الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي: فالعلة فيما فعلوا من تخفيف في الاسم الموصول مجموع الأمرين: استطالته بالصلة أي: عدُّهم إياه طويلًا بسبب صلته، مع كثرة الاستعمال.
ومن العلل المركبة التي أوردها السيوطي أيضًا: ما نقله عن ابن النحاس في التعليل لالتزام العرب الفصل بين أن المخففة من الثقيلة وبين خبرها إذا كان جملة فعلية فعلها متصرف، لعلة مركبة من مجموع أمرين، وهما: العوض من تخفيفها، وإيلاؤها ما لم يكن يليها.
والفصل الذي أشار إليه ابن النحاس ما ذكره النحويون من أن المخففة من الثقيلة إذا وليها فعل متصرف يكون بجملته خبرًا لها؛ وجب أن يكون مفصولًا منها بـ"لن" نحو قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} (البلد: 5)، أو بـ"لم" كقوله عز وجل:{أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} (البلد: 7)، أو بـ"لا" كقول المولى تبارك وتعالى:"وحسبوا ألا تكونُ فتنة"(المائدة: 71) في قراءة رفع تكون، أو بشرط نحو قوله تعالى:{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ} (النساء: 140)، أو بـ"لو" كقوله عز وجل:{أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} (الأعراف: 100) أو بـ"قد" نحو قوله سبحانه: {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} (المائدة: 113)، أو بحرف تنفيس كقول الله تعالى:{عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} (المزمل: 20).
من شرط العلة: أن تكون هي الموجِبة للحكم
ذكر السيوطي أن من شرط العلة أن تكون هي الموجبة للحكم في المقيس عليه، وقال:"ومن ثَمَّ خطَّأ ابن مالك البصريين في قولهم: إن علة إعراب المضارع مشابهته للاسم في حركاته، وسكناته، وإبهامه، وتخصيصه؛ فإن هذه الأمور ليست الموجبة لإعراب الاسم، وإنما الموجب له قبوله بصيغة واحدة معاني مختلفة، ولا يميزها إلا الإعراب".
وأقول: إن مراد البصريين بمشابهة المضارع للاسم في حركاته وسكناته موافقته خصوص لفظ اسم الفاعل في مطلق الحركات والسكنات، وعدد الحروف مطلقًا، أي: بغضِّ النظر عن خصوص الحركة أو الحرف، وموافقته له في تعيين الحروف الأصول والزوائد، كما في قولك: يضرب وضارب، ويكرم ومكرم، وينطلق ومنطلق، ويستخرج ومُستخرج. ومرادهم بمشابهة المضارع للاسم في إبهامه وتخصيصه: أنه يحتمل الحال والاستقبال، وشيوعه في زمنين يؤدِّي إلى الإبهام، ويخصص لأحد الزمنين بالقرينة ككلمة الآن التي تُخصصه للحال، أو كلمة غدٍ التي تُخصصه للمستقبل، وهو في هذا يشبه الاسم ككلمة "رجل" مثلًا فهي اسم مبهم شائع في جميع أفراد جنسه دون تخصيص، وهو صالح للتخصيص بقرينة الوصف، أو دخول الألف واللام، والدليل على دلالة الاسم على معانٍ مختلفة لا يُميزها إلا الإعراب أنك لو قلت:"ما أحسن زيد" بالوقف بالسكون على الكلمتين بعد "ما"، احتمل الكلام ثلاثة معانٍ:
أنك تريد: ما أحسن زيدٌ، أي: نفي إحسان زيد، أو ما أحسن زيدًا أي: التعجب من إحسانه، أو ما أحسن زيدٍ؟ أي: الاستفهام عن أحسن جزء في زيد. فلولا الإعراب لالتبس التعجب بالاستفهام، والاستفهام بالنفي. وعليه فلا بد أن تكون هذه العلة، وهي توارد المعاني المختلفة المفتقرة في التمييز بينها إلى الإعراب على التركيب، هي الموجبة لإعراب الفعل المضارع، وذلك مثل قولهم: لا تأكل السمك وتشربُ اللبن، أو وتشربَ اللبن أو تشربِ اللبن؛ فالفعل "تأكل" مجزوم لوقوعه بعد لا الناهية الجازمة، وحُرك بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين، ويجوز في الفعل تشرب الواقع بعد الواو ثلاثة أوجه بحسب ما تريد من المعاني؛ فإن أردت النهي عن كلٍّ من الفعلين على حدة جزمته، والواو عاطفة. وإن أردت النهي عن الجمع بينهما نصبته بأن مضمرة وجوبًا، والواو للمعية. وإن أردت النهي عن الأول فقط وإباحة الثاني رفعته، والواو للاستئناف، ولا يُبيِّن ذلك إلا الإعراب.