الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثاني عشر
(القياس (1))
معنى القياس، وبيانُ مدى اعتماد النحو عليه، وعدمُ إمكانِ إنكارِه
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
معنى القياس:
عرفه أبو البركات الأنباري في كتابه (لمع الأدلة) بأن معناه في اللغة: التقدير، وهو مصدر قايست الشيء بالشيء مقايسة وقياسًا، أي: قدرته، ومنه المقياس، أي: المقدار، وقيس رمح، أي: قدر رمح، وقال: وهو في عرف العلماء -أي: في اصطلاحهم- عبارة عن: تقدير الفرع بحكم الأصل، وقيل: هو حمل فرع على أصل بعلة وإجراء حكم الأصل على الفرع، وقيل: هو إلحاق الفرع بالأصل بجامع، وقيل: هو اعتبار الشيء بالشيء بجامع، وهذه الحدود كلها متقاربة. انتهى.
وعرفه في كتابه المسمى (الإغراب في جدل الإعراب) بأنه يعني في الاصطلاح: هو حمل غير المنقول على المنقول إذا كان في معناه، كما أوضح المراد بالنقل والمنقول فقال: فأما النقل: فالكلام العربي الفصيح المنقول النقل الصحيح الخارج عن حد القلة إلى حد الكثرة. انتهى.
وأشار السيوطي إلى مكانة القياس وأهميته بالنسبة لبقية أدلة النحو فقال: وهو معظم أدلة النحو والمعول في غالب مسائله عليه؛ كما قيل: "إنما النحو قياس يُتبع"؛ فاستشهد السيوطي هنا بصدر بيت من بحر الرمل اقتطعه من قصيدة للكسائي أورد منها السيوطي في كتابه (بغية الوعاة) أحد عشر بيتًا، وهي:
أيها الطالب علمًا نافعًا
…
اطلب النحو ودع عنك الطمع
إنما النحو قياس يُتبع
…
وبه في كل علم يُنتفع
وإذا أبصر النحوَ فتًى
…
مر في المنطق مرًّا فاتسع
فاتقاه كلُّ من جالسه
…
من جليس ناطق أو مستمع
وإذا لم يبصر النحوَ الفتى
…
هاب أن ينطق جبنًا فانقطع
فتراه ينصب الرفع وما
…
كان من نصب ومن خفض رفع
يقرأ القرآن لا يعرف ما
…
صرف الإعراب فيه وصنع
والذي يعرفه يقرؤه
…
وإذا ما شك في حرف رجع
ناظرًا فيه وفي إعرابه
…
فإذا ما عرف اللحن صدع
فهما فيه سواء عندكم
…
ليست السنة منا كالبدع
كم وضيع رفع النحوُ وكم
…
من شريف قد رأيناه وضع
قال السيوطي: ولهذا -يريد ولمكانة القياس في علم النحو- قيل في حده -يعني: في حد النحو-: إنه علم بمقاييس مستنبطة من استقراء كلام العرب، وقال صاحب (المستودع): كل علم فبعضه مأخوذ بالسماع والنصوص وبعضه بالاستنباط والقياس وبعضه بالانتزاع من علم آخر؛ فالفقه بعضه بالنصوص الواردة في الكتاب والسنة وبعضه بالاستنباط والقياس، والطب بعضه مستفاد من التجربة وبعضه من علوم أخر، والهيئة بعضها من علم التقدير وبعضها تجربة يشهد بها الرصد، والموسيقى جلها منتزع من علم الحساب، والنحو بعضه مسموع مأخوذ من العرب وبعضه مستنبط بالفكر والروية -وهو التعليلات- وبعضه يؤخذ من صناعة أخرى؛ كقولهم: الحرف الذي تختلس حركته في حكم المتحرك لا الساكن؛ فإنه مأخوذ من علم العروض؛ وكقولهم: الحركات أنواع: صاعد عالٍ، ومنحدر سافل، ومتوسط بينهما؛ فإنه مأخوذ من صناعة الموسيقى. انتهى ما نقله السيوطي عن صاحب كتاب (المستوفى) وهو ابن الفرخان.