الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
فصل في الأذكار والدعوات المستحبات بعرفات:
قد قدَّمنا في أذكار العيد حديثَ النبي صلى الله عليه وسلم: "خَيرُ الدعاءِ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَخَيرُ ما قُلْتُ أنا والنبِيُون مِنْ قَبْلي: لا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، لهُ المُلْكُ ولهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُل شَيءٍ قَدِيرٌ".
ــ
فصل
قوله: (بعرفات) قال السفاقسي: عرفات اسم جبل وهو مؤنث وحكى سيبويه هذه عرفات مباركًا فيها وهي مرادفة لعرفة وقيل: إنها جمع فإن عني في الأصل فصحيح وإن عنى مع كونها علمًا فليس بصحيح لأن الجمعية تنافي العلمية وقال قوم: عرفة اسم لليوم وعرفات اسم للبقعة والتنوين في عرفات ونحوه تنوين المقابلة وقبل تنوين صرف واعتذر عن كونه منصرفًا مع التأنيث والعلمية بأن التأنيث إن كان بالتاء التي في اللفظ كطلحة فالتي في عرفات ليست للتأنيث وإنما هي والألف قبلها علامة جمع المؤنث وإن كان بالتقدير كسعاد فلا يصح لأن هذه التاء لاختصاصها بجمع المؤنث تمنع من تقديرها كما لا يقدر التأنيث في بنت لأن التاء التي هي بدل عن الواو لاختصاصها بالمؤنث تمنع من تقديرها وأجري عرفات في القرآن مجرى ما لم بسم به من إبقاء التنوين في الجر ويجوز حذفه حال التسمية وحكى الكوفيون والأخفش إجراء ذلك مجرى فاطمة وأنشد بيت امرئ القيس:
تنورتها من أذرعات وأهلها
…
بيثرب أدنى دارها نظر عالي اهـ
وقد أفاد ابن مالك وغيره أن هذا البيت أنشد بالأوجه الثلاثة وقد بسطت هذا المحل في شرحي على ألغاز شيخي العلامة عبد الملك العصامي المسمى بغنية المعتاز في شرح الألغاز واختلف في وجه تسميتها بذلك فقيل لتعارف آدم وحواء بها وقيل لأن جبريل عرف الخليل المناسك يوم عرفة وقيل: لأن النّاس يعترفون فيها بذنوبهم وقيل غير ذلك قال الفارسي وفي ذلك تسعة أقوال عشرة إلا واحدًا. قوله: (قدمنا في أذكار العيد الخ) وكذا تقدم الكلام على ما يتعلق بسنده ومتنه في ذلك الباب
فيستحب الإكثار من الذكر والدعاء، ويجتهد في ذلك، فهذا اليوم أفضل أيام السنة للدُّعاء، وهو مُعْظَم الحج، ومقصودُه والمعوّلُ عليه، فينبغي أن يستفرغ الإنسان وُسعَه في
الذِّكْر والدُّعاء، وفي قراءة القرآن، وأن يدعوَ بأنواع الأدعية، ويأتيَ بأنواع الأذكار، ويدعو لنفسه، ويذكرَ في كل مكان، ويدعو منفردًا ومع جماعة، ويدعوَ لنفسه،
ــ
والله أعلم بالصواب. قوله: (فيستحب الإكثار من هذا الدعاء والذكر) أي لا إله إلا الله الخ. لأنه نص صلى الله عليه وسلم على أن ذلك أفضل ما قاله هو والنبيون من قبله. قوله: (فهذا اليوم أفضل أيام السنة للدعاء الخ) وقد صح أنه سيد أيام السنة وهو معظم الحج وقد ورد فيه صلوات بأسانيد ضعيفة جدًّا أو رد بعضها في القرى وقراءة سورة معينة فروى المستغفري مرفوعًا من قرأ في يوم عرفة: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ألف مرة أعطى ما سأل وقراءة سورة الحشر لأثر في ذلك عن علي بت أبي طالب. قوله: (وهو معظم
