الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمنوا والذين هادوا من آمن منهم
…
إلى آخره والصابئون كذلك، أو أنه مرفوع عطفًا على محل اسم إن؛ لأنه قبل دخولها كان مرفوعًا بالابتداء، فلما دخلت عليه لم تغيّر معناه، بل أكدته.
الاحتجاج بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم
-
إذا أطلق لفظ الحديث الشريف في اصطلاح المحدثين أُريد به ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، وقد يُراد به ما أضيف إلى صحابي أو تابعي. ولكن الغالب أن يقيد إذا ما أريد به غير النبي صلى الله عليه وسلم.
أما الحديث الشريف عند النحاة: فهو قول الرسول الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- وإنما يهتمّ النحويون بالقول؛ لأنه موضوع النحو، ومنبع استدلالهم، ومرجع أحكامهم، وكذلك الأقوال المنسوبة إلى الصحابة أو التابعين متى جاءت من طريق المحدثين تأخذ حكم الأقوال المرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة الاحتجاج بها في إثبات لفظ لغوي، أو قاعدة نحوية.
وقضية الاحتجاج بالحديث الشريف من القضايا المهمّة في النحو العربي، وقد انقسم النحاة فيها إلى مانعين ومُجيزين، ومتوسطين. ومن اللافت للنظر أن أكثر النحاة اهتمامًا بهذه القضية من الأقسام الثلاثة هم ممَّن ينتمون إلى المدرسة الأندلسية، فأوَّل من رفع لواء منع الاستشهاد بالحديث في مجال الدراسات النحوية -فيما نعلم- هو ابن الضائع، وهو أبو الحسن علي بن محمد بن علي الإشبيلي الكتامي المتوفى سنة ثمانين وستمائة من الهجرة، ثم تلميذه من بعده أبو حيان محمد أثير الدين بن يوسف الغرناطي المتوفى سنة خمس وأربعين وسبعمائة من الهجرة، الذي كان على مذهب أستاذه ابن الضائع في منع الاستشهاد بالحديث.
ثم جاء من بعدهما جلال الدين السيوطي المصري المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة من الهجرة، وهو صاحب كتاب (الاقتراح) فوجدناه أقرب إلى المنع منه إلى الإجازة، ولعله في هذا كان متأثرًا بأستاذه أبي حيان الذي يُعدُّ كتابه (ارتشاف الضرب من لسان العرب) من أهم المصادر العلمية التي استقى منها السيوطي كمادة كتابه (همع الهوامع).
أما المجيزون للاستشهاد بالحديث الشريف فهم -بحمد الله- أكثر من المانعين، وعلى رأسهم ابن مالك المتوفى سنة اثنتين وسبعين وستمائة من الهجرة -رحمه الله تعالى- وهو إمام النحاة واللغويين لعصره، وأكبر عالم نحويّ اهتمَّ بالحديث الشريف، وجعله المصدر الثاني للتقعيد بعد القرآن الكريم، كما أنه المصدر الثاني للتشريع. ومن ثَمَّ وجه إليه المانعون نقدهم وإنكارهم، وكان قد سبقه إلى الاحتجاج بالحديث علماء أجلاء من علماء الأندلس، منهم: أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي المتوفى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة من الهجرة، وابن خروف وهو علي بن محمد بن علي الأندلسي المتوفى سنة تسع وستمائة من الهجرة، ثم قيَّد الله للحديث الشريف بعد ابن مالك من يسير على دَرْبه، ويُعيد رفع لواء الاحتجاج به، ومن هؤلاء جمال الدين عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله المعروف بابن هشام الأنصاري المصري المتوفى سنة إحدى وستين وسبعمائة من الهجرة.
أما المتوسطون المعتدلون ففي مقدماتهم أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المعروف بالشاطبي، المتوفى بالأندلس سنة تسعين وسبعمائة من الهجرة. ونبدأ مع السيوطي مناقشة قضية الاستشهاد بالحديث عند النحاة في ضوء ما أورده في (الاقتراح) يقول: "وأما كلامه صلى الله عليه وسلم فيستدل منه بما ثبت أنه قاله على اللفظ المروي، وذلك نادر جدًّا؛ إنما يوجد في الأحاديث القصار على قلة أيضًا،
فإن غالب الأحاديث مرويٌّ بالمعنى، وقد تداولتها الأعاجم والمولدون قبل تدوينها، فرووها بما أدَّت إليه عباراتهم فزادوا ونقصوا، وقدموا وأخروا، وأبدلوا ألفاظًا بألفاظ، ولهذا ترى الحديث الواحد في القصة الواحدة مرويًّا على أوجه شتَّى بعبارات مختلفة، ومن ثم أُنكر على ابن مالك إثباته القواعد النحوية بالألفاظ الواردة في الحديث" وما ذكره السيوطي في هذه العبارة ترديد أمين لكلام شيخه الذي تلمذ لمؤلفاته، واستقى أكثر مادته منها، وتأثر بمنهجه واتجاهه النحوي، وهو أبو حيان. ولذلك نجده قد أردف كلامه بكلام الشيخ أبي حيان في شرحه على (التسهيل) المسمى (التذييل والتكميل في شرح التسهيل)، ونوجز هنا منا أورده السيوطي من كلام شيخه أبي حيان في النقطتين الآتيتين:
"الأولى: أن المصنف -يعني: ابن مالك- قد أكثر بالاحتجاج بالحديث على إثبات القواعد الكلية في لسان العرب، في حين أننا لم نَرَ أحدًا من النحاة القدامى، أو المتأخرين قد سلك هذه الطريقة؛ بل إن الواضعين الأولين لعلم النحو من أئمة البصريين أو الكوفيين الذين شافهوا العرب الخلص، واستقرءوا الأحكام من لسانهم لم يفعلوا ذلك، وتبعهم على هذا المسلك المتأخرون من سائر المدارس النحوية.
