الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة والإشفاق على الحرف المضعف أن يجيء في آخرها، وهو مكان الحذف وموضع الإعلال، وهم قد أرادوا تحصين الحرف الدّال على قوة الفعل.
ومن ذلك أيضًا: مقابلة الألفاظ بما يشاكل أصواتها من الأحداث، وهو باب عظيم واسع، وذلك أنهم كثيرًا ما يجعلون أصوات الحروف معبِّرة عن الأحداث الدالة عليها، من ذلك قولهم: خضم، وقضم؛ فالخضم لأكل الرطب كالبطيخ والقثاء، والقضم للصلب اليابس نحو: قضمت الدابة شعيرها؛ فاختاروا الخاء لرخاوتها للرطب، والقاف لصلابتها لليابس، حذوا لمسموع الأصوات على محسوس الأحداث، ومثل ذلك قولهم النضح للماء ونحوه، وهو الرش، وبابه ضرب إن كان الفعل متعديًا يقال: نضح البيت: رشه، ويقال نضحت القربة أي: رشحت، وباب اللازم قطع.
والنضخ بالخاء المعجمة أقوى من النضح بالحاء المهملة قال الله سبحانه وتعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} (الرحمن: 66) فجعلوا الحاء لرقتها للماء الضعيف، والخاء لغلظها لما هو أقوى منه، فالعين نضاخة أي: كثيرة الماء أو الفوارة.
الدلالات النحوية
ذكر ابن جني أن الدلالات النحوية ثلاث: لفظية، وصناعية، ومعنوية، وأنها في القوة على هذا الترتيب فأقواهنّ اللفظية، ثم تليها الصناعية، ثم تليها المعنوية. وأفاد أن جميع الأفعال في كل فعل منها الدلالات الثلاث؛ فالفعل "قام" مثلًا دلَّ لفظه على مصدره أي: على الحدث، فهذه هي الدلالة اللفظية، ودلَّ بناؤه -أي: وزنه- على الزمان وهذه هي الدلالة الصناعية، ودل معناه على فاعله، وهذه هي الدلالة المعنوية، وإنما كانت الدلالة الصناعية أقوى من الدلالة المعنوية
من جهة إنها وإن لم تكن لفظًا، فإنها صورة أي: صفة يحملها اللفظ، ويخرج عليها ويستقرّ على البناء المعتزم بها، فلما كانت كذلك لحقت بحكمه، وجرت مجرى اللفظ المنطوق به؛ فدخل -أي: الدلالتان اللفظية والصناعية- بذلك في باب المعلوم بالمشاهدة.
وأما المعنى فدلالته لاحقة بعلوم الاستدلال، وليست في حيز الضروريات، مثال ذلك: الأفعال، فالفعل -كما مر- دلَّ بلفظه على مصدره، وببنائه وصيغته على الزمان، وهما مدركان بحاسة السمع، وهو مراد ابن جني بالمشاهدة فيما سبق، ودلَّ بمعناه على فاعله، وهذا إنما يُدرك بإعمال النظر من جهة أن كل فعل لا بد له من فاعل؛ لأن وجود فعل من غير فاعل محالٌ فهو استدلالي ونظري، وليس في قوة الدلالتين الأوليين.
ويفسّر ابن جني ذلك ويؤكد على أن دلالة الفعل على فاعله دلالة معنوية أي: من جهة معناه لا من جهة لفظه فيقول: "ألا تراك حين تسمع ضرب قد عرفت حدثه وزمانه، ثم تنظر فيما بعد فتقول: هذا فعل ولا بد له من فاعل، فليت شعري من هو، وما هو؟ فتبحث حينئذٍ إلى أن تعلم الفاعل من هو وما حاله من موضع آخر لا من مسموع ضرب، ألا ترى أنه يصلح أن يكون فاعله كلَّ مذكر يصحّ منه الفعل مجملًا غير مفصل فقولك: ضرب زيد، وضرب عمرو، وضرب جعفر، ونحو ذلك، شرع سواء، وليس لضرب بأحد الفاعلين هؤلاء ولا غيرهم خصوص ليس له بصاحبه، كما يُخص بالضرب دون غيره من الأحداث، وبالماضي دون غيره من الأبنية، ولو كنت إنما تستفيد الفاعل من لفظ ضرب لا معناه؛ للزمك إذا قلت: قام. أن تختلف دلالتهما على الفاعل لاختلاف لفظيهما، كما اختلفت دلالتهما على الحدث لاختلاف لفظيهما، وليس الأمر في
هذا كذلك بل دلالة ضرب على الفاعل كدلالة قام وقعد وأكل وشرب وانطلق واستخرج عليه، لا فرق بين جميع ذلك" انتهى.
ونقل السيوطي عن الخضراوي قوله في كتابه المسمى بـ (الإفصاح): "ودلالة الصيغة هي المسماة دلالة التضمن، والدلالة المعنوية هي المسماة دلالة اللزوم" انتهى.
ودلالة التضمن: هي دلالة الفعل على ما تضمَّنه معناه المركب من الحدث والزمان، وهو يدل على الزمان بهيئته، وعلى الحدث بمادته، ودلالته على مجموعهما مطابقة؛ لأنه تمام ما وُضع له لفظ الفعل، والدلالة المعنوية هي دلالة الفعل على الفاعل كما مر، وهي تُسمى دلالة اللزوم لدلالة اللفظ على لازم الموضوع له، وهو الحدث الواقع في زمانٍ من وجود فاعله، كما نقل السيوطي عن أبي حيان في كتابه المسمى (تذكرة النحاة) ذِكره: أن في دلالة الفعل ثلاثة مذاهب، نكتفي هنا بذكر المذهب الراجح، وهو أنه يدل على الحدث -أي: المصدر- بلفظه -أي: بمادته- وعلى الزمان بصيغته، أي: كونه على شكل مخصوص، ولدلالة صيغته على الزمان تختلف الدلالة على الزمان باختلاف صيغه، ولا تختلف الدلالة على الحدث باختلافها، أي: لأنه مهما اختلفت الصِّيَغ، فمادة الفعل ثابتة لا تتغيَّر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.