(الحج) أي الوقوف بعرفة معظم الحج إذ بإدراكه يدرك الحج وبفواته يفوت ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "الحج عرفة" قيل: وهو أفضل أركانه لتوقفه عليه ولما فيه من الفضل العظيم والشرف اليم. قوله: (فينبغي أن يستفرغ الإنسان وسعه الخ) أي يكون دعاؤه جامعًا بين شرف الزمان والمكان والإخوان فهم القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم. قوله: (ويدعو بأنواع الأدعية ويأتي بأنواع الأذكار) هذا تعميم بالنسبة للمأتي به وأفضله الماثور وهو كثير جدًّا أورد جملة كثيرة منه الشيخ جاد الله ابن الشيخ عز الدين بن فهد في مؤلفه المسمى بالقول المبرور والعمل المشكور في فضل عرفة ودعائها المأثور. قوله: (ويدعو ويذكر في كل مكان) أي فقد ورد أن الله يحب الملحين في الدعاء وسبق حديث سبق المفردون وهذا تعميم في المكان. قوله: (ويدعو منفردًا) أي على أي حال كان من قيام وقعود واضطجاع (ومع جماعة) وهذا تعميم في الأحوال وقد مدح الله ذاكريه في القيام والقعود المراد به عند جمع الذكر في سائر الأحوال، . قوله:(ويدعو لنفسه) أي ويبدأ بها وقد
ووالديه، وأقاربه ومشايخه، وأصحابه، وأصدقائه، وأحبابه، وسائر من أحسن إليه، وجميع المسلمين، وليحذر كل الحذر من التقصير في ذلك كلِّه، فإن هذا اليوم لا يمكن تداركه، بخلاف غيره، ولا يتكلَّف السجع في الدعاء، فإنه يشغل القلب، ويذهب الانكسار، والخضوع، والافتقار، والمسكنة والذِّلَّة، والخشوع، ولا بأس بأن يدعوَ بدعواتٍ محفوظةٍ معه، له أو غيره، مسجوعة
ــ
ورد في الحديث ابدأ بنفسك وفي صحيح مسلم في قصة موسى مع الخضر رحمة الله علينا وعلى موسى، قال: وكان صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه رحمة الله علينا وعلى أخي فلان. قال المصنف: قال العلماء: فيه استحباب ابتداء الإنسان بنفسه في الدعاء وشبهه من أمور الآخرة أما حظوظ الدنيا فالأدب فيها الإيثار وتقديم غيره على نفسه اهـ. وقوله ويدعو لنفسه هذا تعميم للمدعو لهم وواو يدعو لام الكلمة وفي بعض الأصول كتابة ألف بعدها وقد حكى ابن قتيبة في أدب الكاتب في كتابة الألف بعد الواو التي هي لام الكلمة وحذفها وجهين نقلهما المصنف في شرح مسلم الأول قول الكتاب المتقدمين والثاني قول بعض المتأخرين وهو الأصح. قوله: (وأحبائه) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة والمد أي من يحبهم ويحبونه ويجوز أن يكون بموحدتين بينهما ألف جمع حبيب بمعنى محب ومحبوب من استعمال المشترك في معنييه وهو جائز عندنا. قوله: (ووالديه) أي فيدعو لهما ويترحم عليهما وليمتثل في ذلك قوله تعالى: (وَقُل ربِّ ارْحمهُمَا كَمَا رَبيَاني صَغِيرًا) وليكثر من الاستغفار لهما فإن ذلك من البر المشروع في حقهما وقد روى أبو داود عن أبي أسيد قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما بعد موتهما قال: "الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما" وقد تقدم ما يتعلق بذلك في أواخر الجنائز. قوله: (وسائر -أي جميع- من أحسن إليه) فيكون أعم مما قبله أو باقي من أحسن إليه فيكون غيره وتقدم تحقيق الخلاف في معنى سائر في آخر الخطبة من أول هذا الكتاب. قوله: (ويذهب الانكسار) أي لأنه ربما
إذا لم يشتغل بتكلُّف ترتيبها ومراعاة إعرابها. والسُّنَّة أن يخفض صوته بالدعاء، ويكثر من الاستغفار والتلفظ بالتوبة من جميع المخالفات، مع الاعتقاد بالقلب، ويلح في الدعاء، ويكرره، ولا يستبطئ الإجابة، ويفتحَ دعاءه ويختِمَه بالحمدِ الله تعالى والثناءِ عليه سبحانه وتعالى، والصلاة
ــ
رزق حظًّا من البلاغة فإذا رتبه كذلك حصل له به عجب وافتخار فاستبدلهما عما يطلب من لباس المسكنة والافتقار فكان في فتحه ذلك المقال حتفه
إن لم يتداركه ربه بأنواع الرحمة والإفضال ولهذا المعنى لم يعتن كثير من السلف مع كمال بلاغتهم بالبلاغة في ألفاظ الدعاء لأن المقام للافتقار ومزيد الذلة والانكسار والله أعلم. قوله: (إذا لم يشتغل بتكلف ترتيبها ومراعاة اعرابها) ظاهر هذا الكلام إن تحري إعرابه مكروه كتحري السجع وهو ظاهر إن نافى الخشوع والا ففيه تفصيل حاصله إن ظاهر كلام الحليمي والخطابي إن تجنب اللحن الدعاء من الشروط لكن عدة غيرهما من الآداب وجمع يحمل الأول على لحن يغير المعنى من قادر عليه والثاني على خلافه وعلى الأول يحمل حديث لا يقبل الله دعاء ملحونًا ويدل له قول ابن الصلاح إن اللحن ممن لا يستطيع غيره لا يقدح في الدعاء ويعذر فيه. قوله: (والسنة أن يخفض صوته في الدعاء) أي لأنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد عن اطلاع النّاس نعم إن أراد التعليم جهر بقدر الحاجة ويكره الإفراط برفع الصوت لحديث أبي موسى كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا وارتفعت أصواتنا فقال صلى الله عليه وسلم: "أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا" رواه الشيخان. قوله: (ويكثر من الاستغفار) أي بلسانه مع الإذعان لمضمونه بجنانه. قوله: (مع الاعتقاد بالقلب) قيد فيما قبله من التوبة والاستغفار جميعًا. قوله: (ويلح في الدعاء) لما في الحديث إن الله يحب الملحين في الدعاء. قوله: (ولا يستبطئ الإجابة) أي فقد يكون الخير في تأخيرها وقد يكون ادخر الله تعالى ثواب تلك المسألة عنده وفي الصحيحين يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول: دعوت فلم يستجب لي. قوله: (ويفتتح دعاءه بالحمد الخ) قال بعض العلماء للدعاء أركان وأجنحة وأسباب وأوقات فإن
والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليختمه بذلك، وليحرصْ على أن يكون مستقبل الكعبة وعلى طهارة.
وروينا في كتاب الترمذي عن علي رضي الله عنه قال: أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في الموقف: "اللهُم لكَ الحَمْدُ كالذِي نَقُولُ، وَخَيرًا مِمَا نَقُولُ، اللهم لَكَ صَلاتي وَنُسُكِي
وَمَحْيَايَ وممَاتي، وإلَيْكَ مَآبي، ولكَ رَب تُرَاثي، اللهم إني أعُوذُ بكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَوَسْوَسَةِ الصَّدْرِ، وَشَتاتِ الأمرِ،
ــ
وافق أركانه قوي وإن وافق أجنحته طار في السموات وإن وافق أوقاته فاز وإن وافق أسبابه نجح فاركانه حضور القلب والرقة والخشوع وتعلق القلب بالله تعالى وحده وأجنحته الصدق ومواقيته الأسحار وأسبابه الحمد الله والصلاة أي والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم اهـ. وفي الحديث لا تجعلوني كقدح الراكب اجعلوني أول كل دعاء وأوسطه وآخره وتقدم تخريجه في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وينبغي ختمه بالتأمين. قوله: (وليختمه بذلك) ويأتي به في الأثناء أيضًا.
قوله: (وروينا في كتاب الترمذي الخ) قال الحافظ بعد تخريجه من طرق هذا حديث غريب من هذا الوجه وقد تقدم في العيدين من وجه آخر عن علي فيه زيادة وهذه الطريق أي التي أخرجها في هذا الباب أخرجها الترمذي وقال غريب وليس إسناده بالقوي وأخرجه ابن خزيمة وقال: خرجته وإن لم يكن ثابتًا من جهة النقل لأنه من الأمر المباح اهـ. قوله: (كالذي تقول) بالمثناة الفوقية كذا ضبطه
الشيخ عبد الوارث في شرح مناسك شيخه والذي في نسخة مصححة من الأذكار بالنون ولعله أقرب. قوله: (مما نقول) بالنون قوله: (ونسكي) بضمتين أي عبادتي. قوله: (ومحياي ومماتي) أي هما طوع إرادتك وقدرتك. قوله: (تراثي) قال الواحدي هو المال وأصله وارث فأبدلت الواو المضمومة مثناة فوقية وفي الصحاح أصل التاء فيه الواو تقول ورثت أبي وورثت الشيء من أبي إرثه بالكسر اهـ. والمراد إرثي ومالي كله لك إذ ليس لأحد معك ملك. قوله: (ووسوسة الصدر) أي الوسوسة الكائنة من النفس أو من الشيطان الحاصلة في الصدر. قوله: (وشتات الأمر) بفتح الشين أي تفرقة الخواطر في أمر الدين بالاشتغال في أمور الدنيا فاجعله لي بتحصيل المهم
اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ مَا تَجِيءُ بِهِ الرِّيحُ".
ويستحبُّ الإكثار من التلبية فيما بين ذلك، ومن الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يكثر من البكاء مع الذكر والدعاء، فهنالك تُسْكَبُ العبراتُ، وتستقال العَثراتُ، وتُرتجى الطلباتُ، وإنه لموقف عظيم، ومجمع جليل، يجتمع فيه خيار عباد الله المخلصين، وهو أعظم مجامع الدنيا.
ومن الأدعية المختارة: "اللهُم آتنا في
ــ
الأهم بأن تجعل أكثر همي هم الدين وقد ورد من جعل الهموم همًّا واحدًا هم آخرته كفاه الله أمر دنياه. قوله: (من شر ما تجيء به الريح) قيل الباء للتعدية وقيل للملابسة والمستعاذ منه قيل: العذاب وقيل: إن ذلك كناية عن سوء القضاء والقدر.
قوله: (وأن يكثر من البكاء) أي لما فيه من مزيد الانكسار والخضوع لعظمة الملك الجبار. قوله: (تسكب العبرات) أي لما فرط من الذنوب وسلف من العيوب وفات من الخيرات في الأيام الخاليات. قوله: (وتستقال العثرات) أي تطلب الإقالة من العثرات أي بغفرانها وقد روي ما رؤي الشيطان أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة لما يرى من كثرة الرحمات والعفو عن عظائم السيئات روي أنه صلى الله عليه وسلم سأل لأمته عشية عرفة المغفرة فأجيب لما عدا المظالم فإنه تعالى يأخذ للمظلوم من الظالم قال صلى الله عليه وسلم: "أي رب إن شئت أعطيت المظلوم من الجنة وغفرت للظالم" فلم يجب عشية عرفة فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء فأجيب فضحك صلى الله عليه وسلم فسأله أبو بكر وعمر فقال: "إن عدو الله إبليس لما استجيب لي حثى التراب على رأسه ودعا بالويل والثبور فأضحكت لما رأيت من جزعه". قوله: (وترتجي الطلبات) أي حصولها وقد ورد أن ابن عبد الله رأى رجلًا يسأل في يوم عرفة فقال: يا عاجز أفي هذا اليوم يسأل غير الله أخرجه أبو نعيم في الحلية وفي إيضاح المناسك للمصنف أن الفضيل قال: أرأيتم لو أن هؤلاء النّاس يعني أهل الموقف سألوا إنسانًا دانقًا كان يمنعهم منه قالوا: لا، قال: والله للمغفرة أهون على الله من الدانق على أحدكم. قوله: (يجتمع فيه خيار عباد الله الخ) أي الذين يباهي بهم الله ملائكته ويشهدهم على مغفرته لهم وأي فخر يذكر فوق ذلك ولذكر الله أكبر.
قوله: (ومن الأدعية المختارة الخ) قال الحافظ: هذا الذي ذكره
الدُّنْيا حَسَنَةً، وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وقِنا عَذَابَ النارِ".
"اللَّهُمَّ إني ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وإنه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ فاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْني إنكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحيمُ".
"اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي مَغْفِرَةً تُصْلِحْ بِها شَأني في الدَّارَينِ، وارْحَمْني رحمَةً أسْعَدْ بِها في الدّارين، وتُبْ عليَّ تَوْبَةً نصوحًا لا أنْكُثها أبَدًا، وألْزِمْني سَبِيلَ الاسْتقَامَةِ لا أزيغ عَنْها أبَدًا".
"اللَّهُمَّ انْقُلْني مِنْ ذُل المَعْصِيَةِ
ــ
مجموع من أحاديث تقدم أي
الأول منها قريبًا ويأتي قريبًا أيضًا والثاني تقدم في باب الدعاء بعد التشهد أي من حديث الصديق والثالث لم أقف عليه مسندًا والرابع تقدم في باب ما يقول من غلبه الدين والخامس وقع بعضه في حديث أبي سعيد بسند ضعيف في مسند الفردوس اهـ. والدعاء المختار في هذا المحل كثير وقد ذكر الزعفراني منه نحو عشرين ورقة لكن قال الأذرعي ولا أحسب له أصلًا أي مجموع ذلك وإلا فقد خرج الحافظ في الأمالي بعض أحاديث وآثارًا في ذلك والله أعلم وأورد بعضًا منها جدي في مثير شوق الأنام. قوله: (فاغفر لي مغفرة) أي عظيمة يتسبب عنها صلاح الدارين والشأن كما سبق الأمر، وكون الغفران سببًا في صلاح الآخرة ظاهر أما الدنيا فلأنه حينئذٍ ينتظم في سلك الخالص من العصيان المستدعي للحرمان كما ورد في الحديث إن العبد ليمنع من الرزق بالمعصية يفعلها أو كما ورد. قوله:(وارحمني) أي أرد لي الخير في الدارين وافعل بي ذلك. قوله: (توبة نصوحًا) هو بفتح النون صفة التوبة وبضمها مصدر وصف به التوبة على سبيل المبالغة روي عن عمر وعبد الله أنها التي لا عودة بعدها كما يعود اللبن للضرع ورفعه معاذ للنبي صلى الله عليه وسلم فقوله: إلا أنكثها أبدًا) كالتفسير لها. قوله: (سبيل الاستقامة) أي امتثال الأوامر واجتناب النواهي وفي الرسالة القشيرية الاستقامة درجة بها كمال الأمور وتمامها وبوجودها حصول الخيرات ونظامها ومن لم يكن مستقيمًا في حالته ضل سعيه وخاب جهده وفيها قيل: إن الاستقامة لا يطيقها إلا الأكابر لأنها الخروج عن المعهودات ومفارقة الرسوم والعادات والقيام بين يدي الله تعالى على حقيقة الصدق فلذلك قال صلى الله عليه وسلم: "استقيموا ولن تحصوا" اهـ. قوله: (لا أزيغ) أي لا أميل.
قوله: (من ذل المعصية الخ) قال ابن القيم في