الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِذَا نَوَى الإِقَامَةَ فِى بَلَدٍ أَكْثَرَ مِنْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ صَلَاةً أَتَمَّ، وَإِلَّا قَصَرَ.
ــ
605 - مسألة: (وإذا نَوَى الإِقامَةَ ببَلَدٍ أَكْثَرَ مِن إحْدَى وعِشْرِين
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صلاةً، أتَمَّ، وإلَّا قَصَرْ) المَشْهُورُ عن أحمدَ، رحمه الله، أنَّ المُدَّةَ التى يَلْزَمُ المُسافِرَ الإِتْمامُ إذا نَوَى الإِقامَةَ فيها، ما كان أَكْثَرَ مِن إحْدَى وعِشْرِين صلاةً. رَواه الأثْرَمُ، وغيرُه. وهو الذي ذَكَرَه الخِرَقِىُّ. وعنه، إن نَوَى الإِقامَةَ أَكْثَرَ مِن أربَعَةِ الكلام أَتَمَّ. حَكَى هذه الرِّوايَةَ أبو الخطّابِ وابنُ عَقِيلٍ. وعنه، إذا نَوَى إقامَةَ أربَعَةِ أيام أتَمَّ، وإلَّا قَصَرَ. وهذا قَوْلُ مالكٍ، والشافعىِّ، وأبى ثَوْرٍ. ورُوِىَ عن عثمانَ، رَضِىَ اللَّه عنه، وعن سعيدِ ابنِ المُسَيَّبِ، أنَّه قال: إذا أقمْتَ أربَعًا فصَلِّ أربَعًا؛ لأن الثَّلاثَ حَدُّ القِلَّةِ؛ لقَوْلِه عليه السلام: «يُقيمُ [المُهَاجِرُ بِمَكَّةَ] (1). بَعْدَ قَضاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا» (2). فدَل على أنَّ الثّلاثَ في حُكْمِ السَّفَرِ، وما زاد في حُكْمِ الإِقامَةِ. وقال الثَّوْرِىُّ، وأصحابُ الرّأى: إن أقام خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مع
(1) في الأصل، م:«المسافر» . والمثبت من صحيح مسلم.
(2)
أخرجه مسلم، في: باب جواز الإقامة بمكة. . . إلخ، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 985. والترمذي، في: باب ما جاء أن يمكث المهاجر. . . إلخ، من أبواب الحج. عارضة الأحوذى 4/ 174. والنسائى، في: باب المقام الذي يقصر بمثله الصلاة، من كتاب التقصير. المجتبى 3/ 100. وابن ماجه، في: باب كم يقصر الصلاة إذا أقام ببلدة، من كتاب اقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 341. والدارمى، في: باب في من أراد أن يقيم ببلدة كم يقيم حتى يقصر الصلاة، من كتاب الصلاة. سنن الدارمى 1/ 355. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 339، 5/ 52.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اليَوْمِ الذى يَخْرُجُ فيه أَتَمَّ، فإن نَوَى دُونَه قَصَر. ويُرْوَى ذلك عن ابنِ عمرَ، وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، واللَّيْثِ بنِ سعدٍ؛ لِما رُوِىَ عن ابنِ عمرَ، وابنِ عباسٍ، أنَّهما قالا: إذا قَدِمْتَ وفي نَفْسِكَ أن تُقِيمَ بها خَمس عَشرةَ لَيْلَةً فأكْمِلِ الصلاةَ. ولا يُعْرَفُ لهما مُخالِفٌ. ورُوِىَ عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّه عنَه، قال: يتمُّ الصلاةَ الذى يُقيمُ عَشْرًا، ويَقْصُرُ الذى يقولُ: أخْرُجُ اليومَ أخْرُجُ غدًا. شَهْرًا. وعن ابنِ عباس، أنَّه قال: يَقصُرُ إذا أقامَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ويتمُّ إذا زادَ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أقامَ في بعضِ أسْفارِهِ تِسْعَةَ عَشَرَ يُصَلِّى رَكعَتَيْنِ. قال ابنُ عباسٍ: فنحن إذا أتَمْنا تِسْعَةَ عَشَرَ نُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ، وإن زِدْنا على ذلك أتمَمْنَا. رَواه البُخارِىُّ (1). وقال الحسنُ: صَلِّ رَكْعَتَيْن رَكْعَتَيْن، إلَّا أن تَقدَمَ مِصْرًا، فأتِمَّ الصلاةَ وصُمْ (2). وقالت عائشةُ: إذا وَضَعْتَ الزَّادَ والمَزادَ فأتِمَّ الصلاةَ (3).
(1) في: باب ما جاء في التقصر وكم يقيم حتى يقصر، من كتاب التقصير، وفي: باب مقام النبى صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح، من كتاب المغازى. صحيح البخاري 2/ 53، 5/ 191. كما أخرجه الترمذى، في: باب ما جاء في تقصير الصلاة، من أبواب السفر. عارضة الأحوذى 3/ 21، 22. وابن ماجه، في: باب من يقصر الصلاة المسافر إذا أقام ببلدة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 341. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 223.
