الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِذَا فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ، أَوْ خيَامَ قَوْمِهِ.
ــ
601 - مسألة: (إذا جاوَزَ بُيُوتَ قَرْيته، أو خِيامَ قَوْمِه)
وجُمْلَةُ ذلك، أنَّه ليس لمن نَوَى السَّفَرَ القَصْرُ حتى يَشْرَعَ في السَّفَرِ بخُرُوجِه مِن بُيُوتِ قَرْيته. وهذا قَوْلُ مالكٍ (1)، والشافعىِّ، والأوْزاعِىِّ، وإسحاقَ. وحُكِىَ ذلك عن جَماعَةٍ مِن التَّابِعِين. وحُكِىَ عن عَطاءٍ، وسليمانَ بنِ موسى، أنَّهما أباحا القَصْرَ في البَلدِ لمَن نَوَى السَّفَرَ. وعن الحارثِ بن أبى رَبِيعَةَ، أنه أراد سَفَرًا، فصَلَّى بهم في مَنْزِلِه رَكْعَتَيْن، وفيهم الأسْوَدُ ابنُ يَزِيدَ وغيرُه مِن أصْحابِ عبدِ اللَّهِ. وروَى عُبَيْدُ بنُ جُبَيْرٍ (2)، قال: رَكِبْتُ مع أبى بَصْرَةَ الغِفارِىِّ في سَفِينَةٍ مِن الفُسْطاطِ، في شَهْرِ رمضانَ، فدَفَعَ، ثم قُرِّبَ غَدَاه، فلم يُجاوِزِ البُيُوتَ حتى دَعَا بالسُّفْرَةِ، ثم قال: اقْتَرِبْ. قُلْتُ: ألَسْتَ تَرَى البُيُوتَ؟ قال أبو بَصْرَةَ: أَتَرْغَبُ عن سُنَّةِ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم. فأَكَلَ. رَواه أبو داودَ (3). ولَنا، قولُه تعالى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} . ولا
(1) سقط من: م.
(2)
في الأصل: «حنين» .
(3)
في: باب متى يفطر المسافر إذا خرج، من كتاب الصيام. سنن أبى داود 1/ 562.كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 6/ 398. وانظر: عون المعبود 2/ 293، في تعليقه على «فدفع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يكونُ ضاربًا [في الأرض](1) حتى يَخْرُجَ. وقد رُوِىَ عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه إنَّما كان يَبْتَدِئُ القَصْرَ إذا خَرَج مِن المَدِينَةِ (2). فرَوَى أنَسٌ قال: صَلَّيْتُ مع النبىِّ صلى الله عليه وسلم بالمَدِينَةِ أرْبَعًا، وبذى الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْن. مُتَّفَقٌ عليه (3). فأمَّا أبو بَصْرَةَ، فإنَّه لم يَأْكُلْ حتى دَفَع، بدَلِيلِ قوْلِ عُبَيْدٍ له: ألَسْتَ تَرَى البُيُوتَ؟ وقولُه: لم يُجاوِزِ البُيوتَ: مَعْناه لم يَيْعُدْ منها. إذا ثَبَت هذا،
(1) سقط من: م.
(2)
أخرج نحوه البخارى، في: ترجمة باب يقصر إذا خرج من موضعه، من كتاب التقصير. صحيح البخارى 2/ 54.
