الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا تَجِبُ عَلَى مُسَافِرٍ، وَلا عَبْدٍ، وَلَا امْرأةٍ، وَلَا خُنْثَى،
ــ
628 - مسألة: (ولا تجبُ على مُسافِرٍ، ولا عَبْدٍ، ولا امْرَأةٍ، ولا خُنْثَى)
أمّا المَرْأَةُ، فلا خِلافَ في أنَّها لا تَجِبُ عليها الجُمُعَةُ. حَكاه ابنُ المُنْذِرِ إجْماعًا. وحُكْمُ الخُنْثَى حُكْمُ المرْأَةِ؛ لأنَّه لا يُعْلَمُ كَوْنُه رجلًا. وأمَّا المُسافِرُ فلا جُمُعَةَ عليه في قولِ أكْثَرِ أهلِ العِلْمِ؛ منهم مالكٌ في أهْلِ المَدِينَةِ، والثَّوْرِىُّ في أهْلِ العِراقِ، والشافعىُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ. وحُكِىَ عن الزُّهْرِىِّ، والنَّخَعىِّ، أنَّها تَجبُ عليه؛ لأنَّ الجَماعَةَ تَجِبُ عليه، فالجُمُعَةُ أوْلَى. ولَنا، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان يُسافِرُ فلا يُصَلِّى الجُمُعَةَ في سَفَرِه، وكان في حَجَّةِ الوَداعِ يَومَ عَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، فصَلَّى الظُّهْرَ والعَصْرَ جَمَع بينَهما، ولم يُصَلِّ جُمُعَةً، والخُلفَاءُ الرَّاشِدُون، رَضِىَ اللَّه عنهم، كانوا يُسافِرُون في الحَجِّ وغيرِه، فلم يُصَلِّ أحَدٌ منهم الجُمعَةَ في سَفَرِه، وكذلك غيرُهم مِن أصحابِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ومَن بعدَهم. قال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إبراهيمُ: كانوا يُقِيمُون بالرَّىِّ (1) السَّنَةَ وأكثرَ مِن ذلك، وبسجِسْتان (2) السِّنِين (3) لا يُجَمِّعُون ولا يُشَرِّقُون. رَواه سَعيدٌ (4). وهذا إجْماعٌ، مع السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ، لا يَسُوغُ مُخالَفَتُه.
فصل: وإذا أجْمَعَ المُسافِرُ إقامَةً تَمْنَعُ القَصْرَ، ولم يَنْوِ الاسْتِيطانَ، كطالِبِ العِلْمِ أو الرِّباطِ، أو التَّاجِرِ ونحوِه، ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، تَلْزمُه الجُمُعَةُ؛ لعُمُومِ الآيةِ والأَخْبارِ. والثَّانِى، لا تَجبُ عليه؛ لأنَّه غيرُ مُسْتَوْطِنٍ، والاسْتِيطانُ مِن شَرائِطِ الوُجُوبِ، ولأنَّه لم يَنْوِ الإِقامَةَ في هذا البَلَدِ على الدَّوامِ، أشْبَهَ أهْلَ القَرْيَةِ الذين يَسْكُنُونَها صَيْفًا وَيظْعَنُون عنها شِتاءً، ولأنَّهم كانوا يُقِيمُون السَّنَةَ والسَّنَتَيْن لا يُجَمِّعُون ولا يُشَرِّقُون، أى لا يُصَلُّون جُمُعَةً ولا عِيدًا. فإن قُلْنا: تَجِبُ عليهم الجُمُعَةُ. فالظَّاهِرُ أنَّها لا تَنْعَقِدُ به، لعدَمِ الاسْتِيطانِ الذى هو مِن شُرُوطِ الانْعِقادِ.
(1) في م: «بالقرى» . والرى: قصبة بلاد الجبال، مدينة مشهورة. معجم البلدان 2/ 892.
(2)
سجستان: ناصية كبيرة، وولاية واسعة، بينها وبين هراة ثمانون فرسخًا. معجم البلدان 3/ 41.
(3)
في م: «السنتين» .
(4)
أخرجه بنحوه ابن أبى شيبة في مصنفه 2/ 104.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فأمَّا العَبْدُ، فالمَشْهُورُ في المَذْهَب أنَّها لا تَجبُ عليه. وهو قولُ (1) مَن سَمَّيْنا في حَقِّ المُسافِر. وفيه رِوايَةٌ أُخْرَى، أنَّها تَجِبُ عليه. نَقَلَها عنه المَرُّوذِىُّ. وهى اخْتِيارُ أبى بكرٍ، إلَّا أنَّه لا يَذْهَبُ مِن غيرِ إذْنِ سَيِّدِه. وهو قولُ طائِفَةٍ مِن أهْلِ العِلْمِ، واحْتَجُّوا بعُمُومِ الآيَةِ، ولأنَّ الجَماعَةَ تَجِبُ عليه، والجُمُعَةُ آكَدُ مِنها. وحُكِىَ عن الحسنِ، وقَتادَةَ، أنَّها تَجِبُ على العَبْدِ الذى يُؤَدِّى الضَّرِيبَةَ؛ لأنَّ حَقَّ السَّيِّدِ عليه قد (2) تَحَوَّلَ إلى المالِ، أشْبَهَ المَدِينَ. ولَنا، ما روَى طارِقُ بنُ شِهابٍ، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«الجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِم، إلَّا أرْبعَةً؛ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أوِ امْرَأةٌ، أوْ صَبِىٌّ، أوْ مَرِيضٌ» . رَوَاه أبو داودَ (3)، وقال: طارِقٌ رَأى النبىَّ صلى الله عليه وسلم ولم يَسْمَعْ منه، وهو مِن أصحابِه. وعن
(1) سقط من: م.
(2)
في النسخ: «فلا» ، والمثبت من المغنى.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 159.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جابِرٍ، أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِرِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إلَّا مَرِيضًا، أوْ مُسَافِرًا، أَوِ امْرأةً، أَو صَبِيًّا، أوْ مَمْلُوكًا» . رَواه الدَّارَقُطْنِىُّ (1). ولأنَّ الجُمُعَةَ يَجِبُ السَّعْىُ إليها مِن مَكانٍ بَعِيدٍ، فلم تَجِبْ عليه الجُمُعَةُ، كالحَجِّ والجِهادِ، ولأنَّه مَحْبُوسٌ على السَّيِّدِ، أشْبَهَ المَحْبُوسَ بالدَّيْنِ، ولأنَّها لو وَجَبَتْ عليه لجاز له السَّعْىُ إليها مِن غيرِ إذْنِ السَّيِّدِ، كسائِرِ الفَرائِضِ، والآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بذوى الأعْذارِ، وهذا منهم.
فصل: وحُكْمُ المُكاتَبِ والمُدَبَّرِ في ذلك حُكْمُ القِنِّ، لبَقَاءِ الرِّقِّ فيهما. وكذلك مَن بعضُه حُرٌّ، فإنَّ حَقَّ السَّيِّدِ مُتَعَلِّقٌ به. وكذلك لا يَجِبُ عليه شئٌ مِمّا [لا يَجِبُ على العبيدِ](2).