الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- صلى الله عليه وسلم كما تقدم في غيره من الدعوات. وإن كانت امرأة حائضًا استحب لها أن تقف على باب المسجد وتدعوَ بهذا الدعاء ثم تنصرف، والله أعلم.
فصل في زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكارها:
اعلم أنه ينبغي لكل من حج أن يتوجه إلى زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء كان ذلك طريقه أو لم يكن، فإن زيارته صلى الله عليه وسلم من أهمِّ القربات وأربح المساعي وأفضل الطلبات، فإذا توجه للزيارة أكثر
ــ
وسطه بذلك. قوله: (على باب المسجد) أي خارجًا عن بنائه ورحبته فإن رحبته لها حكمه.
فصل
قوله: (ينبغي لكل من حج) أي يتأكد له ذلك وإلا فزيارته قربة مستقلة يستوي فيها الحاج وغيره وتأكدها للحاج لقربه من محل قبره الشريف فكان في ترك الزيارة وقد قرب من المكان نوع من الجفاء كما ورد في الحديث من حج ولم يزر قبري فقد جفاني. قوله: (فإن زيارته من أهم القربات وأربح المساعي) وكيف لا وقد وعد الزائر بوجوب شفاعته كقوله وهي لا تجب إلا لأهل الإيمان ففي ذلك التبشير بالموت على الإيمان مع ما ينضم إلى ذلك من سماعه كقوله سلام الزائر من غير واسطة أخرج أبو الشيخ من صلى علي عند قبري سمعته ومن صلى علي بعيدًا أعلمته قال الحافظ وينظر في سنده وأخرج أبو داود وغيره عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام" قال الحافظ حديث حسن أخرجه أحمد والبيهقي وغيرهما وأنبئت عن الشيخ السبكي في شفاء السقام قال: اعتمد جماعة من الأئمة على هذا الحديث في استحباب زيارة قبره صلى الله عليه وسلم
وهو اعتماد صحيح لأن الزائر إذا سلم عليه وقع الرد عليه من قرب وتلك فضيلة مطلوبة أهـ. أقول ورده عليه كذلك بنفسه ولو لم يكن للزائر من القرى إلا هذا الخطاب لكان فيه الغنى كيف وفيه الشفاعة العظمى ومضاعفة الصلاة في ذلك الحرم الأسنى وقد أورد جملة من الأحاديث في ذلك المتقي السبكي في شفاء السقام وابن حجر الهيتمي في الدر المنظم وتلميذه الفاكهي في حسن الاستشارة في آداب الزيارة. قوله: (وأفضل) بالجر أي ومن أنجح ومن أفضل الطلبات. قوله: (أكثر) أي إكثارًا
من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في طريقه، فإذا وقع بصره على أشجار المدينة وحَرمِها وما يعرَّف بها، زاد من الصلاة والتسليم عليه صلى الله عليه وسلم، وسأل الله تعالى أن ينفعه بزيارته صلى الله عليه وسلم وأن يسعده بها في الدارين، وليقل: اللهُم افْتَحْ عليَّ أبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وارْزُقْني في زِيارَةِ قَبْرِ نَبِيِّك صلى الله عليه وسلم ما رزقْتَهُ أوْلياءَكَ وأهْلَ طاعَتِكَ، واغْفِرْ لي وارْحمنِي يا خَيْر مَسْؤول.
