الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالأول: إبقاؤها على ما كانت عليه من الإعمال، وهو قليل في لسان العرب.
والثاني: إهمالها، وهو الأكثر.
ولكل وجهة هو موليها؛ فوجه بقاء الإعمال هو أنها عملت لأنها أشبهت الفعل، وتخفيفها لا يزيل شبهها بالفعل؛ لأن التخفيف حذف، والحذف عارض، والأصل هو الإثبات؛ فالمحذوف كأنه لم يحذف، ووجه الإهمال هو الذي أشار إليه الأنباري إذ ذكر: أنه يجوز لمن أهملها أن يستدل على صحة رأيه ببيان العلة؛ فيقول: إن العلة التي من أجلها عملت "إنَّ" هو شبهها بالفعل في المبنى والمعنى -كما سبق- وقد عدم الشبه بالتخفيف؛ إذ لم يبقَ مبناها كمبنى الفعل؛ فوجب انتفاء إعمالها لانتفاء العلة، وبذلك يكون بيان العلة دليلًا ينتفي به حكم من الأحكام: وهو إعمال "إنْ" المخففة عمل "إنَّ" المثقلة.
الاستدلال بالاستقراء
إن الدليل الثالث من الأدلة غير الغالبة عند السيوطي هو الاستدلال بعدم الدليل في الشيء على نفيه؛ أما الاستدلال بالاستقراء فهو الدليل السابع من الأدلة غير الغالبة عند السيوطي؛ ولكنا آثرنا تقديمه على الاستدلال بعدم الدليل لأنهما ضدان؛ فما ثبت بالاستقراء فقد ثبت بالإيجاب؛ وما ثبت بعدم الدليل فقد ثبت بالنفي؛ فأردنا أن نذكرهما متتاليين، وأن نبدأ الحديث عن الاستدلال بالاستقراء:
فنقول: إن الاستقراء في اللغة هو مصدر الفعل استقرى بمعنى: تتبع، يقال: قروت البلاد قروًا، وقريتها قريًا، واقتريتها واستقريتها، أي: تتبعتها، أخرج من أرض إلى أرض، والمراد بالاستقراء هنا: تتبع الجزئيات لإثبات أمر كلي، وهو
من الأدلة غير الغالبة في أصول النحو، وقد اتخذه العلماء دليلًا في مواضع، ذكر منها السيوطي في (الاقتراح) موضعًا واحدًا لا غير، وهو: انحصار الكلمة في ثلاثة أنواع، وهي: الاسم، والفعل، والحرف.
وقد استدل العلماء على هذا الحصر بأدلة متعددة منها الأثر المروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين قال لأبي الأسود الدؤلي: "الكلام كله اسم، وفعل، وحرف، جاء لمعنى"، ومنها الدليل العقلي، وبيانه: أن الكلمة إما أن تدل على معنًى في نفسها أو في غيرها؛ فإن دلت على معنى في نفسها ولم تقترن بزمن فهي الاسم؛ وإن اقترنت بزمن فهي الفعل؛ وإن دلت على معنى في غيرها فهي الحرف.
ومن الدليل العقلي على انحصار الكلمة في هذه الأنواع الثلاثة: أن هذه الأنواع يعبر بها المتخاطبون عن جميع ما يخطر في أنفسهم من المعاني؛ فلو كان هناك نوع رابع لبقي في النفوس معانٍ لا يمكن التعبير عنها بإزاء هذا النوع الساقط.
ومع كثرة الأدلة التي تدل على انحصار الكلمة في هذه الأنواع الثلاثة؛ فقد ذهب بعض العلماء إلى أن أحسن أدلة الحصر هو الاستقراء؛ لأن علماء العربية قد تتبعوا كلام العرب في محاوراتهم ومخاطباتهم؛ فلم يجدوا إلا هذه الأنواع الثلاثة، ولو كان هناك نوع رابع لعثروا على شيء منه؛ فلما لم يعثروا إلا على هذه الأنواع بعد تتبع كان الاستقراء هو دليل الحصر، وقد قال ابن الخباز -المتوفى سنة تسع وثلاثين وستمائة من الهجرة- وهو -أي: الاستقراء- أحسن دلائل الحصر.
ونختم الحديث بأمرين:
الأول: أن نشير إلى أن انحسار الكلمة في هذه الأنواع الثلاثة -الاسم، والفعل، والحرف- كان موضع إجماع النحاة، وخرق هذا الإجماع أبو جعفر بن صابر،
ولا عبرة بخلافه؛ لأن إجماع النحويين معتبر -كما سبق أن ذكرنا في مبحثه- فهو كإجماع الفقهاء، وإجماع المحدثين؛ وكل علم اجتمع أربابه على مسألة منه فإجماعهم حجة ومخالفهم مخطئ، كما قال العلامة الشاطبي.
والثاني: أن نشير إلى أن انحصار الكلمة في الاسم والفعل والحرف ليس الموضع الوحيد الذي استدل فيه العلماء بدليل الاستقراء؛ بل هناك مواضع متعددة استدل العلماء فيها بدليل الاستقراء، وإلى هذا أشار السيوطي بقوله: استدلوا به في مواضع
…
انتهى.
ونكتفي بأن نشير هنا إلى موضعين من هذه المواضع وهما:
الموضع الأول: الدليل على انحصار العلم المنقول، أي: غير المرتجل:
فمن المعلوم أن العلم المنقول هو الذي نقل عن غيره مما لم يكن علمًا في الأصل، أي: أنه لم يوضع في الأصل على العلمية؛ فهو الذي كان مستعملًا قبل العلمية في أمر آخر؛ فله أصل مستعمل ثم سمي به الشخص؛ ككلمة "زيد"؛ فهي في الأصل مصدر الفعل زاد، وقد نُقل عن هذا المصدر وجُعل علمًا على الذات المشخصة المسماة به، فيقال له في هذه الحالة: إنه علم منقول.
وقد ذكر السيوطي في كتابه (الأشباه والنظائر) نقلًا عن صاحب (البسيط) أن العلم المنقول ينحصر في ثلاثة عشر نوعًا، ولا دليل على حصره -كما ذكر- سوى استقراء كلام العرب.
والموضع الثاني: وهو الدليل على معنى السين وسوف:
فمن المقرر في علم العربية أن السين وسوف حرفا تنفيس تدخلان على الفعل المضارع فتخلصانه للاستقبال، وقد كان قبل دخول أحدهما عليه صالحًا للحال وللاستقبال، وقد ذكر السيوطي في (الأشباه والنظائر) أيضًا -نقلًا عن ابن