الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْجُمُعَةِ فِي يَوْمِهَا، وَالْأَفْضَلُ فِعْلُهُ عِنْدَ مُضِيِّهِ إِلَيْهَا،
ــ
بكَلامٍ، أو انْتِقَالٍ مِن مَكانِه، أو خُرُوجٍ؛ لِما روَى السَّائِبُ بنُ (1) يَزِيدَ، قال: صَلَّيْتُ مع مُعاوِيَةَ الجُمُعَةَ في المَقْصُورَةِ، فلمَّا سَلَّمَ الإِمامُ قُمْتُ في مَقامِى فَصَلَّيْتُ، فلمّا دَخَل أرْسَلَ إلىَّ، فقال: لا تَعُدْ لِما فَعَلْتَ، إذا صَلَّيْتَ الجُمُعَةَ فلا تَصِلْها بصلاةٍ حتى تَتَكَلَّمَ أو تَخْرُجَ، فإنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أمَرَنا بذلك؛ أن لا نُوصِلَ صلاةً حتى نَتَكَلَّمَ أو نَخْرُجَ. أخْرَجَه مسلمٌ (2).
فصل: قال الشَّيْخُ، رحمه الله:(ويُسْتَحَبُّ أن يَغْتَسِلَ للجُمُعَةِ في يَوْمِها، والأفْضَلُ فِعْلُه عندَ مُضِيِّه إليها) لا خِلافَ في اسْتِحْبابِ غُسْلِ الجُمُعَةِ، وفيه أحاديثُ صَحِيحَةٌ؛ منها ما روَى سَلْمَانُ الفارِسِىُّ، قال:
(1) في م: «عن» .
(2)
في: باب الصلاة بعد الجمعة، من كتاب الجمعة. صحيح مسلم 2/ 601. كما أخرجه أبو داود، في: باب الصلاة بعد الجمعة، من كتاب الصلاة. سنن أبى داود 1/ 258. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 95، 99.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، ويَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ، فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّى مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ، إلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى» . رَواه البُخارىُّ (1). ومنها قَوْلُه عليه السلام: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ واجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» . وقولُه: «مَنْ أَتَى مِنْكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» . مُتَّفَقٌ عليهما (2). وليس الغُسْلُ واجِبًا في قَوْلِ أكثرِ أهلِ العِلْمِ. قال التِّرْمِذىُّ: العَمَلُ على هذا عندَ أهلِ العِلْمِ مِن أصحابِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم ومَن بعدَهُم؛ منهم مالكٌ، والثَّوْرِىُّ، والشافعىُّ، وأصحابُ الرَّأْى، وابنُ المُنْذِرِ. وحَكاه ابنُ عبدِ البَرِّ إجْماعًا. وعن أحمدَ، أنَّه واجِبٌ. رُوِىَ ذلك عن أبى هُرَيْرَةَ، وعَمْرِو بنِ سُلَيْمٍ.
(1) تقدم تخريجه في 2/ 118.
(2)
الأول: أخرجه البخارى، في: باب وضوء الصبيان. . . إلخ، من كتاب الأذان، وفى: باب فضل الغسل يوم الجمعة. . . إلخ، وباب الطيب يوم الجمعة، وباب هل على من لم يشهد الجمعة غسل، من كتاب الجمعة، وفى: باب بلوغ الصبيان وشهاداتهم، من كتاب الشهادات. صحيح البخارى 1/ 217، 2/ 3، 6، 3/ 232. ومسلم، في: باب وجوب غسل الجمعة. . . إلخ، وباب الطيب والسواك يوم الجمعة، من كتاب الجمعة. صحيح مسلم 2/ 580، 581. كما أخرجه أبو داود، في: باب في الغسل يوم الجمعة، من كتاب الطهارة. سنن أبى داود 1/ 83. والنسائى، في: باب الأمر بالسواك يوم الجمعة، وباب إيجاب الغسل يوم الجمعة، من كتاب الجمعة. المجتبى 3/ 75، 76. وابن ماجه، في: باب ما جاء في الغسل يوم الجمعة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 346. والدارمى، في: باب الغسل يوم الجمعة، من كتاب الصلاة. سنن الدارمى 1/ 361. والإمام مالك، في: باب العمل في غسل يوم الجمعة، من كتاب الجمعة. الموطأ 1/ 102. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 6، 30، 60، 65، 66، 69، 4/ 34.
