الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ أَحْرَمَ فِى الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ، أوْ فِى السَّفَرِ ثُمَّ أَقامَ،
ــ
رَكْعَتَيْنِ، ثم أُتِمَّتْ بعدَ الهِجْرَةِ، فصارَتْ أرْبَعًا، وكذلك كانت تُتِمُّ الصلاةَ، ولو اعْتَقَدَتْ ما أرادَه هؤلاء لم تُتِمَّ. وقوْلُ عمرَ: تَمامٌ (1) غيرُ قَصْير. [أراد بها تَمامٌ في فضلِها](2)، ولم يُرِدْ أنَّها غيرُ مَقْصُورَةِ الرَّكَعاتِ (3)؛ لأنَّه خِلافُ ما دَلَّتْ عليه الآيَةُ والإِجْماعُ، إذ الخِلافُ إنَّما هو في القَصْرِ والإِتْمام، وقد ثَبَت برِوايته عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم في حَدِيثِ يَعْلَى بنِ أُمَيَّةَ أنَّها مَقْصُورَةٌ، ثم لو ثَبَت أنَّ أَصْلَ الفَرْض رَكْعَتان لم تَمْتَنِعِ الزِّيادَةُ عليها، كما لو ائْتَمَّ بمُقِيم، ويُخالِفُ زِيادَةَ رَكْعَتَيْن على صلاةِ الفَجْرِ، فإنَّه لا يَجُوزُ زِيادَتُهما بحالٍ.
603 - مسألة: (فإن أَحْرَمَ في الحَضَرِ ثم سافَرَ، أو في السَّفَرِ ثم
أوْ ذَكَرَ صَلَاةَ حَضَرٍ فِى سَفَرٍ، أوْ صَلَاةَ سَفَرٍ فِى حَضَرٍ، أوِ ائْتَمَّ بِمقِيمٍ، أوْ بِمَنْ يَشُكُّ فِيهِ، أوْ أحْرَمَ بصَلَاةٍ يَلْزَمُهُ إِتْمَامُهَا، فَفَسَدَتْ وَأعَادَهَا، أوْ لَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ، لَزِمَهُ أنْ يُتمَّ. وَقَالَ أبو بَكْرٍ: لَا يَحْتَاجُ الْقَصْرُ وَالْجَمْعُ إِلَى نِيَّةٍ.
ــ
أقامَ، أو ذَكَر صلاةَ حَضَرٍ في سَفَرٍ، أو صلاةَ سَفَرٍ في حَضَرٍ، أو ائْتَمَّ بمُقِيمٍ، أو بمَن يَشُكُّ فيه، أو أَحْرَمَ بصلاةٍ يَلْزَمُه إتْمامُها، ففَسَدَتْ وأعادَها، أو لم يَنْوِ القَصْرَ، لَزِمَه أن يُتِمَّ. وقالَ أبو بكرٍ: لا يَحْتاجُ القَصْرُ والجَمْعُ إلى نِيَّةٍ) إذا أحْرَمَ بالصلاةِ في سَفِينَةٍ في الحَضَرِ، فخَرَجَتْ به في أثْناءِ الصلاةِ، أو أحْرَمَ في السَّفَرِ، فدَخَلَتْ في أثْناءِ الصلاةِ البَلَدَ، لم يَقْصُرْ؛ لأنَّها عِبادَةٌ تَخْتَلِفُ بالسَّفَرِ والحَضَرِ، فإذا وُجِدَ أحَدُ طَرَفَيْهَا في الحَضَرِ غُلِّبَ حُكْمُه، كالمَسْحِ.
فصل: فأمَّا إن سافَرَ بعدَ دُخُولِ الوَقْتِ، فقال أصْحابُنا: يُتِمُّ. وذَكَر ابنُ عَقِيل فيه رِوايَتَيْن؛ إحْداهما، يُتِمُّ؛ لأنَّها وَجَبَتْ في الحَضَرِ، فلَزِمَه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إتْمامُها، كما لو سافَرَ بعدَ خُرُوجِ وَقْتِها. والثَّانِيَةُ، له قَصْرُها. وهو قَوْلُ مالكٍ، والشافعىِّ، وأصحابِ الرَّأْىِ. وحَكاه ابنُ المُنْذِرِ إجْماعًا؛ لأنَّه سافَرَ قبلَ خُروجِ وَقْتِها، أشْبَهَ ما لو سافَرَ قبلَ وُجُوبِها، وكلابِس الخُفِّ إذا أحْدَثَ ثم سافَرَ قبلَ المَسْحِ.
فصل: وإذا نَسِىَ صلاةَ حَضَرٍ، فذَكَرَها في السَّفَرِ، وَجَبَتْ عليه أرْبَعًا بالإِجْماعِ. حَكاه الإمامُ أحمدُ، وابنُ المُنْذِرِ. قال:[إلَّا أنَّه](1) قد اخْتُلِفَ فيه عن الحسنِ، فرُوِىَ عنه، أنَّه قال: يُصَلِّيها رَكْعَتَيْنِ. ورُوِىَ عنه كقَوْلِ الجَماعَةِ؛ لأنَّ الصلاةَ يَتَعَيَّنُ (2) فِعْلُها، فلم يَجُزْ له النُّقْصانُ مِن عَدَدِها، كما لو لم يُسافِرْ. وأمّا إذا نَسِىَ صلاةَ سَفَرٍ فذَكرها في الحَضَرِ، فقال أحمدُ، في رِواية الأَثْرَمِ: عليه الإِتْمامُ احْتِياطًا. وبه قالَ الأوْزاعِىُّ، وداودُ، والشافعىُّ في أحَدِ قَوْلَيْه. وقال مالك، والثَّوْرِىُّ، وأصحابُ الرَّأىِ: يُصَلِّيها صلاةَ سَفَرٍ؛ لأنَّه إنَّما يَقْضِى ما فاتَه، وهو رَكْعَتانِ. ولَنا، أنَّ القَصْرَ رُخْصَة مِن رُخَص السَّفَرِ، فَبَطَلَتْ بزَوالِه، كالمَسْحِ ثَلاثًا.
(1) في م: «لأنه» .
(2)
في م: «تغير» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولأنَّها وَجَبَت عليه في الحَضَرِ؛ بدَلِيلِ قَوْلِه عليه السلام: «فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» (1). ولأنَّها عِبادَةٌ تَخْتَلِفُ بالحَضَرِ والسَّفَرِ فإذا وُجِدَ أحَدُ طَرَفَيْها في الحَضَرِ غُلِّبَ حُكْمُه، كالسَّفِينَةِ إذا دَخَلتْ به البَلَدَ في أثْناءِ الصلاةِ، وقِياسُهم يَنْتَقِضُ بالجُمُعَةِ إذا فاتَتْ، وبالمُتَيَمِّمِ إذا فاتَتْه الصلاةُ فقَضاها عندَ وُجُودِ الماءِ.
فصل: وإذا ائْتَمَّ المُسافِرُ بمُقِيمٍ، لَزِمَه الإِتْمامُ، سَواءٌ أدْرَكَ جَميعَ الصلاةِ أو بَعْضَها، وقال ابنُ أبى موسى في (2) رِوايةٍ: إنَّه إذا أحْرَمَ في آخِرِ صَلاِته لا يَلْزَمُه أن يُتِمَّ. قال الأَثْرَمُ: سَأَلْتُ أبا عبدِ اللَّهِ عن المُسافِرِ، يَدْخُلُ في تَشَهُّدِ المُقِيمين؟ قال: يُصَلِّى أرْبَعًا. رُوِىَ ذلك عن ابنِ عُمرَ، وابنِ عباسٍ، وجَماعَةٍ مِن التَّابِعِين. وبه. قال الثَّوْرِىُّ، والأوْزاعِىُّ، والشافعىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصحابُ الرَّأْىِ. وقال إسحاقُ: للمُسافِرِ القَصْرُ؛ لأنَّها صلاةٌ يَجُوزُ فِعْلُها رَكْعَتَيْن، فلم تَزِدْ بالائْتمامِ (3)،
(1) تقدم تخريجه في 3/ 183.
(2)
في م: «فيه» .
(3)
في الأصل: «بالإتمام» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كالفَجْرِ. وقال طاوُسٌ، والشَّعْبِىُّ، في المُسافِرِ يُدْرِكُ مِن صلاةِ المُقِيمِ رَكْعَتَيْن: تُجْزِئان. وقال الحسنُ، والنَّخَعِىُّ، والزهْرِىُّ وقَتادَةُ، ومالكٌ: إن أدْرَكَ رَكْعَةً أَتَمَّ، وإن أدْرَكَ دُونَها قَصَر؛ لقَوْلِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أدْرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَقَدْ أدْرَكَ الصَّلَاةَ» (1). ولأنَّ مَن أدْرَكَ مِن الجُمُعَةِ رَكْعَةً أتَمَّها جُمُعَةً، ومَن أدْرَكَ أقَلَّ مِن ذلك لا يَلْزَمُه فَرْضُها. ولَنا، ما رُوِىَ أنَّه قِيلَ لابنِ عباسٍ: ما بالُ المُسافِرِ يُصَلِّى رَكْعَتَيْن في حالِ الانْفِرادِ، وأرْبَعًا إذا أَتَمَّ بمُقِيم؟ فقال: تلك السُّنَّةُ. رَواه الإمامُ أحمدُ (2). وهذا يَنْصَرِفُ إلى سُنَّةِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، ولأنَّه فِعْلُ مَن سَمَّيْنا مِن الصحابةِ، ولا يُعْرَفُ لهم مُخالِفٌ في عَصْرِهم، فكان إجْماعًا، ولأنَّها صلاةٌ مَرْدُودَةٌ مِن أرْبَع إلى رَكْعَتَيْن، فلا يُصَلِّيها [خَلْفَ مَن يُصَلِّى الأرْبَعَ كالجُمُعَةِ. وما ذَكَروه لا يَصِحُّ عندَنا؛ فإنَّه لا تَصِحُّ له صلاةُ الفَجْرِ](3) خلفَ مَن يُصَلِّى رُباعِيَّةً، وإدْراكُ الجُمُعَةِ يُخالِفُ ما نحن فيه؛ فإنَّه لو أدْرَكَ رَكْعَةً مِن الجُمُعَةِ رَجَع إلى الرَّكْعَتَيْن، وهذا بخِلافِه، ولأنَّ
(1) تقدم تخريجه في 3/ 170.
(2)
في: المسند 1/ 216.
(3)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّما جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤتَمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» (1). وَمُفارَقَةُ إِمامِة مع إمْكانِ مُتابَعَتِه اخْتِلافٌ عليه.
فصل: وإذا أحْرَمَ المُسافِرُون خلفَ مُسافِرٍ، فأحْدَثَ واسْتَخْلَفَ مُسافِرًا، فلهم القَصْرُ. وإنِ اسْتَخْلَفَ مُقِيمًا لَزِمَهم الإِتْمامُ، لأنَّهم ائْتَمُّوا بمُقِيم، وللإِمامِ المُحْدِثِ القَصْرُ؛ لأنَّه لم يَأْتَمَّ بمُقِيمٍ. ولو صَلَّى
(1) تقدم تخريجه في 3/ 559.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُسَافِرُون خلفَ مُقِيم فأحْدَثَ واسْتَخْلَفَ مُسافِرًا أو مُقِيمًا، لَزِمَهم الإِتْمامُ؛ لأنَّهم ائْتَمُّوا بمُقِيمٍ. فإنِ اسْتَخْلَفَ مُسافِرًا لم يَكُنْ معهم في الصلاةِ فله أن يُصَلِّىَ صلاةَ السَّفَرِ؛ لأنَّه لم يَأْتَمَّ بمُقِيمٍ.
فصل: وإذا أحْرَمَ المُسافِرُ خلفَ مَن يَشُكُّ فيه، أو مَن يَغْلِبُ على ظَنِّه أنَّه مُقِيمٌ، لَزِمَه الإِتْمامُ وإن قَصَر إمامُه؛ لأنَّ الأصْلَ وُجُوبُ الإِتْمامِ (1)، فليس له نِيةُ قَصْرِها مع الشَّكِّ في وُجُوبِ إتْمامِها، فلَزِمَه الإِتْمامُ اعْتِبارًا بالنِّيَّةِ. وهذا مَذْهَبُ الشافعىِّ. وإن غَلَب على ظَنِّه أنَّ الإِمامَ مُسافِرٌ بأمارَةِ آثارِ السَّفَرِ، فله أن يَنْوِىَ القَصْرَ، فإن قَصَر إِمامُه قَصَر معه، وإن أتَمَّ تابَعَه فيه، وإن نَوَى الإِتْمَامَ لَزِمَه الإِتْمَامُ، سَواءٌ قَصَر إِمامُه أو أتَمَّ، اعْتِبارًا بالنِّيَّة. وإن نَوَى القَصْرَ فأحْدَثَ إِمامُه قبلَ عِلْمِه بحالِه، فله القَصْرُ؛ لأنَّ الظاهرَ أنَّ إِمامَه مُسافرٌ، لوُجُودِ دَلِيله، وقد أُبِيحَتْ (2) له نِيَّةُ القَصْرِ، بِناءً على هذا الظَّاهِرِ. ويَحْتَمِلُ أن يَلْزَمَه الإِتْمَامُ احْتِياطًا.
فصل: وإذا أحْرَمَ بصلاةٍ يَلْزَمُه إِتْمامُها، مثلَ إن نَوَى الإِتْمامَ، أو ائْتَمَّ بمُقِيمٍ ففَسَدت الصلاةُ وأراد إعادَتَها، لَزِمَه الإِتْمامُ؛ لأنَّها وَجَبَتْ عليه تامَّةً بتَلبُّسِه بها خلفَ المُقِيمِ ونِيَّةِ الإِتْمَامِ. وهذا قولُ الشافعىِّ.
(1) في م: «الائتمام» .
(2)
في م: «أتيحت» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال الثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ: إذا فَسَدَتْ صلاةُ الإِمامِ عاد المُسافِرُ إلى القَصْرِ. ولَنا، أنَّها وَجَبَتْ بالشُّرُوعِ فيها تَامَّةً، فلم يَجُزْ له قَصْرُها، كما لو لم تَفْسُدْ.
فصل: وإذا صَلَّى المُسافِرُ صلاةَ الخَوْفِ بمُسافِرِين، ففَرَّقَهم فِرْقَتَيْن، فأحْدَثَ قبلَ مُفارَقَةِ الطَّائِفَةِ الأُولَى، واسْتَخْلَفَ مُقِيمًا، لَزِم الطائِفَتَيْن الإتْمَامُ؛ لأنَّهم ائْتَمُّوا بمُقِيم. وإن كان ذلك بعدَ مُفارَقَةِ الأُولَى، أتَمَّتِ الثَّانِيَةُ وحدَها؛ لأنَّها اخْتَصتْ بمُوجِبِه. وإن كان الإِمامُ مُقِيمًا، فاسْتَخْلَفَ مُسافرًا مِمَّن كان معه في الصلاةِ، فعلى الجَمِيعِ الإِتْمامُ؛ لأنَّ المُسْتَخْلَفَ قد لَزِمَه الإِتْمَامُ باقْتِدائِه بالمُقِيمِ، فصار كالمُقِيمِ. وإن لم يَكُنْ دَخَل معه في الصلاةِ، وكان استخْلَافُه قبلَ مُفارَقَةِ الأُولَى، فعليها الإِتْمامُ؛ لائْتِمَامِها بمُقِيم، وكقَصْرِ الإِمامِ والطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ. وإنِ اسْتَخْلَفَ بعدَ دُخُولِ الثَّانِيَةِ، فعلى الجَمِيع الإِتْمامُ، وللمُستخْلَفِ القَصْرُ وحدَه؛ لأنَّه لم يَأْتَمَّ بمقِيمٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا صَلَّى مُقِيمٌ ومُسافِرٌ خلفَ مُسافِرٍ، أَتَمَّ المُقِيمُ إذا سَلَّمَ إمامُه، وذلك إجْماعٌ. وقد روَى عِمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ، قال: شَهِدْتُ الفَتْحَ مع رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فأَقَامَ ثَمَانِىَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، لا يُصَلِّى إلَّا رَكْعَتَيْن، ثم يقولُ لأهْلِ البَلَدِ:«صَلُّوا أرْبَعًا، فَإنَّا سَفْرٌ» . رَواه أبو داودَ (1). ولأن الصلاةَ واجبَة عليه أرْبَعًا، فلم يَسْقُطْ شئٌ منها، كما لو لم يَأْتَمَّ بالمُسافِرِ. ويُسْتَحَبُّ أَن يقولَ الإِمامُ للمُقِيمِين: أَتِمُّوا، فإنَّا سَفْرٌ. كما في الحَدِيثِ، ولِئَلَّا يَلْتَبِسَ على الجاهِل عَدَدُ رَكَعاتِ الصلاةِ. وقد روَى الأْثرمُ عن الزُّهْرِىِّ، أنَّ عثمانَ إنَّما أتَمَّ لأنَّ الأعْرابَ حَجُّوا، فأراد أن يُعَرِّفَهم أنَّ الصلاةَ أرْبَعٌ.
فصل: وإذا أمَّ المُسافِرُ المُقِيمِين، فأَتَمَّ بهم الصلاةَ، فصلاتُهم تامَّةٌ. وبهذا قال الشافعىُّ، وإسحاقُ. وقال الثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ: تَفْسُدُ صلاةُ المُقِيمِين، وتَصِحُّ صلاةُ الإِمام والمُسافِرِين معه. وعن أحمدَ نحوُه. قال القاضى: لأنَّ الرَّكعَتَيْن الأخرَيَيْنَ نَفْلٌ مِن الإِمامِ، ولا يَؤُمُّ بها مُفْتَرِضِين. ولَنا، أنَّ المُسافِرَ يَلْزَمُه الإِتْمامُ بنِيَّتِهِ، فيكونُ الجَمِيعُ واجِبًا، ثم لو كانت نَفْلاً، فائْتِمامُ المُفْتَرِضِ بالمُتَنَفِّلِ صَحِيحٌ، على ما مَضَى.
فصل: وإن أمَّ مُسافِرٌ مُسافِرِين، فنَسِىَ فصَلَّاها تامَّةً، صَحَّتْ صلاةُ
(1) في: باب متى يتم المسافر، من كتاب السفر. سنن أبى داود 1/ 280.كما أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند 4/ 432.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الجَمِيعِ، ولا يَلْزَمُه سُجُودُ سَهْوٍ؛ لأنَّها زِيادَة لا يُبْطِلُ عَمْدُها الصلاةَ، فلا يَجِبُ السُّجُودُ لسَهْوِها، كزِياداتِ الأقْوالِ. وهل يُشرعُ السُّجودُ؟ يُخَرَّجُ على رِوايَتَيْنِ فيما إذا قَرَأ في الرُّكُوعِ والسُّجُودِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: لا يَحْتاجُ إلى سُجُودٍ؛ لأنَّه أتى بالأصْلِ. ولَنا، أنَّ هذه زِيادَةٌ نقصَتِ الفَضِيلَةَ، وأخَلَّتْ بالكَمالِ، أشْبَهَتِ القِراءَةَ في غيرِ مَحَلِّها، وقِراءَةَ (1) السُّورَةِ في الأُخْرَيَيْن. فإذا ذَكَر الإِمامُ بعدَ قِيامِه إلى الثَّالِثةِ، لم يَلْزَمْه الإِتْمامُ، وله أن يَجْلِسَ، فإنَّ المُوجِبَ للإِتْمامِ نِيَّتُه، أو الائْتِمامُ بمُقِيمٍ، ولم يُوجَدْ واحِدٌ منهما. وإن عَلِم المأْمُومُ أنَّ قِيامَه لسَهْوٍ، لم يَلْزَمْه مُتابَعَتُه، ويُسَبِّحُونَ به (2)؛ لأنَّه سَهْو فلا يَجِبُ اتِّباعُه فيه، ولهم مُفارَقَتُه إن لم يَرْجِعْ، كما لو قام إلى ثالِثَةٍ في الفَجْرِ. وإن تابَعُوه لم تَبْطُلْ صَلاتُهم؛ لأنَّها زِيادَة لا تُبْطِلُ صلاةَ الإِمامِ، فلا تَبْطُلُ صلاةُ المَأْمُومِ بمُتابَعَتِه فيها، كزِياداتِ الأقْوالِ. وقال القاضى: تَفْسُدُ صَلاُتهم؛ لأنَّهم زادُوا رَكْعَتَيْن عَمْدًا. وإن لم يَعْلَمُوا هل قام (3) سَهْوًا أو عَمْدًا، لَزِمَهم مُتابَعَتُه؛ لأنَّ وُجُوبَ المُتابَعَةِ ثابِتٌ، فلا يَزُولُ بالشَّكِّ.
فصل: ومَن لم يَنْوِ القَصْرَ لَزِمَه الإِتْمامُ؛ لأنَّ نِيَّةَ القَصْرِ شَرْطٌ في
(1) في م: «كقراءة» .
(2)
في م: «له» .
(3)
في م: «قاموا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جَوازِه، ويُعْتَبَرُ وُجُودُها عندَ أوَّلِ الصلاةِ، كنِيَّتها. كذلك ذَكَرَه الخِرَقِىُّ والقاضى. وقال أبو بكرٍ: لا يَحْتاجُ الجَمْعُ والقَصْرُ إلى نِيَّةٍ؛ لأنَّ مَن خُيِّرَ في العِبادَةِ قبلَ الدُّخُولِ فيها خُيِّرَ بعدَ الدُّخُولِ فيها، كالصَّوْمِ، ولأنَّ القَصْرَ هو الأصْلُ، بدَلِيلِ خَبَرِ عائشةَ، وعُمَرَ، وابنِ عباس، فلا يَحْتاجُ إلى نِيَّةٍ، كالإِتْمام في الحَضَرِ. ووَجْهُ الأوَّلِ أنَّ الإِتْمام هو الأصْلُ على ما ذَكَرْنَا، وقد أَجَبْنَا عن الأخْبارِ المَذْكُورَةِ، وإطْلاقُ النِّيَّةِ يَنْصَرِفُ إلى الأَصْلِ، ولا يَنْصَرِفُ عنه إلَّا بتَعْيِينِ ما يَصْرِفُه (1) إليه، كما لو نَوَى الصلاةَ مُطْلَقًا، ولم يَنْوِ إمامًا. ولا مَأْمُومًا، فإنَّه يَنْصَرِفُ إلى الانْفِرادِ، إذ هو الأصْلُ. والتَّفْرِيعُ على هذا القَوْلِ، فلو شَكَّ في أثْناءِ صَلاتِه، هل نَوَى القَصْرَ في ابتدائِها أوْ لَا، لَزِمَه الإِتْمامُ احْتِياطًا؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ النِّيَّةِ.
(1) في م: «يصرف» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإن ذَكَر بعدَ ذلك أنَّه قد نَوَى القَصْرَ، لم يَجُزْ له القَصْرُ؛ لأنَّه قد لَزِمَه الإِتْمامُ، فلم يَزُلْ.
فصل: ومَن نَوَى القَصْرَ، ثمَّ نَوَى الإِتْمامَ، أو نَوَى ما يَلْزَمُه به الإِتْمامُ مِن الإِقامَةِ، وسَفَرِ المَعْصِيَةِ، أو نَوَى الرُّجُوعَ، ومَسافَةُ رُجُوعِه لا يُباحُ فيها القصْرُ، ونحو هذا، لَزِمَهُ الإِتْمامُ، ولَزِم مَن خَلْفَه مُتابَعَتُه. وبهذا قال الشافعىُّ. وقال مالكٌ: لا يَجُوزُ له الإِتْمامُ؛ لأنَّه نَوَى عَدَدًا، وإذا زاد عليه، حَصَلَتِ الزِّيادَةُ بغيرِ نِيَّةٍ. ولَنا، أنَّ نِيَّةَ صلاةِ الوَقْتِ قد وُجِدَتْ، وهي أرْبَعٌ، وإنَّما أُبِيحَ تَرْكُ رَكْعَتَيْن رُخْصَةً، فإذا أسْقَطَ نِيَّةَ التَّرَخُّصِ،