الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَجُوزُ الْكَلَامُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَبَعْدَهَا. وَعَنْهُ، يَجُوزُ فِيها.
ــ
ورُوىَ نَحْوُ ذلك عن ابنِ عمرَ. وهو قولُ مالكٍ، والأوْزاعِىِّ، وأصحابِ الرَّأْىَ. واخْتُلِفَ فيه عن الشافعىِّ. فيَحْتَمِلُ قولُ القاضى أن يَكُوْنَ مُخْتَصًّا بمَن يَسْمَعُ، فيكونُ مثلَ الرِّوايَةِ الثَّانِيَةِ، ويَحْتَمِلُ أن يكونَ عامًّا في الجَمِيع؛ لأنَّ وُجُوبَ الإِنْصاتِ شامِلٌ لهم، فأشْبَهُوا السَّامِعِينَ. ويَجُوزُ أن يَرُدَّ على المُسَلِمِ بالإِشارَةِ. ذَكرَه القاضى في «المُجَرِّدِ» ؛ لأنَّه يَجُوزُ في الصَّلاةِ، فَههُنا أَوْلَى.
672 - مسألة: (ويَجُوزُ الكَلامُ قبلَ الخُطْبَةِ وبعدَها. وعنه، يَجُوزُ فيها)
يَجُوزُ الكَلامُ قبلَ الخُطْبَةِ، وبعدَ فَراغِه منها، مِن غيرِ كَراهَةٍ. وبهذا قال عَطَاءٌ، وطاوُسٌ، والزُّهْرِىُّ، والنَّخَعِىُّ، ومالكٌ، والشافعىُّ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإسْحاقُ، ويَعْقُوبُ، ومحمدٌ. ورُوِى عن ابنِ عمرَ، وكَرِهَه الحَكَمُ. وقال أبو حنيفةَ: إذا خَرَج الإِمامُ حَرُم الكَلامُ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: ابنُ عمرَ، وابنُ عباسٍ كانا يَكْرَهان الكَلامَ والصلاةَ بعدَ خُروج الإِمامِ، ولا مُخالِفَ لهم في الصحابةِ. ولَنا، ما روَى ثَعْلَبَةُ بنُ مالكٍ، أنَّهم كانُوا يَتَحَدَّثُونَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وعمرُ جالِسٌ على المِنْبَرِ، فإذا سَكَت المُؤَذِّنُ، وقام عمرُ، لم يَتَكُلَّمْ أحَدٌ حتى يَقْضِىَ الخُطْبَةَ، فإذا قامَتِ الصلاةُ، ونَزَل عمرُ تَكَلَّمُوا (1). وهذا يَدُلُّ على شُهْرَةِ الأمْرِ بينَهم، ولأنَّ قولَ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أنْصِت، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ» (2). يَدُلُّ على تَخْصِيصِه بوَقْتِ الخُطْبَةِ، ولأنَّ الكَلامَ إنَّما حُرِّمَ لأجْلِ الإِنْصاتِ للخُطْبَةِ، ولا وَجْهَ لتَحْرِيمِه مع عَدَمِها. وقَوْلُهم: لا مُخالِفَ لهما في الصحابةِ. قد ذَكَرْنا عن عُمُومِهم خِلافَ ذلك.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 300.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 303.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فأمَّا الكَلامُ في الجَلْسَةِ بينَ الخُطْبَتَيْن، فيَحْتَمِلُ جَوازُه؛ لِما ذَكْرَنا. وهذا قولُ الحسنِ. ويَحْتَمِلُ المَنْعُ. وهو قَوْلُ مالكٍ، والشافعىِّ، والأوْزاعِىِّ، وإسْحاقَ؛ لأنَّه سُكُوتٌ يَسِيرٌ في أثْناءِ الخُطْبَتَيْن، أشْبَهَ السُّكُوتَ للتَّنَفُّسِ. وإذا بَلَغ الخَطِيبُ إلى الدُّعاءِ، فهل يَجُوزُ الكَلامُ؟ فيه وَجْهان؛ أحَدُهما، الجَوازُ؛ لأنَّه فَرَغ مِن الخُطْبَةِ، أشْبَهَ ما لو نَزَل. والثَّانِى، لا يَجُوزُ؛ لأنَّه تابعٌ للخُطْبَةِ، فيَثْبُتُ له ما ثَبَت لها، كالتَّطْوِيلِ في المَوْعِظَةِ. ويَحْتَمِلُ أنَّه إن كان دُعاءً مَشْرُوعًا، كالدُّعاءِ للمُؤْمِنينَ والمُؤْمِناتِ، والإِمامِ العادِلِ أنْصَتَ، وإن كان لغيرِه لم يَلْزَمِ الإِنْصاتُ؛ لأنَّه لا حُرْمَةَ له.
فصل: ويُكْرَهُ العَبَثُ والإِمامُ يَخْطُبُ، لقَوْلِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَسَّ الحَصَا فَقَدْ لَغَا» (1). قال التِّرْمِذِىُّ: هذا حَدِيث صَحِيحٌ. واللَّغْوُ: الإِثْمُ، قال اللَّهُ تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} (2). ولأنَّ العَبَثَ يَمْنَعُ الخُشُوعَ ويُكْسِبُ الإثْمَ. ويُكْرَهُ أن يَشْرَبَ والإِمامُ يَخْطُبُ، إذا كان يَسْمَعُ. وبه قال مالكٌ، والأوْزَاعِىُّ. ورَخَّصَ فيه مُجاهِدٌ، وطاوُسٌ، والشافعىُّ؛ لأنَّه لا يَشْغَلُ عن السَّماعِ. ووَجْهُ الأوَّلِ أنَّه فِعْلٌ يَشْتَغِلُ به، أشْبَهَ مَسَّ الحَصا، فإن كان لا يَسْمَعُ لم يُكْرَه. نَصَّ عليه؛ لأنَّه لا يَسْمَعُ فلا يَشْتَغِلُ به.
فصل: قال الإِمامُ أحمدُ: لا يَتَصَدَّقُ على السُّؤَّالِ والإِمامُ يَخْطُبُ؛ لأنَّهم فَعَلُوا ما لا يَجُوزُ، فلا يُعِينُهُم عليه. قال الإِمامُ أحمدُ: وإن حَصَبَه كان أعْجَبَ إلىَّ؛ لأنَّ ابنَ عمرَ رَأى سائِلًا يَسْأَلُ والإِمامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فحَصَبَه. قِيلَ للإِمامِ أحمدَ: فإن تَصَدَّقَ عليه إنْسانٌ، فناوَلَه والإِمامُ يَخْطُبُ؟ قال: لا. قِيلَ: فإن سَأَل قبلَ خُطْبَةِ الإِمامِ ثم جَلَس، فأعْطانِى رجلٌ صَدَقَةً أُناوِلُه إيّاها؟ قال: نعم، هذا لم يَسْأَلْ والإِمامُ يَخْطُبُ.
فصل: ولا بَأْسَ بالاحْتِباءِ يَوْمَ الجُمُعَةِ والإِمامُ يَخْطُبُ، رُوِىَ ذلك عن ابنِ عمرَ، وجماعةٍ مِن أصحابِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وإليه ذَهَب عامَّةُ أهلِ العِلْمِ؛ منهم، مالكٌ، والثَّوْرِىُّ، والشافعىُّ، وأصحابُ الرَّأى.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 270.
(2)
سورة المؤمنون 3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال أبو داودَ: لم يَبْلُغْنِى أنَّ أحَدًا كَرِهَه إلَّا عُبادَةَ بنَ نُسَىٍّ (1)؛ لأنَّ سَهْلَ ابنَ مُعاذٍ روَى، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن الْحَبْوَةِ يَوْمَ الجُمُعَةِ والإِمامُ يَخْطُبُ. رَواه أبو داودَ (2). ولَنا، ما روَى يَعْلَى بنُ شَدَّادِ بنِ أوْسٍ، قال: شَهِدْتُ مع مُعَاوِيَةَ بِبَيْتِ المَقْدِسِ، فجَمَّعَ بنا، فنَظَرْتُ فإذا جُلُّ مَن في المَسْجِدِ أصحابُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فرَأَيْتُهُم مُحْتَبِينَ والإِمامُ يَخْطُبُ (3). وفَعَلَه ابنُ عمرَ، وأنَسٌ، ولا نَعْرِفُ لهما مُخالِفًا، فكان إجْماعًا، والحَدِيثُ في إسْنادِه مَقَالٌ. قالَه ابنُ المُنْذِرِ: والأَوْلَى تَرْكُه لأجْلِ الحديثِ، وإن كان ضَعِيفًا، لأنَّه يَصِيرُ به مُتَهَيِّئًا للنَّوْمِ والسُّقُوطِ وإسْقاطِ الوُضُوءِ، ويُحمَلُ النَّهْىُ في الخَبَرِ على الكَراهَةِ، وأحْوالُ الصحابةِ الذين فَعَلُوه على أنَّه لم يَبْلُغْهُم الخَبَرُ.
فصل: قال الإِمامُ أحمدُ: إذا كان يَقْرَءُونَ الكِتابَ يَوْمَ الجُمُعَةِ على النَّاسِ بعدَ الصَّلاةِ، أعْجَبُ إلىَّ أن يَسْمَعَ إذا كان فَتْحًا مِن فُتُوحِ المُسْلمين، أو كان فيه شئٌ مِن أُمُورِ المسلمينَ، وإن كان شئٌ إنَّما فيه ذِكْرُهُم فلا يَسْتَمِعْ. وقال في الذين يُصَلُّونَ في الطُّرُقَاتِ: إذا لم يَكُنْ بينَهم
(1) أبو عمرو عبادة بن نسى الكندى الشامى، قاضى طبرية، من تابعى أهل الشام، ثقة، توفى سنة ثمانى عشرة ومائة. تهذيب التهذيب 5/ 113، 114.
(2)
في: باب الاحتباء والإمام يخطب، من كتاب الصلاة. سنن أبى داود 1/ 254. كما أخرجه الترمذى، في: باب ما جاء في كراهية الاحتباء والإمام يخطب، من أبواب الجمعة. عارضة الأحوذى 2/ 302، 303. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 439. وهو عندهم عن سهل بن معاذ، عن أبيه معاذ بن أنس.
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب الاحتباء والإمام يخطب، من كتاب الصلاة. سنن أبى داود 1/ 254 وذكر أيضًا فعل ابن عمر، وأنس، وغيرهم في الموضع نفسه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بابٌ مُغْلَقٌ فلا بَأْسَ. وسُئِلَ عمَّن صَلَّى خارجَ المَسْجِدِ يَوْمَ الجُمُعَةِ، والأبْوابُ مُغْلَقَةٌ، قال: أرْجُو أن لا يكُونَ به بَأْسٌ. وسُئِلَ عن الرجلِ يُصَلِّى يَوْمَ الجُمُعَةِ، وبينَه وبينَ الإِمامِ سُتْرَةٌ. قال: إذا لم يَقدِرْ على غيرِ ذلك. يَعْنِى يُجْزِئُه.