الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها: ما روي في لحن في الصدر الأول؛ إذ وقع اللحن أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أرشدوا أخاكم، فقد ضل))، كما وقع اللحن في عهد عمر رضي الله عنه فقد رَوَوا أن أحد ولاته كتب إليه كتابًا لَحَنَ فيه، فكتب إليه عمر:"أن قنّع كاتبك صوتًا". وروي أن مقرئًا أقرأ أعرابيًّا قوله تعالى: "أن الله بريء من المشركين الله ورسولِه"(التوبة: 3) بكسر اللام فقال الأعرابي: برئت من رسول الله، فأنكر ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه ورسم لأبي الأسود من عمل النحو ما رسمه، وصحة قراءة الآية:{أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} (التوبة: 3) برفع لفظ "رسوله" وإعرابها في المشهور أن رسوله بالرفع مبتدأ والخبر محذوف، والتقدير: ورسوله بريء كذلك، أو أنه معطوف على الضمير المرفوع في الصفة المشبهة الواقعة خبرًا لـ"أن"، وهو لفظ:{بَرِيءٌ} .
وإذا كان اللحن قد عُرف من قديم فإنه ينبغي أن يستوحش من الأخذ عن كل أحد، إلا أن تقوى لغته، وتشيع فصاحته، ويُعرف بجودة لسانه وسلامة سليقته، وقد قال الفراء في بعض كلامه:"إلا أن تسمع شيئًا من بدوي فصيح فتقوله".
العربي الفصيح ينتقل لسانه
استمدَّ السيوطي هذا الفرع من كتاب (الخصائص) لابن جني إلا أنه قد ترك من كلام ابن جني أمورًا لا بد من ذكرها لإكمال النفع، وإتمام الفائدة، وقد أفرد ابن جني بابًا عنوانه:"في العربي الفصيح ينتقل اللسان"، والمراد بالعربي هنا: مَن تؤخذ عنه اللغة، ويُحتجّ بكلامه في العربية، ولذلك قيَّده ابن جني بقوله:"في العربي الفصيح"، والمراد بانتقال لسانه: أن يفارق لغته المعروفة له التي نشأ عليها؛ ليتكلم بغيرها، ولا تخلو اللغة التي انتقل إليها لسانه من إحدى حالتين:
الحالة الأولى: أن تكون اللغة التي انتقل إليها لسانه قد سلمت من اللحن، وبرئت من الاختلال والفساد، فكأنه انتقل من لغة فصيحة إلى لغة أخرى فصيحة، وقد بيَّن ابن جني حكم هذه الحالة بقوله "فإن كان إنما انتقل من لغته إلى لغة أخرى مثلها فصيحة؛ وجب أن يُؤخذ بلغته التي انتقل إليها، كما يُؤخذ بها قبل انتقاله إليها، حتى كأنه إنما حضر غائب من أهل اللغة التي صار إليها، أو نطق ساكت من أهلها". انتهى.
ومعنى ما قاله ابن جني: أنه إذا كانت اللغة التي انتقل إليها لسان العربي الفصيح لغة فصيحة يُؤخذ بها، ويحتجُّ بها، بأن كانت منقولة عن إحدى القبائل التي يحتجُّ بكلامها في العربية، إذَا كان الأمر كذلك؛ فإنه لا يضيرها أن يكون المتكلم بها من أهلها، أو لا. ونلحظ في كلام ابن جني قوله:"وجب أن يؤخذ بلغته التي انتقل إليها" فوصف اللغة التي انتقل إليها لسان العربي الفصيح بأنها لغته، فكأنه أحد أبنائها وقد كان غائبًا فحضر، أو كان ساكتًا فنطق بها، ومن تكلم لغة قوم فهو منهم.
والحالة الثانية: أن تكون اللغة التي انتقل إليها لسان العربي الفصيح غير فصيحة، والحكم حينئذٍ ألَّا يؤخذ بكلامه وألا يُعتبر به وألا يلتفت إليه، وإنما يُؤخذ بلغته الأولى التي انتقل عنها واشتهر بالفصاحة فيها. يقول ابن جني -رحمه الله تعالى-:"فإن كانت اللغة التي انتقل لسانه إليها فاسدة لم يُؤخذ بها، ويؤخذ بالأولى حتى كأنه لم يزل من أهلها". انتهى.
وفي كلام ابن جني ما يدلّ على أن لغة العربي الفصيح قد يدخلها شيء من الفساد، أو يتسرَّب إليها لحن أو خطأ، ولكن هذا الاحتمال لا يجوز أن يكون حائلًا يحول دون الأخذ عن الفصحاء، أو سببًا يؤدِّي إلى التشكيك فيما يقولونه؛