الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذهب بعضهم إلى أنه يثبت في محل النص بالنص، ويثبت فيما عداه بالعلة، وذلك نحو النصوص المقبولة عن العرب المقيس عليها بالعلة الجامعة في جميع أبواب العربية، واستدلَّ أصحاب هذا الرأي لذلك بأن النص مقطوع به، والعلة مضمونة، وإحالة الحكم على المقطوع به أولى من إحالته على المضموم، ولا يجوز أن يكون الحكم ثابتًا بالنص والعلة معًا؛ لئلا يكون مقطوعًا به مظنونًا في حالة واحدة، وذلك مُحال.
ولما كان الأنباري مع الأكثرين فقد ردَّ رأي مخالفيهم بقوله: "وقولهم: إن النص مقطوع به، والعلة مضمونة، وإحالة الحكم على المقطوع به أولى من إحالته على المضمون إلى آخر ما قرروا، قلنا: الحكم إنما يثبت بطريق مقطوع به، وهو النص، ولكن العلة هي التي دعت إلى إثبات الحكم، فنحن نقطع على الحكم بكلام العرب، ونظن أن العلة هي التي دعت الواضع إلى الحكم؛ فالظن لم يرجع إلى ما يرجع إليه القطع، بل هما متغايران، فلا تناقض بينهما" انتهى. يعني: أن طريق القطع مغاير لطريق الظن، فلا منافاة بين الأمرين ولا تضاد.
تقسيم العلة إلى بسيطة ومركبة
ذكر السيوطي أن العلة قد تكون بسيطة، وقد تكون مركبة. فالبسيطة هي التي يقع التعليل بها من وجه واحد، كالتعليل بالاستثقال في تقدير الضمة في حالة الرفع، والكسرة في حالة الجر في الاسم المنقوص، والجوار كتعليل جرّ "خرب" الواقع نعتًا لمرفوع في قولهم:"هذا جحر ضب خرب". بمجاورته لمجرور، والمشابهة كتعليل إعراب الفعل المضارع إذا لم يتصل بنوني التوكيد والنسوة بمشابهته للاسم، ونحو ذلك.
والمركبة: هي ما تركبت من عدة أوصاف اثنين فصاعدًا، كتعليل قلب واو "ميزانٍ" و"ميعادٍ"، بوقوع كل منهما ساكنة إثر كسرة؛ إذ الأصل فيهما "موزان" و"موعاد"، لأنهما من الوزن والوعد؛ فالعلة في القلب فيهما ليس مجرد سكون الواو فقط، ولا وقوعها بعد كسرة فقط، بل العلة مجموع الأمرين معًا، وذلك كثير جدًّا.
وقد يُزاد في العلة صفة لضرب من الاحتياط أي: لا للتأثير ولا للاحتراز؛ بحيث لو أسقطت هذه الصفة لم يقدح فيها، أي: لم يؤثر إسقاطها في العلة، كتعليل ابن عصفور حذف التنوين من العلم الموصوف بابن مضاف إلى عَلَم، نحو:"هذا زيد بن سعيد"، بحذف التنوين من "زيد" بعلة مركبة من مجموع أمرين: كثرة الاستعمال مع التقاء الساكنين.
والنحاة غيره لم يُعلِّلوه إلا بكثرة الاستعمال فقط، بدليل حذفه من نحو: هذه هند بنت عاصم، على لغة من صرف هندًا، وإن لم يلتقِ هنا ساكنان، وكأنه لمَّا رأى انتقاض العلة احتاج إلى قوله:"ومن العرب من يحذف لمجرَّد كثرة الاستعمال" انتهى.
قال السيوطي: "وهذه -يعني: كثرة الاستعمال- العلة الصحيحة المطردة في الجميع، لا ما علل به أولًا" يريد السيوطي أن ما علَّل به ابن عصفور أولًا هو زيادة في العلة لضرب من الاحتياط، ومن الأمثلة التي أوردها السيوطي للعلة المركبة قول الزمخشري في (المفصل) في "الذي":"ولاستطالتهم إيَّاه بصلته، مع كثرة الاستعمال خفَّفوه من غير وجه فقالوا: الذِ. بحذف الياء، ثم الذ. بحذف الحركة، ثم حذفوه رأسًا واجتزءوا عنه بالحرف الملتبس به وهو لام التعريف، وقد فعلوا ذلك بمؤنث اللتي فقالوا: اللتِ، واللت" انتهى.