الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ فَرَّقَهُمْ أرْبَعًا، فَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً، صَحَّتْ صَلَاةُ الأُولَيَيْنِ، وَبَطَلَتْ صَلَاةُ الْإمَامِ، وَالأُخْرَيَيْنِ إِنْ عَلِمَتَا بُطلانَ صَلَاتِهِ.
ــ
619 - مسألة: (وإِن فَرَّقَهم أرْبَعًا، فصَلَّى بكُلِّ طائِفَةٍ رَكْعَةً، صَحَّتْ صلاةُ الأُولَيَيْنِ، وبَطَلَتْ صلاةُ الإِمامِ، والأخْرَيَيْن إن عَلِمَتا بُطْلانَ صلاتِه)
وجُمْلَةُ ذلك أنَّه متى فَرَّقَهُم الإِمامُ في صلاةِ الخَوْفِ أكْثَرَ مِن فِرْقَتَيْن، مثلَ أن فَرَّقَهُم أرْبَعَ فِرَقٍ، فصَلَّى بكل طائِفَةٍ رَكْعَةً، أو ثَلَاثَ فِرَقٍ فصَلَّى بالأُولَى رَكْعَتَيْن، وبالباقِيَتَيْن (1) رَكْعَةً رَكْعَةً (2) صَحَّتْ صلاةُ الأُولَيَيْن، لأنَّهُما إنَّما ائْتَما بمَن صلاتُه صَحِيحَةٌ، ولم يُوجَدْ منهما ما يُبْطِلُ
(1) في الأصل: «بالثانيتين» .
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صلَاتهما، وتَبْطُلُ صلاةُ الإِمامِ بالانْتِظارِ الثّالِثِ؛ لأنَّه لم يَرِدِ الشَّرْعُ به، فأبْطَلَ الصلاةَ، كما لو فَعَلَه مِن غيرِ خَوْفٍ، وسَواءٌ فَعَل ذلك لحاجَةٍ أو غيرِها؛ لأنَّ التَّرَخُّصَ إنَّما يُصارُ إليه فيما وَرَد به الشَرْعُ، وتَبْطُلُ صَلاةُ الثَّالِثَةِ والرَّابِعَةِ؛ لائْتِمَامِهما بمَن صلاتُه باطِلَةٌ، فأشْبَهَ ما لو كانت باطِلَةً مِن (1) أوَّلِهَا. فإن لم يَعْلَما ببُطْلَانِ صَلاةِ الإِمامِ، فقال ابنُ حامِدٍ: لا تَبْطُلُ صلاتُهما؛ لأنَّ ذلك مِمّا يَخْفَى، فلم تَبْطُلْ صلاةُ المَأْمُومِ، كما لو ائْتَمَ بمُحْدِثٍ لا يَعْلَمُ حَدَثَه. ويَنْبَغِى على هذا أن يَخْفَى على الإِمامِ والمَأْمُومِ، اعْتَبَرْنا ذلك في المُحْدِثِ. قال شيخُنا (2): ويَحْتَمِلُ أن لا تَصِحَّ صلاتُهما؛ لأنَّ الإِمامَ والمَأْمُومَ يَعْلَمان وُجُودَ المُبْطِلِ. وإنَّما
(1) في م: «في» .
(2)
في: المغنى 3/ 309.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ، أنْ يُصَلِّىَ بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً، ثُمَّ تَمْضِىَ إلَى الْعَدُوِّ،
ــ
خَفِىَ عليهم حُكْمُه، فلم يَمْنَعْ ذلك البُطْلانَ، لو عَلِمَ حَدَثَ الإِمامِ، ولم يَعْلَمْ كَوْنَه مُبْطلًا. وقال بعضُ الشافِعِيَّةِ كقَوْلِ ابنِ حامِدٍ. وقال بعضُهم: تَصِحُّ صلاةُ الجَمِيعِ؛ لأنَّ الحاجَةَ تَدْعُو إليه، أشْبَهَ الفِرْقَتَيْن. ولَنا، أنَّ الرُّخَصَ إنَّما تُتَلَقَّى مِن الشَّرْعِ، وهذا لم يَرِدْ به الشَّرْعُ، فلم يَجُزْ (1)، كغَيْرِ الخَوْفِ. واللَّه أعلمُ.
(الوَجْهُ الثّالِثُ، أن يُصَلِّىَ) كما روَى ابنُ عمرَ، قال: صَلَّى النبىُّ
(1) في م: «يجزئه» .
وَتَأْتِىَ الأُخْرَى فَيُصَلِّىَ بِهَا رَكْعَةً، وَيُسلِّمَ وَحْدَهُ، وَتَمْضِىَ هِىَ، ثُمَّ تَأْتِىَ الْأُولَى فَتُتِمَّ صَلَاتَهَا.
