الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صحيح اللام وقبلها كسرة، وكانت في المفردة معلة -أي: مغيرة- فمفرد قيم: قيمة، ومفرد ديم: ديمة، والأصل في المفردين: قِوْمة ودِوْمة.
وقد أعلت الواو في المفرد الذي هو أصل الجمع -أي: أبدلت ياء- لسكونها إثر كسرة؛ فأعلت في الجمع -وهو الفرع- حملًا للفرع على الأصل؛ فإذا كانت الواو صحيحة في المفرد وجب تصحيحها في الجمع، نحو قولهم:"زِوَجة" فإنه جمع "زوج"؛ ولم تقلب الواو في الجمع لسلامتها في المفرد، وكذلك قالوا:"ثِوَرة" في جمع "ثور"؛ ولم يعلوا الواو في الجمع لسلامتها في المفرد أيضًا.
والخلاصة: أن الفرع يحمل على الأصل في صحته وإعلاله؛ فإذا كان الأصل صحيحًا كان الفرع صحيحًا؛ وإذا كان الأصل معلًّا كان الفرع معلًّا، ويلاحظ أن المفرد هو أصل الجمع لأنه أسبق منه.
حملُ أصلٍ على فرعٍ
إن المراد بحمل أصل على فرع: هو أن يثبت الحكم للفرع ثم يحمل الأصل عليه، وهو عكس النوع الأول، وقد أفرد ابن جني لهذا القسم من القياس بابًا في (الخصائص) عنوانه: باب من غلبة الفروع على الأصول، ومعناه: تشبيه الأصل بالفرع وحمله عليه، وعليه وعلى غيره اعتمد السيوطي في كتاب (الاقتراح)، وذكر أن هذا القسم من القياس يسمى قياس الأولى؛ لأنه إذا ثبت الحكم للفرع فالأصل أولى به، والأمثلة التي حُمِل فيها الأصل على فرعه كثيرة ذكر السيوطي منها ما يلي:
المثال الأول: حمل المصدر على الفعل في الصحة والإعلال، والمصدر أصل للفعل على الرأي الراجح والمذهب المختار، ومع كون المصدر أصلًا والفعل فرعًا
عنه؛ فالمصدر يحمل على الفعل في صحته وإعلاله؛ فيصح إذا كان الفعل صحيحًا ويعل إذا كان الفعل معلًّا.
ومن أمثلة ذلك: إعلال المصدر لإعلال فعله وتصحيحه لصحته؛ كقمت قيامًا، وقاومت قِوامًا، وبيان ذلك أنهم لما أعلوا الفعل في الجملة الأولى -وهو قام من قمت- أعلوا مصدره -وهو قيام- حملًا عليه؛ فإن الأصل في الفعل أن يكون "قوَم"؛ تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا، والأصل في المصدر أن يكون بلفظ "قِوام"؛ لكن وقعت الواو عينًا لمصدر فعل أعلت في فعله، وقبلها كسرة وبعدها ألف؛ فقلبت ياءً.
فنلحظ أن المصدر قد أعلت عينه لما كانت عين الفعل معلة، وإن اختلف وجه الإعلال؛ فلما صححوا عين الفعل في الجملة الثانية وقالوا: قاوم من قاومت؛ صححوا عين المصدر حملًا عليه؛ فقالوا: قوامٌ؛ فسلمت العين في المصدر لسلامتها في الفعل؛ فالمصدر في الحالتين محمول على الفعل؛ فهو من باب حمل الأصل على الفرع.
والمثال الثاني من أمثلة هذا النوع من الحمل: حمل الحرف على الحركة في الحذف عند الجزم، فقد نقل السيوطي عن ابن جني قوله: ومن حمل الأصل على الفرع حذف الحروف للجزم -وهي أصول- حملًا على حذف الحركات له وهي زوائد. انتهى.
والمراد بالحروف التي تحذف للجزم: أحرف العلة الثلاثة التي ينتهي بها الفعل المضارع، وهي: الألف، والواو، والياء، وحرف النون في الأمثلة الخمسة؛ فإنها تحذف عند الجزم حملًا لها على حذف الحركات، والحروف أصل لقوتها والحركات فروع عن الحروف.
والمثال الثالث من أمثلة هذا النوع من الحمل كذلك: حمل الاسم على الفعل في منع الصرف، وقد ذكر السيوطي هذا المثال نقلًا عن ابن جني، ومعناه: أن الاسم أصل والفعل فرع عنه؛ وإنما كان الاسم هو الأصل والفعل هو الفرع؛ لأن الفعل مشتق ومأخوذ من أحد أنواع الاسم -وهو المصدر- ومع كون الاسم أصلًا للفعل؛ فقد حمل الأصل -وهو الاسم- على الفرع -وهو الفعل- فمُنع الاسم من الصرف عند مشابهته للفعل في وجود علتين: إحداهما راجعة إلى اللفظ، والأخرى راجعة إلى المعنى، أو عند وجود علة واحدة تقوم مقام العلتين؛ فلما حُمل الاسم على الفعل كان ذلك من حمل الأصل على الفرع.
والمثال الرابع من أمثلة هذا النوع من الحمل أيضًا: حمل الاسم على الحرف في البناء، فمعلوم أن مرتبة الحرف دون مرتبة الاسم؛ لأن الحروف موضوع للربط بين الاسم والفعل، ومع كون الاسم أصلًا والحرف فرعًا حُمل الاسم على الحرف؛ فبني عند قيام الشبه بين الاسم والحرف.
والمثال الخامس من أمثلة هذا النوع من الحمل كذلك: حمل الفعل على الحرف في عدم التصرف، ومثاله الذي ذكره ابن جني ونقله السيوطي عنه هو حمل "ليس" و"عسى" في عدم التصرف على "ما" و"لعل" كما حملت "ما" على "ليس" في العمل؛ فإن "ليس" و"عسى" فعلان على الرأي الراجح، وقد منعا التصرف أي: لا يصاغ منهما غير الماضي؛ فلا يبنى من "ليس" مضارع ولا اسم باتفاق النحويين كما لا يبنى من "عسى" مضارع ولا اسم على الرأي الأصح؛ وإنما منعا التصرف حملًا لـ"ليس" على "ما" لأنهما بمعنى واحد وهو النفي وحملًا "لعسى" على "لعل"؛ لأنهما بمعنى الترجي.
والمثال السادس من أمثلته أيضًا: حمل العطف على التثنية، فالعطف أصل والتثنية فرع، ويشترط في عطف الفعل على الفعل: اتحاد الزمان، وإن اختلفت الصيغ؛ فيجوز عطف
الماضي على المضارع إن أريد بالمضارع معنى الماضي أو بالماضي معنى المستقبل؛ وأما إذا اختلف زمانهما فلا يجوز عطف أحدهما على الآخر، وقد ذهب أبو حيان إلى أن هذا من حمل الأصل وهو العطف على الفرع وهو التثنية؛ وإنما كان العطف هو الأصل لأن المثنى يغني عن المتعاطفين.
وذكر أبو حيان ما يشير إلى أنه يمكن ألا تكون هذه المسألة من باب حمل الفرع على الأصل إذا قيل: إن العطف في الفعل نظير التثنية في الاسم -أي: لعدم قبول الفعل للتثنية.
ونختم الحديث بمثال سابع ذكره السيوطي نقلًا عن ابن جني وجعله في مقدمة الأمثلة التي يستدل بها على حمل الأصل على الفرع، وقد أرجأناه لما يمتاز به من شرح وبيان بذكر أشباه له ونظائر، وهذا المثال ذكره ابن جني في (الخصائص)؛ فأوضح أن سيبويه أجاز في جر "الوجه" من قولك: هذا الحسنُ الوجهِ، أن يكون من موضعين: أحدهما بإضافة الحسن إليه، والآخر تشبيهه بالضارب الرجل، مع أنه من المعلوم أن الجر في الرجل من قولك: هذا الضاربُ الرجلِ؛ إنما جاءه وأتاه من جهة تشبيههم إياه بالحسن الوجه؛ لكن لما اطَّرد الجر في نحو: هذا الضاربُ الرجلِ والشاتمُ الغلامِ، صار كأنه أصل في بابه حتى دعا ذلك سيبويه إلى أن عاد فشبه "الحسن الوجه" بـ"الضارب الرجل" من الجهة التي إنما صحت للضارب الرجل تشبيهًا بالحسن الوجه.
وهذا يدلك على تمكن الفروع عندهم؛ حتى إن أصولها التي أعطتها حكمًا من أحكامها قد حارت -أي: رجعت- فاستعادت من فروعها ما كانت هي أدته إليها، وجعلته عطية منها لها، وجعل ابن جني ذلك من حملهم الأصل على الفرع فيما كان الفرع قد أفاده من الأصل.
وقال ابن جني أيضًا في (الخصائص): وهذا المعنى عينه قد استعمله النحويون في صناعتهم؛ فشبهوا الأصل بالفرع في المعنى الذي أفاده ذلك الفرع من الأصل، وأعاد ابن جني ذكر حمل "الحسن الوجه" على "الضارب الرجل" مع كون الجر في "الحسن الوجه" هو الأصل، وابن جني يشير فيما تقدم إلى عبارة سيبويه في (الكتاب) في باب الصفة المشبهة، بعد ذكره: أنك كما تقول: الضاربُ زيدًا تقول: هو الحسنُ الوجهَ، أي بنصب معمول الصفة المشبهة المقترنة بـ"أل" إذا كان المعمول معرفة على التشبيه بالمفعول به.
قال: وقد يجوز في هذا أن تقول: هو الحسنُ الوجهِ على قوله: هو الضارب الرجل؛ فالجر في هذا الباب من وجهين: من الباب الذي هو له وهو الإضافة، ومن إعمال الفعل ثم يستخف فيضاف. انتهى.
ومعنى ما ذكره سيبويه وابن جني: أن الأصل في قولنا: هذا الحسنُ الوجهِ: جر "الوجه"، والأصل في قولنا: هذا الضاربُ الرجلَ: نصب الرجل، إلا أن كلًّا منهما قد حمل على صاحبه؛ فجاز في "الحسن الوجهِ" أن يكون منصوبًا حملًا على "الضارب الرجلَ" وجاز في "الضارب الرجلَ" أن يكون مجرورًا حملًا على "الحسن الوجهِ"؛ وإنما جاز الأمران لأن العرب إذا شبهت شيئًا بشيء فحملته على حكمه؛ عادت أيضًا فحملت الآخر على حكم صاحبه تثبيتًا لهما وتتميمًا لمعنى الشبه بينهما وتمكينًا لهما وإظهارًا لأثر المماثلة بين المشبه والمشبه به.
والأمثلة على ذلك متعددة، وقد ذكر السيوطي لنا ستة أمثلة نوردها بحسب ترتيب ورودها في (الاقتراح) وهي:
المثال الأول: تشبيه الفعل المضارع باسم الفاعل، وتشبيه اسم الفاعل بالفعل المضارع. وبيان ذلك: أنه سمي الفعل المضارع مضارعًا لأنه ضارع اسم الفاعل
-أي: شابهه، كما سبق أن ذكرنا- ولما كان الفعل المضارع شبيهًا باسم الفاعل خالف بقية الأفعال وأعرب، والأصل في الأفعال البناء، وعكس العرب الأمر؛ فشبهوا اسم الفاعل بالفعل في الدلالة على التجدد والحدوث، وأعملوه عمل الفعل تتميمًا للمشابهة بينهما.
