الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ في صَلَاةِ الْخَوْفِ
ــ
قال المُصَنِّفُ رحمه الله: (فصلٌ في صلاةِ الخَوْفِ) وهي جائِزَةٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ؛ أمَّا الكِتابُ، فقولُه تعالى:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} (1) الآية. وأمّا السُّنَّةُ، فثَبَتَ أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان يُصَلِّى صلاةَ الخَوْفِ، وحُكْمُها باقٍ في قَوْلِ جُمْهورِ أهْلِ العِلْمِ. وقال أبو يُوسُف: إنَّما كانت مُخْتَصَّةً بالنبىِّ صلى الله عليه وسلم، بدَلِيلِ قولِه سُبْحانَه:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} . وما قاله غيرُ صَحِيحٍ؛ لأنَّ ما ثَبَت في حَقِّ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم ثَبَت في حَقِّنا ما لم يَقُمْ على اخْتِصاصِه به دَلِيلٌ؛ لأنَّ اللَّه تعالى أمَرَنا باتِّباعِه، ولمّا سُئِل صلى الله عليه وسلم عن القُبْلَةِ للصّائِمِ؟ أجاب بـ:«إنِّى أفْعَلُ ذلك» . فقال السّائِلُ: لَسْتَ مِثْلَنا، فغَضِبَ وقال:«إنِّى لَأرْجُو أنْ أكُونَ أخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأعْلَمَكُمْ بِمَا أتَّقِى» (2). ولو اخْتَصَّ بفِعْلِه لَما حَصَل جَوابُ السّائِلِ بالإِخْبارِ بفِعْلِه، ولا غضِبَ مِن قَوْلِ السّائِلِ: لَسْتَ مِثْلَنا؛ لأنَّ قَوْلَه إذًا كان صَوابًا. وقد كان أصْحابُ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم يَحْتَجُّون بأفْعالِه، ويَرَوْنَها مُعارِضَةً لقَوْلِه وناسِخَةً له، ولذلك لمّا أخْبَرَتْ عائشةُ وأُمُّ سَلَمَةَ، بأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان يُصْبِحُ جُنُبًا مِن غيرِ احْتِلام، ثم يَغْتَسِلُ
(1) سورة النساء 102.
(2)
أخرجه مسلم، في: باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 779. وانظر: باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 781. وأبو داود في: باب في من أصبع جنبًا في شهر رمضان، من كتاب الصوم. سنن أبى داود 1/ 557. والإمام مالك، في: باب ما جاء في صيام الذى يصبح جنبًا في رمضان، من كتاب الصيام. الموطأ 1/ 289. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 67، 156، 245.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويَصُومُ ذلك اليَوْمَ (1). تَرَكُوا به خَبَرَ أبى هُرَيْرَةَ: «مَنْ أصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صَوْمَ له» (2) ولمَّا ذَكَرُوا ذلك لأبى هُرَيْرَةَ، قال: هُنَّ أعْلَمُ، إنَّما حَدَّثَنِى به الفَضْلُ بنُ عباسٍ، ورَجَع عن قَوْلِه. وأيضًا فإنَّ الصَّحابَةَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم، أجْمَعُوا على صلاةِ الخَوْفِ، فصَلَّاها علىٌّ لَيْلَةَ الهَرِيرِ (3) بصِفِّينَ، وصَلّاها أبو مُوسى الأشْعَرِىُّ بأصْحابِه (4)، ورُوِىَ أنَّ سَعيدَ (5) بنَ العاصِ كان أمِيرًا على الجَيْشِ بِطَبَرِستْانَ، فقالَ: أيُّكُم صَلَّى مع رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(1) أخرجه البخارى، في: باب الصائم يصبح جنبا، وباب اغتسال الصائم، من كتاب الصوم. صحيح البخارى 3/ 38، 40. ومسلم، في: باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 780، 781. والنسائى عن أم سلمة، في: باب ترك الوضوء مما غيرت النار، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 90. وابن ماجه، في: باب ما جاء في الرجل يصبح جنبًا وهو يريد الصيام، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 543، 544. والإمام مالك، في: باب ما جاء في صيام الذى يصبح جنبًا في رمضان، من كتاب الصيام. الموطأ 1/ 289، 290. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 34، 36، 38، 67، 71، 99، 183، 184، 216، 229، 253، 256، 262، 279، 290، 306، 308، 310، 312، 313.
(2)
أخرجه البخارى معلقا، في: باب الصائم يصبح جنبًا، من كتاب الصوم. صحيح البخارى 3/ 38. ومسلم، في: باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 779، 780. وابن ماجه، في: باب مما جاء في الرجل يصبح جنبًا وهو يريد الصيام، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 543. والإمام مالك، في: باب ما جاء في صيام الذى يصبح جنبًا في مضان، من كتاب الصيام. الموطأ 1/ 290، 291. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 184، 203، 266.
(3)
ليلة الهرير في حرب صفين، بين على ومعاوية، اقتتل الناس تلك الليلة حتى الصباح، حتى تقصفت الرماح، ونفد النبل، وصار الناس إلى السيوف. انظر خبرها في: تاريخ الطبرى 5/ 47. وأخرج البيهقى هذا، في: باب الدليل على ثبوت صلاة الخوف وأنها لم تنسخ، من كتاب صلاة الخوف. السنن الكبرى 3/ 252.
(4)
أخرجه ابن أبى شيبة، في: باب في صلاة الخوف كم هى، من كتاب الصلوات. المصنف 2/ 465. والبيهقى، في: الباب السابق.
(5)
في م: «سعد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صلاةَ الخَوْفِ؟ فقال حُذَيْفَةُ: أنا. فَقَدَّمَه، فصَلَّى بهم (1). فأمّا تَخْصِيصُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم بالخِطابِ، فلا يُوجِبُ تَخْصِيصَه بالحُكْمِ؛ لِما ذَكَرْنا، ولأنَّ الصَّحابةَ أنْكَرُوا على مانِعِى الزَّكاةِ قَوْلَهم (2): إنَّ اللَّه تَعالَى خَصَّ نَبِيَّه يأخْذِ الزَّكاةِ. بقَوْلِه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (3). فإن قِيلَ: فالنبىُّ صلى الله عليه وسلم أخَّرَ الصلاةَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، ولم يُصَلِّ. قُلْنا: هذا (4) الاعْتِراضُ باطِلٌ في نَفْسِه؛ إذْ لا خِلافَ في أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان له أن يُصَلِّىَ صلاةَ الخَوْفِ، وقد أمَرَه اللَّهُ بها في كِتابِه، فلا يَجُوزُ الاحْتِجاجُ بما يُخالِفُ الكِتابَ والإِجْماعَ، وإنَّما كان ذلك قبلَ نُزُولِ صلاةِ الخَوْفِ، وإنَّما يُوخَذُ بالآخِرِ فالآخِرِ مِن أمْرِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. ويَحْتَمِلُ أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم[أَخَّرَ الصلاةَ نِسْيانًا، فإنَّه رُوِىَ أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم سَألَهُم عن صلاِتِهم، قالوا: ما صَلَّيْنا. ورُوِىَ أنَّ عُمرَ، قال: ما صَلَّيْتُ العَصْرَ. فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: «وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا» (5). أو: كما جاءَ](6). ومِمّا يَدُلُّ على ذلك أنَّه
(1) أخرجه أبو داود، في: باب من قال يصلى بكل طائفة ركعة ولا يقضون، من كتاب الصلاة. سنن أبى داود 1/ 286. والنسائى، في: أول كتاب صلاة الخوف. المجتبى 3/ 136. وابن أبى شيبة، في: باب في صلاة الخوف كم هى، من كتاب الصلوات. المصنف 2/ 461، 462. وانظر السنن الكبرى للبيهقى الباب السابق.
(2)
في م: «وقولهم» .
(3)
سورة التوبة 103.
(4)
سقط من: م.
(5)
أخرجه البخارى، في: باب من صل بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت، من كتاب المواقيت، وفى: باب قول الرجل ما صلينا، من كتاب الأذان، وفى: باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو، من كتاب صلاة الخوف. صحيح البخارى 1/ 154، 165، 2/ 19. ومسلم، في: باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هى صلاة الحصر، من كتاب المساجد. صحيح مسلم 1/ 438. والترمذى، في: باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 1/ 292.
(6)
سقط من: الأصل.