وإذا أراد دخول المسجد استحبَّ أن يقول ما يقوله عند دخول باقي المساجد، وقد قدَّمنا في أول الكتاب، فإذا صلى تحية المسجد أتى القبر
ــ
تامًّا منها لمناسبة الحال لذلك وهل الاشتغال بالأذكار أفضل من الاشتغال بقراءة القرآن أو هما مستويان كل محتمل وكلامهم في باب الجنة ربما يومئ إلى الأخير قال ابن حجر الهيتمي والظاهر عندي الأول لأن ذلك ذكر طلب في محل مخصوص وقد قالوا: القراءة أفضل من ذكر لم يخص محلًا أما ما خصه فهو أفضل منها اهـ. وما نحن فيه من الثاني فليكن أفضل منها فيه. قوله: (فإذا وقع بصره الخ) أي لأنه قرب من الديار:
وأعظم ما يكون الشوق يومًا
…
إذا دنت الخيام من الخيام
وما أحسن قول من قال:
يا نفس إن بعد الحبيب وداره
…
ونأت منازله وشط مزاره
ذلك الهناء فقد ظفرت بطائل
…
إن لم تريه فهذه آثاره
قوله: (وسأل الله أن ينفعه بها) أي بالقبول (ويسعده بها) بأن يكفيه مهمات الدنيا والآخرة بفضله. قوله (فإذا صلى تحية المسجد) وأفضل أماكنها الروضة. قوله: (أتى القبر الكريم) أي الذي هو أفضل من جميع الأرض والسماء حتى من العرش والكرسي وما أحسن قول من قال:
جزم الجميع بأن خير الأرض
…
ما قد ضم أعضاء النبي وحاها
الكريم فاستقبله واستدبر القبلة على نحو
أربع أذرع من جدار القبر، وسلم مقتصدًا لا يرفع صوته فيقول: السَّلام عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا خِيرَةَ اللهِ مِنْ خَلْقِهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا حَبيبَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا سيِّد المُرْسَلِينَ وَخَاتَمَ النبِيينَ، السلامُ عَلَيْكَ وَعلى آلِكَ وأصْحابِكَ وأَهْلِ بَيْتِكَ
ــ
ونعم لقد صدقوا بساكنها زكت
…
كالنفس حين زكت زكي مأواها
قوله: (واستدبر القبلة) هذا مذهبنا ومذهب الجمهور من العلماء وقال آخرون: الأفضل استقبال الكعبة ونقل عن أبي حنيفة لكن نقل عنه موافقة الأول وانتصر له ابن الهمام فقال ما نقل عن أبي حنيفة أنه يستقبل القبلة مردود بما رواه في مسنده عن ابن عمر أنه قال من السنة استقبال القبر المكرم وجعل الظهر للقبلة اهـ. وسبقه لذلك ابن جماعة فنقل عنه الثاني ورد نقل الكرماني عنه الأول اهـ. ومما يؤيد ما قاله المصنف أن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره واتفقوا على أن المدرس بالمسجد الحرام
تستقبله طلبته ويستدبرون الكعبة فهو صلى الله عليه وسلم أولى بذلك ويستحب أن يكون حال الزيارة قائمًا إلا أن يكون به عذر فيقعد وهل الأفضل حال الزيارة وضع اليدين على الصدر كالصلاة أو إرسالهما قال ابن حجر المتجه إرسالهما نعم إن نظر إلى المعنى الذي من أجله وضعا على الصدر في الصلاة وهو حفظ القلب عن الخواطر التي تطرقه يقوى ما قاله الكرماني من استحبَّاب وضعهما عليه اهـ. قوله: (على نحو أربع أذرع) أي تأدبًا معه صلى الله عليه وسلم وهذا أقل مراتب البعد وطلب مزيد الأدب في تلك الحضرة يقتضي أن الشخص كلما بعد كان أولى فعند حضرته يستلزم الأدب وفي إحياء العلوم أنه يستقبل جدار القبر على نحو أربع أذرع من السارية التي عند رأس القبر في زاوية جداره ويجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر على رأسه ويقف ناظرًا إلى أسفل ما يستقبله من جدار القبر غاض الطرف في مقام الهيبة والإجلال فارغ القلب من علائق الدنيا مستحضرا في قلبه جلالة موقفة ومنزلة من هو بحضرته اهـ. قوله: (لا يرفع صوته) أي رفعًا بليغًا لأن في ذلك نوعا من الإخلال بالأدب ولا يسر به بحيث لا يسمعه من يقربه. قوله: (السلام عليك الخ) قال الحافظ:
وَعلى النَّبيينَ وَسائِرِ الصالِحِينَ; أشْهَدُ أنَّكَ بَلَّغْتَ الرِّسالة، وأدَّيْتَ الأمانَةَ، وَنَصَحْتَ الأُمةَ، فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا أفْضَلَ ما جَزَى رَسُولا عَنْ أُمَّتِهِ.
ــ
لم أجده مأثورًا بهذا التمام وقد ورد عن ابن عمر بعضه أنه كان يقف على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا عمر، كذا في إيضاح المناسك وأسنده الحافظ من طريقين بهذا اللفظ في إحداهما وبنحوه في الأخرى وقال في كل منهما موقوف صحيح وعن مالك رحمه الله يقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وهذا الوارد عن ابن عمر وغيره مال إليه الطبري فقال: وإن قال الزائر ما تقدم من التطويل فلا بأس إلا أن الاتباع أولى من الابتداع ولو حسن واستدل بقول الحليمي لولا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تطروني" لوجدنا فيما نثني عليه ما تعجز الألسن عن بلوغ أدناه لكن اجتناب منهيه خصوصًا بحضرته أولى فليعدل عن التوسع في ذلك إلى الدعاء له والصلاة عليه وتعقب بأن النهي إنما هو عن إطراء مشابه لإطراء النصارى لعيسى في دعوى الألوهية ونحوها له لا مطلق الإطراء فالأولى ما ذكره المصنف ونحوه وإن كان طويلًا لكن ما دام القلب حاضرًا وإلا فالإسراع أولى كما لا يخفى ومن ثم كان المتاكد ألا يشتغل ثمة بما حدث من الزينة والزخارف وقد سبق عن الإحياء التنبيه على ذلك بقوله غاض الطرف وإنما قدم السلام على الصلاة هنا وفي التشهد عكس الآية لأن الغرض المقصود منها التعليم والإتيان بالمأمور وذلك يبدأ فيه بالأهم الأحق بالمعرفة والفعل وهو الصلاة لأنها لعلو مقامها اختصت فيها بالله وملائكته ولأنها تستلزم السلام بمعنى التحية والدعاء بالسلامة بخلاف السلام فإن من معانيه ما لا يتأتى في حقه تعالى وملائكته وهو الإذعان والانقياد وحينئذ هو لا يستلزم الصلاة فكان دونها في الرتبة ومبتي الصلاة ذات الأركان بل والزكاة أيضًا على أن يبدأ منها بالتحية ويترقى من الأدنى إلى الأعلى في كل مقام من مقاماتها ووجهه بالنسبة
إلى الزائر أنه مستمد متوسل وكل من كان كذلك إنما يناسبه التدرج في الأسباب الموصلة له إلى
وإن كان قد أوصاه أحد بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: السلام عليك يا رسول الله من فلان بن فلان، ثم يتأخر قدر ذراع إلى جهة يمينه فيُسلم على أبي بكر، ثم يتأخر ذراعًا آخر فيسلم على عُمر رضي الله عنهما، ثم يرجع إلى موقفه الأوَّل قُبالة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتوسل به في حق نفسه، ويتشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى، ويدعو لنفسه ولوالديه وأصحابه وأحبابه ومَن أحسن إليه وسائر المسلمين، وأن يجتهد في إكثارِ الدعاء، ويغتنم هذا الموقف
ــ
ذلك بأن ينتقل من سبب أدنى إلى سبب أرفع منه وهكذا حتى يصل له مطلوبه ويتم له مرغوبه أشار إليه ابن حجر الهيتمي في الجوهر المنظم.
قوله: (وإن كان أوصاه أحد بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الخ) قال العلماء: يسن له هذا المقال أو نحوه من العبارات المؤدية لهذا المعنى وفارق سنه ذلك هنا وجوب التبليغ فيما لو أمر إنسان إنسانًا أن يسلم على فلان أي إن لم يصرح بعدم القبول فيجب أن يسلم عليه منه بأن القصد من السلام ابتداء وردًا من الأحياء التواصل وعدم التقاطع الذي يغلب وقوعه بين الأحياء وحينئذ فإرسال السلام للغائب القصد به مواصلته وعدم مقاطعته وإذا كان هذا هو القصد به كان تركه مع تحمله تسببًا ووسيلة إلى المقاطعة المحرمة أي لمن شأنه ذلك وللوسائل حكم المقاصد فاتجه تحريم ترك بلاغ السلام وأما إرسال السلام إليه صلى الله عليه وسلم فالقصد منه الاستمداد منه وعود البركة على المسلم فتركه فيه عدم اكتساب فضيلة للغير فلم يجر لتحريمه سبب يقتضيه فاتجه أن ذلك التبليغ سنة لا واجب وتحريم تفويت الفضيلة على الغير محله إذا كانت الفضيلة حاصلة كدم الشهيد أما ترك اكتساب فضيلة للغير فلا يحرم والله أعلم. قوله: (ثم يرجع إلى موقفه الأول الخ) أنكره العز بن جماعة وقال إنه لم يرد عن الصحابة والتابعين ورد بأن الدعاء هناك والتوسل به صلى الله عليه وسلم له أصل عن السلف والذي لم ينقل إنما هو الترتيب المخصوص وحكمته أن في تأخير الدعاء والتوسل عن السلام على الشيخين تقديم ما يتعلق به صلى الله عليه وسلم من زيارته وزيارة صاحبيه ثم الإقبال على مايتعلق بالإنسان في كل أمر وشأن. قوله: (فيتوسل به صلى الله عليه وسلم) أي لأن التوسل به
الشريف ويحمد الله تعالى ويسبِّحه ويكبِّره ويهلله، ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكثر من كل ذلك، ثم يأتي الروضة بين القبر والمنبر فيكثر من الدعاء فيها.