والمثال الثاني: تشبيه الوقف بالوصل وتشبيه الوصل بالوقف؛ فإذا كانت الكلمة مختومة بتاء؛ فإن الأصل إبقاء التاء عند الوصل وإبدالها هاء عند الوقف، وهي اللغة الفصحى، وبعض العرب يقف على التاء وسمع بعضهم يقول: يا أهل سورة البقرتْ، فقال بعض من سمعه: والله ما أحفظ منها آيتْ؛ فكان الوقف بالتاء.
كما يكون الوصل بالتاء: ومن ذلك قولهم عليه السلام والرحمتْ، بالتاء من غير إبدالها هاء، وقول الراجز: الله نجاك بكفي مسلمتْ، أي: مسلمة. ولما فعلوا ذلك عكسوا الأمر؛ فشبهوا الوصل بالوقف فقالوا: سبسبا وكلكلا، بلا تنوين والأصل تنوينه؛ ولكنهم شبهوه بالوقف، والسبسب: هو المفازة أو الأرض المستوية البعيدة، والكلكل: هو الصدر.
والمثال الثالث: إجراء غير اللازم مجرى اللازم، وإجراء اللازم مجرى غيره؛ فمن إجراء غير اللازم مجرى اللازم: تسكين الهاء من الضمير "هي" بعد همزة الاستفهام في قول الفرزدق:
فقمت للضيف مرتاعًا فأرقني
…
فقلت أهْيَ سرت أم عادني حلم
فقد قل سكون الهاء من الضمير بعد همزة الاستفهام؛ ولكن الشاعر أجرى السكون غير اللازم مجرى اللازم فنطق به، ومن ذلك قول الآخر:
ومن يتَّقْفَ إن الله معه
…
ورزق الله مؤتاب وغادي
مؤتاب: أي راجع.
وقد أجرى الشاعر في البيت "تقِف" مجرى "علِم" حتى صار: تقْف كعلم، ولما أجرى العرب غير اللازم مجرى اللازم أجروا اللازم مجرى غيره أيضًا في قراءة:"على أن يحيِي الموتى"(القيامة: 40) بإسقاط حركة النصب في الفعل المضارع بعد "أنْ" المصدرية الناصبة إجراء للنصب مجرى الرفع الذي لا يلزم فيه الحركة.
والمثال الرابع: حمل النصب على الجر وحمل الجر على النصب، فقد حمل العرب النصب على الجر في المثنى وجمع المذكر السالم؛ لأن الجر فيهما جاء على أصل إعراب الحروف، وهو الجر بالياء، وحُمِل النصب على الجر؛ فكان النصب بالياء أيضًا، ثم حملوا الجر على النصب في باب الممنوع من الصرف فكان مجرورًا بالفتحة، وجره بالفتحة خلاف الأصل؛ ولكنه محمول على نصبه.
والمثال الخامس: تشبيه الياء بالألف وتشبيه الألف بالياء، فمن المعلوم أن الألف لا تظهر عليها علامات الإعراب، وأن الياء تقدر عليها الضمة والكسرة وتظهر عليها الفتحة؛ فتقول: رأيت القاضيَ، وأكرمت الداعيَ.
وقد شبهت العرب الياء بالألف في تقدير الفتحة عليها؛ فقال الشاعر:
كأن أيديهن بالقاع القَرِق
…
أيدي جوارٍ يتعاطين الوَرِق
وصف الراجز إبلًا بسرعة السير، والقَرِق: المكان الأملس المستوي الذي لا حجارة فيه، والوَرِق: الدراهم.
والراجز قدر الفتحة على الياء من "أيديهن" والنصب في مثله يظهر لخفته؛ إلا أن الراجز قدره إجراءً للياء مجرى الألف.
وكما شبهوا الياء بالألف في تقدير الفتحة عليها شبهوا الألف بالياء في تقدير السكون عليها؛ وذلك في قوله: