المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب استحباب إظهار الصبر والقوة لمن جرح واستبشاره بما حصل له من الجرح في سبيل الله وبما يصير إليه من الشهادة وإظهار السرور بذلك وأنه لا ضير علينا في ذلك بل هذا مطلوبنا وهو نهاية أملنا وغاية سؤلنا - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ٥

[ابن علان]

فهرس الكتاب

- ‌فصل في الأذكار والدعوات المستحبات بعرفات:

- ‌فصل في الأذكار المستحبة في الإفاضة من عرفة إلى مزدلفة

- ‌فصل في الأذكار المستحبة في المزدلفة والمشعر الحرام:

- ‌فصل في الأذكار المستحبة في الدفع من المشعر الحرام إلى منى

- ‌فصل في الأذكار المستحبة بمنى يوم النحر:

- ‌فصل في الأذكار المستحبة بمنى في أيام التشريق:

- ‌فصل:

- ‌فصل فيما يقوله إذا شرب من ماء زمرم:

- ‌فصل:

- ‌فصل في زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكارها:

- ‌كتاب أذكار الجهاد

- ‌باب استحباب سؤال الشهادة

- ‌باب حث الإمام أمير السرية على تقوى الله تعالى وتعليمه إياهما يحتاج إليه من أمر قتال ومصالحتهم وغير ذلك

- ‌باب بيان أن السنَّة للإمام وأمير السرية إذا أراد غزوة أن يورى بغيرها

- ‌باب الدعاء لمن يقاتل أو يعمل على ما يعين على القتال في وجهه وذكر ما ينشطهم ويحرضهم على القتال

- ‌باب الدعاء والتضرع والتكبير عندالقتال واستنجاز الله تعالى ما وعد من نصر المؤمنين

- ‌باب النهي عن رفع الصوت عند القتال لغير حاجة

- ‌باب قول الرجل في حال القتال: أنا فلان لإرعاب عدوه

- ‌باب استحباب الرجز حال المبارزة

- ‌باب استحباب إظهار الصبر والقوة لمن جرح واستبشاره بما حصل له من الجرح في سبيل الله وبما يصير إليه من الشهادة وإظهار السرور بذلك وأنه لا ضير علينا في ذلك بل هذا مطلوبنا وهو نهاية أملنا وغاية سؤلنا

- ‌باب ما يقول إذا ظهر المسلمون وغلبوا عدوهم

- ‌باب ما يقول إذا رأى هزيمة في المسلمين والعياذ بالله الكريم

- ‌باب ثناء الإمام على من ظهرت منه براعة في القتال

- ‌باب ما يقوله إذا رجع من الغزو

- ‌كتاب أذكار المسافر

- ‌باب الاستخارة والاستشارة

- ‌باب أذكاره بعد استقرار عزمه على السفر

- ‌تنبيه

- ‌فائدة

- ‌باب أذكاره عند إرادته الخروج من بيته

- ‌باب أذكاره إذا خرج

- ‌باب استحباب طلبه الوصية من أهل الخير

- ‌باب استحباب وصية المقيم المسافر بالدعاء له في مواطن الخير ولو كان المقيم أفضل من المسافر

