الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهِىَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُل مُسْلِمٍ، ذَكَرٍ، مُكَلَّفٍ، حُرٍّ، مُسْتَوْطِنٍ ببنَاءٍ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ أَكْثَرُ مِنْ فَرْسَخٍ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ.
ــ
627 - مسألة: (وهى واجِبَةٌ على كلِّ مُسْلِمٍ، مُكَلَّفٍ، ذَكَرٍ، حُرٍّ، مُسْتَوْطِنٍ ببِناءٍ، ليس بينَه وبينَ مَوْضِعِ الجُمُعَةِ أكْثَرُ مِن فَرْسَخٍ، إذا لم يَكُنْ لَه عُذْرٌ)
يُشْتَرَطُ لوُجُوبِ الجُمُعَةِ ثمانِيَةُ شُرُوطٍ؛ الإِسْلَامُ، والعَقْلُ، والذُّكُورِيَّةُ. فهذه الثَّلَاثةُ لا خِلافَ في اشْتِراطِها لوُجُوبِ الجُمُعَةِ وانْعِقادِها؛ لأنَّ الإسْلامَ والعَقْلَ شَرْطان للتَّكْلِيفِ وصِحَّةِ العِبادَةِ المَحْضَةِ، والذُّكُورِيَّةَ شَرْط لوُجُوبِ الجُمُعَةِ وانْعِقادِها؛ لِما ذَكَرْنا مِن الحَدِيثِ، ولأنَّ الجُمُعَةَ يَجْتَمِعُ لها الرجالُ، والمرْأةُ ليستْ مِن أهْلِ الحُضُورِ في مَجامِعِ الرِّجالِ، ولكنَّ الجُمُعَةَ تَصِحُّ مِنها، فإنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم-
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كان النِّساءُ يُصَلِّين معه في الجَماعَةِ. الرَّابعُ.، البُلُوغُ، وهو شَرْطٌ لوُجُوبِ الجُمُعَةِ وانْعِقادِها، في الصَّحيحِ مِن المَذْهَبِ؛ للحَدِيثِ المَذْكُورِ. وهذا قولُ أكثرَ أهْلِ العِلْمِ، ولأنَّ البُلُوغَ مِن شَرائِطِ التَّكْلِيفِ؛ لقَوْلِه صلى الله عليه وسلم:«رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاَثةٍ، عَنَ الصَّبِىِّ حَتَّى يَبْلُغَ» (1). وذَكَر بعضُ أصحابِنا في الصَّبِىِّ المُمَيِّزِ رِوايَةً في وُجُوبِها عليه، بِناءً على تَكْلِيفِه. ولا مُعَوَّلَ عليه. والخامِسُ، الحُرِّيَّةُ السَّادِسُ، الاسْتِيطانُ بقَرْيَةٍ. وسَنَذْكُرُ ذلك في مَوْضِعِه، إن شاء اللَّهُ تعالى. السَّابعُ، أن لا يكونَ بينَه وبينَ مَوْضِعِ الجُمُعَةِ أكثَرُ مِن فَرْسَخٍ. وهذا الشَّرْطُ في حَقِّ غيرِ أهْلِ المِصْرِ، أمَّا أهْلُ المِصْرِ فيَلْزَمُهُم كلَّهم الجُمُعَةُ، بَعُدُوا أو قَرُبُوا. نصَّ عليه أحمدُ، فقال: أمَّا أهْلُ المِصْرِ فلابُدَّ لهم مِن شُهُودِها، سَمِعُوا النِّداءَ أو لم يَسْمَعُوا؛ وذلك لأنَّ البَلَدَ الواحِدَ يُبْنَى لِلْجُمُعَةِ، فلا فَرْقَ فيه بينَ القَرِيبِ والبَعِيدِ، ولأنَّ المِصْرَ لا يَكادُ يكونُ أكْثَرَ مِن فَرْسَخ. فهو في مَظِنَّةِ القُرْب، فاعْتُبِرَ ذلك. وهو قولُ أصحابِ الرَّأىِ، ونحْوُه قولُ الشافعىِّ. فأَمَّا غيرُ أهْلِ المِصْر، فمَن كان بينَه وبينَ الجامِعِ فَرْسَخٌ فما دُونَ، فعليه الجُمُعَةُ، وإلَّا فلا جُمُعَةَ عليه. ورُوِىَ نحْوُ هذا عن سَعِيدِ ابنِ المُسَيَّب. وهو قولُ مالِكٍ، واللَّيْثِ. وروَى عبدُ اللَّهِ بنُ عَمْرو، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«الجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ» . رَواه أبو داودَ (2).
(1) تقدم تخريجه في 3/ 15 بنحوه.
(2)
في: باب من تجب عليه الجمعة، من كتاب الصلاة. سنن أبى داود 1/ 243.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والأشْبَهُ أنَّه مِن كلامِ ابنِ عَمْرو؛ ولأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال للأعْمَى الذى قال: ليس لى قائِدٌ يَقُودُنِى: «أتَسْمَعُ النِّدَاءَ؟» . قال: نعم. قال: «فَأَجِبْ» (1). ولأنَّه داخِلٌ في قولِه تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} . ورُوِىَ عن ابنِ عمرَ، وأبى هُرَيْرَةَ، وأنَس، والحسنِ، ونافِعٍ، وعِكْرِمَةَ، وعَطاءٍ، والأوْزاعِىِّ، أنَّهم قالوا: الجُمُعَةُ على مَن أواهُ اللَّيْلُ إلى أهْلِه؛ لِما روَى أبو هُرَيْرَةَ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ أوَاهُ اللَّيْلُ إلَى أهلِهِ» (2). وقال أصحابُ الرَّأىِ: لا جُمُعَةَ على مَن كان خارِجَ المصْرِ؛ لأنَّ عُثْمانَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، صَلَّى العِيدَ في يَوْمِ جُمُعَةٍ، ثم قال لأهْلِ العَوالِى (3): مَن أرادَ منكم أن يَنْصَرِفَ فلْيَنْصَرِفْ، ومَن أرادَ أن يُقِيمَ حتى يُصَلِّىَ الجُمُعَةَ فَلْيُقِمْ (4). ولأنَّهم خارِجُ المِصْرِ، فأشْبَهُوا أهْلَ الحِلَلِ. ولَنا، قولُ اللَّهِ تعالى:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} . وهذا يَتَناوَلُ غيرَ أهلِ المِصْرِ إذا سَمِعُوا النّداءَ، وحَدِيثُ عبدِ اللَّهِ بنِ عَمْرٍو، ولأنَّهم مِن أهْلِ الجُمُعَةِ يَسْمَعُون النِّداءَ، فأشْبَهُوا أهْلَ المِصْرِ. وترْخِيصُ عثمانَ لأهْل
(1) تقدم تخريجه في 4/ 268.
(2)
ذكره الترمذى، في: باب ما جاء من كم تؤتى الجمعة، من أبواب الجمعة. عارضة الأحوذى 2/ 290.
(3)
العوالى: ضيعة بينها وبين المدينة أربعة أميال. معجم البلدان 3/ 743.
