الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَفْعَلُ الْأَرْفَقَ بِهِ؛ مِنْ تَأْخِيرِ الأُولَى إِلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ، أوْ تَقْدِيم الثَّانِيَةِ إِلَيْهَا.
ــ
612 - مسألة: (ويَفْعَلُ الأرْفَقَ به؛ مِن تَأْخِيرِ الأُولَى إلى وَقْتِ الثّانِيَةِ، أو تَقْدِيمِ الثّانِيَةِ إليها)
هذا هو الصَّحِيحُ مِن المذْهَبِ، وعليه أكثرُ الأصْحابِ، وهو أنَّ المُسافِرَ مُخَيَّرٌ في الجَمْعِ بينَ التَّقْدِيمِ والتَّأْخِير. وظاهِرُ كَلامِ الخِرَقِىِّ أَنَّه لا يَجُوزُ الجَمْع إلَّا إذا كان سائِرًا في وَقْتِ الأُولَى، فيُؤَخِّرُها إلى وَقْتِ الثَّانِيَةِ. وهي رِوايَةٌ عن أحمدَ. ويُرْوَى ذلك عن سعدٍ، وابنِ عمرَ، وعِكْرِمَةَ، أخْذًا بحَدِيثَى ابنِ عمرَ وأنَسٍ الصَّحِيحَيْن. وقال القاضى: هذه الرِّوايَةُ هى الفَضِيلَةُ والاسْتِحْبابُ، وإن جَمَع بينَهما في وَقْتِ الأُولَى، جاز، نازِلًا كان أو سائِرًا، أوْ مُقِيمًا في بَلَدٍ إقامَةً لا تَمْنَعُ القَصْرَ. وهذا قَوْلُ عطاءٍ، وأكثرِ عُلماءِ المَدِينَةِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والشافعىِّ، وإسحاقَ، وابنِ المُنْذِرِ؛ لِما روَى مُعاذٌ، قال: خَرَجْنا مع رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةِ تَبُوكَ، فكان إذا ارْتَحَلَ قبلَ زَيْغِ الشَّمْسِ أخَّرَ الظُّهْرَ حتَّى يَجْمَعَها إلى العَصْرِ، فيُصَلِّيَهما جَمِيعًا، وإذا ارْتحَلَ بعدَ زَيْغ الشَّمْسِ، صَلَّى الظُّهْرَ والعَصْرَ جَمِيعًا ثم سار، وإذا ارْتَحَلَ قبلَ المَغْرِبِ أخَّرَ المَغْرِبَ حتَّى يُصَلِّيَها مع العِشاءِ، وإذا ارْتَحَلَ بعدَ المَغْرِبِ عَجَّلَ العِشَاءَ، فَصَلَّاهَا مع المَغْرِبِ. رَواه أبو داودَ، والتِّرمِذِىُّ (1)، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ. وروَى مالكٌ في «المُوَطَّأِ» (2)، عن أبى الزُّبَيْرِ، عن
(1) أخرجه أبو داود، في: باب الجمع بين الصلاتين، من كتاب السفر. سنن أبى داود 1/ 276. والترمذى، في: باب في الجمع بين الصلاتين، من أبواب السفر. عارضة الأحوذى 3/ 26، 27. كما أخرجه الإِمام أَحمد، في: المسند 5/ 241، 242.
(2)
في: باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر، من كتاب السفر. الموطأ 1/ 143. كما أخرجه مسلم، في: باب في معجزات النبى صلى الله عليه وسلم، من كتاب الفضائل. صحيح مسلم 4/ 1784. وأبو داود، في: باب الجمع بين الصلاتين، من كتاب السفر. سنن أبى داود 1/ 275. والنسائى، في: باب الوقت الذى يجمع فيه المسافر بين الظهر والعصر، من كتاب المواقيت. المجتبى 1/ 299. والدارمى، في: باب الجمع بن الصلاتين، من كتاب الصلاة. سنن الدارمى 1/ 356. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 237.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبى الطُّفَيْلِ، أنَّ مُعاذًا أخْبَرَهُ، أنَّهم خَرَجُوا مع رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةِ تَبُوكَ، فكان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بينَ الظُّهْرِ والعَصْرِ، والمَغْرِبِ والعِشاءِ. قال: فأخَّرَ الصلاةَ يَوْمًا، ثم خَرَج فَصَلَّى الظُّهْرَ والعَصْرَ جَمِيعًا ثم دَخَل، ثمَّ خَرَج فصَلَّى المَغْرِبَ والعِشاءَ جَمِيعًا. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثابِتُ الإِسْنادِ. وفى هذا الدَّليلِ أوْضَحُ الدَّلائلِ في الرَّدِّ على مَن قال: لا يَجْمَعُ بينَ الصَّلَاتيْن إلَّا إذا جَدَّ به السَّيْرُ؛ لأنَّه كان يَجْمَعُ وهو نازِلٌ غيرُ سائِرٍ، ماكِثٌ في خِبائِه، يَخْرُجُ فيُصَلِّي الصَّلَاتيْن جَمِيعًا، فتَعَيَّنَ الأَخْذُ بهذا الحديثِ، لثُبُوتِه وكَوْنِه صَرِيحًا في الحُكْمِ مِن غيرِ مُعارِضٍ له، ولأنَّ الجَمْعَ رُخْصَةٌ مِن رُخَصِ السَّفَرِ، فلم يَخْتَصَّ بحالَةِ السَّيْرِ، كالقَصْرِ والمَسْحِ ثَلاثًا، لكنَّ الأفْضَلَ التَّأْخِيرُ؛ لأنَّه أحْوَطُ، وفيه خُرُوجٌ مِن الخِلافِ عندَ القائِلِينَ بالجَمْعِ، وعَمَلٌ بالأحادِيثِ كُلِّها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والمَرِيضُ مُخيَّرٌ في التَّقْدِيمِ والتَّأْخِيرِ، كالمُسافِرِ. فإنِ اسْتَوَى عندَه الأمْرانِ، فالتَّأْخِيرُ أفْضَلُ؛ لِما ذَكَرْنا في المُسافِرِ. فأمَّا الجَمْعُ للمَطرِ فإنَّما يُفْعَلُ في وَقْتِ الأُولَى؛ لأنَّ السَّلَفَ إنَّما كانوا يَجْمَعُونَ في وَقْتِ الأُولَى، ولأنَّ تأْخِيرَ الأُولَى إلى وَقْتِ الثَّانيةِ يُفْضِى إلى المَشَقَّةِ بالانْتِظارِ، والخُرُوجِ في الظُّلْمَةِ، ولأنَّ العادَةَ اجْتِماعُ النَّاسِ للمَغْرِبِ، فإذا حَبَسَهم في المَسْجِدِ ليَجْمَعَ بينَ الصلاتَيْنِ في وَقْتِ الثَّانِيَةِ، كان أشَقَّ مِن أنْ يُصَلِّىَ كلَّ صلاةٍ في وَقْتِها. وإنِ اخْتارَ تَأْخيرَ الجَمْعِ، جاز. والمُسْتَحَبُّ أن يُؤَخِّرَ الأُولَى عن أوَّلِ وَقْتِها شيئًا. قال أحمدُ: يَجْمَعُ بينَهما، إذاْ اخْتَلَطَ الظَّلامُ قبلَ أن يَغِيبَ الشَّفَقُ، كذا (1) فَعَلَ ابنُ عمرَ. قيلَ لأبى عبدِ اللَّه: فكَأنَّ سُنَّةَ الجَمْعِ بينَ الصَّلاتَيْن في المَطرِ عندَك أن يَجْمَعَ قبلَ أن يَغِيبَ الشَّفَقُ، وفى السَّفَرِ (2) أن يُؤخِّرَ حتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ؟ قال: نعم.
فصل: ولا يَجُوزُ الجَمْعُ لغيرِ مَن ذَكَرْنا. وقال ابنُ شُبْرُمَة: يَجُوزُ
(1) في م: «الذى» .
(2)
في م: «الشفق» .