني إسرائيل: أنها دلّت موسى على الصندوق الذي فيه عظام يوسف على نبينا وعليهما أفضل الصلاة والسلام، فاستخرجه وحمله معهم عند قصدهم الذهاب من مصر إلى الأرض المقدسة «1» ؛ إما لأنها أرادت بالعظام كل البدن، أو لأن الجسد لمّا لم تشاهد فيه روح.. عبّر عنه بالعظم الذي من شأنه عدم الإحساس، أو أن ذلك باعتبار ظنها أن أبدان الأنبياء كأبدان غيرهم في البلى.
وخبر: «أنا أكرم على ربي من أن يتركني في قبري بعد ثلاث» .. قال البيهقي: (إن صح.. فالمراد: أنهم لا يتركون لا يصلون إلا هذا القدر، ثم يكونون مصلين بين يدي الله سبحانه وتعالى «2» .
وفي خبر غير ثابت أيضا: «إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة، ولكنهم يصلون بين يدي الله تعالى حتى ينفخ في الصور» «3» ، وكأن هذا مستند ما رواه عبد الرزاق عن ابن المسيّب: أنه رأى قوما يسلمون على النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: (ما مكث نبي في الأرض أكثر من أربعين يوما)«4» ، وقد علمت أن مستند هذه المقالة لا أصل له، فمن ثمّ لم يعول العلماء عليها، بل أجمعوا على خلافها كما مر آنفا.
قيل: وإذا تقرر أنه حيّ.. فلا يقال: عليه السلام، ولا عليك السلام؛ فإنها تحية الموتى، وقد امتلأت كتب كثيرين من المصنفين بذلك!! فليجتنب.
(1) صحيح ابن حبان (723) .
(2)
حياة الأنبياء (ص 76) .
(3)
أخرجه الديلمي في «الفردوس» (852) ، والبيهقي في «حياة الأنبياء» (4) .
(4)
مصنف عبد الرزاق (6725) .