- ‌باب ما يقوله إذا ركب دابته

- ‌باب ما يقول إذا ركب سفينة

- ‌باب استحباب الدعاء في السفر

- ‌باب تكبير المسافر إذا صعد الثنايا وشبهها وتسبيحه إذا هبط الأدوية ونحوها

- ‌باب النهي عن المبالغة في رفع الصوت بالتكبير ونحوه

- ‌باب استحباب الحداء للسرعة في السير وتنشيط النفوس وترويجها وتسهيل السير عليها

- ‌باب ما يقول إذا انفلتت دابته

- ‌باب ما يقوله على الدابة الصعبة

- ‌باب ما يقوله إذا رأى قرية يريد دخولها أو لا يريد

- ‌باب ما يدعو به إذا خاف ناسًا أو غيرهم

- ‌باب ما يقول المسافر إذا تغوَّلت الغيلان

- ‌باب ما يقول إذا نزل منزلًا

- ‌باب ما يقول إذا رجع من سفره

- ‌باب ما يقوله المسافر بعد صلاة الصبح

- ‌باب ما يقول إذا رأى بلدته

- ‌باب ما يقول إذا قدم من سفره فدخل بيته

- ‌باب ما يقال لمن يقدم من سفر

- ‌باب ما يقال لمن يقدم من غزو

- ‌باب ما يقال لمن يقدم من حج وما يقوله

- ‌كتاب أذكار الأكل والشرب

- ‌باب ما يقول إذا قرب إليه طعامه

- ‌باب استحباب قول صاحب الطعام لضيفانه عند تقديم الطعام: كلوا أو في معناه

- ‌باب التسمية عند الأكل والشرب

- ‌فصل:

- ‌باب لا يعيب الطعام والشراب

- ‌باب جواز قوله: لا أشتهي هذا الطعام أو ما اعتدت أكله أو نحو ذلك إذا دعت إليه الحاجة

- ‌باب مدح الأكل الطعام الذي يأكل منه

- ‌باب ما يقوله من حضر الطعام وهو صائم إذا لم يفطر

- ‌باب ما يقوله من دعى لطعام إذا تبعه غيره

- ‌باب وعظه وتأديبه من يسئ في أكله

- ‌باب استحباب الكلام على الطعام

- ‌باب ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع

- ‌باب ما يقول إذا أكل مع صاحب عاهة

- ‌فائدة

- ‌باب استحباب قول صاحب الطعام لضيفه ومن في معناه إذا رفع يده من الطعام "كل" وتكريره ذلك عليه ما لم يتحقق أنه اكتفى منه وكذلك يفعل في الشراب والطيب ونحو ذلك

- ‌باب ما يقول إذا فرغ من الطعام

- ‌تنبيه

- ‌باب دعاء المدعو والضيف لأهل الطعام إذا فرغ من أكله

- ‌باب دعاء الإنسان لمن سقاه ماء أو لبنًا ونحوهما

- ‌باب دعاء الإنسان وتحريضه لمن يضيف ضيفًا

- ‌باب الثناء على من أكرم ضيفه

- ‌باب استحباب ترحيب الإنسان بضيفه وحمده الله تعالى على حصوله ضيفًا عنده وسروره بذلك وثنائه عليه لكونه جعله أهلا لذلك

- ‌باب ما يقوله بعد انصرافه عن الطعام

- ‌كتاب السلام والاستئذان وتشميت العاطس وما يتعلق بها

- ‌باب فضل السلام والأمر بإفشائه

- ‌باب كيفية السلام

- ‌فصل:

- ‌فصل:

- ‌فصل:

- ‌باب ما جاء في كراهة الإشارة بالسلام باليد ونحوها بلا لفظ

- ‌باب حكم السلام

- ‌باب الأحوال التي يستحب فيها السلام والتي يكره فيها، والتي يباح

- ‌باب من يسلَّم عليه ومن لا يسلَّم عليه ومن يُرد عليه ومن لا يُرد عليه

- ‌فصل: وأما الصِّبيان فالسُّنَّة أن يسلم عليهم

- ‌باب في آداب ومسائل من السلام

- ‌باب الاستئذان

- ‌باب في مسائل تتفرَّع على السلام

- ‌فصل في المصافحة:

- ‌فصل: في استحباب طلب الإنسان من صاحبه الصالح أن يزوره، وأن يكثر من زيارته

الفصل: ‌باب استحباب إظهار الصبر والقوة لمن جرح واستبشاره بما حصل له من الجرح في سبيل الله وبما يصير إليه من الشهادة وإظهار السرور بذلك وأنه لا ضير علينا في ذلك بل هذا مطلوبنا وهو نهاية أملنا وغاية سؤلنا

‌باب استحباب إظهار الصبر والقوة لمن جرح واستبشاره بما حصل له من الجرح في سبيل الله وبما يصير إليه من الشهادة وإظهار السرور بذلك وأنه لا ضير علينا في ذلك بل هذا مطلوبنا وهو نهاية أملنا وغاية سؤلنا

قال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا

ــ

باقي الروايات ليس بموزون وعلى هذا الوجه فيجاب عنه بأن شرط الشعر أن يقصد به ذلك وهو منتف هنا كما تقدمت الإشارة إليه.

باب استحباب إظهار الصبر

أي حبس النفس على ما لا تهواه امتثالًا لما جاء عن الشارع (والقوة لمن جرح واستبشاره بما حصل له من الجرح في سبيل الله وبما يصير إليه من الشهادة وإظهار السرور لذلك وأنه لا ضير) أي بالضاد المعجمة والمثناة التحتية الساكنة بعدها راء والمراد لا مضرة (علينا في ذلك) فإن هذه المحنة الصورية منحة حقيقية كيف وبها يتوصل إلى رضا الرحمن وقوله (بل هو مطلوبنا الخ) ترق في الفرح بما أصابهم لأنه مطلوبهم ونهاية مرغوبهم لأنهم باعوا أنفسهم وأموالهم من الله تعالى فخرجوا عن نفوسهم ولم يلتفتوا لأنواع بؤسهم قال تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} أي من قتل أعداء الدينِ مع السلامة ونيل الغنيمة أو الموت في ميدان الجهاد وفي ذلك غاية المراد. قوله: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} تحسبن بالتاء الفوقية خطاب للسامع وبالتحتية أي لا يحسبن هو أي حاسب قال الزمخشري ويجوز أن يكون الذين قتلوا فاعلًا ويكون التقدير لا يحسبنهم الذين قتلوا أمواتًا أي لا يحسبن الذين قتلوا أنفسهم أمواتًا وحذف المفعول الأول لأنه في الأصل مبتدأ فحذفه هنا كحذفه في قوله أحياء أي هم أحياء لدلالة الكلام عليهما اهـ وتعقب بأن تقديره بلا يحسبنهم الذين قتلوا فيه تفسير الضمير بالفاعل وهو لا يجوز ولا تقول حسبه زيد منطلقًا تريد حسب زيد نفسه منطلقًا وحذف المفعول

ص: 78

بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ

ــ

الأول لحسب أجازه الفراء اختصارًا وقال بعضهم: لا يجوز حذفه البتة وما كان هكذا فلا ينبغي أن يحمل كلام الله عليه ويبعد ما قاله من حيث المعنى إن من كان حيًّا عند ربه مرزوقًا فرحًا مستبشرًا لا ينهى أن يحسب نفسه ميتة فيجب أن تحمل قراءة التحتية على أن الفاعل مضمر أي حاسب لتتفق القراءتان في كون الذين مفعولًا وإن اختلفتا من جهة الخطاب والغيبة كذا في النهر بالمعنى ويجوز على قراءته بالتحتية كون الفعل مسندًا إلى ضمير الرسول أو من يحسب كما جوزه القاضي البيضاوي مع ما نقل عن الكشاف بما تعقبه في النهر قوله: {بَلْ أَحْيَاءٌ} بالرفع على تقديرهم أحياء وقرئ أحياء بالنصب على تقدير بل تحسبهم وتقدم أن نحو عند ربهم العندية فيه للمكانة والتشريف والقرب المعنوي لا للمكان والقرب الحسي تعالى الله عن ذلك ففيه مضاف مقدر أي عند كرامة ربهم هذا واختلف العلماء في هذه الآية فقيل إنها نزلت في شهداء أحد وبه قال أبو الضحى وعند أبي داود بإسناد صحيح عن ابن عباس ما يشهد له وهو قوله صلى الله عليه وسلم لما أصيب أخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طيور خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا من يبلغ إخواننا عنا أنا

أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال تعالى: أنا أبلغهم عنكم فنزلت ولا تحسبن الخ وقيل في شهداء بئر معونة وقيل نزلت في شهداء بدر وكانوا أربعة عشر رجلًا ثمانية من الأنصار وستة من المهاجرين وقيل بل هي عامة في جميع الشهداء وقيل: إن أولياء الشهداء كانوا إذا أصابوا نعمة وسرورًا حزنوا وقالوا نحن في النعمة والسرور وآباؤنا وإخواننا في القبور فأنزل الله هذه الآية تنفيسًا عنهم وإخبارًا عن حال قتلاهم قال القرطبي في التفسير وبالجملة وإن كان يحتمل أن يكون النزول بسبب المجموع فقد أخبر تعالى عن الشهداء أنهم أحياء في الجنة يرزقون ولا محالة أنهم ماتوا وأن أجسادهم في التراب وأرواحهم حية كأرواح سائر المؤمنين وفضلوا بالرزق في الجنة من وقت القتل حتى كأن حياة الدنيا دائمة لهم وقد اختلف العلماء في هذا المعنى فالذي عليه المعظم

ص: 79

يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ

ــ

ما ذكرناه وأن حياة الشهداء محققة ثم منهم من يقول ترد إليهم أرواحهم في قبورهم فينعمون كما تحيا الكفار في قبورهم فيعذبون وقال مجاهد يرزقون من ثمر الجنة أي يجدون ريحها وليسوا فيها وصار قوم إلى أن هذا مجاز والمعنى أنهم في حكم الله مستحقون للتنعم في الجنة وهو كما يقال: مات فلان وهو حي أي ذكره حي قال الشاعر:

موت التقي حياة لا فناء بها

قد مات قوم في الناس أحياء

فالمعنى أنهم يرزقون الثناء الجميل وقال آخرون: أرواحهم في أجواف طير خضر وأنهم في الجنة يرزقون ويأكلون ويتنعمون وهذا هو الصحيح من الأقوال لأن ما صح به النقل فهو الواقع وحديث ابن عباس نص يرفع الخلاف وكذا حديث ابن مسعود في مسلم وأما من تأول في الشهداء أنهم أحياء بمعنى أنهم سيحيون فبعيد يرده القرآن والسنة وأن قوله تعالى أحياء دليل على حياتهم وأنهم يرزقون ولا يرزق إلا حي انتهى مع يسير اختصار وقد سبق لهذا المعنى بسط في باب ما يقول الرجل إذا دخل منزله. قوله: (يرزقون) أي من الرزق المعروف في العادات فيرزقون من الجنة كما قيل به وعليه اقتصر البيضاوي قال وهو تأكيد لقوله أحياء وقيل: وحياة الذكر بعد موته قال: يرزقون حسن الثناء الجميل والأول كما قال القرطبي الحقيقة وقد قيل إن الأرواح تدرك في تلك الحال التي يسرحون فيها من روائح الجنة وطيبها ونعيمها وسرورها ما يليق بالأرواح مما ترزق وتنتعش به أما الذات الجسمانية فإذا أعيدت الأرواح إلى أشباحها استوفت من النعيم جميع ما أعد لها قال القرطبي وهذا حسن وإن كان فيه نوع من المجاز فهو موافق لما اخترناه والله الموفق وجملة يرزقون في محل الصفة لقوله أحياء. وقوله (فرحين) نصب على أنه حال من الضمير في قوله يرزقون وهو من الفرح بمعنى السرور والقصد من هذه الآية هو النعيم وقرئ فارحين بالألف وهما لغتان كالفره والفاره قال ابن النحاس ويجوز في غير القرآن رفعه فيكون نعتًا لأحياء وقوله (بما آتاهم الله) متعلق بفرحين ومن فضله في محل الحال والذي أعطوه شرف الشهادة والفوز بالحياة الأبدية والقرب من الله سبحانه والتمتع بنعيم الجنة إما بالأرواح كما هو الراجح عند المصنف أو بالأشباح

