الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يُقِيمُ غَيْرَهُ فَيَجْلِسُ مَكَانَهُ، إِلَّا مَنْ قَدَّمَ صَاحِبًا لَهُ فَجَلَسَ فِى مَوْضِعٍ يَحْفَظُهُ لَهُ.
ــ
667 - مسألة: (ولا يُقِيمُ غيرَه فيَجْلِسُ في مَكانِه، إلَّا مَن قَدَّمَ صاحِبًا له فجلَسَ في مَوْضِعٍ يَحْفَظُه له)
ليس له أن يُقِيمَ إنْسانًا ويَجْلِسَ في مَوْضِعِه سَواءٌ كان المَكانُ لشَخْصٍ يَجْلِسُ فيه، أو مَوْضِعَ حَلْقَةٍ لمَن يُحَدِّثُ فيها، أو حَلْقَةً يتَذاكَرُ فيها الفُقَهاءُ، أو لم يَكُنْ؛ لِما روَى ابنُ عمرَ، قال: نَهَى النبىُّ صلى الله عليه وسلم أن يُقِيمَ الرجلُ، يَعْنِى أخاه، مِن مَقْعَدِه، ويَجْلِسَ فيه. مُتَّفَقٌ عليه (1). ولأنَّ المَسْجِدَ بَيْتُ اللَّهِ تَعالَى،
(1) أخرجه البخارى، في: باب لا يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد مكانه، من كتاب الجمعة. صحيح البخارى 2/ 10. ومسلم، في: باب تحريم إقامة الإنسان من موضعه. . . إلخ، من كتاب السلام. صحيح مسلم 4/ 1714، 1715. كما أخرجه الترمذى، في: باب كراهية أن يقام الرجل من مجلسه. . . إلخ، من أبواب الأدب. عارضة الأحوذى 10/ 208، 209. والدارمى، في: باب لا يقيمن أحدكم أخاه من مجلسه، من كتاب الاستئذان. سنن الدارمى 2/ 281، 282. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 17، 22، 45، 89، 102، 121، 124، 126، 149.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والنَّاسُ فيه سَواءٌ، العاكِفُ فيه والبادِى، فمَن سَبَق إلى مَكانٍ منه فهو أحَقُّ به؛ لقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ أحَقُّ بِهِ» (1). فإن قَدَّمَ صاحِبًا له، فجَلَسَ حتى إذا جاء قام صاحِبُه وأجْلَسَه، فلا بَأْسَ؛ لأنَّ النَّائِبَ يَقُومُ باخْتِيارِه. وقد رُوِىَ عن محمدِ بنِ سِيرِينَ، أنَّه كان يُرْسِلُ غُلامًا له يَوْمَ الجُمُعَةِ، فيَجْلِسُ في مكانٍ، فإذا جاء قام
(1) أخرجه أبو داود، في: باب في إقطاع الأرضين، من كتاب الإمارة. سنن أبى داود 2/ 158. وهو عنده بلفظ «ماء». وأخرجه البيهقى في السنن الكبرى 6/ 142. والطبرانى في الكبير 1/ 255.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الغُلامُ، وجَلَس فيه محمدٌ. فإن لم يَكُنْ نائِبًا فقامَ باخْتِيارِه ليُجْلِسَ آخَرَ مَكانَه، فلا بَأْسَ؛ لأنَّه قام باخْتِيارِ نَفْسِه، أشْبَه النَّائِبَ. وأمَّا القائِمُ فإنِ انْتَقَلَ إلى مثلِ مَكانِه الذى آثرَ به في القُرْبِ، وسَماعِ الخُطْبَةِ، فلا بَأْسَ، وإلَّا كُرِهَ له ذلك؛ لأنَّه يُؤْثِرُ على نَفْسِه في الدِّينِ، ويَحْتَمِل أن لا يُكْرَهَ إذا كان الذى آثرَه مِن أهْلِ الفَضْلِ، لأنَّ تَقْدِيمَهم مَشْرُوعٌ، لقَوْلِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«لِيَليَنِى مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامَ وَالنُّهَى» (1). ولو آثرَ شَخْصًا
(1) تقدم تخريجه في 4/ 443.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بمَكانِه، فليس لغيرِه أن يَسْبِقَه إليه؛ لأنَّه قام مَقامَ الجالِسِ في اسْتِحْقاقِ مَكانِه، أشْبَهَ ما لو تَحَجَّرَ مَواتًا، ثم آثَرَ به غيرَه. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يَجُوزُ؛ لأنَّ القائِمَ أسْقَطَ حَقَّه بالقِيامِ، فبَقِىَ علِى الأَصْلِ، فكان السَّابِقُ إليه أحَقَّ به، كمَن وَسَّعَ لرجل في طَرِيقٍ، فمَرَّ غيرُه. والصَّحِيحُ الأوَّلُ، ويُفارِقُ التَّوسِعَةَ في الطَّرِيقِ؛ لأنَّها جُعِلَتْ للمُرُورِ فيها، فمَن انْتَقَل مِن مكانٍ فيها لم يَبْقَ له حَقٌّ يُؤْثِرُ به، والمَسْجِدُ جُعِلَ للإِقامَةِ فيه، وكذلك لا يَسْقُطُ حَقُّ المُنْتَقِلِ منه إذا انْتَقَلَ لحاجَةٍ، وهذا إنَّما انْتَقَلَ مُؤْثِرًا لغيرِه، فأشْبَهَ النَّائِبَ الذى بَعَثَه (1) إنْسَانٌ ليَجْلِسَ في مَوْضِعٍ يَحْفَظُه له. ولو كان الجالِسُ مَمْلُوكًا، لم يَكُنْ لسَيِّدِه أن يُقِيمَه لعُمُومِ الخَبَرِ، ولأنَّ هذا ليس بمالٍ، وإنَّما هو حَقٌّ دِينىٌّ، فاسْتَوَى فيه العَبْدُ وسَيِّدُه، كالحُقُوقِ الدِّينِيَّةِ.
(1) في م: «يعينه» .