ــ
صلى الله عليه وسلم صلاةَ الخَوْفِ بإحْدَى الطَّائِفَتَيْن رَكْعَةً وسَجْدَتَيْن، والطّائِفَةُ الأُخْرَى مُواجِهَةُ العَدُوِّ، ثم انْصَرَفُوا وقامُوا في مَقامِ أصْحابِهِم مُقْبِلِين على العَدُوِّ، وجاء أُولئِك، ثم صَلَّى لهم النبىُّ صلى الله عليه وسلم رَكْعَةً، ثم سَلَّمَ، ثم قَضَى هؤلاء رَكْعَةً، وهؤلاء رَكْعَةً. مُتَّفقٌ عليه (1).
(1) أخرجه البخارى، في: باب غزوة ذات الرقاع، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 5/ 146. ومسلم، في: باب صلاة الخوف، من كتاب صلاة المسافرين. صحيح مسلم 1/ 574. كما أخرجه أبو داود، في: باب من قال: يصلى بكل طائفة ركعة. . . إلخ، من كتاب صلاة السفر. سنن أبى داود 1/ 285. والترمذى، في: باب ما جاء في صلاة الخوف، من أبواب السفر. عارضة الأحوذى 3/ 42، 43. والنسائى، في: أول كتاب صلاة الخوف. المجتبى 3/ 139. وابن ماجه، في: باب ما جاء في صلاة الخوف، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 399. والدارمى، في: باب في صلاة الخوف، من كتاب الصلاة. سنن الدارمى 1/ 357، 358. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 132، 147، 148، 150، 155.
الْوَجْهُ الرَابعُ، أنْ يُصَلِّىَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ صَلَاةً، وَيُسَلِّمَ بِهَا.
ــ
(الوَجْهُ الرّابعُ، أن يُصَلِّىَ بكُلِّ طائِفَةٍ صلاةً، ويُسَلِّمَ بها) كما روَى أبو بَكْرَةَ، قال: صَلَّى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في خَوْفٍ الظُّهْرَ، فصَفَّ بَعْضَهم خَلْفَه؛ وبَعْضَهم بإزاءِ العَدُوِّ، فصَلَّى رَكْعَتَيْن، ثم سَلَّمَ، فانْطَلَقَ الذين صَلَّوْا فوَقَفُوا مَوْقِفَ أصْحَابِهِم، ثم جاءَ أُولِئكَ فَصَلَّوْا خَلْفَه فصَلَّى بهم رَكْعَتَيْن، ثم سَلَّمَ، فكان لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أرْبَعٌ، ولأصْحَابِه رَكْعَتَان. رَواه أبو داودَ (1)، والأثْرَمُ. وهذه صِفَةٌ حَسَنَةٌ قَلِيلَةُ الكُلْفَةِ، لا يَحْتاجُ فيها إلى مُفارَقَةِ إمامِه، ولا إلى تَعْرِيفِ (2) كَيْفِيَّةِ الصَّلاةِ. وهو مَذْهَبُ الحسنِ. وليس فيها أكْثرُ مِن أنَّ الإِمامَ في الثَّانِيَةِ مُتَنَفِّلٌ يَؤُمُّ مُفْتَرِضِين.
(1) في: باب من قال: يصلى بكل طائفَةٍ ركعتين، من كتاب صلاة السفر. سنن أبى داود 1/ 287. كما أخرجه النسائى، في: أول كتاب صلاة الخوف. المجتبى 3/ 146.
(2)
في م: «تفريق» .
الْوَجْهُ الْخَامِسُ، أنْ يُصَلِّىَ الرُّبَاعِيَّةَ الْمَقْصُورَةَ تَامَّةً، وَتُصَلِّىَ مَعَهُ كُلُّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَلَا تَقْضِىَ شَيْئًا، فَتَكُونَ لَهُ تَامَّةً، وَلَهُمْ مَقْصُورَةً.
ــ
(الوَجْهُ الخامِسُ، أن يُصَلِّىَ) كما روَى جابِرٌ، قال: أقْبَلْنا مع رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حتى إذا كُنّا بذاتِ الرِّقاعِ، قال: فنُودِىَ بالصلاةِ، فصَلَّى بطائِفَةٍ رَكْعَتَيْن، ثم تَأَخَّرُوا (1)، وصَلَّى بالطّائِفَةِ الأُخْرَى رَكْعَتَيْن. قال: وكانت لرسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم أرْبَعَ رَكَعاتٍ، وللقَوْم رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. مُتَّفَقٌ عليه (2). وتَأوَّلَ القاضى هذا على أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بهم كصلاةِ الحَضَرِ، وأنَّ كلَّ طائِفَةٍ قَضَتْ رَكْعَتَيْن. وهذا (3) التَّأْوِيلُ فاسِدٌ؛
(1) في الأصل: «تأخر» .
(2)
أخرجه البخارى، في: باب غزوة ذات الرقاع، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 5/ 146، 147. ومسلم، في: باب صلاة الخوف، من كتاب صلاة المسافرين. صحيح مسلم 1/ 576. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 364.
(3)
في م: «أن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لمُخالَفَتِه صِفَةَ الرِّوايَةِ، وقولَ أحمدَ. أمّا مُخالَفَةُ الرِّوايَةِ، فإنَّه ذَكَر أنَّه صَلَّى بكلِّ طائِفَةٍ رَكْعَتَيْن، ولم يَذْكُرْ قَضاءً، ثم قال في آخِرِه: للقَوْمِ رَكْعَتَيْن رَكْعَتَيْن. وأمّا مُخالَفَةُ قَوْلِ أحمدَ، فإنَّه قال: سِتَّةُ أوْجُهٍ أو سَبْعَةٌ يُروَى فيها، كُلُّها جائِزٌ. وعلى هذا لا تكونُ سِتَّةً ولا خَمْسَةً. ثم إنَّه حَمَل الحدِيثَ على مَحْمَلٍ بَعِيدٍ؛ لأنَّ الخَوْفَ يَقْتَضِى قَصْرَ الصَّلاةِ وتَخْفِيفَها. وعلى هذا التَّأْوِيلِ يَجْعَلُ مَكانَ الرَّكْعَتَيْن أرْبَعًا، ويُتِمُّ الصلاةَ المَقْصُورَةَ، ولم يُنْقَلْ عنه عليه السلام إتْمَامُ صلاةِ السَّفَرِ في غيرِ الخَوْفِ، فكيف يُتِمُّها في مَوْضِعٍ يَقْتَضِى التَّخْفِيفَ.
فصل: وقد ذَكَر شيخُنا، رحمه الله (1)، الوَجْهَ السّادِسَ، أن يُصَلِّىَ بكلِّ طائِفَةٍ رَكْعَةً (2)، ولا تَقْضِى شيئًا؛ لِما روَي ابن عباسٍ،
(1) في: المغنى 3/ 314.
(2)
في م: «ركعة ركعة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: صَلَّى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بذِى قَرَدٍ (1) صلاةَ الخَوْفِ، والمُشْرِكُون بينَه وبينَ القِبْلَةِ، فَصَفَّ صَفًّا خَلْفَه، وصَفًّا مُوازِىَ العَدُوِّ، فصَلَّى بهم رَكْعَةً، ثم ذَهَب هؤلاء إلى مَصافِّ هؤلاء، ورَجَع هؤلاء إلى مَصافِّ هؤلاء، فصَلَّى بهم رَكْعَةً، ثم سَلَّمَ عليهم، فكانت لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتان، وكانت لهم رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ. رَواه الأثْرَمُ (2). وعن حُذَيْفَةَ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلَاةَ الخَوْفِ بهؤلاء رَكْعَةً، وهؤلاء رَكْعَةً، ولم يَقْضُوا شيئًا. رَواه أبو داودَ (3). وهذا قَوْلُ ابنِ عباسٍ وجابِرٍ. قال جابِرٌ: إنَّما القَصْرُ رَكْعَةٌ عندَ القِتالِ. وقال طاوُسٌ، ومُجاهِدٌ، والحسنُ، وقَتادَةُ،
(1) ذو قرد: ماء على ليلتين من المدينة، بينها وبين خيبر، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم انتهى إليه، لما خرج في طلب عيينة حين أغار على لقاحه. معجم البلدان 4/ 55.
(2)
وأخرج البخارى نحوه، في: باب يحرس بعضهم بعضا في صلاة الخوف، من كتاب صلاة الخوف. صحيح البخارى 2/ 18. والنسائى، في: أول كتاب صلاة الخوف. المجتبى 3/ 137. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 232، 357، 5/ 183، 385.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 116.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والحَكَمُ: يقُولُون: رَكْعَةً (1) في شِدَّةِ الخَوْفِ يُومِئُ إيماءً. وبه قال إسْحاقُ: يُجْزِئُك عندَ الشِّدَّةِ رَكْعَةٌ تُومِئُ إيماءً، فإن لم تَقْدِرْ فسَجْدَةٌ واحِدَةٌ، فإنْ لم تَقْدِرْ فتَكْبيرَةٌ. فهذه الصلاةُ يَقْتَضِى عُمُومُ كَلامِ أحمدَ جَوازَها؛ لأنَّه ذَكَر سِتَّةَ أوجُهٍ، ولا نَعْلَمُ وَجْهًا سَادِسًا سِواها. وقال القاضى: لا تَأْثِيرَ للخَوْفِ في عدَدِ الرَّكَعاتِ. وهذا قولُ أصحابِنا، وأكْثرَ أهْلِ العِلْمِ؛ منهم ابنُ عمرَ، والنَّخَعِىُّ، والثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ، ومالكٌ، والشافعىُّ، وغيرُهم مِن عُلَماءِ الأمْصارِ، لا يُجِيزُون رَكْعَةً، والذي قال منهم رَكْعَةً، إنَّما جَعَلَها عندَ شِدَّةِ القِتالِ، والذين رَوَيْنا عنهم صلاةَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أكْثَرُهم لم يَنْقُصُوا مِن رَكْعَتَيْن، وابنُ عباسٍ لم يَكُنْ مِمَّن يَحْضُرُ النبىَّ صلى الله عليه وسلم في غَزَواتِه ولا (2) يَعْلَمُ ذلك إلَّا بالرِّوايَةِ، فالأخْذُ برِوايَةِ مَن حَضَر الصلاةَ وصَلَّاها مع النبىِّ صلى الله عليه وسلم أوْلَى.
(1) أي يصلى ركعة.
(2)
في م: «ولم» .