الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الإِتْمَامِ، وَإِنْ أَتَمَّ جَازَ.
ــ
وسافَرَ في طُولِه فكذلك، وإن سافَرَ في عَرْضِه فكذلك إن كان واسِعًا، وإن كان ضَيِّقًا لم يَقْصر حتى يَقْطَعَ عَرْضَ الوَادِى ويُفارِقَه. وقال ابنُ عَقِيلٍ: متى كانت حِلَّتُه في وادٍ لم يَقْصُرْ حتى يُفارِقَه. والأَوْلَى جَوازُ القَصْرِ إذا فارَقَ البنيانَ مُطْلَقًا، لِما ذَكَرْنا مِن الأدِلَّةِ، كما لو كان نازِلًا في الصَّحْرَاءِ، ولأنَّ المَعْنَى المُجَوِّزَ للتَّرَخُّص وُجُودُ المَشَقَّةِ، وذلك مَوْجُودٌ في الوَادِى، كوُجُودِه في غيرِه.
602 - مسألة: (وهو أَفْضَلُ مِن الإِتْمامِ، وإن أَتَمَّ جاز)
القَصْرُ أفْضَلُ من الإِتْمامِ في قولِ جُمْهُورِ العُلَماءِ، ولا نَعْلَمُ أحَدًا خالَفَ فيه إلَّا الشافعىَّ في أحَدِ قَوْلَيْه، قال: الإتمَامُ أفْضَلُ، لأنَّه أكثرُ عَمَلًا وعَدَدًا، وهو الأصْلُ، فكان أفْضَلَ، كغَسْلِ الرِّجْلَيْن. ولَنا، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان يُدَاوِمُ على القَصْرِ، قال ابنُ عمرَ: صَحِبْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في السَّفَرِ، فلم يَزِدْ على رَكْعَتَيْن حتى قَبَضَه اللَّهُ، وصَحِبْتُ أبا بكرٍ فلم يَزِدْ على رَكْعَتَيْن حتى قَبَضَه اللَّهُ، وصَحِبْتُ عُمَرَ فلم يَزِدْ على رَكْعَتَيْن حتى قَبَضَه اللَّهُ. مُتَّفَقٌ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليه (1). ولمّا بَلَغ ابنَ مسعودٍ أنَّ عثمانَ صَلَّى أرْبَعًا، اسْتَرْجَعَ، وقال: صَلَّيْتُ مع النبىِّ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَين، ومع أبى بكرٍ رَكْعَتَين، ومع عمرَ رَكْعَتَيْنِ. ثم تَفَرقَتْ بكم الطرقُ، ولوَدِدْتُ أنَّ حَظِّى مِن أرْبعٍ رَكْعَتان مُتَقَبَّلَتان (2). وقد كَرِهَ طائِفَة مِن الصَّحابَةِ الإِتْمَامَ، فقال ابنُ عباسٍ للذى قال له: كُنْتُ. أُتِمُّ الصلاةَ وصَاحِبى يَقْصُرُ: أنتَ الذي كُنْتَ تَقْصُرُ وصاحِبُكَ يتمُّ (3). ورُوِىَ أنَّ رَجُلًا سَأَل ابنَ عُمَرَ عن صلاةِ السَّفَرِ، فقال: رَكْعَتان، فمَن خالَفَ السُّنَّةَ كَفَر (4). ولأنَّه إذا قَصَر أدَّى الفَرْضَ بالإِجْمَاعِ، بخِلافِ الإِتْمَامِ، وأمَّا الغَسْلُ فلاْ نُسَلِّمُ أنه أفْضَلُ مِن المَسْحِ.
(1) تقدم في صفحة 27.
(2)
أخرجه البخارى، في: باب الصلاة بمنى، من كتاب التقصير، وفى: باب الصلاة بمنى، من كتاب الحج. صحيح البخارى 2/ 53 - ، 54، 197، 198. ومسلم، في: باب قصر الصلاة بمنى، من كتاب المسافرين. صحيح مسلم 1/ 483.
كما أخرجه أبو داود، في: باب الصلاة بمنى، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 454. والدارمى، في: باب الصلاة بمنى، من كتاب المناسك. سنن الدارمى 2/ 55. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 416، 425، 464.
(3)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 2/ 561. عن ابن عمر بنحوه.
(4)
أخرجه عبد الرزاق، في: باب الصلاة في السفر، من كتاب الصلاة. المصنف 2/ 520. وابن أبى شيبة، في: باب من كان يقصر الصلاة، من كتاب الصلوات. المصنف 2/ 449، 450.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والإِتْمامُ جائِزٌ في المَشْهُورِ عن أحمدَ، وقد رُوِىَ عنه أنَّه تَوَقَّفَ، وقال: أنا أحِبُّ العافِيَةَ مِن هذه المَسْأَلَةِ. وقال مَرَّةً أُخْرَى: ما يُعْجِبُنِى. ومِمَّن رُوِىَ عنه الإِتْمامُ في السَّفَرِ، عثمانُ (1)، وابنُ مسعودٍ، وابنُ عُمَرَ، وعائشةُ رَضِىَ اللَّهُ عنهم. وبه قال الأوْزاعِىُّ، والشافعىُّ، وهو المَشْهُورُ عن مالكٍ. وقال حَمَّادُ بنُ أبى سليمانَ: ليس له الإِتْمَامُ في السَّفَرِ. وهو قَوْلُ الثَّوْرِىِّ، وأبي حنيفة. وأوْجَبَ حَمَّادٌ على مَن أَتَمَّ الإِعادَةَ. وقال أصحابُ الرَّأىِ: إن كان جَلَس بعدَ الرَّكْعَتَيْن قَدْرَ التَّشَهُّدِ فصلاُته صَحِيحَةٌ، وإلَّا فلا. وقال عُمَرَ بنُ عبدِ العزيزِ: الصلاةُ في السَّفَرِ رَكْعَتانِ حَتْمٌ (2)، لا يَصْلُحُ غيرُهما. واحْتَجُّوا بأنَّ صلاةَ السَّفَرِ رَكْعَتان بدَلِيلِ قولِ عائشةَ: إنَّ الصلاةَ أوَّلَ ما فُرِضَتْ رَكْعَتَيْن، فأُقِرَّتْ صلاةُ السَّفَرِ، وأُتِمَّتْ صلاةُ الحَضَرِ. مُتَّفَقٌ عليه (3). وقال عمرُ رَضِىَ اللَّه عنه: صلاةُ السَّفَرِ رَكْعَتان، وصَلَاةُ الجُمُعَةِ رَكْعتانِ، وصَلَاةُ العِيدِ رَكْعَتانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ على لِسانِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وقد خاب مَن افْتَرَى. رَواه ابنُ ماجه (4). وسُئِلَ ابنُ عمرَ عن الصلاةِ في السَّفرِ، فقال: رَكْعَتانِ،
(1) في م: «عمر» .
(2)
في م: «حتى» .
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 29.
(4)
في: باب تقصر الصلاة في السفر، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 338.كما أخرجه النسائى، في: باب تقصير الصلاة في السفر، من كتاب القصر، وفى: باب عدد صلاة العيدين، من كتاب العيدين. المجتبى 3/ 97، 149. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 37.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فمَن خالَفَ السُّنَّةَ كَفَر. ولأنَّ الرَّكْعَتَيْن الأُخْرَيَيْن يَجُوزُ تَرْكُهما إلى غيرِ بَدَلٍ، فلم يَجُزْ زِيادَتُهما على الرَّكْعَتَيْن المَفْروضَتَيْن، كالزِّيادَةِ على صلاةِ الفَجْرِ. ولَنا، قَولُه تعالى:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} . وهذا يَدُل على أنَّ القَصْرَ رُخْصَةٌ يُتَخَيَّرُ بينَ فِعْلِه وتَرْكِه، كسائرِ الرُّخَص. وقَوْلُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم في حديثِ يَعْلَى بنِ أُمَيَّةَ:«صَدَقَة تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقتَهُ» (1). يَدُلُّ على أنه رُخْصَة، وليس بعَزِيمَةٍ. وقالت عائشةُ: خَرَجْتُ مع رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في عُمْرَةٍ في رمَضانَ، فأفْطَرَ وصُمْتُ، وقَصَر وأَتمَمْتُ، فقُلْتُ: يا رسولَ اللَّه، بأبى أنت وأُمِّى، أفْطَرْتَ وصُمْتُ، وقَصَرْتَ وأَتْمَمْتُ. قال:«أحْسَنْتِ» . رَواه أبو داودَ الطَّيالِسِىُّ (2). ولأنَّه لو ائْتَمَّ بمُقِيمٍ صَلَّى أرْبَعًا، والصلاةُ لا تَزِيدُ بالائْتِمَام. وعن أنَسٍ، قال: كُنَّا، أصحابَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، نُسافرُ، فيتم بَعْضُنا، ويَقْصُرُ بَعْضُنا، ويَصُومُ بَعْضُنا، ويُفْطِرُ بَعْضُنا، فلا يَعِيبُ أحَدٌ على أحدٍ (3). وهذا إجْمَاعٌ منهم على جَوازِ الأمْرَيْنِ. فأمَّا قولُ عائشةَ، فُرِضَتْ الصَّلاة رَكْعَتَيْنِ. فإنَّما أرادَتْ أنَّ ابتداءَ فَرْضِها كان
(1) تقدم تخريجه في صفحة 26.
(2)
لم نجده في مسند أبى داود الطيالسى، وأخرجه النسائى، في: باب المقام الذى يقصر بمثله الصلاة، من كتاب التقصير. المجتبى 3/ 100، 101. ونقل ابن القيم عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه كذب هذا الحديث. انظر: زاد المعاد 1/ 464، 465، 472. وانظر: إرواء الغليل 3/ 6 - 9.
(3)
لم نجده بهذا السياق. وانظر: بلوغ الأمانى شرح الفتح الربانى، للساعاتى 5/ 99.