الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس التاسع
(طرح الشاذ، متى يكون التأويل سائغًا؟ والاحتمال يسقط الاستدلال، ورواية الأبيات بأوجه مختلفة)
طرح الشاذ، وعدم الاهتمام به
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالشَّاذ في اللغة: مأخوذ من شَذَذَ، وأصل هذه المادة هو الانفراد والتفرق يقال: شذَّ الرجل إذا انفرد عن أصحابه، ويقال: شُذَّاذ الناس أي: متفرقوهم، ويُطلق الشاذ في اصطلاح العلماء على ما فارق ما عليه بابه، وانفرد عن ذلك إلى غيره كما يطلق على ما خالف القياس، أو خرج عن القواعد النحوية أو الصرفية. وقد بين السيوطي حكم الشاذ فقال:"يُطرح طرحًا ولا يُهتم بتأويله" انتهى.
فقوله: "يطرح طرحًا" معناه: يلغى ويرمى ولا يلتفت إليه؛ لأنه من سخط المتاع. وقوله: "ولا يهتم بتأويله" معناه: لا يعتنى بشأنه، ولا ينظر إليه؛ لأنه خرج عن الأصول المجمع عليها، ومعنى كلام السيوطي: أن الشاذ لا يجوز القياس عليه وما ذكره السيوطي هو مذهب جمهور البصريين؛ إذ ذهبوا إلى أن الشّاذ يُطرح ولا يُقاس عليه، ولا تنقض به القواعد المطردة، يقول سيبويه في (الكتاب):"لا ينبغي لك أن تقيس على الشاذ المنكر". ويقول ابن السراج في (الأصول): "ينبغي أن تعلم أن القياس إذا اطرد في جميع الباب لم يُعنَى بالحرف الذي يشذّ منه". ويقول الزجاجي في (الإيضاح في علل النحو): "إن الشيء إذا اطرد عليه باب فصح في القياس، وقام في المعقول، ثم اعترض عليه شيء شاذّ نذر قليل لعلَّة تلحقه، لم يكن ذلك مبطلًا للأصل والمتفق عليه في القياس المطرد".
ويقول أبو البركات الأنباري في (لمع الأدلة): "الشواذ لا تُورد نقدًا على القواعد المطردة، ألا ترى أن الأصل في كل واو تحركت وانفتح ما قبلها أن تُقلب ألفًا نحو: باب، ودار، وعصًا، وقفًا. والأصل فيه: بوب ودور وعصو وقفو، فلما تحركت الواو وانفتح ما قبلها؛ قُلبت ألفًا، ولا يجوز أن يُورد القَوَد والحَوَكة نقدًا لشذوذه في بابه". انتهى.
والمراد بالقود القصاص، والمراد بالحوكة جمع حائك، وهو الذي ينسج الثياب، وقد ذكر السيوطي في موضع آخر من (الاقتراح) من شروط المقيس عليه: ألا يكون شاذًّا خارجًا عن سنن القياس، فإن كان كذلك لم يجز القياس عليه.
وإنما لم يجز القياس على الشَّاذ؛ لأنه لو قيس عليه لكثر الشذوذ، واضطربت القواعد. ومن الشاذ الذي يجب طرحه، ولا يُجوز أن يقاس عليه نُدبة الأسماء الموصولة، فقد استدل الكوفيون على جواز ندبة الأسماء الموصولة بما حَكَوه من قولهم:"وامَن حفر بئر زمزماه" وردَّه الأنباري في (الإنصاف): "لأنه من الشاذ الذي لا يُقاس عليه".
ومن الشاذ الذي يجب طرحه إضافة لبي إلى الاسم الظاهر في قول الراجز:
دعوت لما نابني مسورًا
…
فلبَّى فلَبَّي يدي مسور
أو إضافته إلى ضمير الغائب في قول الآخر: "لقلت لبيه لمن يدعوني"؛ إذ الأصل في لبَّي أن يلزم الأضافة إلى ضمير المخاطب بأن يقال: لبيك.
ومما يجب طرحه أيضًا لشذوذه بناء أفعل التفضيل من الألوان كما في قول الراجز:
يا ليتني مثلك في البياض
…
أبيض من أخت بني أباض
فقد استدلَّ به الكوفيون على جواز التفضيل من لفظ البياض، وردَّه ابن السراج بقوله:"هذا معمول على فساد، وليس البيت الشاذ، والكلام المحفوظ بأدنى إسناد حجة على الأصل المجتمع عليه في كلام، ولا نحو، ولا فقه، وإنما يركن إلى هذا ضَعَفَة أهل النحو، ومن لا حجة معه، وتأويل هذا وما أشبهه في الإعراب كتأويل ضَعَفة أهل الحديث، وأتباع القصاص في الفقه". انتهى.
ونلحظ في كلام ابن السراج -الذي نقله السيوطي-: أنه يصف مَن يقيس على الشاذ بالضعف في العربية، وقوله:"وتأويل هذا" الإشارة فيه لمن ذكر من ضَعَفة