الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ: وَإذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ، صَلَّوْا رِجَالًا وَرُكْبَانًا، إلَى الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا، يُومِئُونَ إِيمَاءً عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ،
ــ
الوُجُوب، وهو قَوْلُه سُبْحانه:{ولَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مِّطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ} . ونَفْىُ الحَرَجِ مَشرُوطًا بالأذَى دَلِيلٌ على لُزُومِه عندَ عَدَمِه، فأمَّا إنْ كان بهم أذًى مِن مَطَرٍ أو مَرَضٍ، فلا يَجِبُ بغيرِ خِلافٍ؛ لصَرِيحِ النَّصِّ بنَفْى الحَرَجِ.
621 - مسألة: (وإذا اشْتَدَّ الخَوْفُ، صَلَّوْا رِجالًا ورُكْبانًا، إلى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القِبْلَةِ وغيرِها، يُومِئُون إيماءً على قَدْرِ الطّاقَةِ) وجُمْلَةُ ذلك، أنَّه متى اشْتَدَّ الخَوْفُ، والْتَحَمَ القِتالُ، فلهم الصلاةُ كَيْفَما أمْكَنَهم، رِجالًا أو رُكْبانًا، إلى القِبْلةِ إن أمْكَنَهم، [وإلى](1) غيرِها إن لم يُمْكِنْهم، يُومِئُون بالرُّكُوعِ والسُّجُودِ، ويَجْعَلُون سُجُودَهم أخْفَضَ مِن رُكُوعِهم على قَدْرِ الطّاقَةِ، ولهم التَّقَدُّمُ والتَّأخُّرُ، والطَّعْنُ والضَّرْبُ، والكَرُّ والفَرُّ، ولا يُؤَخِّرُون الصلاةَ عن وَقْتِها في قولِ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ. وحَكَى ابنُ أبى مُوسى، أنَّه يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلاةِ حالَ الْتِحامِ القِتالِ في رِوايَةٍ. وقال أبو حنيفَةَ، وابنُ أبى لَيْلَى: لا يُصَلِّى مع المُسايَفَةِ، ولا مع المَشْى؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يُصَلِّ يَوْمَ الخَنْدَقِ، وأخَّرَ الصلاةَ. ولأنَّ ما يَمْنَعُ الصلاةَ في غيرِ شِدَّةِ الخَوْفِ يَمْنَعُها معه؛ كالحَدَثِ والصِّياحِ. وقال الشافعىُّ: يُصَلِّى، لكنْ إن تابَعَ الطَّعْنَ والضَّرْبَ، أو المَشْىَ، أو فَعَل ما يَطُولُ، بَطَلَتْ صَلاتُه؛ لأنَّ ذلك مِن مُبْطِلاتِ الصَّلاةِ، أشْبَهَ الحَدَثَ. ولَنا، قَوْلُه عز وجل:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} (2).
(1) في م: «أو إلى» .
(2)
سورة البقرة 239.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال ابنُ عُمرَ: فإن كان خَوْفٌ أشَدُّ مِن ذلك، صَلَّوْا رِجالًا قِيامًا على أقْدَامهم، ورُكْبانًا مُسْتَقْبلى القِبْلَةِ وغيرَ مُسْتَقْبِلِيها. مُتَّفَقٌ عليه (1). ورُوِى ذلك عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم. ولأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بأصحابِه في غيرِ شِدَّة الخَوْفِ، فأمَرَهم بالمَشْى إلى وِجاهِ العَدُوِّ وهم في الصَّلاةِ، ثم يَعُودُون لقَضاءِ ما بَقِىَ مِن صَلَاِتهم، وهذا مَشْىٌ كَثِيرٌ، وعَمَلٌ طَوِيلٌ، واسْتِدْبارٌ للقِبْلَةِ، فإذا جاز ذلك مع أنَّ الخَوْفَ ليس بشدِيدٍ، فمع شِدَّتِهِ أوْلَى. ومِنْ العَجَبِ اخْتِيَارُ أبى حنيفَةَ هذا الوَجْهَ دُونَ سائِرِ الوُجُوهِ التى لا تَشْتَمِلُ على العَمَلِ في أثْناء الصَّلاةِ، وتَسْوِيغُه إيّاهُ مع الغِنَى عنه، ثم مَنْعُه في حالِ الحاجَةِ إليه، بحيثُ لا يَقْدِرُ على غيرِه، فكان العَكْسُ أوْلَى، ولأنَّه مُكَلَّفٌ تَصِحُّ طَهارَتُه، فلم يَجُزْ له إخْلاءُ وَقْتِ الصَّلاةِ عن فِعْلِها، كالمَرِيضِ، ويُخَصُّ الشافعىُّ بأنَّه عَمَلٌ أُبِيحَ للخَوْفِ، فلم يُبْطِلِ الصلاةَ، كاسْتِدْبارِ القِبْلَةِ، والرُّكُوبِ، والإيماءِ، وبهذا يَنْتَقِضُ ما ذَكَرَه. فأمّا تَأْخِيرُ الصَّلاةِ يَوْمَ الخَنْدَقِ، فرَوَى أبو سعيدٍ، أنَّه كان قبلَ نُزُولِ صلاةِ الخَوْفِ. ويَحْتَمِل أنَّه شَغَلَه المُشْرِكُون فنَسِىَ الصلاةَ، فقد نُقِلَ ما يَدُلُّ على ذلك (2). ويُؤَكِّدُ ما ذَكَرْنا، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابَه لم
(1) أخرجه البخارى، في: باب صلاة الخوف رجالا وركبانا راجل قائم، من كتاب صلاة الخوف، وفى: باب تفسير سورة البقرة، من كتاب التفسير. صحيح البخارى 2/ 18، 6/ 38. ومسلم، في: باب صلاة الخوف، من كتاب صلاة المسافرين. صحيح مسلم 1/ 574. كما أخرجه الإمام مالك، في: باب صلاة الخوف، من كتاب صلاة الخوف. الموطأ 1/ 184.
(2)
انظر ما تقدم في 3/ 145.