الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لمجاورتها الفعل بلا فاصل كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} (الفيل: 1) أي: ولا يجاور الفعلُ الفعلَ بلا فاصل، فتحلل عقد شُبَه خلاف المدَّعي.
وأما الصنف الثاني من العلل فلم يتعرض له الجليس، ولا بيَّنه، وإنما بينه ابن السراج في كتابه (الأصول في النحو) فقال:"واعتلالات النحويين على ضربين: ضرب منها هو المؤدِّي إلى كلام العرب كقولنا: كل فاعل مرفوع، وضرب آخر يُسمَّى علة العلة مثل أن يقولوا: لما صار الفاعل مرفوعًا والمفعول به منصوبًا، ولما إذا تحركت الياء والواو وكان ما قبلهما مفتوحًا قلبتا ألفًا، وهذا لا يكسبنا أن نتكلم كما تكلمت العرب، وإنما نستخرج منه حكمتها، ونبيّن بيها فضل هذه اللغة على غيرها من اللغات" انتهى.
وعقَّب عليه ابن جني بقوله في (الخصائص): "بأن هذا الذي سماه علة العلة، إنما هو تجوّز في اللفظ، فأما في الحقيقة فإنه شرح وتفسير وتتميم للعلة، ألا ترى أنه إذا قيل له: فلم ارتفع الفاعل؟ قال: لإسناد الفعل إليه، ولو شاء لابتدأ هذا فقال في جواب رفع زيد من قولنا قام زيد؛ إنما ارتفع لإسناد الفعل إليه، فكان مغنيًا عن قوله إنما ارتفع بفعله، حتى تسأله فيما بعدُ عن العلة التي ارتفع لها الفاعل، وهذا هو الذي أراده المجيب بقوله: ارتفع بفعله، أي: بإسناد الفعل إليه" انتهى.
الفرق بين العلة والسبب، ومحصولُ مذهب البصريين في العلل
اعتمد السيوطي على ما أورده ابن جني في (الخصائص) بعنوان: باب ذكر الفرق بين العلة الموجبة وبين العلة المجوزة، وما أورده في (الخصائص) كذلك بعنوان باب في تخصيص العلل وخلاصة المنقول عن البابين في (الاقتراح) ثلاثة أمور:
أولها: أن أكثر العلل عند النحويين مبناها الإيجاب كنصب الفضلة وما شابهها كخبر كان، ومفعولي ظن، ورفع العمدة، وجر المضاف إليه، وأن هناك ضربًا آخر يُسمَّى علة، وإنما هو في الحقيقة سبب يجوِّز الحكم ولا يُوجبه كأسباب الإمالة فإنها علة جواز لا وجوب، والإمالة معناها أن تذهب بالفتحة جهة الكسرة، فإن كان بعد الفتح ألف ذهبتَ بالألف إلى جهة الياء كالفتى بإمالة الفتحة والألف، وإن لم يكن بعد الفتحة ألف أملت الفتحة وحدها فأشربتها شيئًا من صوت الكسرة، كنعمة، وسحر، بجعل فتحة الميم في نعمة، والحاء في سحر ممالة، وكذلك علَّة قلب واو "وقتت" همزة كقوله تعالى:{وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ} (المرسلات: 11) أُبدلت الواو همزة لكونها مضمومة ضمًّا لازمًا، ولثقل الضمة عليها، فكأنه اجتمع لك واوان، ومع ذلك يجوز إبقاؤها.
وقد قرأ أبو عمرو -وهو أحد القراء السبعة- "وُقتت"، وكذلك كل موضع جاز فيه إعرابان فأكثر، فظهر بهذا الفرق بين العلة والسبب، فما كان موجبًا حكمًا يُسمى علة، وما كان مجوِّزًا حكمًا يُسمى سببًا.
وخلاصة الأمر الثاني: أن محصول مذهب البصريين ومتصرف أقوالهم مبنيٌّ على جواز تخصيص العلل، يعني: ببعض المعلولات وعدم اطرادها في جميع الأفراد، وذلك لأن أكثرها يجري مجرى التخفيف والفرق، فلو تكلف متكلف نقضها لكان ذلك ممكنًا، وإن كان على غير قياس ومستثقلًا، كما لو تكلف تصحيح فاء ميزان وميعاد فقال: موزان وموعاد، وتكلف نصب الفاعل ورفع المفعول.
وليست كذلك علل المتكلمين لأنها لا قدرة على غيرها، فعلل النحويين متأخرة عن علل المتكلمين، ومتقدمة على علل المتفقهين. وعلل النحويين بهذا نوعان: نوع لا بد منه لأن النفس لا تطيق في معناه غيره، وهذا لاحق بعلل المتكلمين كقلب الألف واوًا لضم ما قبلها، وياء لكسر ما قبلها، وكمنع الابتداء بالساكن،