والثانى تقدم تخريجه في 2/ 117.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقاوَلَ عَمَّارُ بنُ يَاسِر رجلًا، فقال: أنا إذًا أشَرُّ مِمَّن لا يَغْتَسِلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ. ووَجْهُه ما ذَكَرْنا مِن النُّصُوصِ. ولَنا، ما روَى سَمُرَةُ، قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنِ اغْتَسَل فَالْغُسْلُ أفْضَلُ» . رَواه النَّسَائِىّ، والتِّرْمِذىّ (1)، وقال: حديثٌ حسنٌ. وعن أبى هُرَيْرَةَ، قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأ فَأحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أتَى الْجُمُعَةَ، وَاسْتَمَعَ وَأنصَتَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ، وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الْحَصَا فَقَدْ لَغَا» . مُتَّفَقٌ عليه (2). وحَدِيثُهم مَحْمُولٌ على تَأْكِيدِ النَّدْبِ، ولذلك (3) ذَكَر في سِياقِه:«وَسِوَاكٌ، وَأنْ يَمَسَّ طِيبًا» . كذلك رَواه مسلمٌ (4)
(1) أخرجه الترمذى، في: باب ما جاء في الوضوء يوم الجمعة، من أبواب الجمعة. عارضة الأحوذى 2/ 282. والنسائى، في: باب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، من كتاب الجمعة. المجتبى 3/ 77. كما أخرجه أبو داود، في: باب في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، من كتاب الطهارة. سنن أبى داود 1/ 86. والدارمى، في: باب الغسل يوم الجمعة، من كتاب الصلاة. سنن الدرامى 1/ 362. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 8، 11، 15، 16، 22.
(2)
لم يخرجه البخارى. وأخرجه مسلم، في: باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة، من كتاب الجمعة. صحيح مسلم 2/ 588. كما أخرجه أبو داود، في: باب فضل الجمعة، من كتاب الصلاة. سنن أبى داود 1/ 242. والترمذى، في: باب ما جاء في الوضوء يوم الجمعة، من كتاب الجمعة. عارضة الأحوذى 2/ 284. وابن ماجه، في: باب مسح الحصى في الصلاة، وباب ما جاء في الرخصة في ذلك، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 327، 346، 347. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 424.
(3)
في الأصول: «كذلك» . والمثبت من المغنى.
(4)
انظر تخريج حديث «غسل الجمعة واجب على كل محتلم» المتقدم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والسِّوَاكُ، وَمَسُّ الطِّيبِ، لا يَجِبُ. وقالَتْ عائشةُ، رضى اللَّهُ عنها، وعن أبيها: كان النّاسُ مِهْنَةَ أنْفُسِهم، وكانوا يَرُوحُونَ إلى الجُمُعَةِ بهَيْئَتِهِم، فتَظْهَرُ لهم رائِحةٌ، فَقيلَ لهم: لو اغْتَسَلْتُمْ. رَواه مسلمٌ بنَحْوِ هذا المَعْنَى (1). والأفْضَلُ أن يَفْعَلَه عندَ مُضِيِّه إليها؛ لأنَّه أبلَغُ في المَقْصُودِ، وفيه خُروجٌ مِن الخِلافِ.
فصل. ومتى اغْتَسَلَ بعدَ طُلُوعِ الفَجْرِ أجْزَأ، وإن اغْتَسلَ قبلَه لم يُجْزِئْه. وهذا قولُ مُجاهِدٍ، والحسنِ، والنَّخعىِّ، والثَّوْرِىِّ، والشافعىِّ، وإسحاقَ. وحُكىَ عن الأوْزاعِى أنَّه يُجْزِئُه الغُسْلُ قبلَ الفَجْرِ. وعن مالكٍ: لا يُجْزِئُه الغُسْلُ إلَّا أن يَتَعَقَّبَه الرَّواحُ. ولَنا، قولُه صلى الله عليه وسلم:«مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» (2). واليَوْمُ مِن طُلُوعِ الفَجْرِ. وإن اغْتَسَلَ، ثم أحْدَثَ أجْزَأَه الغُسْلُ وكَفاهُ الوُضُوءُ. وهذا قولُ الحسنِ، ومالكٍ، والشافعىِّ. واسْتَحَبَّ طَاوس، والزُّهْرِىُّ، وقَتادَةُ،
(1) في: باب وجوب غسل الجمعة. . . إلخ، من كتاب الجمعة. صحيح مسلم 2/ 581. كما أخرجه البخارى، في: باب من أين تؤتى الجمعة وعلى من تجب، وباب وقت الجمعة إذا زالت الشمس، من كتاب الجمعة، وفى: باب كسب الرجل وعمله بيده، من كتاب البيوع. صحيح البخارى 2/ 8، 3/ 74. وأبو داود، في: باب في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، من كتاب الطهارة. سنن أبى داود 1/ 85. والنسائى، في: باب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، من كتاب الجمعة. المجتبى 3/ 76. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 63.
(2)
انظر ما تقدم في أول المسألة، وما سيأتى في المسألة بعد التالية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويَحْيَى بنُ أبى كَثيرٍ (1) إعادَةَ الغُسْلِ. ولَنا، أنَّه اغْتَسَلَ في يَوْمِ الجُمُعَةِ، أشْبَهَ مَن لم يُحْدِثْ، والحَدَثُ إنَّما يُؤَثِّرُ في الطهارةِ الصُّغْرَى، ولأنَّ المقْصُودَ مِن الغُسْل. التَّنّظِّفُ وإزالَةُ الرائِحَةِ، وذلك لا يُؤثِّرُ فيه الحَدَثُ، ولأنَّه غُسْلٌ فلم يُؤَثِّرْ فيه الحَدَثُ الأصْغَرُ، كغُسْلِ الجَنَابَةِ.
فصل: ويَفْتَقِرُ الغُسْلُ إلى النِّيَّةِ، لأنَّه عِبادَةٌ، فافْتَقَرَ إلى النِّيَّةِ، كتَجْدِيدِ الوُضُوءِ. وإنِ اغْتَسَلَ للجُمُعَةِ والجَنابَةِ غُسْلًا واحِدًا ونَواهُما أجْزَأَه، بغيرِ خِلافٍ عَلِمْناه؛ لأنَّهُما غُسْلان اجْتَمَعا، فأشْبَها غُسْلَ الحَيْضِ والجَنابَةِ. وإنِ اغْتسَلَ للجَنَابَةِ، ولم يَنْوِ غُسْلَ الجُمُعَةِ، ففيه وِجْهان؛ أحَدُهما، لا يُجْزِئُه، لقَوْلِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«وَإنَّما لِامْرِئٍ مَا نوَى» (2). ورُوِىَ عن ابنٍ لأبى قَتادَةَ، أنَّه دَخَل عليه يَومَ الجُمُعَةِ مُغْتَسِلًا، فقال: للجُمُعَةِ اغْتَسَلْتَ؟ قال: لا، ولكن للجَنابَةِ. قال: فأعِدْ غُسْلَ الجُمُعَةِ (3). والثانى، يُجْزِئُه؛ لأنَّه مُغْتَسِلٌ، فيَدْخُلُ في عُمومِ الحَديثِ، ولأنَّ المَقْصُودَ التنظِيفُ، وقد حَصَل، ولأنَّه قد رُوِىَ
(1) يحيى بن أبى كثير (صالح) الطائى مولاهم اليمامى، أدرك من الصحابة أنسا رضى اللَّه عنه، ثقة، من أصحاب الحديث، توفى سنة تسع وعشرين ومائة. تهذب التهذيب 11/ 268 - 270.
(2)
تقدم تخريجه في 1/ 308.
(3)
أخرجه ابن أبى شيبة، في: باب الرجل يغتسل للجنابة يوم الجمعة، من كتاب الجمعة. المصنف 2/ 100.