(3)
أخرجه البخارى، في: باب من بات بذى الحليفة حتى أصبح، وباب رفع الصوت بالإهلال، وباب التحميد والتسبيح. . . إلخ، وباب نحر البدن قائمة، من كتاب. الحج، وفى: باب الخروج بعد الظهر، من كتاب الجهاد. صحيح البخارى 2/ 170، 210، 4/ 59. ومسلم، في: باب صلاة المسافرين وقصرها، من كتاب المسافرين. صحيح مسلم 1/ 480.كما أخرجه أبو داود، في: باب في وقت الإحرام، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 411. والنسائى، في: باب صلاة العصر في السفر، من كتاب الصلاة. المجتبى 1/ 192.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإنَّه يَجُوزُ القَصْرُ، وإن كان قَرِيبًا. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كلُّ مَن نَحْفَظُ عنه مِن أهْلِ العِلْمِ، أنَّ للذى يُرِيدُ السَّفَرَ أن يَقْصُرَ الصلاةَ إذا خَرَج مِن بُيوتِ القَرْيَةِ التى يَخْرُجُ منها. وروِىَ عن مُجاهِدٍ، أنَّه قال: إذا خَرَجْتَ مُسافِرًا فلا تَقْصُرِ الصلاةَ يَوْمَكَ ذلك إلى اللَّيْلِ، وإذا رَجَعتَ فلا تَقْصُرْ لَيْلَتَكَ حتى تُصْبِحَ. والآيَةُ تَدُلُّ على خِلافِ قَوْلِه. ورُوِىَ أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا خَرَج مِن المَدِينَةِ لا يَزِيدُ على رَكْعَتَيْن حتى يَرْجِعَ إليها (1). وقد ذَكَرْنا حَدِيثَ أبى بَصْرةَ. وقال البخارِي: خَرَج علىٌّ فقَصَر وهو يَرَى البُيوتَ، فلمَّا رَجَع قِيلَ له: هذه الكُوفَةُ. قال: لا حتى نَدْخُلَها (2).
فصل: فإن خَرَج مِن البَلَدِ، وصار بينَ حِيطانِ بَساتِينه، فله القَصْرُ؛ لأنَّه قد تَرَك البُيوتَ وراءَ ظَهْرِه. وإن كان حَوْلَ البَلَدِ خَرابٌ قد تَهَدَّمَ وصار فَضاءً، أُبِيحَ القَصْرُ فيه كذلك (3). وإن كانت حِيطانُه قائِمةً،
(1) أخرجه ابن ماجه، في: باب ما جاء في الوتر في السفر، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 377. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 124.
(2)
رواه البخارى معلقا، في: باب يقصر إذا خرج من موضعه، من كتاب التقصير. صحيح البخارى 2/ 54.
(3)
في الأصل: «لذلك» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فكذلك، قاله الآمِدِىُّ. وقال القاضى: لا يُباحُ. وهو مَذْهَبُ الشافعىِّ؛ لأنَّ السُّكْنَى فيه مُمْكِنَة، أشْبَهَ العامِر. ولَنا، أنَّها غيرُ مُعَدَّةٍ للسُّكْنَى، أشْبَهَتْ حِيطانَ البَساتينِ. وإن كان في وَسَطِ البَلَدِ نَهْر فاجْتازَه، فليس له القَصْرُ؛ لأنَّه لم يَخْرُجْ مِن البَلَدِ، ولم يُفارقِ البُنْيانَ، فأَشْبَهَ الرَّحْبَةَ والمَيْدانَ في وَسَطِ البَلَدِ. وإن كان للبَلَدِ مَحَالٌّ، كلُّ مَحَلَّةٍ مُنْفَرِدَةٌ عن الأُخْرَى كبَغْدادَ، فمتى خَرَج مِن مَحَلَّتِه أُبِيحَ له القَصْرُ إذا فارَقَ مَحَلَّتَه. وإن كان بعضُها مُتَّصِلًا ببَعْض، لم يَقْصُرْ حتى يُفارِقَ جَمِيعَها (1). ولو كانت قَرْيَتان مُتَدانيَتَيْن، فاتَّصَل بِناءُ إحْداهما بالأُخْرَى، فهما كالواحِدَةِ، وإن لم يَتَّصِلْ، فلكلِّ قَرْيةٍ حُكْمُ نَفْسِها.
فصل: وحُكْمُ السَّفَرِ مِن الخِيامِ والحِلَلِ حُكْمُ السَّفَرِ مِن القُرَى فيما ذَكَرْنا، متى فارَقَ حِلَّتَه قَصَرَ، وإن كانت حِلَلًا، فلكلِّ حِلَّةٍ حُكْمُ نَفْسِها، كالقُرَى. وإن كان بَيْتُه مُنْفَرِدًا، فحتى يُفارِقَ مَنْزِلَه ورَحْلَه، ويَجْعَلَه وراءَ ظَهْرِه، كالحَضَرِىِّ. وقال القاضى: إن كان نازِلًا في وادٍ
(1) في م: «جميعا» .