فقد روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما بَيْنَ قَبْرِي ومِنْبَرِي رَوْضَة مِنْ رِيَاضِ الجنَّةِ".
وإذا أراد الخروج من المدينة والسفرَ استحبَّ أن يودع المسجد
ــ
سيرة السلف الصالح الأنبياء والأولياء وغيرهم روي أن آدم لما اقترف الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد صلى الله عليه وسلم إلا ما غفرت لي فقال: يا آدم كيف عرفت محمدًا صلى الله عليه وسلم ولم أخلقه قال: يا رب إنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت مكتوبًا على قوائم العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله فعرفت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال الله تعالى: "صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي إن سألتني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد لما خلقتك" وسبق في أذكار الحاجة حديث عثمان بن حنيف وذكر الطبراني أنه صلى الله عليه وسلم ذكر في دعائه بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي ولا فرق بين ذكر التوسل والاستعانة والتشفع والتوجه به صلى الله عليه وسلم وكذا بغيره من الأنبياء وكذا الأولياء وفاقًا للسبكي وإن منعه ابن عبد السلام لأنه ورد جواز التوسل بالأعمال مع كونها أعراضا فالذوات الفاضلة أولى وسبق توسل عمر بالعباس رضي الله عنهما في الاستسقاء ولم ينكر عليه وقد يكون معنى التوسل به صلى الله عليه وسلم طلب الدعاء منه إذ هو حي يعلم سؤال من يسأله قال ابن حجر الهيتمي وصح في حديث طويل أن النّاس أصابهم قحط في زمن عمر فجاء رجل
إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فأتاه في النوم وأخبره أنهم يسقون فكان كذلك.
قوله: (فيكثر من الدعاء فيها) أي وكذا من الصلاة بل إن أمكنه ألا يجعل صلاته مدة إقامته إلا فيها فهو أولى ما لم يعارض فضيلة نحو صف أول.
قوله: (فقد روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) قال الحافظ فيه شيئان: الأول أنهما لم يخرجاه لا عن أبي هريرة ولا عن غيره إلا بلفظ بيتي بدل قبري
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثاني أن هذا القدر أخرجاه من حديث عبد الله بن زيد المازني وعندهما عن أبي هريرة مثله لكن بزيادة ومنبري على حوضي أسنده الحافظ إلى مالك عن حبيب عن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة أو أبي سعيد الخدري فذكر مثل حديث عبد الله بن زيد المازني وزاد بعده ومنبري على حوضي وقال الحافظ أخرجاه في الصحيحين فأخرجه في الاعتصام عن أبي هريرة وحده أو أخرجه هو ومسلم جميعًا في أواخر الحج وأخرجه البخاري أيضًا في باب الحوض من أواخر الرقاق ينتهي سند الجميع إلى حبيب شيخ مالك بسنده ومتنه لكن لم يقل أو أبي سعيد وأخرجا الحديث من حديث عبد الله بن زيد في أواخر الحج وأخرجه البخاري في كتاب الصلاة فهذه طرق الحديث في الصحيحين قال ابن عبد البر وغيره