الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أول الشعراء الُمْحَدثين
إن العلماء قد أجمعوا على جواز الاحتجاج بقول من يُوثق بفصاحته وسلامة عربيته، وقد قصروا الاحتجاج من حيث الزمان على أقوال عرب الجاهلية، وفصحاء الإسلام حتى منتصف القرن الثاني الهجري، ولم يقبلوا الاحتجاج بشعر من جاء بعد هذا التاريخ، ويجدر بنا أن ننقل كلام السيوطي كاملًا إذ قال رحمه الله:"أول الشعراء المحدثين بشار بن برد، وقد احتج سيبويه في كتابه ببعض شعره تقربًا إليه؛ لأنه كان هجاه لترك الاحتجاج بشعره" ذكره المرزباني وغيره، ونقل ثعلب عن الأصمعي قال:"خُتم الشعر بإبراهيم بن هرمة، وهو آخر الحجج" انتهى كلام السيوطي.
وقد اشتمل هذا الكلام على ثلاثة أمور، وهي: أن أول الشعراء المحدثين هو بشار بن برد، وأن سيبويه قد احتج بشعره تقربًا إليه، وأن آخر الحجج هو إبراهيم بن هرمة، أي: آخر من يحتج بشعره، وبشار بن برد أصله من طخارستان من سبي المهلب بن أبي سفرة، وكنيته أبو معاذ، وهو عقيلي بالولاء نسبة إلى قبيلة عقيل بن كعب، وهو في أول مرتبة المحدثين من الشعراء المجيدين، وأحد مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، وقد تُوفي سنة سبع وستين ومائة من الهجرة، ولا يجوز الاحتجاج بشعر بشار بن برد؛ لأنه من الشعراء المحدثين.
وقد ذكر السيوطي أن سيبويه احتج في كتابه بشعر بشار تقربًا إليه وخوفًا من لسانه، وزعم أن هذا قول المرزباني، والحق أن المرزباني في كتابه (الموشح) قد ذكر قصة هجاء بشار لسيبويه، ولم يُشر إلى أن سيبويه احتج بشيء من شعر بشار. أما الذي كان يحتج بشعر بشار في كتبه فهو أبو الحسن الأخفش، ذكر أبو
الفرج الأصفهاني في كتابه (الأغاني) أن الأخفش بعد أن هجاه بشار كان يحتجُّ بشعره في كتبه ليبلغه ذلك فيكُفَّ عن ذكره بعد هذا بشر، فكَفَّ عن ذكره بعد هذا. وليس في كتاب سيبوبه ما يدل على استشهاد سيبويه بشعر لبشار، وإنما يمكن أن يكون سيبويه قد ذكر شعر بشار في بعض مجالسه من غير أن يقصد إلى الاحتجاج به، ولم يذكر شيئًا منه في كتابه يدل على ذلك قول أبو الفرج الأصفهاني في (الأغاني) عن سيبويه:"وكان إذا سُئل عن شيء فأجاب عنه، ووجد له شاهدًا من شعر بشار؛ احتج به استكفافًا لشره"، انتهى. استكفافًا: أي: طلبًا للكفّ.
ولعل سيبويه لم يكن يقصد الاحتجاج، وإنما أراد التمثيل فقط، وإلى هذا أشار أبو العلاء المعري في (رسالة الغفران) فقال:"وذكر من نقل أخبار بشار أنه توعَّد سيبويه بالهجاء، وأنه تلافاه واستشهد بشعره، ويجوز أن يكون استشهاده به على نحو ما يذكره المتذاكرون في المجالس ومجامع القوم" انتهى.
وتبقى الإشارة إلى أن كتاب سيبويه قد خلا من اسم بشار، كما خلا من شعره، ولا يوجد في كتاب سيبويه إلا بيت واحد زعم أصحاب بشار أنه من شعره، وهو قوله:
فما كل ذي لُبّ بمؤتيك نصحه
…
وما كل مؤتٍ نصحه بلبيب
وقد ذكر سيبويه عجز هذا البيت في باب الإدغام في (الكتاب) ولم ينسبه إلى قائل، وأصحاب بشار يَرْوُون له هذا البيت. والصحيح أنه لأبي الأسود الدؤلي وهو مذكور في ديوانه، كما جاء في كثير من المصادر.
وقد ختم السيوطي كلامه بقوله: "ونقل ثعلب عن الأصمعي قال: خُتم الشعر بإبراهيم بن هرمة" وهذا الرأي هو أحد آراء ثلاثة ذكرها الأصمعي فيمن يعد