(2)
أخرجه ابن أبى شيبة بنحوه، في المصنف 2/ 451، 455.
(3)
أخرجه ابن أبى شيبة، في المصنف 2/ 455.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكان طاوُسٌ إذا قَدِم مَكَّةَ، صَلَّى أربَعًا. ولَنا، ما روَى أنَسٌ، قال: خَرَجْنا مع رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى مَكَّةَ، فصَلَّى رَكْعَتَيْن حتى رَجَع، وأقام بمَكَّةَ عَشْرًا يَقْصُرُ الصلاةَ. مُتَّفَقٌ عليه (1). وذَكَر أحمدُ حديثَ جابرٍ، وابنِ عباسٍ (2) أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قَدِم مَكَّةَ لصُبْحِ رابِعَةٍ، فأقام النبىُّ صلى الله عليه وسلم اليَوْمَ الرَّابعَ والخامِسَ والسَّادِسَ والسّابع، وصَلَّى الفَجْرَ بالأبْطَحِ يَوْمَ الثّامِنِ، فكانَ يَقْصُرُ الصلاةَ في هذه الأيَّامِ، وقد أجْمَعَ على إقامَتِها. قال: فإذا أجْمَعَ أن يقيمَ كما أقامَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم قَصَر، وإذا أجْمَعَ على أكْثَرَ مِن ذلك أَتَمَّ. قال الأثْرَمُ: وسَمِعْتُ أبا عبدِ اللَّهِ يَذْكُرُ حَدِيثَ أنسٍ في الإِجْماعِ على الإِقامَةِ للمُسافِرِ، فقال: هو كَلامٌ ليس يَفْقَهُه كلُّ أحَدٍ. فقولُه أقامَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم عَشْرًا يَقْصُرُ الصلاةَ. وقال: قَدِم النبىُّ صلى الله عليه وسلم لصُبْحِ رابِعَةٍ وخامِسَةٍ وسابِعَةٍ. ثم قال: ثامِنَةٍ يومَ التروِية، وتاسِعَةٍ وعاشِرَةٍ. فإنَّما
(1) أخرجه البخارى في: باب ما جاء في التقصير وكم يقيم حتى يقصر، من كتاب التقصير، وفي: باب مقام النبى صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 2/ 53، 5/ 190، 191. ومسلم، في: باب صلاة المسافربن وقصرها، من كتاب صلاة المسافرين. صحيح مسلم 1/ 481. كما أخرجه أبو داود، في: باب متى يتم المسافر، من كتاب صلاة السفر. سنن أبى داود 1/ 280. والترمذى، في: باب ما جاء في تقصير الصلاة، من أبواب صلاة السفر. عارضة الأحوذى 3/ 18. والنسائى، في: باب تقصير الصلاة في السفر، وباب المقام الذى يقصر بمثله الصلاة، من كتاب صلاة السفر. المجتبى 3/ 96، 97، 100. وابن ماجه، في: باب كم يقصر الصلاة المسافر إذا أقام ببلدة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 342. والدارمى، في: باب في من أراد أن يقيم ببلدة. . . إلخ، من كتاب الصلاة. . . . سنن الدارمى 1/ 355.
(2)
لم نجده في المسند.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَجْهُ حَدِيثِ أنَسٍ أنَّه حَسَب مُقامَ النبىِّ صلى الله عليه وسلم بمَكَّةَ ومِنًى، وإلَّا فلا وَجْهَ له عندِى غيرُ هذا. فهذه أرْبَعَةُ أيام، وصلاةُ الصُّبْحِ بها يَوْمَ التَّرْوِية تَمامُ إحْدَى وعِشْرين صلاةً يَقْصُرُ، وهي تَزِيدُ على أرْبَعَةِ أيَّامٍ، وهو صَرِيحٌ في خِلافِ قولِ مَن حَدَّه بأربعةِ أيَّامٍ. وقولُ أصحابِ الرَّأىِ: لا يُعْرَفُ لهما مُخالِفٌ في الصَّحابَةِ. لا يَصِحُّ؛ لأنَّا قد ذَكَرْنا الخِلافَ فيه عنهم. وحديثُ ابنِ عباسٍ في إقامَةِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم تِسْعَةَ عَشَرَ، وَجْهُه أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يُجْمِع الإِقامَةَ. قال أحمدُ: أقامَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم بمَكَّةَ، زَمَنَ الفَتْحِ ثَمَانِىَ عَشْرَةَ؛ لأنَّه أراد حُنَيْنًا، ولم يَكُنْ ثَمَّ إجْماعُ المقامِ. وهذه إقامَتُه التى رَواها ابنُ عباسٍ، وهو دَلِيلٌ على خِلافِ قولِ عائشةَ والحسنِ. والحسن واللَّهُ أعلمُ.
فصل: ومَن قَصَد بَلَدًا بِعَيْنِه، فوَصَلَه غيرَ عَازِمٍ على الإِقامَةِ به مُدَّةً تَقْطَعُ حُكْمَ سَفَرِه، فله القَصْرُ فيه؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في أسْفارِه يَقْصُرُ حتى يَرْجِعَ، وحينَ قَدِم مَكَّةَ كان يَقْصُرُ فيها. ولا فَرْقَ بينَ أن يَقْصِدَ الرُّجُوعَ إلى بَلَدِه، كما فَعَل النبىُّ صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الوَداعِ، على ما في حديثِ أنَسٍ، وبينَ أن يُرِيدَ بَلَدًا آخَرَ، كما فَعَل عليه السلام في غَزْوَةِ الفَتْحِ، كما في حديثِ ابنِ عباسٍ.
فصل: وإن مَرَّ في طَرِيقِه على بَلَدٍ له فيه أهْلٌ أو مالٌ. فقالَ أحمدُ، في مَوْضِعٍ: يُتِمُّ. وقال في مَوْضِعٍ: لا يُتِمُّ إلَّا أن يَكُونَ مَارًّا. وهذا قَوْلُ ابنِ عباسٍ. وقال مالكٌ: يُتِمُّ إذا أراد أن يقيمَ بها يَوْمًا ولَيْلَةً. وقال الشافعىُّ، وابنُ المُنْذِرِ: يَقْصُرُ، ما لم يُجْمِعْ على إقامَةِ أرْبَعٍ؛ لأنَّه مُسافِرٌ. ولَنا، ما رُوِىَ عن عثمانَ، أنَّه صَلَّى بمِنًى أرْبَعَ رَكَعاتٍ، فأنْكَرَ النّاسُ عليه، فقال: يا أيُّها النّاسُ، إنِّى تَأَهَّلْتُ بمَكَّةَ منذُ قَدِمْتُ، وإنِّى سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«مَنْ تَأَهَّلَ بِبَلَدٍ فَلْيُصَلِّ صلاةَ الْمُقِيمِ» . رَواه أحمدُ في «المُسْنَدِ» (1). وقال ابنُ عباسٍ: إذا قَدِمْتَ على أهْلٍ لك أو مالٍ، فَصَلِّ صلاةَ المُقِيمِ (2). ولأنَّه مُقِيم ببَلَدٍ له فيه أهْلٌ ومالٌ، أشْبَهَ
(1) المسند: 1/ 62.
(2)
أخرجه البيهقى، في: باب المسافر ينتهى إلى الموضع الذى يريد المقام به، من كتاب الصلاة. السنن الكبرى 3/ 155، 156. وعبد الرزاق، في: باب في كم يقصر الصلاة، من كتاب الصلاة. المصنف 2/ 524، بن أبى شيبة، في باب في مسيرة كم يقصر الصلاة، من كتاب الصلاة. المصنف 2/ 445.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
البَلَدَ الذى سافَرَ منه.
فصل: قال أحمدُ: مَن كان مُقِيمًا بمَكَّةَ، ثم خَرَج إلى الحَجِّ وهو يُرِيدُ أن يَرْجعَ إلى مَكَّةَ فلا يُقِيمُ بها، فهذا يُصَلِّى رَكْعَتَيْن بعَرَفَةَ؛ لأنَّه حينَ خَرَج مِن مَكَّةَ أنْشَأَ السَّفَرَ إلى بَلَدِه، ليس على أنَّ عَرَفَةَ سَفَرُه. فهو في سَفرٍ مِن حينَ خَرَج مِن مَكَّةَ. ولو أنَّ رجلًا كان مُقِيمًا ببَغْدَادَ، فأرادَ الخُرُوجَ إلى الكوفَةِ، فعَرَضَتْ له حاجَةٌ بالنَّهْرَوانِ (1)، ثم رَجَع فمَرَّ، ببَغْدَادَ ذاهِبًا إلى الكُوفَةِ، صَلَّى رَكْعَتَيْن إذا كان يَمُرُّ ببَغْدَادَ مُجْتازًا، لا يُرِيدُ الإِقامَةَ بها. وإن كان الذى خَرَج إلى عَرَفَةَ في نِيَّتِه الإِقامَةُ بمَكَّةَ إذا رَجَع، لم يَقْصُرْ بعَرَفَةَ، وكذلك أهْلُ مَكَّةَ لا يَقْصُرُون. وإن صَلَّى خلفَ رجلٍ مَكِّىٍّ يَقْصُرُ الصلاةَ بِعَرَفَةَ، ثم قام بعدَ صلاةِ الإِمامِ، فأضافَ إليها رَكْعَتَيْن أُخْرَيَيْن، صَحَّتْ صَلاتُه؛ لأنَّ المَكِّىَّ يَقْصُرُ بِتَأْوِيلٍ، فصَحَّتْ صلاةُ مَن يَأْتَمُّ به.
فصل: وإذا خَرَج المُسافِرُ، فذَكَرَ حاجَةً، فرَجَع إليها، فله القَصْرُ في رُجُوعِه، إلَّا أن يكونَ نَوَى أن يُقِيمَ إذا رَجَع مُدَّةً تَقْطعُ القَصْرَ. أو (2)
(1) النهروان: كورة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقى، حدها الأعلى متصل ببغداد. معجم البلدان 4/ 846.
(2)
في م: «و» .