(4)
سقط من النسخ، وأثبتناه من المغنى. وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه مرفوعا وموقوفا. المصنف 3/ 304، 305.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
العَوالِى إنَّما كان لأنَّه إذا اجْتَمَعَ عِيدان اجْتُزِئَ بالعِيدِ، وسَقَطَتِ الجُمُعَةُ عن مَن حَضَر العِيدَ غيرَ الإِمامِ. وقِياسُ أهْلِ القُرَى على أهْلِ الحِلَلِ لا يَصِحُّ؛ لأنَّ الحِلَلَ لا تُعَدُّ للاسْتِيطانِ، ولا هم ساكِنُون بقَرْيَةٍ، ولا في مَوْضِعٍ جُعِلَ للاسْتِيطانِ. وقد ذَكَر القاضى أنَّ الجُمُعَةَ تَجِبُ عليِهم إذا كانوا بمَوْضِعٍ يَسْمَعُون النِّداءَ، كأهْلِ القَرْيَةِ. وأمَّا ما احْتَج به الآخرُون مِن حَدِيثِ أبى هُرَيْرَةَ فهو غيرُ صَحِيح، يَرْوِيه عبدُ اللَّهِ بنُ سعِيدٍ المقْبُرِىُّ، وهو ضَعِيفٌ. قال أحمدُ بنُ الحسنِ (1): ذَكَرْتُ هذا الحدِيث لأحمدَ بنِ حَنْبَل، فغَضِبَ وقال: اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ، اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ. وإنَّما فَعَل هذا؛ لأنَّه لم يَرَ الحَدِيثَ شيئًا بحالِ إسْنادِه، قالَه التِّرْمِذِىُّ (2). وأمَّا اعْتِبارُ حَقِيقَةِ النِّداءِ فغيرُ مُمْكِنٍ؛ لأنَّه قد يكونُ في النّاسِ الأصَمُّ وثَقِيلُ السَّمْعِ، وقد يكونُ النِّداءُ بينَ يَدَىِ المِنْبَرِ فلا يَسْمَعُه إلَّا أهْلُ المَسْجِدِ، وقد يكونُ المُؤَذِّنُ خَفِىَّ الصَّوْتِ، أو في يَوْمِ رِيحٍ، أو يكونُ المُسْتَمِعُ نائِمًا أو مَشْغُولًا بما يَمْنَعُ السَّماعَ، ويَسْمَعُ مَن هو أبعَدُ مِنه، فيُفْضِى إلى وُجُوبِها على البَعِيدِ دُونَ القَرِيبِ، وما هذا سَبِيلُه يَنْبَغِى أن يُقَدَّرَ بمقدارٍ لا يَخْتَلِفُ،
(1) أبو الحسن أحمد بن الحسن الترمذى، حدث البخارى عنه في «الصحيح» عن الإمام أحمد ، ونقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة. طبقات الحنابلة 1/ 37، 38.
(2)
انظر: عارضة الأحوذى 2/ 290، 291.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والمَوْضِعُ الذى يُسْمَعُ مِنه النِّداءُ في الغالِبِ، إذا كانتِ الأصْواتُ هادِئَةً، والموانِعُ مُنْتَفِيَةً، والرِّيحُ ساكِنَةً، والمُؤَذِّنُ صَيِّتًا على مَوْضِعٍ عالٍ، والمُسْتمِعُ غيرَ ساهٍ، فرْسَخ، أو ما قارَبَهُ، فحُدَّ به. واللَّهُ أعلمُ.
فصل: وأهلُ القَرْيَةِ لا يَخْلُونَ مِن حالَيْن، إمَّا أن يكونَ بينَهم وبينَ المِصْرِ أكْثرُ مِن فرْسَخٍ [أوْ لا، فإن كان بينَهم أكثرُ مِن فَرْسَخٍ](1) لم يَجِبْ عليهم السَّعْىُ إلى الجُمُعَةِ، وحالُهم مُعْتَبَرٌ بأنْفُسِهم، فإن كانوا أرْبَعِين واجْتَمَعَتْ فيهم الشَّرائِطُ، فعليهم إقامَةُ الجُمُعَةِ، ولهم السَّعْىُ إلى المِصْرِ، والأفْضَلُ إقامَتُها في قَرْيتهم، لأنَّه متى سَعَى بَعْضُهم اخْتَلَّ على الباقِين إقامَةُ الجُمُعَةِ، وإذا أقامُوا حَضَرُوها جَمِيعُهم، ولأنَّ في إقامَتِها في
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَوْضِعِهم تَكْثِيرَ جَماعاتِ المُسْلِمين. وإن كانوا مِمَّن لا تَجِبُ عليهم الجُمُعَةُ بأنْفُسِهِم، فهم مُخَيَّرُون بينَ السَّعْىِ إلى المِصْرِ، وبينَ الإِقامَةِ ويُصَلُّون ظُهْرًا، والسَّعْىُ أفْضَلُ؛ ليَحْصُلَ لهم فَضْلُ السَّاعِى إلى الجُمُعَةِ، ويَخْرُجُوا مِن الخِلافِ. الحالُ الثانِى، أن يكونَ بينَهم وبينَ المِصْرِ فَرْسَخٌ فما دونَ، فإن كانوا أقَلَّ مِن أرْبَعِين، فعليهم السَّعْىُ إلى الجُمُعَةِ؛ لِما بَيَّنا. وإن كانوا مِمَّن تَجِب عليهم الجُمُعَةُ بأنْفُسِهم، وكان مَوْضِعُ الجُمُعَةِ القَرِيبُ قَرْيَةً أُخْرَى، لم يَلْزَمْهم السَّعْىُ إليها، وصلَّوْا في مَكانِهم؛ إذ ليست إحْدَى القَرْيَتَيْن أوْلَى مِن الأخْرَى، ولهم السَّعْىُ إليها، وإقامَتُها في مَكانِهم أفْضَلُ، كما ذَكَرْنا. فإن سَعَى بَعضُهم فنَقَصَ عَدَدُ الباقِين، لَزِمَهم السَّعْىُ؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لئَلَّا يُؤدِّىَ إلى تَرْكِ الجُمُعَةِ الواجِبَةِ، وإن كان مَوْضِعُ الجُمُعَةِ القَرِيبُ مِصْرًا، فهم مُخَيَّرُون أيضًا بينَ السَّعْىِ إليه، وإقامَتِها في مَكانِهِم، كالتى قَبْلَها. ذَكَرَه ابنُ عَقِيلٍ. وعن أحمدَ، أنَّ السَّعْىَ يَلْزَمُهم، إلَّا أن يكون لهم عُذْرٌ فيُصَلُّون جُمُعَة. والأوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّ أهْلَ القَرْيَةِ لا تَنْعَقِدُ بهم جُمُعَةُ أهْلِ المِصْرِ، فكان لهم إقامَةُ الجُمُعَةِ في مَكانِهم، كالتى قبلَها، ولأنَّ أهْلَ القُرَى يُقِيمُون الجُمَعَ في بِلادِ الإِسْلامِ في مثلِ ذلك مِن غيرِ نَكيرٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فكان إجْماعًا. الشَّرْطُ الثَّامِنُ، انْتِفاءُ الأعْذارِ، وقد ذَكَرْنَاها في آخِرِ صلاةِ الجَماعَةِ بما يُغْنِى عن إعادَتِها (1). والمَطَرُ الذى يَبُلُّ الثِّيابَ، والوَحْلُ الذى يَشُقُّ المَشْىُ فيه مِن جُمْلَةِ الأعْذارِ. وحُكِىَ عن مالكٍ، أنَّه كان لا يَجْعَلُ المَطَرَ عُذْرًا في التَّخَلُّفِ عنها. ولَنا، أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ أمَرَ مُؤَذِّنَه في يَوْمِ جُمُعَةٍ في يَوْمِ مَطَرٍ، فقال: إذا قُلْتَ: أشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللَّهِ. فلا تَقُلْ حَىَّ على الصَّلاةِ. قُلْ صَلُّوا في بُيُوتِكم. قال: فكأنَّ النَّاْسَ اسْتَنْكَرُوا ذلك. فقال: أتَعْجَبُون مِن ذا؟ فَعَل هذا مَن هو خَيْرٌ مِنِّى، إنَّ الجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وإنِّى كَرِهْتُ أن أُخْرِجَكم إليها فتَمْشُون في الطِّينِ والدَّحْضِ. أخْرَجَه مُسْلِمٌ (2). ولأنَّه عُذْرٌ في تَرْكِ الجَماعَةِ (3)، فكان عُذْرًا في تَرْكِ الجُمُعَةِ، كالمَرَضِ.
فصل: والعَمَى ليس بعُذْرٍ في تَرْكِ الجُمُعَةِ. وقال أبو حنيفةَ: لا تَجِبُ على الأعْمَى. ولَنا، عُمُومُ الآيَةِ والأخْبارِ. وقد قال النبىُّ صلى الله عليه وسلم للأعْمَى الذى اسْتَأْذَنه في تَرْكِ الخُرُوجِ إلى الصَّلاةِ:«أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ؟» قال: نعم. قال: «أَجِبْ» (4). واللَّه أعْلمُ.
(1) انظر ما تقدم في 4/ 464، وما بعدها.
(2)
تقدم تخريجه في 4/ 470.
(3)
بعده في م: «وقال أبو حنيفة لا تجب» .
(4)
تقدم تخريجه في 4/ 268.