الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الإمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: صَحَّ عَنِ النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةُ الْخَوْفِ مِنْ خَمْسَةِ أَوجُهٍ، أو سِتَّةٍ، كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِمَنْ فَعلَهُ.
ــ
لم يَكُنْ ثَمَّ قِتالٌ يَمْنَعُه مِن الصَّلاةِ. إذا ثَبَت ذلك، فإنَّما تَجُوزُ صَلاةُ الخَوْفِ إذا كان العَدُوُّ مُباحَ القِتالِ، ويُشْتَرَطُ أن لا يُؤْمَنَ هُجُومُه على المُسلِمين، وتَجُوزُ على كلِّ صِفَةٍ صلّاها رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
615 - مسألة؛ (قال الإِمامُ أبو عبدِ اللَّهِ: صَحَّ عن النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم صلاةُ الخَوْفِ مِن خَمْسَةِ أَوْجُهٍ، أو سِتَّةٍ)
. [أو قال: سِتَّةٍ أوسَبْعَةٍ](1)، (كُلُّ ذَلك جائِزٌ لمَن فَعَلَه). قال الأثْرَمُ: قُلْتُ لأبِى عبدِ اللَّهِ: تَقُولُ بالأحادِيثِ كُلِّها، أو تَخْتارُ واحِدًا منها؟ قال: أنا أقولُ مَن ذَهَب إليها كُلِّها فحَسَنٌ، وأمّا حَدِيثُ سَهْلٍ (2) فأنا أخْتارُه. فنَذْكُرُ الوُجُوهَ التى بَلَغَتْنا؛
(1) سقط من: الأصل.
(2)
أخرجه البخارى، في: باب غزوة ذات الرقاع، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 5/ 146. ومسلم، في: باب صلاة الخوف، من كتاب المسافرين. صحيح مسلم 1/ 575. وأبو داود، في: باب من قال: يقوم صف مع الإِمام وصف وجاه العدو. . . إلخ، وباب من قال: إذا صلى ركعة وثبت قائمًا أتموا لأنفسهم. . . إلخ، من كتاب الصلاة. سنن أبى داود 1/ 282، 283. والترمذى، في: باب ما جاء في صلاة الخوف، من أبواب السفر. عارضة الأحوذى 3/ 44. والنسائى، في: أول كتاب صلاة الخوف. المجتبى 3/ 948. وابن ماجه، في: باب ما جاء في صلاة الخوف، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 399. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 448.
فَمِنْ ذَلِكَ، إِذَا كَان الْعَدُوُّ في جِهَةِ الْقِبْلَةِ، صَفَّ الإمَامُ الْمُسْلِمِينَ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ، فَصَلَّى بِهِم جَمِيعًا إِلَى أنْ يَسْجُدَ فَيَسْجُدَ مَعَهُ الصَّفُّ الَّذِى يَلِيهِ، وَيَحْرُسَ الْآخرُ حَتَّى يَقُومَ الإمَامُ إِلَى الثَّانِيَةِ، فَيَسْجُدَ وَيَلْحَقَهُ، فَإِذَا سَجَدَ في الثَّانِيَةِ، سَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الَّذِى حَرَسَ، وَحَرَسَ الْآخَرُ حَتَّى يَجْلِسَ في التَّشَهُّدِ، فَيَسْجُدَ وَيَلْحَقَهُ، فَيَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ بِهِمْ.
ــ
فأوَّلُها: (إذا كان العَدُوُّ في جِهَةِ القِبْلَةِ) بحيثُ (1) لا يَخْفَى بَعْضُهم على المسلمين، ولم يَخَافُوا كَمِينًا، فيُصَلِّى بهم، كما روَى جابِرٌ، قال: شَهِدْتُ مع رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صلاةَ الخَوْفِ فصَفَّنا خَلْفَه صَفَّيْن، والعَدُوُّ بَيْنَنا وبينَ القِبْلَةِ، فكَبَّرَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وكَبَّرْنا جَمِيعًا، ثم رَكَع ورَكَعْنا، ثم رَفَع رَأْسَه مِن الرُّكُوعِ ورَفَعْنا جميعًا، ثم انْحَدَرَ بالسُّجُودِ والصَّفُّ الذى يَلِيه، وقامَ الصَّفُّ المُؤَخَّرُ في نَحْرِ العَدُوِّ (2)، فلَمّا قَضَى النبىُّ صلى الله عليه وسلم السُّجُودَ، وقام الصَّفُّ الذى يَلِيهِ، انْحَدَرَ (3) الصَّفُّ المُؤَخَّرُ بالسُّجُودِ وقامُوا، ثم تَقَدَّمَ الصَّفُّ المُؤخَّرُ، وتَأخَّرَ الصَّفُّ المُقَدَّمُ، ثم
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في نحر العدو: أى في مقابلته. ونحر كل شئ أوله.
(3)
في م: «وانحدر» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رَكَع رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ورَكَعْنا جَمِيعًا، ورَفَع رَأْسَه مِن الرُّكُوعِ وَرَفَعْنا جَمِيعًا، ثم انْحَدَرَ بالسُّجُودِ والصَّفّ الذى يَلِيهِ الذى كان مُؤخَّرًا في الرَّكْعَةِ الأُولَى، وقامَ الصَّفُّ المُؤخَّرُ في نَحْرِ العَدُوِّ، فلَمَّا قَضَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السُّجُودَ، وقامَ الصَّفُّ الذى يَلِيه، انْحَدَرَ الصَّفّ المُؤخَّرُ بالسُّجُودِ، فَسَجَدُوا (1) ثم سَلَّمَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم وسَلَّمْنا جَمِيعًا. أخْرَجَه مسلمٌ (2). وروَى أبو عَيّاشٍ الزُّرَقِىُّ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بعُسْفانَ نَحْوَ هذه الصَّلاةِ، وصَلّاها يَوْمَ بَنِى سُلَيْمٍ. رَواه أبو داودَ (3). وإن حَرَس الصَّفُّ الأوَّلُ في
(1) المثبت من صحيح مسلم. وهي في الأصل: «سجد» . وسقطت من: م.
(2)
في: باب صلاة الخوف، من كتاب صلاة المسافرين. صحيح مسلم 1/ 574، 575. كما أخرجه النسائى، في: أول كتاب صلاة الخوف. المجتبى 3/ 143.
(3)
في: باب صلاة الخوف، من كتاب صلاة السفر. سنن أبى داود 1/ 282. كما أخرجه النسائى، في: أول كتاب صلاة الخوف. المجتبى 3/ 144، 145. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 59، 60. بعده في م: «قلت وأخرجه مسلم عن جابر. قال البيهقى وهو صحيح» . وانظر السنن الكبرى 3/ 257.
الْوَجْهُ الثَّانِى، إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِى غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ، جَعَلَ طَائِفَةً حِذَاءَ الْعَدُوِّ،
ــ
الأُولَى، والثَّانِى في الثّانِيَةِ، أوْ لم يَتَقَدَّم الثانِى إلى مَقَامِ الأوَّلِ، أو حَرَس بعضُ الصَّفِّ وسَجَد الباقُون، جاز؛ لأنَّ المَقْصُودَ يَحْصُلُ، لَكِنَّ الأوْلَى أن تُفْعَلَ مثلَ ما فَعَل النبىُّ صلى الله عليه وسلم.
و (الوَجْه الثّانِى، إذا كان العَدُوُّ في غيرِ جِهَةِ القِبْلَةِ) فيُصَلِّى بهم كما
وَطَائِفَةً تُصَلِّى مَعَهُ رَكْعَةً، فَإذَا قَامُوا إلَى الثَّانِيَةِ ثَبَتَ قَائِمًا، وَأتَمَّتْ لِأنْفُسِهَا أُخْرَى، وَسَلَّمَتْ وَمَضتْ إِلَى الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الأُخْرَى فَصَلَّتْ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، فَإذا جَلَسَ للِتَّشَهُّدِ أتَمَّتْ لِأنْفُسِهَا أُخْرَى، وَتَشَهَّدَتْ وَسَلَّمَ بِهِمْ.
ــ
روَى صالحُ بنُ خَوّاتٍ، عنِ مَن صَلَّى مع النبىِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ ذاتِ الرِّقاعِ صلاةَ الخَوْفِ، أنَّ طائِفَةً صَفَّتْ معه، وطائِفَةً وِجاهَ العَدُوِّ. فصَلَّى بالتى معه رَكْعَةً، ثم ثَبَت قَائِمًا، وأتمُّوا لأنْفُسِهِم، ثم انْصَرُفوا فصَفُّوا وِجاهَ العَدُوِّ، وجاءَتِ الظّائِفَةُ الأخْرَى، فصَلَّى بهم الرَّكْعَةَ التى بَقِيَتْ مِن صلاتِه، ثم ثَبَت جالِسًا، وأتمُّوا لأنْفُسِهم، ثم سَلَّمَ بهم. رَواه مسلمٌ (1). وروَى سَهْلُ بنُ أبى حَثْمَةَ نَحْوَ ذلك. واشْتَرَطَ القاضى لهذه الصَّلاةِ كَوْنَ العَدُوِّ في غيرِ جِهَةِ القِبْلَةِ. ونَصَّ أحمدُ على خِلافِ ذلك،
(1) في: باب صلاة الخوف، من كتاب صلاة المسافرين. صحيح مسلم 1/ 575، 576. كما أخرجه البخارى، في: باب غزوة ذات الرقاع، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 5/ 145. وأبو داود، في: باب من قال: إذا صلى ركعة وثبت قائما. . . إلخ، من كتاب السفر. سنن أبى داود 1/ 283. والنسائى، في: أول كتاب صلاة الخوف. المجتبى 3/ 139. والإمام مالك، في: باب صلاة الخوف. من كتاب صلاة الخوف. الموطأ 1/ 183. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 370.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في رِوايَةِ الأثْرَمِ، فإنَّه قال: قُلْتُ له: حَدِيثُ سَهْلٍ، نَسْتَعْمِلُه مُسْتَقْبِلِين القِبْلَةَ كانوا أو مَسْتَدْبِرِين؟ قال: نعم، هو أنْكَى. ولأنَّ العَدُوَّ قد يكونُ في جِهَةِ القِبْلَةِ على وَجْهٍ لا يُمْكِنُ أن يُصَلِّىَ بهم صلاةَ عُسْفانَ؛ لانْتِشارِهم، أو لخَوْفٍ مِن كَمِينٍ، فالمَنْعُ مِن هذه الصَّلاةِ يُفْضِى إلى تَفْوِيتِها. قال أبو الخَطّابِ: ومِن شَرْطِها أن يكونَ المُصَلّونَ يُمْكِنُ تَفْرِيقُهم طائِفَتَيْن، كُلُّ طائِفَةٍ ثَلَاثَةٌ فأكْثَرُ. وقال القاضى: إن كانت كلُّ فِرْقَةٍ أقَلَّ مِن ثَلاثَةٍ كَرِهْناه. ووَجْهُ قَوْلِهما أنَّ اللَّهَ سبحانه ذَكَر الطّائِفَةَ بلَفْظِ الجَمْعِ، بقَوْلِه:{فَإِذَا سَجَدُوا} . وأقَلُّ الجَمْعِ ثَلَاثةٌ، ولأنَّ أحمدَ ذَهَب إلى ظاهِرِ فِعْلِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم. قال شيخُنا (1): والأَوْلَى أن لا يُشْتَرَطَ هذا؛ لأنَّ ما دُونَ الثَّلاثةِ تَصِحُّ به الجَماعَةُ، فجازَ أن يكونُوا طائِفَةً كالثَّلَاثةِ، فأمّا فِعْلُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم فإنَّه لا يُشْتَرَطُ في صلاةِ
(1) في: المغنى 3/ 299.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الخَوْفِ أن يَكُونَ المُصَلُّون مثلَ أصحابِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم في العَدَدِ، وَجْهًا واحِدًا.
ويُسْتَحَبُّ أن يُخَفِّفَ بهم الصلاةَ، لأنَّ مَوْضُوعَ صلاةِ الخَوْفِ على التَّخْفِيفِ، وكذلك الطّائِفَةُ التى تُفارِقُه تُخَففُ الصلاةَ، ولا تُفارِقُه حتى يَسْتَقِلَّ قاِئمًا؛ لأنَّ النُّهُوضَ يَشْتَرِكُون فيه جَمِيعًا، فلا حاجَةَ إلى مُفارَقَتِهم إيّاه قبلَه، لأنَّ المُفارَقَةَ إنَّما جازَتْ للعُذْرِ. ويَقْرأُ في حالِ الانْتِظارِ، ويُطِيلُ التَّشَهُّدَ حتى يُدْرِكُوه. وقال الشافعىُّ، في أحَدِ قَوْلَيْه: لا يَقْرأُ في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حالِ (1) الانْتِظَارِ، بل يُؤخِّرُ القِراءَةَ؛ ليَقْرَأ بالطّائِفَةِ الثَّانيةِ، فتَحْصُلَ التَّسْوِيَةُ بينَ الطّائِفَتَيْن. ولَنا، أنَّ الصلاةَ ليس فيها حالُ سُكُوتٍ، والقِيامُ مَحَلٌّ للقِراءَةِ، فيَنْبَغِى أن يَأتِىَ بها فية، كما في التَّشَهُّدِ إذا انْتَظَرَهم فإنَّه لا يَسْكُتُ، والتّسْوِيَةُ بينَهم تَحْصُلُ بانْتِظارِه إيّاهُم في مَوْضِعَيْن، والأولَى في مَوْضِعٍ واحِدٍ. إذا ثَبَت هذا، فقال القاضى: إن قَرَأ في انْتِظارهِم قَرَأ (2) بعدَ مَجِيئهم بقَدْرِ فاتِحَةِ الكِتابِ وسُورَةٍ خفِيفَةٍ، وإن لم يَقْرَأ في انْتِظارِهِم قَرَأ إذا جاءُوا بفَاتِحَةِ الكِتابِ وسُورَةٍ. وهذا على سَبِيلِ الاسْتِحْبابِ، فلو قَرَأ قبلَ مَجِيئهم ثم رَكَع عندَ مَجِيئهِم أو قبلَه فَأدْرَكُوه
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «فقرأ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
راكِعًا رَكَعُوا معه، وصَحَّتْ لهم الركْعَةُ مع تَرْكِه للسُّنَّةِ، وإذا جَلَس للتَّشَهُّدِ قامُوا فصَلَّوْا رَكْعَةً أُخْرَى، وأطالَ التَّشَهُّدَ والدُّعاءَ حتى يُدْرِكُوه ويَتَشَهَّدُوا، ثم يُسَلِّمُ بهم. وقال مالكٌ: يَتَشَهَّدُونَ معه، فإذا سَلَّمَ الإِمامُ قامُوا فقَضَوْا ما فاتهُم كالمَسْبُوقِ. والأَوْلَى ما ذَكَرْناه؛ لمُوافَقَتِه الحَدِيثَ، ولأنَّ قَوْلَه تعالى:{وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} . يَدُلُّ على أنَّ صَلَاتهُم كُلَّها معه، ولأنَّ الأُولَى أدْرَكَتْ معه فَضِيلَةَ الإِحْرام، فيَنْبَغِى أن يُسَلِّمَ بالثانيةِ؛ ليُسَوِّىَ بينَهم. وبهذا قال مالكٌ، والشافعىُّ على ما ذَكَرْنا مِن الاخْتِلافِ. واخْتارَ أبو حنيفةَ أن يُصَلِّىَ على ما في حَدِيثِ ابنِ عمرَ، وسوف نَذْكُرُه إن شاءَ اللَّهُ تعالى في الوَجْهِ الثّالِثِ. والأَوْلَى والمُخْتارُ عندَ أحمدَ، رحمه الله، هذا الوَجْهُ الثّانِى؛ لأنَّه أشْبَهُ بكِتابِ اللَّهِ تعالى، وأحْوَطُ للصلاةِ والحَرْبِ، أمّا مُوافَقَةُ الكِتابِ، فإنَّ قَوْلَه تعالى:{وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} . يَقْتَضِى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنَّ جميعَ صَلاتها معه، وعلى ما اخْتارَه أبو حنيفةَ، لا تُصَلِّى معه إلَّا رَكْعَةً على ما يَأتِى، وعلى ما اخْتَرْنا تُصَلِّى جَمِيعَ صلاِتها معه، إحْدَى (1) الرَّكْعَتَيْن مُوافِقَةً في أفْعالِه، والثّانِيَةَ تَأْتِى بها قبلَ سلامِه، ثم تُسَلِّمُ معه. وأمَّا الاحْتِياطُ للصلاةِ، فإنَّ كلَّ طائِفَةٍ تَأتِى بصلاتِها مُتَوالِيَةً، بَعْضُها تُوافِقُ (2) للإِمامِ فيها فِعْلًا، وبَعْضُها تُفارِقُه، وتَأتِى به وَحْدَها كالمَسْبُوقِ. وعلى ما اخْتارَه يَنْصَرِفُ إلى جِهَةِ العَدُوِّ، وهى في الصَّلاةِ ماشِيَةً أو رَاكِبَةً، ويَسْتَدْبِرُ القِبْلَةَ، وهذا يُنافِى الصلاةَ. وأمّا الاحْتِياطُ للحَرْبِ، فإنَّه يَتَمَكَّنُ مِن الضَّرْبِ والطَّعْنِ والتَّحْرِيضِ، وإعْلامِ غيرِه بما يَراهُ مِمَّا خَفِىَ عليه، وتَحْذِيرِه، وإعْلامِ الذين مع الإِمامِ بما يَحْدُثُ، ولا يُمْكِنُ هذا على اخْتِيارِه.
(1) في م: «في إحدى» .
(2)
في م: «موافق» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا تَجبُ التَّسْوِيَةُ بينَ الطّائِفَتَيْن؛ لأنَّه لم يَرِدْ بذلك نَصٌّ ولا قِياسٌ. ويَجِبُ أن تَكونَ الطّائِفَةُ التى بِإزاءِ العَدُوِّ مِمَّن يَحْصُلُ الثِّقَةُ بكِفايتها وحِراسَتِها، ومتى خُشِىَ اخْتِلالُ حالِهم واحْتِيجَ إلى مَعُونتِهم بالطَّائِفَةِ الأخْرَى، فللإِمامِ أن يَنْهَدَ إليهم بمَن معه، ويَبْنُوا (1) على ما مَضَى مِن صلاتِهم.
فصل: وإن صَلَّوُا الجُمُعَةَ صلاةَ الخَوْفِ جاز، إذا كانت كلُّ طائِفَةٍ أرْبَعِين. فإن قِيلَ: فالعَدَدُ شَرْطٌ في الجُمُعَةِ كلِّها، ومتى ذَهَبَتِ الطَّائِفَةُ الأُولَى بَقِىَ الإِمامُ مُنْفَرِدًا، فبَطَلَتِ الجُمُعَةُ، كما لو نَقَص العَدَدُ. فالجَوابُ، أنَّ هذا جاز لأجْلِ العُذْرِ، ولأنَّه يتَرَقَّبُ مَجِئَ الطّائِفَةِ الأُخْرَى، بخِلافِ الانْفِضاضِ. ولَنا أيضًا في الأصْلِ مَنْعٌ. ولا يَجُوزُ أن يَخْطُبَ بإحْدَى الطّائفَتَيْن، ويُصَلِّىَ بالأخْرَى، حتى يُصَلِّىَ معه مَن حَضَر الخُطْبَةَ. وبهذا قال الشافعىُّ.
فصل: والطّائِفَةُ الأُولَى في حُكْمِ الائْتِمامِ قبلَ مُفارَقَةِ الإِمامِ، فإنْ سَها لَحِقَهُم حُكْمُ سَهْوِه فيما قبلَ مُفارَقَتِه، وإن سهَوْا لم يَلْحَقْهم (2) حُكْمُ سَهْوِهم؛ لأنَّهم مَأمُومُون. وأمّا بعدَ مُفارَقَتِه فلا يَلْحَقُهُم حُكْمُ
(1) في م: «يبينوا» .
(2)
في م: «يلزمهم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سَهْوِه، ويَلْحَقُهم حُكْمُ سَهْوِهم؛ لأنَّهم مُنْفَرِدُون. وأمّا الطّائِفَةُ الثّانيةُ، فيلْحَقُها حُكْمُ سَهْوِ إمامِها في جميعِ صلاتِه، ما أدْرَكَتْ منها وما فاتَها، كالمَسْبُوقِ يَلْحَقُه حُكْمُ سَهْوِ إمامِه فيما لم يُدْرِكْه، ولا يَلْحَقُها حُكْمُ سَهْوِها في شئٍ مِن صلاتِها؛ لأنَّها إن فارَقَتْه فِعْلًا لقَضاءِ ما فَاتَها، فهى في حُكْمِ المُؤتَمِّ؛ لأنَّهُم يُسَلِّمُون بسلامِه، فإذا فَرَغَتْ مِن قَضاءِ ما فاتَها، سَجَد وسَجَدَتْ معه، فإن سَجَد قبلَ إتْمامِها تابَعَتْه؛ لأنَّها مُؤتَمَّةٌ به، ولا تُعِيدُ (1) السُّجُودَ بعدَ فَراغِها مِن التَّشَهُّدِ؛ لأنَّها لم تَنْفَرِدْ عن الإِمامِ، بخِلافِ المَسْبُوقِ. وقال القاضى: يَنْبَنِى هذا على الرِّوايَتَيْن في المَسْبُوقِ إذا سَجَد مع إمامِه، هل يَسْجُدُ [بعدَ القَضاءِ](2) أم لا. وقد ذَكَرنا الفَرْقَ بينَهما.
(1) في م: «يقيد» .
(2)
سقط من: الأصل.