الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال السيوطي: إذا تعارض مجمع عليه ومختلف فيه؛ فالأول أولى، وذكر مثالًا لذلك: وهو أنه إذا كان الشاعر مضطرًّا إلى قصر الممدود أو مد المقصور؛ فارتكاب الأول أولى؛ لأن البصريين والكوفيين جميعًا قد أجمعوا على جواز قصر الممدود في الشعر، ومنه قول الشاعر:
لا بد من صنعا وإن طال السفر
…
.............................
والأصل: صنعاء.
أما مد المقصور للضرورة؛ فموضع خلاف بين النحويين؛ إذ أجازه الكوفيين متمسكين بقول الشاعر:
سيغنيني الذي أغناك عني
…
فلا فقر يدوم ولا غناء
بمد غناء، والأصل عند الكوفيين: غنًى، بالقصر؛ فلما اضطر الشاعر مد، وذهب البصريون إلى أن "غناء" في البيت مصدر لغانيت؛ لأنهم يمنعون مد المقصور ولو في ضرورة الشعر؛ فتعارض قولان: أحدهما مجمع عليه، والآخر مختلف فيه؛ فكان المجمع عليه أولى من المختلف فيه.
تعارض المانع والمقتضِي، وتعارض القولين لعالمٍ واحدٍ
تعارض المانع والمقتضي:
إن المراد بالمقتضي: ما يقتضي الحكم، أي: سبب الحكم، والمراد بالمانع: ما يمنع الحكم؛ فهما نقيضان؛ فإذا تعارض المانع والمقتضي كان المانع مقدمًا على المقتضي.
والأمثلة التي يقدم فيها المانع على المقتضي كثيرة منها:
المثال الأول: "هذا راشد وذاك غادر"؛ فـ"راشد" اتصلت بألفه راء مفتوحة، و"غادر" اتصلت بألفه راء مضمومة؛ فوجد فيهما سبب إمالة الألف: وهو وقوع
كسرة بعدها؛ كما وجد فيهما ما يمنع الإمالة: وهو الراء المفتوحة أو المضمومة؛ فيقدم المانع على المقتضي، وبعض العرب يُميل ولا يلتفت إلى الراء غير المكسورة.
والمثال الثاني: "أي" وجد فيها سبب البناء، وهو أن "أيًّا" هذه أشبهت الحرف ووجد فيها أيضًا ما يمنع البناء وهو لزومها الإضافة، والإضافة من خصائص الأسماء؛ فقدم المانع وامتنع البناء.
والمثال الثالث: الفعل المضارع المؤكد بالنون، وجد فيه سبب الإعراب وهو مضارعته للاسم ومشابهته إياه، ووجد فيه ما يمنعه من الإعراب وهو اتصال النون به، وقد باعد اتصال النون به بينه وبين الاسم؛ فقدم المانع، وأصبح المضارع الذي اتصلت به النون، أي نون التوكيد، مبنيًّا غير معرب، ومثل ذلك نون النسوة أيضًا.
والمثال الرابع: اسم الفاعل إذا وجد شرط إعماله -وهو الاعتماد على نفي أو استفهام أو نحوهما- فإن وجد فيه ما يمنع العمل من تصغير أو وصف قبل العمل؛ فقد تعارض المانع والمقتضي؛ فيقدم المانع ويمنع اسم الفاعل من العمل.
وننتقل الآن إلى الحديث عن: في القولين لعالم واحد:
إن العالم الواحد قد يكون له في المسألة الواحدة غير قول في غير كتاب من كتبه أو في كتاب واحد من كتبه، وقد يقف المرء حائرًا بأي القولين أو الأقوال يأخذ وأي القولين أو الأقوال يدع، وقد وضع ابن جني رحمه الله في (الخصائص) قواعد بها نتعرف على القول الذي نأخذ به والقول الذي ندعه، وهذه القواعد هي:
أولًا: إذا كان أحد القولين مرسلًا والآخر معللًا؛ كان الأخذ بالقول المعلل أولى لقيام حجته؛ وكان ترك القول المرسل واجبًا لضعفه وعدم قيام حجته.
ومثال ذلك: ما جاء عن سيبويه رحمه الله فقد ذكر في غير موضع من كتابه: أن التاء في بنت وأخت للتأنيث؛ فقال في باب النسب في (الكتاب): "وأما بنت؛ فإنك تقول: بنويٌّ -يعني: في النسب- من قبل أن هذه التاء التي هي للتأنيث لا تثبت عند الإضافة كما لا تثبت في الجمع" انتهى.
وقال في باب ما لا ينصرف: إنها ليست للتأنيث، وعلل ذلك بأن ما قبلها ساكن وتاء التأنيث في الواحد لا يكون ما قبلها ساكنًا إلا أن يكون ألفًا؛ كفتاة
…
ونحوها؛ فالقول بأنها ليست للتأنيث قول معلل، والقول بأنها للتأنيث قول مرسل؛ فكان المصير إلى القول المعلل أولى؛ لقيام حجته وظهور دليله.
وقوله: "إنها للتأنيث" يكون مؤولًا بأن يقال: إنه محمول على التجوز؛ لأن التاء لا توجد في الكلمة إلا في حال التأنيث وتذهب بذهابه.
ثانيًا: إذا كان القولان مرسلين بلا تعليل في أحدهما؛ كان القول المعتمد هو القول الأليق بمذهب صاحب القولين والأجرى على قوانينه.
ومثال ذلك: قول سيبويه: إن "حتى" ناصبة للفعل المضارع، وقوله الآخر: إنها حرف جر؛ فهذان القولان متنافيان؛ لأن أحدهما يجعل "حتى" ناصبة، والآخر يجعلها جارة، والذي يليق بسيبويه ومذهبه النحوي البصري ويجري على القوانين المعتمدة عند البصريين: هو أن تكون "حتى" جارة، ويدل على ذلك أنه عد الحروف الناصبة للفعل المضارع ولم يذكر منها "حتى"؛ فعلم بذلك أن الفعل المضارع بعد "حتى" ليس منصوبًا بها؛ وإنما هو منصوب بأن المضمرة وجوبًا بعدها، وقول سيبويه:"إن "حتى" هي الناصبة للمضارع" فيه تجوز؛ فينبغي الرجوع إلى قوله الذي نص فيه على أنها جارة.