الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا العجوز غضبتْ فطلِّقِ
…
ولا ترَضَّاها ولا تملَّقِ
فأثبت الألف في "ولا ترضَّاها" وقدر السكون عليها حملًا على الياء التي حملت هي في تقدير الفتحة عليها على الألف.
والمثال السادس: وضع المنفصل موضع المتصل ووضع المتصل موضع المنفصل، فمن الأحكام المقررة أن الضمير لا يجوز انفصاله إن أمكن اتصاله، وقد وُضِع الضمير المنفصل في الموضع المتصل في قول الشاعر:
بالباعثِ الوارثِ الأمواتُ قد ضمنتْ
…
إياهمُ الأرضُ في دهر الدهارير
فإن الأصل "قد ضمنتهم الأرض"؛ ولكن الضمير المنفصل وضع موضع المتصل.
كما وضع الضمير المتصل في موضع الضمير المنفصل في قول الشاعر:
وما نبالي إذا ما كنتِ جارتنا
…
ألا يجاورنا إلّاك ديار
فإن الضمير المتصل لا يلي إلا في الاختيار، وقد وليها في الاضطرار؛ إجراءً له مجرى الضمير المنفصل الذي انفصل في موضع يمكن فيه اتصاله -وهو قول الشاعر السابق: قد ضمنت إياهم الأرض".
حملُ نظيرٍ على نظيرٍ
المراد بحمل النظير على النظير: حمل الشيء على شيء يشبهه ويماثله، وقد تكون المماثلة بين المحمول والمحمول عليه في اللفظ دون المعنى، أو في المعنى دون اللفظ، أو فيهما معًا؛ فهذه أنواع ثلاثة ولكل نوع أمثلته:
أولًا: حمل النظير على النظير في اللفظ دون المعنى. له أمثلة متعددة منها ما يلي:
المثال الأول: زيادة إن بعد ما المصدرية الظرفية وبعد ما الموصولة لشبههما في اللفظ بـ"ما" النافية التي تزاد "إنْ" بعدها كثيرًا كما في قول النابغة:
ما إنْ أتيتُ بشيء أنت تكرهه
…
إذًا فلا رفعت سوطي إليَّ يدي
وقول الآخر:
فما إنْ طِبُّنا جبنٌ ولكن
…
منايانا ودولة آخرين
وبزيادة "إنْ" بعد "ما" المصدرية الظرفية: قول الشاعر:
ورَجِّ الفتى للخير ما إنْ رأيته
…
على السن خيرًا لا يزال يزيد
أي: ما رأيته، والمعنى: مدة رؤيتك له؛ فـ"ما" مصدرية ظرفية، وزيدت "إنْ" بعدها كما تزاد بعد "ما" الموصولة، ومنه قول الشاعر:
يرجِّي المرء ما إن لا يراه
…
وتعرض دون أدناه الخطوب
والمعنى: يرجِّي المرء الذي لا يراه؛ فزيدت "إن" بعد "ما" الموصولة.
والمثال الثاني: دخول لام الابتداء على "ما" النافية حملًا لها على "ما" الموصولة؛ لأنها بلفظها، وقد دخلت لام الابتداء على "ما" النافية في قول النابغة:
لمَا أغفلتُ شكرَك فاصطنعني
…
فكيف ومِن عطائك جلُّ مالي
البيت من قصيدة يتنصل فيها عما اتُّهِم به عند النعمان بن المنذر، وقد أدخل لام الابتداء على "ما" النافية، والأصل في لام الابتداء أن تدخل على الاسم الواقع مبتدأ؛ كقوله صلى الله عليه وسلم:((لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)).
و"ما" النافية لست مبتدأة؛ وإنما دخلته لام الابتداء؛ لأنها تشبه "ما" الموصولة في لفظها؛ فلما صح أن تدخل لام الابتداء على "ما" الموصول في نحو: أي لا الذي تصنعه حسن؛ جاز دخولها على "ما" النافية؛ لأنها تشبه الموصولة في لفظها.
