الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِى الْأَضْحَى، يُكَبِّرُ عَقِيبَ كُلِّ فَرِيضَةٍ في جَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ، أَنَّهُ يُكَبِّرُ، وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ، مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ، إِلَى الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أيَّامِ التَّشْرِيقِ،
ــ
693 - مسألة: (وفى الأضْحَى، يُكَبِّرُ عَقِيبَ كلِّ فَرِيضَةٍ في جَماعَةٍ. وعنه، يُكَبِّرُ، وإن كان وَحْدَه، مِن صلاةِ الفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ، إلى العَصْرِ مِن آخِرِ أيّامِ التَّشْرِيقِ)
وجملَةُ ذلك أنَّ التَّكْبِيرَ في الأضْحَى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُطْلَقٌ ومُقَيَّدٌ، فالمُطْلَقُ التَّكْبِيرُ في جَمِيعِ الأوْقاتِ، مِن أوَّل العَشْرِ إلى آخِرِ أيّامِ التَّشْرِيقِ؛ لقَوْلِه تعالى:{وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (1). وقال: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} (2). فالأيّامُ المَعْلُوماتُ أيّامُ العَشْرِ، والمَعْدُوداتُ أيّامُ التَّشْرِيقِ. قالَه ابنُ عباسٍ. قال البخارىُّ: كان ابنُ عُمَرَ، وأبو هُرَيْرَةَ يَخْرُجان إلى السُّوقِ. في أيّامِ العَشْرِ، يُكَبِّران، ويُكَبِّرُ النّاسُ بتَكْبِيرِهما. ورُوِىَ أنَّ ابنَ عُمَرَ كان يُكَبِّرُ بمِنًى في تلك الأيّامِ خلفَ الصَّلَواتِ، وعلى فِراشِه، وفى فُسْطاطِه، ومَجْلِسِه ومَمْشاه تلك الأيّامَ جَمِيعًا، ويُكَبِّرُ في قُبَّتِه حتى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا.
فصل: وأمّا المُقَيَّدُ، فهو التَّكْبِيرُ في أدْبارِ الصَّلواتِ. ولا خِلافَ بينَ العُلَماءِ في مَشْرُوعِيَّةِ التَّكْبيرِ في عِيدِ النَّحْرِ، وإنَّما اخْتَلَفُوا في مُدَّتِه، فذَهَبَ أحمدُ، رحمه الله، إلى أنَّه مِن صلاةِ الفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلى العَصْرِ مِن آخِر أيّامِ التَّشْرِيقِ. وهو قولُ عُمَرَ، وعلىٍّ، وابنِ عباسٍ، وابنِ
(1) سورة الحج 28.
(2)
سورة البقرة 203.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مسعودٍ، رَضِىَ اللَّه عنهم. وإليه ذَهَب الثَّوْرِىُّ، وابنُ عُيَيْنَةَ، وأبو يُوسُفَ، ومحمدٌ. وهو قولٌ للشافعىِّ. وعن ابنِ مسعودٍ، أنَّه كان يُكَبِّرُ مِن غَداةِ عَرَفَةَ إلى العَصْرِ مِن يَوْمِ النَّحْرِ. وإليه ذَهَب النَّخَعِىُّ، وعَلْقَمَةُ، وأبو حنيفةَ؛ لقولِه تعالى:{وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} . وهى أيّامُ العَشْرِ. وأجْمَعْنا على أنَّه لا يُكَبِّرُ قبلَ عَرَفَةَ، فلم يَبْقَ إلَّا يَوْمُ عَرَفَةَ ويَوْمُ النَّحْرِ. وعن ابنِ عُمَرَ، وعُمَرَ بنِ عبدِ العزِيزِ، أنَّ التَّكْبِيرَ مِن صلاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلى الفَجْرِ مِن آخِرِ أيّامِ التَّشْرِيقِ (1). وبه قال مالكٌ، والشافعىُّ في المَشْهُورِ عنه؛ لأنَّ النّاسَ تَبَعٌ للحاجِّ، يَقْطَعُون التَّلْبِيَةَ مع أوَّلِ حَصاةٍ، ويُكَبِّرُون مع الرَّمْى، وإنَّما يَرْمُون يَوْمَ النَّحْرِ، وأوَّلُ صلاةٍ بعدَ ذلك الظُّهْرُ، وآخِرُ صلاةٍ بمِنًى الفَجْرُ مِن اليَوْمِ الثّالِثِ مِن أيّامِ التَّشْرِيقِ. ولَنا، ما روَى جابِرٌ، قال: كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا صَلَّى الصُّبْحَ مِن غَداةِ عَرَفَةَ، أقْبَلَ على أصْحابه، فيقولُ:«عَلَى مَكَانِكُمْ» . ويقولُ: «اللَّهُ أكبَرُ اللَّهُ أكبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاللَّه أكْبَرُ، اللَّهُ أكبَرُ وَللَّه الْحَمْدُ» . فيُكَبِّرُ مِن غَداةِ عَرَفَةَ إلى العَصْر مِن آخِرِ أيّامِ التَّشْرِيقِ. وعن علىٍّ، وعَمّارٍ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان يُكَبِّرُ يَوْمَ عَرَفَة صلاةَ الغداةِ ويَقْطَعُها صلاةَ العَصْرِ آخرَ أيّام التَّشْرِيقِ. رَواهما الدّارَقُطنِىُّ (2).
(1) أخرج خبر ابن عمر البيهقى، في: باب من قال يكبر في الأضحى. . . إلخ، من كتاب العيدين. السنن الكبرى 3/ 313.
(2)
في: أول كتاب العيدين. سنن الدارقطنى 2/ 49، 50.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلَّا أنَّهما مِن رِوايةِ عَمْروْ بنِ شَمِرٍ، عن جابِرٍ الجُعْفِىِّ، وقد ضُعِّفا. ولأنَّه قولُ عُمَرَ، وعلىٍّ، وابنِ عباسٍ. رَواه سعيدٌ عنهم (1). قيل لأحمدَ: بأىِّ حَدِيثٍ تَذْهَبُ إلى التَّكْبِيرِ مِن صلاةِ الفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلى آخِرِ أيّامِ التَّشْرِيقِ؟ قال: لإِجْماعِ عُمَرَ، وعلىٍّ، وابنِ عباس. ولأنَّ اللَّهَ تعالى قال:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} . وهى أيّامُ التَّشْرِيقِ، فيَتَعَيَّنُ الذِّكْرُ في جَمِيعِها. وأمّا قولُه تعالى:{وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} . فمَحْمُولٌ على ذِكْرِ اللَّه عِلى الهَدايا والأضاحِى عندَ رُؤْيَتِها، فإنَّه مُسْتَحَبٌّ في جَمِيعِ العَشْرِ، وهو أوْلَى مِن تَفْسِيرِهم؛ لأنَّهم لم يَعْمَلُوا به في كلِّ العَشْرِ، ولا في أكْثَرِه، ولو صَحَّ تَفْسِيرُهم فقد أمَرَ اللَّه بالذِّكْرِ في أيّامٍ مَعْدُوداتٍ، وهى أيّامُ التَّشْرِيقِ، فيُعْمَلُ به أيضًا. وأمّا المُحْرِمُ، فإنَّما لم يُكَبِّرْ مِن صلاةِ الفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ؛ لاشْتِغالِه عنها بالتَّلْبِيَةِ كما ذَكَرُوا، وغيرُه يَبْتَدِئُ مِن غَداةِ يومِ عَرَفةَ؛ لعَدَمِ المنافِعِ. وقَوْلُهم: إنَّ النّاسَ في هذا تَبَعٌ للحاجِّ. مُجَرَّدُ دَعْوَى بغيرِ دَلِيلٍ. وقَوْلُهم: إنَّ آخِرَ صلاةٍ يُصَلُّونَها بمِنًى الفَجْرُ مِن آخِرِ أيّامِ التَّشْرِيقِ. مَمنُوعٌ؛ لأنَّ الرَّمْى إنَّما يكونُ بعدَ الزَّوالِ.
فصل: والتَّكْبِيرُ المُقَيَّدُ إنَّما يَكُونُ عَقِيبَ الصَّلَواتِ المَكْتُوباتِ في
(1) وأخرجه ابن أبى شيبة، في: باب كيف يكبر يوم عرفة، من كتاب الصلوات، المصنف 2/ 165، 166.
إِلَّا الْمُحْرِمَ، فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ.
ــ
الجَماعاتِ، في المَشْهُورِ عن أحمدَ. قال الأثْرَمُ: قلتُ لأبى عبدِ اللَّهِ: أذْهَبُ إلى فِعْلِ ابنِ عُمَرَ، أنَّه كان يُكَبِّرُ إذا صَلَّى وَحْدَه؟ قال: نعم. وقال ابنُ مسعودٍ: إنَّما التَّكْبِيرُ على مَن صَلَّى في جَماعَةٍ. وهذا مَذْهَبُ الثَّوْرِىِّ، وأبى حنيفةَ. وعنه رِوايَةٌ أُخْرَى، أنَّهْ يُكَبِّرُ عَقِيبَ الفَرائِضِ، وإن كان وَحْدَه. وهذا مَذْهَبُ مالكٍ؛ لأنَّه ذِكْرٌ مُسْتَحَبٌّ للمَسْبُوقِ، فاسْتُحِبَّ للمُنْفَرِدِ، كالسَّلامِ. قال الشافعىُّ: يُكَبِّرُ عَقِيبَ كلِّ صلاةٍ، فَرِيضةً كانت أو نافِلَةً، مُنْفَرِدًا أو في جَماعَةٍ، قِياسًا على الفَرْضِ في الجَماعَةِ. ولَنا، أنَّه قولُ ابنِ مسعودٍ، وفِعْلُ ابنِ عُمَرَ، ولا مُخالِفَ لهما في الصحابةِ، فكان إجْماعًا.
فصل: فأمّا (المُحْرِمُ، فإنَّه) يَبْتَدِئُ التَّكْبيرَ (مِن صلاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ) لأنَّه يكونُ مَشْغُولًا بالتَّلْبِيَةِ قبلَ ذلك، وأوَّلُ صلاةٍ بعدَ قَطْعِ التَّلْبِيَةِ الظُّهْرُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والمُسافِرُون كالمُقِيمِين فيما ذَكَرْنا؛ لعُمُومِ النَّصِّ. وحُكْمُ النِّساءِ حُكْمُ الرِّجالِ، في أنَّهُنَّ يُكَبِّرْنَ في الجَماعَةِ، وفى الانْفِرادِ رِوايَتان. وقال البخارىُّ (1): كان النِّساءُ يُكَبِّرْنَ خلفَ أبانَ بنِ عثمانَ، وعُمَرَ بنِ عبدِ العزِيزِ لَيالِىَ التَّشْرِيقِ مع الرِّجالِ في المَسْجِدِ. ويَنْبَغِى أن يَخْفِضْنَ أصْواتَهُنَّ حتى لا يَسْمَعَهُنَّ الرِّجالُ. وعن أحمدَ، أنَّهُنَّ لا يُكَبِّرْنَ؛ لأنَّه ذِكْرٌ يُشْرَعُ فيه رَفْعُ الصَّوْتِ، فلم يُشْرَعْ في حَقِّهِنَّ، كالأذانِ.
(1) في: باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة، من كتاب العيدين. صحيح البخارى 2/ 25. وقال ابن حجر: وصله ابن أبى الدنيا في كتاب العيدين. انظر: فتح البارى 2/ 462.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والمَسْبُوقُ ببعضِ الصَّلاةِ يُكَبِّرُ إذا فَرَغ مِن قَضاءِ ما فاتَه. نَصَّ عليه أحمدُ. وبه قال أكْثَرُ أهلِ العلم. وقال الحسنُ: يُكَبِّرُ، ثم يَقْضِى؛ لأنَّه ذِكْرٌ شُرِع في آخِرِ الصَّلاةِ، فيَأْتِى به المَسْبُوق قبلَ القَضاءِ، كالتَّشَهُّدِ. وعن مُجاهِدٍ، ومَكْحُولٍ، يُكَبِّرُ، ثم يَقْضِى، ثم يُكَبِّرُ لذلك. ولَنا، أنَّه ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ بعدَ السَّلامِ (1)، فلم يَأْتِ به في أثْناءِ الصَّلاةِ، كالتَّسْلِيمَةِ الثَّانيةِ، والدُّعاءِ بعدَها. وإن كان على المُصَلِّى سُجُودُ سَهْوٍ بعدَ السَّلامِ، سَجَد ثم كَبَّرَ. وبه قال الثَّوْرِىُّ، والشافعىُّ، وإسْحاقُ، وأصْحابُ الرَّأْى؛ لأنَّه سُجُود مَشْرُوعٌ للصلاةِ، فكان التَّكْبِيرُ بعدَه وبعدَ تَشَهُّدِه، كسُجُودِ صُلْبِها.
(1) في م: «الصلاة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا فاتَتْه صلاةٌ مِن أيّام التَّشْرِيقِ، أو مِن غيرِها فقَضاها فيها، فحُكْمُها حُكْمُ المُؤَدّاةِ في التَّكْبِيرِ؛ لأنَّها مَفْرُوضَةٌ في أيَّامِ التَّشْرِيقِ. وإن فاتَتْه في أيَّامِ التَّشْرِيقِ فقَضاها في غيرِها، لم يُكَبِّرْ؛ لأَنَّ التَّكْبيرَ مُقَيَّدٌ بالوَقْتِ، فلم يُفْعَلْ في غيرِه، كالتَّلْبِيَةِ. ويُكَبِّرُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ. قال أبو بكرٍ: وعليه العَمَلُ. وحَكاه أحمدُ عن إبْراهيمَ؛ لأنَّه ذِكْرٌ مُخْتَصٌّ بالصلاةِ، أشْبَهَ الأذانَ والإِقامَةَ. ويَحْتَمِلُ أن يُكَبِّرَ كَيْفَما شاء؛ لِما روَى جابِرٌ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أقْبَلَ عليهم، فقال:«اللَّه أكْبَرُ اللَّهُ أكبَرُ» (1).
(1) تقدم تخريجه في صفحة 371.