الثانية: أن إحجام المتقدمين من واضعي هذا العلم عن الاحتجاج بالحديث الشريف في مؤلفاتهم؛ إنما يرجع إلى أمرين:
أحدهما: تجويز الرواة النقل بالمعنى، ومن ثَمَّ تجد قصة واحدة جرت في زمانه صلى الله عليه وسلم يُوردها الرواة بألفاظ مختلفة كحديث النكاح المروي بألفاظ متعدِّدة:((زوجتكها بما معك من القرآن)) ((ملكتكها بما معك)) ((خذها بما معك)) مما يدل على أن الرواة إنما يرْوُون بالمعنى.
والأمر الأخر: وقوع كثير من اللحن فيما روي من الحديث؛ لأن أكثر الرواة كانوا غير عرب" انتهى.
ملخص كلام أبي حيان، وما قاله هو كما يقول المثل العربي: شنشنة أعرفها من أخزمي. فما قاله إنما هو ترديد أمين أيضًا لما قاله من قبله شيخه ابن الضائع، الذي استشهد على منعه الاحتجاج بالحديث بترك الأئمة هذا الاحتجاج وإجازة الرواية للحديث بالمعنى.
وختم السيوطي هذا المبحث بالاستدلال على صحة ما ذهب إليه ابن الضائع وأبو حيان بأن ابن مالك قد استشهد على لغة "أكلوني البراغيث" بحديث (الصحيحين): ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار)) يعني: مع أن هذا الحديث لم يأتِ على هذه اللغة؛ لأنه حديث مختصر رواه البزار، كما ذكر السيوطي نقلًا عن السهيلي مطولًا مجودًا فقال فيه:((إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار)) فالواو في "يتعاقبون" هي واو الجماعة، وقعت فاعلًا، و"ملائكة" خبر مبتدأ محذوف أي: هم ملائكة، كما استشهد ابن مالك أيضًا يعني: على جواز وقوع خبر كاد مقرونًا بأن بحديث: ((كاد الفقر أن يكون كفرًا)) أي: مع أن سيبويه رأى أن ذلك لا يجوز إلا في شعر؛ اعتمادًا على الضرورة الشعرية، ووافقه المبرد والجمهور على منع ذلك الاختيار.
ولذلك قال أبو البركات الأنباري في كتاب (الإنصاف في مسائل الخلاف) فإن صحَّ أي: الحديث المذكور، فزيادة "أن" من كلام الراوي لا من كلامه عليه السلام؛ لأنه -صلوات الله عليه- أفصح من نطق بالضاد.
ونختم برأي الشاطبي الذي توسَّط في الاحتجاج بالحديث ونحن معه، فلم يردّ الاحتجاج به، ولم يفتح الباب على مصراعيه لهذا الاحتجاج؛ فجوز في مبحث
الاحتجاج في شرحه على الألفية الاحتجاج بالأحاديث التي اعْتُني بنقل ألفاظها قائلًا: "لم نجد أحدًا من النحويين استشهد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يستشهدون بكلام أجلاف العرب وسفهائهم الذين يبولون على أعقابهم، وأشعارهم فيها الفحش والخنى، ويتركون الأحاديث الصحيحة؛ لأنها تُنقل بالمعنى، وتختلف رواياتها وألفاظها بخلاف كلام العرب وشعرهم فإن، رواته اعتنوا بألفاظها لما يَنْبَني عليه من النحو، ولو وقفت على اجتهادهم قضيت منه العجب، وكذا القرآن ووجوه القراءات، وأما الأحاديث فعلى قسمين: قسم يَعتني ناقله بمعناه دون لفظه، فهذا لم يقع به استشهاد أهل اللسان. وقسم عُرف اعتناء ناقله بلفظه لمقصود خاص كالأحاديث التي قُصد بها بيان فصاحته صلى الله عليه وسلم، ككتابه لهمدان، وكتابه لوائل بن حُجر، والأمثال النبوية. فهذا يصح الاستشهاد به في العربية" انتهى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.