الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال السيوطي رحمه الله نقلًا عن أبي حيان، والصحيح صرفه -أي: صرف رحمان ولحيان- لأنا قد جهلنا النقل فيه عن العرب، والأصل في الأسماء الصرف؛ فوجب العمل به، ووجه مقابله: أن ما يوجد من "فعْلان" الصفة غير مصروف في الغالب، والمصروف منه قليل؛ فكان الحمل على الغالب أولى
…
انتهى ما قال أبو حيان.
وعقب السيوطي على عبارة أبي حيان بقوله: هذه عبارته، أي: هذه عبارة أبي حيان في (شرح التسهيل)؛ وكأن السيوطي قال ذلك للتبرؤ؛ لأنه أورد ذلك للتمثيل لا لكونه يرى رأي أبي حيان؛ لأن غيره صحح الأصل.
تعارض أصلين، وتفضيل السماع والقياس على استصحاب الحال
تعارض أصلين:
لقد عقد ابن جني في كتابه (الخصائص) بابًا عنوانه: باب في مراجعة الأصل الأقرب دون الأبعد، وقد وصف هذا الموضع بأنه موضع يجب أن ينبه عليه ويحرر القول فيه، والمراد بمراجعة الأصل الأقرب دون الأبعد: هو أنه إذا تعارض في الكلام أصلان أحدهما قريب والآخر بعيد وجب الرجوع إلى الأصل القريب دون البعيد.
ومما تعارض فيه أصلان: ضم الذال من كلمة "مُذْ" في نحو: "ما رأيته مُذُ اليوم"؛ فإن الأصل في الكلمة أن تكون ساكنة ويليها ساكن؛ فكان القياس أن يتخلص من التقاء الساكنين بالكسر كما هو الشأن دائمًا في كل ساكنين التقيا؛ فالتخلص منهما يكون بكسر أولهما؛ فيقال: ما رأيته مُذُ اليوم؛ ولكن هذا الأصل قد
عارضه أصل آخر؛ لأن أصلها الضم في "منذ"، وضمت فيه لالتقاء الساكنين إتباعًا لضمة الميم؛ فهنا إذًا أصلان تعارضا:
الأول: الأصل الأبعد، وهو السكون.
والثاني: الأصل الأقرب، وهو الضم.
فكان الرجوع إلى الأصل الأقرب أولى؛ فضمت الذال من "مُذ" عند التقاء الساكنين ردًّا إلى الأصل الأقرب، وهو "منذ"، ولم ترد إلى الأبعد الذي هو سكونها؛ لأن مراجعة الأصل الأقرب أولى من مراجعة الأبعد.
ومما تعارض فيه أصلان: أحدهما قريب والآخر بعيد: قولهم: بعت -بكسر الباء- وقلت -بضم القاف- فأصل الفعلين -باع وقال-: أن يكونا على وزن فعَل؛ فلما أسندا إلى تاء الفاعل نقل "باع" -وهو الأجوف اليائي- إلى وزن فعِل بكسر العين، ونقل الفعل قال -وهو الأجوف الواوي- إلى وزن فعُل بضم العين، ثم قلبت كل من الواو والياء ألفًا لتحركهما وانفتاح ما قبلهما؛ فالتقى ساكنان، وهما: العين المقلوبة ألفًا، ولام الفعل التي سكنت لاتصال الفعل بتاء الفاعل، ثم نقلت الكسرة التي في عين الفعل الأول، وهو بِعْت، إلى فاء الكلمة، ونقلت الضمة التي في عين الفعل الثاني، وهو قلت، إلى الفاء أيضًا؛ فقيل: بعت، وقلت، وفي هذا النقل مراجعة للأصل الأقرب، وهو اعتبار الفعلين بعد نقلهما من فعَل المفتوح العين إلى فعِل وفعُل المكسور العين والمضمومها.
وننتقل الآن إلى الحديث عن: تفضيل السماع والقياس على استصحاب الحال:
إن استصحاب الحال من أصول النحو الغالبة عند الأنباري؛ فقد قال في (لمع الأدلة): "وهو -أي الاستصحاب- من الأدلة المعتبرة" انتهى.