ص: 80

وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)

ــ

كما قيل به. قوله: {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ} ) جعل ابن عطية استبشر بمعنى الفعل المجرد أي بشر كما يقال استمجد المرخ والعفار أي مسجد وقال في النهر الأحسن أن يكون مطاوع أبشر كقولهم أكانه

فاستكان ومطاوعه استفعل لا فعل لأنه من حيث المطاوعة منفعل عن غيره فحصلت له البشرى بإبشار الله تعالى له اهـ ثم الذين لم يلحقوا بهم قيل هم الشهداء الذين يلحقونهم بعد من إخوانهم الذين تركوهم مجاهدين يستشهدون فرحوا لأنفسهم ولمن يلحق بهم من الشهداء ويصيرون إلى ما صاروا إليه من كرامة الله تعالى كذا في تفسير البيضاوي وفي النهر قال القرطبي قال قتادة وابن جريج وغيرهم استبشارهم بأن يقولوا إخواننا الذين تركناهم في الدنيا يقاتلون مع النبي صلى الله عليه وسلم فيستشهدون فينالون من الكرامة مثل ما نحن فيه فيبشرون ويفرحون لهم وظاهر عبارة النهر توهم أن هذا الظرف كقوله {بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} متعلق بقوله فرحين وإن كان المراد باللحاق فيه اللحاق في الزمان وكأن قوله ويستبشرون كالتفسير لقوله قبله فرحين ويؤيده قول القرطبي أصله من البشرة لأن الإنسان إذا فرح ظهر أثر السرور في وجهه وليس مرادًا بل كان من الظرفين متعلق بما يليه من الفعلين والله أعلم وقيل المراد من تقدمهم من الشهداء الذين لم يلحقوا بهم في الفضل وإن كان لهم فضل وقال السدي يؤتى الشهيد بكتاب فيه ذكر من يقدم عليه من إخوانه فيستبشر كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في الدنيا وقيل المراد جميع المؤمنين وإن لم يقتلوا فإن الشهداء لما عاينوا ثواب الله تعالى وقع اليقين بأن دين الإسلام هو الحق الذي يثيب الله عليه فهم فرحون لأنفسهم بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون للمؤمنين بأن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وقوله {أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} الخ أن فيه مخففة واسمها ضمير شأن محذوف وخبرها الجملة المنفية بلا وأن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور على أنه بدل اشتمال

ص: 81

يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ

ــ

من الذين قال البيضاوي والمعنى أنهم يستبشرون بما تبين لهم من أمر الآخرة وحال من تركوا خلفهم من المؤمنين وهو أنهم إذا ماتوا وقتلوا كانوا أحياء حياة لا يكدرها خوف وقوع محذور وحزن ذوات محبوب قال والآية تدل على أن الإنسان غير الهيكل المحسوس بل هو جوهر مجرد مدرك بذاته لا يفنى بخراب البدن ولا يتوقف عليه إدراكه وتألمه والتذاذه ويؤيد ذلك قوله تعالى في آل فرعون {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} الآية وما روي عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام قال: أرواح الشهداء في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل معلقة في ظل العرش ومن أنكر ذلك ولم ير الروح إلا ريحًا وعرضًا قال: هم أحياء يوم القيامة وإنما وصفوا به في الحال لتحققه ودنوه أو أحياء بالذكر أو بالإيمان وفي الآية حث على الجهاد وترغيب في الشهادة وبعث على ازدياد الطاعة وإحماد لمن يتمنى لإخوانه مثل ما أنعم الله عليه وبشرى للمؤمنين بالفلاح اهـ. قوله: ({يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} الخ) قال القاضي البيضاوي كرره للتوكيد وليتعلق به ما هو بيان لقوله أن لا خوف عليهم ويجوز أن يكون الأول بحال إخوانهم وهذا بحال أنفسهم اهـ. وفي النهر الظاهر أن قوله يستبشرون استئناف إنجار وليس بتوكيد للأول لاختلاف متعلق الفعلين فالأول بانتفاء الخوف من الذين لم يلحقوا بهم والثاني بقوله بنعمة من الله وذهب الزمخشري وابن عطية إلى أنه توكيد للأول قال الزمخشري كرر يستبشرون ليعلق به ما هو بيان. لقوله: {أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} من ذكر النعمة والفضل وأن ذلك أجر لهم على إيمانهم يجب في عدل الله تعالى وحكمته أن يحصل لهم ولا يضيع وهو على طريقته في الاعتزال في ذكره وجوب الأجر وتحصيله

على إيمانهم وسلك ابن عطية طريقة أهل السنة فقال: أكد استبشارهم بقوله يستبشرون ثم بين بقوله وفضل أن إدخالهم الجنة الذي هو فضل منه لا بعمل أحد وأما النعمة في الجنة والدرجات فقد أخبر أنها على قدر الأعمال اهـ. وعبارة ابن عطية في السلامة عما عشر به الكشاف من وجوب الأجر هو ما عبر به البيضاوي فيما سبق عنه والنعمة نيل الجنة وديل المغفرة والفضل قيل إنه

ص: 82

وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ

ــ

لزيادة البيان والفضل داخل في النعمة وفيه دليل على اتساعها وأنها ليست كنعم الدنيا وقيل جاء الفضل بعد النعمة على وجه التأكيد روى الترمذي عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في أول دفعة ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن الفزع أكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين من أقاربه وقال حديث حسن صحيح غريب قال القرطبي وهذا تفسير للنعمة والفضل والآثار في هذا المعنى كثيرة اهـ. قوله: (وإن الله) قرئ بكسر الألف على أنه استئناف معترض قال على أن ذلك أجر لهم على إيمانهم مشعر بأن من لا إيمان له أعماله محبطة وأجوره مضيعة ولؤيد هذه القراءة قراءة ابن مسعود والله لا يضيع وقرئ بالفتح أي ويستبشرون بأن الله لا يضيع أجر المؤمنين. قوله: (الذين استجابوا الله والرسول) نيل الموصول في موضع رفع على الابتداء وخبره من بعد ما أصابهم القرح أو خبره للذين أحسنوا منهم الخ بجملته أو نصب على المدح أو خفض بدلًا من المؤمنين أو من الذين لم يلحقوا بهم ومن للبيان والمقصود من ذكر الوصفين المدح والتعليل لا التقييد لأن المستجببين كلهم محسنون متقون واستجاب قيل بمعنى أجاب وكان ذلك أثر الانصراف من أحد لما استقر الرسول صلى الله عليه وسلم لطلب الكفار فاستجاب له سبعون وقيل لما كان في اليوم الثاني من أحد وهو يوم الأحد نادى صلى الله عليه وسلم من النّاس لما بلغه عزم أبي سفيان بعد وصوله الروحاء على الرجوع للقتال باتباع المشركين وقال: لا يخرجن معنا إلا من شهدنا بالأمس وكان بالناس جراحة وقرح عظيم ولكن تجلدوا ونهض معه مائتا رجل من المؤمنين حتى بلغ حمراء الأسد وهي على ثمانية أميال من المدينة وأقام بها ثلاثة أيام وألقى الله الرعب في قلوب المشركين فذهبوا فكان سبب نزول الآية. قوله: (القرح) قرئ بضم القاف وبفتحها وهما لغتان معناهما واحد كالجهد والجهد وقال

ص: 83

لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَال لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ

ــ

الفراء القرح بالفتح الجراحة وبالضم ألمها. قوله: ({لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ}) أي بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجابته إلى الغزو (واتقوا) معصيته، لهم ({أجْرٌ عَظِيمٌ}). قوله:({الَّذِينَ قَال لَهُمُ النَّاسُ}) محل الموصول خفض أيضًا مردود على الذين الأول والمراد بالناس فيه نعيم بن مسعود الأشجعي فإنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة في حمراء الأسد وأخبرهم بأن أبا سفيان ومن معه قد جمعوا جموعهم وأجمعوا رأيهم على أن يرجعوا إلى المدينة فيستأصلوا أهلها فقالوا ما أخبر الله تعالى عنهم: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} وقيل أعرابي جعل له على ذلك جعل وعليهما فالناس عام أريد به خاص وأطلق على الواحد لفظ النّاس لأنه من نجسهم كما أشار إليه البيضاوي وقيل المراد بالناس ركب من عبد القيس قالوا كما قال أبو سفيان وقيل دخل ناس من هذيل من أهل تهامة المدينة فسألهم الصحابة عن أبي

سفيان فقالوا قد جمعوا لكم جموعًا كثيرة وقيل المنافقون قالوا لما تجهز النبي صلى الله عليه وسلم للمسير إلى بدر الصغرى لميعاد أبي سفيان فقالوا نحن أصحابكم الذين نهيناكم عن الخروج إليهم وعصيتمونا وقد قاتلوكم في دياركم وظفروا فإن أتيتموهم في ديارهم لا يرجع منكم أحد فقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل وعلى هذه الأقوال فالناس فاعل قال عام باق على عمومه والمراد بالناس الثاني قريش ومن معهم يومئذ من الأحابيش وقيل أبو سفيان بن حرب. قوله: (فاخشوهم) أي خافوهم واحذروهم إذ لا طاقة لكم بهم. قوله: (فزادهم إيمانًا) الضمير المستكن للمقول أو لمصدر قال أو لفاعله إن أريد به نعيم وحده والبارز للمقول لهم والمعنى أنهم لم يلتفتوا إليه ولم يضعفوا بل زادهم إيمانًا أي تصديقًا ويقينًا وقوة وفي الآية دليل على أن الإيمان يزيد وينقص. قوله: (حسبنا الله) أي محسبا وكافينا (ونعم الوكيل) أي الموكول إليه الأمور هو. قوله: (فانقلبوا) أي انصرفوا (بنعمة من الله) أي بعافية منه لم يلقوا عدوًا (ولم يمسسهم سوء) أي قتال وروب (واتبعوا رضوان الله) في طاعة الله وطاعة رسوله قيل وسبب ذلك

ص: 84

وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)} [آل عمران: 169 - 174].

روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أنس رضي الله عنه، في حديث القراء أهلِ بئر مَعُونةَ الذين غدرت الكفار بهم فقتلوهم: أن رجلًا من الكفار طعن خال أنس وهو حَرام بن ملحان، فأنفذه، فقال حرام: الله أكبر فزتُ ورب الكعبة.

ــ

أنهم قالوا: هل يكون هذا غزوًا فأعطاهم الله ثواب الغزو ورضي الله عنهم. قوله: (والله ذو فضل عظيم) أي على عباده المؤمنين وما ذكرناه هو تفسير الجمهور للآية وشذ آخرون فقالوا إن قوله: {الَّذِينَ قَال لَهُمُ النَّاسُ} الخ إنما نزلت في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر الصغرى وذلك أنه خرج لميعاد أبي سفيان في أحد إذ قال موعدنا بدر في العام المقبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اقولوا نعم" وفي رواية فقال: صلى الله عليه وسلم "إن شاء الله" فخرج صلى الله عليه وسلم قبل بدر وكان بها سوق عظيم فأعطى صلى الله عليه وسلم لأصحابه دراهم وقرب من بدر فجاءه نعيم بن مسعود الأشجعي فأخبره أن قريشًا قد اجتمعت وأقبلت لحربه هي ومن انضاف إليها فأشفق المسلمون من ذلك إلا أنهم قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل فصمموا حتى أتوا بدرًا فلم يجدوا أحدًا ووجدوا السوق فاشتروا بدراهمهم أدمًا وتجارة وانقلبوا ولم يلقوا كيدًا وربحوا في تجارتهم فذلك. قوله: {بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ} ) أي في تلك التجارات قلت على هذا القول الأخير جرى البيضاوي في التفسير.

قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم عن أنس بن مالك الخ) قال الحافظ ورد فيهما مطولًا ومختصرًا فأخرجهما البخاري عن ثمامة بن أسد بن مالك أنه سمع أنسًا قال: لما طعن حرام بن ملحان وكان خاله وذلك يوم بئر معونة قال بالدم هكذا فنضحه على وجهه ورأسه ثم قال الله أكبر فزت ورب الكعبة وأخرجه النسائي قال الحافظ وقرأته مطولًا فساق سنده فيه إلى ثابت قال: كنا عند أنس فقال: ألا أحدثكم عن إخوانكم الذين كانوا سمهم القراء فذكر القصة وفيها بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حي من بني سليم فقال لهم: حرام بن ملحان إنا لسنا إياكم نريد فطعنه رجل بالرمح فأنفذه فيه فلما وجد الرمح من جوفه قال: الله أكبر فزت ورب الكعبة فانطووا عليهم يعني بالقتل فما بقي منهم أحد ثم قال:

ص: 85

وسقط في رواية مسلم "الله أكبر". قلت: حرام بفتح الحاء والراء.

ــ

أخرجه مسلم وقال: أخرجه الشيخان من طريق أخرى في بعضها فأومؤوا إلى رجل منهم فطعنه الحديث وليس في بعضها قصة حرام ولا بعضها ذكر بئر معونة وهي بفتح الميم وضم

العين المهملة وسكون الواو بعدها نون مفتوحة اهـ والفوز النجاة كما في النهاية وكأنه لما كشف له عن علي مقامه ونجاته من الشيطان ووسواسه وأوهامه قال فزت أي نجوت من سائر المتاعب مع ما حازه من أسنى المطالب التي أعدت للشهداء وأكد بلوغه المرام بما أتى به من قوله ورب الكعبة. قوله: (وسقط في رواية مسلم الخ) وكذا رواها البخاري وكلاهما من حديث أنس كما في جامع الأصول وفي نسخة من الأذكار في رواية من غير ذكر مسلم وهي أولى لإيهام النسخة الأولى انفراد مسلم بترك التكبير عن البخاري والله أعلم. قوله: (قلت حرام بفتح الحاء وبالراء) أي المهملتين وكذا كل ما أتى على هذه الصورة في أسماء الأنصار أما في أسماء قريش فهو بكسر الحاء وبالزاي ذكره المصنف في مقدمة شرح ومسلم وملحان بكسر الميم وسكون اللام وبالحاء المهملة والنون. وقوله: (فأنفذه هو بالفاء والذال المعجمة) أي جعل الرمح نافذًا منه وكانت وقعة بئر معونة بعد ستة وثلاثين شهرًا من الهجرة وسببها أن أبا براء بن مالك المعروف بملاعب الأسنة لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه إلى الإسلام فلم يجب ولم يبعد وقال: يا محمد لو بعثت رجالًا من اصحابك إلى أهل نجد فدعوتهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك فقال صلى الله عليه وسلم: "إني أخشى عليهم أهل نجد فقال أبو براء أنا لهم جار فابعثهم فبعث صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو ومعه جمع نيل سبعون وقيل أربعون وقيل ثلاثون وقد ورد في رواية قتادة أنهم كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل وفي رواية ثابث يشترون به الطعام لأهل الصفة ويتدارسون القرآن الليل فساروا حتى نزلوا بئر معونة فبعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدو الله عامر بن الطفيل العامري ومات كافرًا وهو غير أبي الطفيل عامر بن واثلة الليثي الكناني الصحابي الجليل وهو آخر الصحابة موتًا فيما قيل وغير عامر بن الطفيل بن الحارث الأزدي

ص: 86