اتفق رواة حديث الموطأ على الشك إلا معن بن عيسى ومطرف بن عبد الله فقالا عن أبي هريرة وأبي سعيد بالواو ووافقهما روح بن عبادة خارج الموطأ وانفرد ابن مهدي عن مالك فقال عن أبي هريرة وحده قال الحافظ وهو الذي اقتصر عليه البخاري ثم أورد الحافظ للحديث طرقًا كثيرة عند الطبراني وأبي عوانة وغيرهما ثم قال فهذه الروايات متفقة على ذكر البيت ومعناه وأما بلفظ القبر فجاء بروايات أخرى منها عن العمري أخرجه البيهقي عنه بسنده إلى أبي هريرة وفي روايته قبري بدل بيتي، وجاء عن ابن عمر قال صلى الله عليه وسلم:"ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة" قال الحافظ هذا حديث غريب أخرجه الدارقطني في أحاديث مالك التي ليست في الموطأ وذكر له الحافظ طرقًا أخرى عن العقيلي وغيره قال في ترجمة مسعر في الحلية حديث أم سلمة بلفظ قوائم بيتي رواتب في الجنة وما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة وفي ترجمة سلمة بن وردان بن كامل بن عدي من رواية سلمة عن أنس ورفعه ما بين قبري الخ قال الحافظ راجعت كلام الشيخ في شرح مسلم فوجدت فيه باب فضل ما بين قبره صلى الله عليه وسلم ومنبره، قوله:"ما بين بيتي ومنبري" فذكر الحديث ونقل عن الطبري قال: المراد بالبيت القبر كما روي من طريق أخرى ما بين قبري ومنبري، وقال وقد أمليت الروايتين ونسيت من أخرجهما وقد سبق البخاري إلى نحو هذه الترجمة، فقال قبيل كتاب الجنائز: باب فضل ما بين القبر والمنبر، ذكر في الباب حديث ما بين بيتي ومنبري
بركعتين، ويدعوَ بما أحبَّ ثم يأتي القبر فيسلم كما سلم أولًا، ويعيد الدعاء، ويودِّع النبيَّ صلى الله عليه وسلم ويقول:"اللهم لا تَجْعَلْ هَذا آخِرَ العَهْدِ بِحَرَمِ رَسُولِكَ، وَيسِّرْ لِي العَوْدَ إلى الحَرَمَيْنِ سَبِيلا سَهْلَةً بِمَنِّكَ وَفَضْلِكَ، وَارْزُقْنِي العَفْوَ وَالعَافِيَةَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، ورُدَّنا سالِمِينَ غَانِمِينَ إلى أوْطَانِنا آمِنِينَ".
ــ
وأراد بذلك أن المترجم به داخل في المترجم له، وقد قيل إنه وقع في نسخة ابن عساكر قبري بدل بيتي فلعله اغتر بالترجمة وقد وقع جمع بينهما في بعض طرق حديث عمر وساقه وذكر من مخرجيه الدارقطني والله أعلم "ما بين قبري
ومنبري" وسبق آنفًا رواية منبري وبيتي ورواية ما بين حجرتي وبيتي ولا اختلاف لأن قبره صلى الله عليه وسلم في بيته والبيت هو الحجرة "روضة من رياض الجنة" قيل معناه: العمل في ذلك المكان يوصل لذلك وفيه نظر والأولى ما قاله مالك وغيره من بقائه على ظاهره فينقل إلى الجنة وليس كسائر الأرض يذهب ويفنى أو هي من الجنة الآن حقيقة وإن لم تمنع نحو الجوع عملًا بأصل الدار الدنيوية وأنها آئلة للفناء، ومعنى قوله: "ومنبري على حوضي" أن ملازمة الأعمال الصالحة عنده تورد الحوض كذا قيل وأولى منه ما قيل يعيده الله على حاله فينصبه على حوضه لأن الأصل إبقاء اللفظ على ظاهره الممكن.
قوله: (بركعتين) قال في حسن الاستشارة يقرأ فيهما بسورتي الإخلاص ويدعو من بعد تقديم الحمد الله والصلاة على رسول الله ثم يأتي القبر هذا هو المعتمد وقال الكرماني يقدم وداعه صلى الله عليه وسلم على توديع المسجد بركعتين قال السيد السمهودي المشهور خلاف ما قاله وعن العتبي بضم العين وإسكان الفوقية بعدها موحدة قال المزالي في مصباح الظلام في المستغيثين بسيد الأنام في اليقظة والمنام اسمه محمد بن عبد الله وفي شفاء السقام في زيارة خير الأنام للتقي السبكي العتبي محمد بن عبيد الله بن عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب كان من أفصح النّاس صاحب أخبار ورواية للآداب حدث عن أبيه وسفيان
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بن عيينة يكنى أبا عبد الرحمن أهـ. وقد ذكر المزالي مثل هذه القصة عن السمعاني بسنده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قدم علينا أعرابي بعد ما دفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام فرمى بنفسه على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وحثا من ترابه على رأسه وقال: يا رسول الله قلت فسمعنا قولك ووعيت عن الله ما وعينا عنك وكان فيما أنزل عليك {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} والآية وقد {ظَلَمْتُ نَفْسِي} وجئتك تستغفر لي فنودي من القبر إنه قد غفر لك وذكر المزالي فيه أيضًا عن محمد بن حرب الباهلي قال: دخلت المدينة فانتهيت إلى قبر رسول الله فإذا أعرابي يوضع على بعيره فأناخه وعقله ثم دخل إلى القبر فسلم سلامًا حسنًا ودعا دعاء جميلًا ثم قال: قال بأبي أنت وأمي يا رسول الله إن الله خصك بوحيه وأنزل عليك كتابًا وجمع لك فيه الأولين والآخرين وقال في كتابه وقوله الحق: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} الآية وقد أتيتك مقرًا بالذنوب مستعينًا بك على ربك وهو ما وعد ثم التفت إلى القبر فقال: يا خير من دفنت في القاع أعظمه الخ ثم ركب راحلته فما أشك إن شاء الله تعالى إلا أنه راح بالمغفرة "قلت" وقد ذكر ابن صعد التلمساني هذه القصة في مفاخر أهل الإسلام بفضل الصلاة على سيد الأنام وزاد قال راوي خبر محمد بن حرب فغلبتني عيناي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في نومي وهو يقول الحق الرجل فبشره أن الله قد غفر له بشفاعتي فاستيقظت فخرجت في طلبه فلم أجده اهـ. قال السبكي ورواها عن ابن حرب ابن عساكر في تاريخه وابن الجوزي في مثير العزم الساكن وهذه
الزيادة عزاها المزالي إلى العتبى وهو الذي ذكره المصنف وغيره وذكر قصصًا أخرى في هذا المعنى فأنشد يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه
…
فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه
…
فيه العفاف وفيه الجود والكرم
القاع المستوي من الأرض جمعه قيعان وتصغيره قويع وسبق الكلام على الأكم في دعاء الاستسقاء وقوله فيه العفاف وما بعده أي كائن فيه ويراد منه النبي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صلى الله عليه وسلم وأطلق عليه ذلك على سبيل المبالغة كما يقال زيد عدل أو أن الله سبحانه جعل في تلك اليد العفاف وجعلها مظهر الجود والكرم أو فيه العفاف أي ذو العفاف والجود والكرم ويجوز أن يكون العفاف لكونها معدة له صلى الله عليه وسلم والله يحل نبيه أشرف الأمكنة وقد سبق أن ما ضم أعضاءه صلى الله عليه وسلم أفضل حتى العرش والكرسي ويوجد في بعض النسخ زيادة بعد البيتين بيت ثالث وهو كذلك في نسخة العلوي ويوجد في بعض النسخ زيادة بعد البيتين بيت ثالث وهو كذلك في نسخة العلوي:
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته
…
عند الصراط إذا ما زلت القدم
وقد اعتنى الأدباء بهذه الأبيات كثيرًا فمنهم من جعلها في ضمن نظم له ومنهم من خمسها فأخرج الضياء المقدسي في جزئه الذي في المصافحة بسنده إلى أبي الطيب أحمد بن عبد العزيز بن محمد المقدسي فقال: سئل في تضمين هذين البيتين فأجاد فقال:
أقول والدمع من عيني ينسجم
…
لما رأيت جدار القبر يستلم
فالناس يغشونه باك ومنقطع
…
من المهابة أو داع فملتزم
فما ملكت وقد ناديت من حرق
…
في الصدر كادت له الأحشاء تضطرم
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه
…
فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه
…
فيه العفاف وفيه الجود والكرم
وفيه شمس النهى والدين قد غربت
…
من بعد ما أشرقت من نورها الظلم
حاشا لوجهك أن يبلى وقد هديت
…
في الشرق والغرب من أنواره الأمم
وأن تمسك أيدي الترب لامسة
…
وأنت بدر السما ذات العلا علم
لقيت ربك والإسلام صارمه
…
ناب وقد كان بحر الكفر يلتطم
فقمت فيه مقام المرسلين إلى
…
أن عز فهو على الأديان يحتكم
لئن رأيناه قبرًا إن باطنه
…
لروضة من رياض الخلد تبتسم
طافت به من نواحيه ملائكة
…
تغشاه في كل يوم وتزدحم
لو كنت أبصرته حيًّا لقلت له
…
لا تمش إلا على خدي لك القدم
هدى به الله قومًا قال قائلهم
…
ببطن يثرب لما ضمه الرحم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إن مات أحمد فالرحمن خالقه
…
حي ونعبده ما أورق السلم
قال ابن صعد التلمساني في كتابه مفاخر الإسلام في فضل الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وقد أجاد في تخميس البيتين وزاد عليهما ثالثًا الشيخ الصالح أبو البركات أيمن بن محمد بن محمد بن محمد السعدي من نسل السيدة حليمة السعدية ظئر النبي صلى الله عليه وسلم وعليها وأنشد بالروضة تجاه القبر الشريف المعظم على ساكنه الصلاة والسلام فقال:
الشعر أشرفه قدرًا وأعظمه
…
شعر بمدح رسول الله ننظمه
والمدح أصدقه بيتًا وأقومه
…
يا خير من دفنت بالترب أعظمه
فطاب من طيبهن القاع والأكم
يا خير من زانت الحسنى محاسنه
…
ومن تسامى عن الأكوان كائنه
فما الوجود كما فيه يوازنه
…
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه
فيه العفاف وفيه الجود والكرم
كل الثناء على علياء منصبه
…
من بعض واجبه سبحان موجبه
فأعجب من القبر لا من سر معجبه
…
قبر أحاط بسر لا يحيط به
والملك لئه لا لوح ولا قلم
قلت وقد خمس هذين البيتين من غير زيادة صاحبنا ومفيدنا العالم المحقق المدقق شارح ديوان الشيخ ابن الفارض الشيخ حسن البوريني الدمشقي الشافعي رحمه الله قال:
قلبي جريح ذنوب أنت مرهمه
…
وأنت في شدة الأوصاب ترحمه
أتاك ملتجئًا حاشاك تحرمه
…
يا خير من دفنت في التراب أعظمه
فطاب من طببهن القاع والأكم
قد ثار من حر وجدي اليوم كامنه
…
والصبر طاب بريح الشوق واهنه
يا جوهرًا مفردًا طابت معادنه
…
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه
فيه العفاف وفيه الجود والكرم
وقد كنت خمستها مع البيت الثالث سابقًا وأردت أن أكون بذلك في فضل مدحه صلى الله عليه وسلم لاحقًا:
فهذا آخر ما وفقني الله بجمعه من أذكار الحج، وهي إن كان فيها بعض الطول بالنسبة إلى هذا الكتاب، فهي مختصرة بالنسبة إلى ما نحفظه فيه، واللَّه الكريمَ نسألُ أن يوفقنا لطاعته، وأن يجمع بيننا وبين إخواننا في دار كرامته.
وقد أوضحتُ في كتاب المناسك ما يتعلق بهذه الأذكار من التتمات والفروع الزائدات، والله أعلم بالصواب، وله الحمد والنعمة والتوفيق والعصمة.
وعن العتبي قال: "كنت جالسًا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعتُ الله تعالى يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ
ــ
أسنى الكلام لمن يدري وأفخمه
…
عقد بمدح رسول الله ننظمه
وأفخر المدح قولًا ثم أحكمه
…
يا خير من دفنت بالترب أعظمه
فطاب من طيبهن القاع والأكم
يا من علا فهو لا شيء يوازنه
…
ومن تسامى عن الأكوان كائنه
يا جوهرًا مفردًا عزت مكامنه
…
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه
فيه العفاف وفيه الحق والكرم
يا سيد الكون من شاعت كرامته
…
وخاتم الرسل من شاعت أمانته
كن الشفيع لمن زادت جنايته
…
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته
على الصراط إذا ما زلت القدم
قال الشيخ المصنف: (هذا آخر ما وفقني الله تعالى لجمعه من أذكار الحج والعمرة وهي وإن كان فيها بعض الطول بالنسبة إلى هذا الكتاب) أي فإن وضعه الاختصار وإن خرج عن موضعه في بعض الأحوال (فهي مختصرة بالنسبة إلى ما يحفظ منه والله الكريم نسأله أن يوفقنا لطاعته وأن يجمع بيننا وبين أحبابنا في دار كرامته) يعني الجنة (وقد أوضحت في كتاب المناسك) أي المسمى بالإيضاح (ما يتعلق بهذه الأذكار من التتمات والفروع الزائدات والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب).