الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ فِى الْجَمْعِ:
وَيَجُوزُ الجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ والْعَصْرِ، والْعِشَاءَيْنِ فِى وَقْتِ إِحْدَاهُمَا لِثَلاثَةِ أُمُورٍ؛ السَّفَرِ الطَّوِيلِ،
ــ
والثَّلَاثةَ. قال: هذا يَقْصُرُ. وذَكَر القاضى، وأبو الخَطّابِ، أنَّه بمَنْزِلَةِ المَلّاحِ. وليس بصَحِيح؛ لأنَّه مُسافِرٌ مَشْقُوقٌ عليه فكانَ له القَصْرُ كغيرِه، ولا يَصِحُّ قِياسُه على المَلّاحِ؛ فإنَّ المَلّاحَ في مَنْزِلِة سَفَرًا وحَضَرًا معه مَصالِحُه وتَنُّورُه وأهْلُه، لا يَتَكَلَّفُ لحَمْلِه، وهذا لا يُوجَدُ في غيره. وإن سافَرَ هذا بأهْله كان أشَقَّ عليه وأبلغ في اسْتِحْقاقِ التَّرَخُّص، فأُبِيحَ له؛ لعُمُومِ النُّصُوصِ، وليس هو في مَعْنَى المَخْصُوصِ، فوَجَبَ القَوْلُ بثُبُوت حُكْمِ النَّصِّ فيه.
فَصْلٌ في الجَمْعِ
608 - مسألة: (يَجُوزُ الجَمْعُ بينَ الظُّهْرِ والعَصْرِ، والعِشاءَيْن في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَقْتِ إحْداهُما لثَلَاثةِ أُمُورٍ؛ السَّفَرِ الطَّوِيلِ) الجَمْعُ بينَ الصلَاتيْن في السَّفَرِ في وَقْتِ إحْداهُما جائِزٌ في قَوْلِ أكثَرِ أهْلِ العِلْمِ. رُوِىَ ذلك عن سَعْدٍ، وسعيدِ بنِ زَيْدٍ، وأسامَةَ، ومُعاذِ بنِ جَبَل، وأبى موسى، وابنِ عباسٍ، وابنِ عمرَ. وبه قال عِكْرِمَةُ، والثَّوْرِىُّ، ومالكٌ، والشافعىُّ، وإسْحاقُ، وابنُ المُنْذِرِ، وجماعَةٌ غيرُهم. وقال الحسنُ، وابنُ سِيرِينَ، وأصَحابُ الرَّأْى: لا يَجُوزُ الجَمْعُ إلَّا في يَوْمِ عَرَفَةَ بعَرَفَةَ (1)، ولَيْلَةِ مُزْدَلِفَةَ بها. وهو رِوايَة عن ابنِ القاسِمِ عن مالكٍ واختِيارُه. واحْتَجُّوا بأن المَواقِيتَ ثَبَتَتْ بالتَّواتُرِ، فلا يَجْوزُ تَرْكُها بخَبَرِ الواحِدِ. ولَنا، ما رُوِىَ عن ابنِ عمرَ، أنه كان إذا جَدَّ به السيرُ جَمَع بينَ المَغْرِبِ والعِشاءِ، ويَقُولُ: إنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان إذا جَدَّ به السَّيْرُ جَمَع بينَهما. وعن أنَسٍ، قال: كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا ارْتَحَلَ قبلَ أن تَزِيغ الشَّمْسُ أخَّرَ الظُّهْرَ إلى وَقْتِ العَصْرِ، ثم نَزَل فجَمَعَ بينَهما، وإن زاغَتِ الشَّمْسُ قبلَ أن يَرْتَحِلَ،
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صَلَّى الظهْرَ ثم رَكِب. مُتَّفَقٌ عليهما (1). ولمسلمٍ، كان إذا عَجِل عليه السَّيْرُ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلى وَقْتِ العَصْرِ، فيَجْمَعُ بينَهما، ويُؤَخرُ المَغْرِبَ حتى يَجْمَعَ بينَها وبينَ العِشاءِ حينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ (2). وروَى الجَمْعَ مُعاذٌ، وابنُ عباسٍ. وقَوْلُهم: لا نَتْرُكُ الأخْبارَ المُتَواتِرَةَ لأخْبارِ الآحادِ. قُلْنا: لا نَتْرُكُها، وإنَّما نُخصِّصُها وتَخْصِيصُ المُتَواتِرِ بالخَبَرِ الصَّحِيح جائِزٌ
(1) الأول: أخرجه البخارى، في: باب يصلى المغرب ثلاثًا في السفر، وباب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء، وباب هل يؤذن أو يقيم إذا جمع بين المغرب والعشاء، من كتاب التقصير، وفى: باب المسافر إذا جدَّ به السير يعجل إلى أهله، من كتاب العمرة، وفى: باب السرعة في السير، من كتاب الجهاد. صحيح البخارى 2/ 55، 57، 58، 3/ 10، 4/ 70، 71. ومسلم، في: باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر، من كتاب المسافرين. صحيح مسلم 1/ 488، 489. كما أخرجه أبو داود، في: باب الجمع بين الصلاتين، من كتاب السفر. سنن أبى داود 6/ 277. والترمذى، في: باب في الجمع بين الصلاتين، من أبواب السفر. عارضة الأحوذى 3/ 28. والنسائى، في: باب الوقت الذى يجمع فيه المسافر بين المغرب والعشاء، وباب الحال التى يجمع فيها بين الصلاتين، من كتاب المواقيت. المجتبى 1/ 232، 233. والدارمى، في: باب الجمع بين الصلاتين، من كتاب الصلاة. سنن الدارمى 1/ 356، 357. والإمام مالك، في: باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر. الموطأ 1/ 144. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 4، 7، 8، 54، 77، 80، 102، 106، 148، 150.
والثانى: أخرجه البخارى، في: باب يؤخر الظهر إلى العمر. . . إلخ، وباب إذا ارتحل بعد ما زاغت الشمس، من كتاب التقصير. صحيح البخارى 2/ 58. ومسلم، في: باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر، من كتاب المسافرين. صحيح مسلم 1/ 489. كما أخرجه أبو داود، في: باب الجمع بين الصلاتين، من كتاب السفر. سنن أبى داود 1/ 278. والترمذى، في: باب في الجمع بين الصلاتين، من أبواب السفر. عارضة الأحوذى 3/ 26، 27. والنسائى، في: باب الوقت الذى يجمع فيه المسافر. . . إلخ، من كتاب المواقيت. المجتبى 1/ 229. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 247، 265.
(2)
أخرجه مسلم، في: باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر، من كتاب صلاة المسافرين. صحيح مسلم 1/ 489.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالإِجْماعِ، وهذا ظاهِرٌ جِدًّا. فإن قِيلَ: مَعْنَى الجَمْعِ في الأخْبارِ أن يُصَلِّىَ الأُولَى في آخِرِ وَقْتِها، والأُخْرَى في أوَّلِ وَقْتِها. قُلْنا: هذا فاسِدٌ لوَجْهَيْن؛ أحَدُهما، أنَّه قد جاء الخَبَرُ صَرِيحًا في أنَّه كان يَجْمَعُهما في وَقْتِ الثّانِيَةِ على ما ذَكَرْنا في خَبَرِ أنَسٍ. الثّانِى، أنَّ الجَمْعَ رُخْصَةٌ، فلو كان على ما ذَكَرُوه لكان أشَدَّ ضَيْقًا، وأعْظَمَ حَرَجًا مِن الإِتْيانِ بكلِّ صلاةٍ في وَقْتِها؛ لأنَّ ذلك أوْسَعُ مِن مُراعاةِ طَرَفَى الوَقتَيْنِ، بحيث لا يَبْقَى مِن وَقتِ الأُولَى إلَّا قَدْرُ فِعْلِها، ومَن تَدَبَّرَ هذا وَجَدَه كما وَصفْنا، ولو [كان الجَمْعُ هكذا](1)، لجازَ الجَمْعُ بينَ (2) العَصْرِ والمَغْرِبِ، والعِشاءِ والصُّبْحِ، وهو مُحَرَّمٌ بالإِجْماعِ، فإذا حُمِلَ خَبَرُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على الأمْرِ السّابِقِ إلى الفَهْمِ منه، كان (3) أوْلَى مِن هذا التَّكَلُّفِ الذى يُصانُ عنه كَلامُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.