والمثال الثالث: توكيد المضارع بالنون بعد "لا" النافية حملًا لها في اللفظ على "لا" الناهية؛ فقد كثر توكيد المضارع المسبوق بـ"لا" الناهية، ومنه قوله تعالى:{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} (إبراهيم: 42)؛ فأجاز بعض العلماء توكيد المضارع المسبوق بـ"لا" النافية حملا لها على "لا" الناهية، وحملوا على ذلك قوله تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (الأنفال: 26) ذهب بعض العلماء إلى أن "لا" في الآية نافية وقد جاء المضارع بعدها مؤكدًا بالنون حملًا لها على "لا" الناهية.
والمثال الرابع: حذف فاعل "أفعِل به" في التعجب لما كان مشبهًا لفعل الأمر في اللفظ؛ لأن فعل الأمر للواحد نحو: أكرِمْ، وأحسِنْ، يكون معه الفاعل ضميرًا مستترًا وجوبًا؛ ولما كان لفظ "أفعِل به" في التعجب كلفظ الأمر؛ حذف فاعله في قوله تعالى:{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} (مريم: 38).
والمثال الخامس: بناء باب "حَذامِ" على الكسر تشبيهًا له بـ"دَرَاكِ ونَزَالِ"، ومعناه: أن ما كان علمًا لمؤنث على وزن فعال؛ فإنه يبنى على الكسر لأنه يشبه أسماء الأفعال نحو: دَرَاكِ بمعنى أدرك، ونَزَالِ بمعنى: انزلْ، ونكتفي بهذه الأمثلة الخمسة التي حمل فيها النظير على نظيره في اللفظ دون المعنى.
الصورة الثانية: وهي حمل النظير على نظيره في المعنى دون اللفظ، وهي: أن يحمل الشيء على شيء يشبهه في معناه ولا يشبهه في لفظه: وله أمثلة متعددة، ذكر السيوطي منها مثالين، وهما:
المثال الأول: جوازُ: غيرُ قائمٍ الزيدانِ؛ حملًا على: ما قائمٌ الزيدانِ؛ ولإيضاح هذا المثال وبيانه نقول: إن المبتدأ ينقسم قسمين: مبتدأ له خبر، ومبتدأ له مرفوع يغني عن الخبر؛ فالمبتدأ الذي له خبر نحو: زيد قائم، والمبتدأ الذي له مرفوع
يغني عن الخبر: هو كل وصف اعتمد على نفي أو استفهام، نحو: ما قائمٌ الزيدان؛ فقائم مبتدأ، والزيدان فاعل يغني عن الخبر، ونظيره المحمول عليه: غيرُ قائمٍ الزيدان؛ لأنه في معناه؛ فإن النفي الذي تدل عليه "ما" دلت عليه "غير"، وإن اختلف المثالان في اللفظ، وغير مبتدأ، وقائمًا مضاف إليه، والزيدان فاعل مرفوع بقائم، وقد أغنى عن الخبر.
ويحسن بنا أن نشير هنا إلى أن قد وقع في نسخ (الاقتراح) التي بين أيدينا قول السيوطي: ومن أمثلة الثاني -يعني: من أمثلة حمل النظير على النظير في المعنى فقط- جواز غير قائم الزيدان؛ حملًا على: ما قام الزيدان؛ لأنه في معناه. انتهى.
فذكر المحمول عليه بلفظ الفعل الماضي المسبوق بـ"ما" النافية، وهو سهو لم ينتبه إليه محققو (الاقتراح) في طبعاته المختلفة؛ لأن قولنا: ما قام الزيدان، لا علاقة له بما نحن فيه؛ فإن السيوطي قد قال بعد ذلك مباشرة: لأن المبتدأ إما أن يكون ذا خبر أو ذا مرفوع يغني عن الخبر. انتهى.
فإذا قيل: ما قام الزيدان -كما ورد في نسخ (الاقتراح) - فالجملة فعلية لا علاقة لها بالمبتدأ ولا بالخبر، والصواب ما أثبتناه.
والمثال الثاني: إهمال "أنْ" المصدرية مع المضارع حملًا على "ما" المصدرية؛ فيرفع الفعل المضارع بعدها، ومن ذلك قراءة مجاهد:{لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (البقرة: 233) قرأ مجاهد: "لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمُّ الرَّضَاعَة" برفع الفعل "يُتِمُّ"، وقول الشاعر:
أن تقرآن على أسماءَ ويْحَكُما
…
مني السلام وألا تُشعِرا أحدا
فالفعل "تقرآن" وقع بعد أن المصدرية، وهو مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة.