المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في المصافحة: - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ٥

[ابن علان]

فهرس الكتاب

- ‌فصل في الأذكار والدعوات المستحبات بعرفات:

- ‌فصل في الأذكار المستحبة في الإفاضة من عرفة إلى مزدلفة

- ‌فصل في الأذكار المستحبة في المزدلفة والمشعر الحرام:

- ‌فصل في الأذكار المستحبة في الدفع من المشعر الحرام إلى منى

- ‌فصل في الأذكار المستحبة بمنى يوم النحر:

- ‌فصل في الأذكار المستحبة بمنى في أيام التشريق:

- ‌فصل:

- ‌فصل فيما يقوله إذا شرب من ماء زمرم:

- ‌فصل:

- ‌فصل في زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكارها:

- ‌كتاب أذكار الجهاد

- ‌باب استحباب سؤال الشهادة

- ‌باب حث الإمام أمير السرية على تقوى الله تعالى وتعليمه إياهما يحتاج إليه من أمر قتال ومصالحتهم وغير ذلك

- ‌باب بيان أن السنَّة للإمام وأمير السرية إذا أراد غزوة أن يورى بغيرها

- ‌باب الدعاء لمن يقاتل أو يعمل على ما يعين على القتال في وجهه وذكر ما ينشطهم ويحرضهم على القتال

- ‌باب الدعاء والتضرع والتكبير عندالقتال واستنجاز الله تعالى ما وعد من نصر المؤمنين

- ‌باب النهي عن رفع الصوت عند القتال لغير حاجة

- ‌باب قول الرجل في حال القتال: أنا فلان لإرعاب عدوه

- ‌باب استحباب الرجز حال المبارزة

- ‌باب استحباب إظهار الصبر والقوة لمن جرح واستبشاره بما حصل له من الجرح في سبيل الله وبما يصير إليه من الشهادة وإظهار السرور بذلك وأنه لا ضير علينا في ذلك بل هذا مطلوبنا وهو نهاية أملنا وغاية سؤلنا

- ‌باب ما يقول إذا ظهر المسلمون وغلبوا عدوهم

- ‌باب ما يقول إذا رأى هزيمة في المسلمين والعياذ بالله الكريم

- ‌باب ثناء الإمام على من ظهرت منه براعة في القتال

- ‌باب ما يقوله إذا رجع من الغزو

- ‌كتاب أذكار المسافر

- ‌باب الاستخارة والاستشارة

- ‌باب أذكاره بعد استقرار عزمه على السفر

- ‌تنبيه

- ‌فائدة

- ‌باب أذكاره عند إرادته الخروج من بيته

- ‌باب أذكاره إذا خرج

- ‌باب استحباب طلبه الوصية من أهل الخير

- ‌باب استحباب وصية المقيم المسافر بالدعاء له في مواطن الخير ولو كان المقيم أفضل من المسافر

- ‌باب ما يقوله إذا ركب دابته

- ‌باب ما يقول إذا ركب سفينة

- ‌باب استحباب الدعاء في السفر

- ‌باب تكبير المسافر إذا صعد الثنايا وشبهها وتسبيحه إذا هبط الأدوية ونحوها

- ‌باب النهي عن المبالغة في رفع الصوت بالتكبير ونحوه

- ‌باب استحباب الحداء للسرعة في السير وتنشيط النفوس وترويجها وتسهيل السير عليها

- ‌باب ما يقول إذا انفلتت دابته

- ‌باب ما يقوله على الدابة الصعبة

- ‌باب ما يقوله إذا رأى قرية يريد دخولها أو لا يريد

- ‌باب ما يدعو به إذا خاف ناسًا أو غيرهم

- ‌باب ما يقول المسافر إذا تغوَّلت الغيلان

- ‌باب ما يقول إذا نزل منزلًا

- ‌باب ما يقول إذا رجع من سفره

- ‌باب ما يقوله المسافر بعد صلاة الصبح

- ‌باب ما يقول إذا رأى بلدته

- ‌باب ما يقول إذا قدم من سفره فدخل بيته

- ‌باب ما يقال لمن يقدم من سفر

- ‌باب ما يقال لمن يقدم من غزو

- ‌باب ما يقال لمن يقدم من حج وما يقوله

- ‌كتاب أذكار الأكل والشرب

- ‌باب ما يقول إذا قرب إليه طعامه

- ‌باب استحباب قول صاحب الطعام لضيفانه عند تقديم الطعام: كلوا أو في معناه

- ‌باب التسمية عند الأكل والشرب

- ‌فصل:

- ‌باب لا يعيب الطعام والشراب

- ‌باب جواز قوله: لا أشتهي هذا الطعام أو ما اعتدت أكله أو نحو ذلك إذا دعت إليه الحاجة

- ‌باب مدح الأكل الطعام الذي يأكل منه

- ‌باب ما يقوله من حضر الطعام وهو صائم إذا لم يفطر

- ‌باب ما يقوله من دعى لطعام إذا تبعه غيره

- ‌باب وعظه وتأديبه من يسئ في أكله

- ‌باب استحباب الكلام على الطعام

- ‌باب ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع

- ‌باب ما يقول إذا أكل مع صاحب عاهة

- ‌فائدة

- ‌باب استحباب قول صاحب الطعام لضيفه ومن في معناه إذا رفع يده من الطعام "كل" وتكريره ذلك عليه ما لم يتحقق أنه اكتفى منه وكذلك يفعل في الشراب والطيب ونحو ذلك

- ‌باب ما يقول إذا فرغ من الطعام

- ‌تنبيه

- ‌باب دعاء المدعو والضيف لأهل الطعام إذا فرغ من أكله

- ‌باب دعاء الإنسان لمن سقاه ماء أو لبنًا ونحوهما

- ‌باب دعاء الإنسان وتحريضه لمن يضيف ضيفًا

- ‌باب الثناء على من أكرم ضيفه

- ‌باب استحباب ترحيب الإنسان بضيفه وحمده الله تعالى على حصوله ضيفًا عنده وسروره بذلك وثنائه عليه لكونه جعله أهلا لذلك

- ‌باب ما يقوله بعد انصرافه عن الطعام

- ‌كتاب السلام والاستئذان وتشميت العاطس وما يتعلق بها

- ‌باب فضل السلام والأمر بإفشائه

- ‌باب كيفية السلام

- ‌فصل:

- ‌فصل:

- ‌فصل:

- ‌باب ما جاء في كراهة الإشارة بالسلام باليد ونحوها بلا لفظ

- ‌باب حكم السلام

- ‌باب الأحوال التي يستحب فيها السلام والتي يكره فيها، والتي يباح

- ‌باب من يسلَّم عليه ومن لا يسلَّم عليه ومن يُرد عليه ومن لا يُرد عليه

- ‌فصل: وأما الصِّبيان فالسُّنَّة أن يسلم عليهم

- ‌باب في آداب ومسائل من السلام

- ‌باب الاستئذان

- ‌باب في مسائل تتفرَّع على السلام

- ‌فصل في المصافحة:

- ‌فصل: في استحباب طلب الإنسان من صاحبه الصالح أن يزوره، وأن يكثر من زيارته

الفصل: ‌فصل في المصافحة:

‌فصل في المصافحة:

ــ

المنهاج أن ذلك الأصح المنصوص ونازعه فيه حكماً ونقلاً جمع متقدمون ومتأخرون حتى بالغ بعضهم فزعم أنه خرق للإجماع وليس في محله وإن وافقه قول البلقيني محله مع أمن الفتنة إجماعاً، وجه التحريم ما أشار إليه بقوله كالمرأة لكونه في معناها بل قال في الكافي إنه أعظم إثماً منها لأنه لا يحل بحال وإنما لم يؤمر بالاحتجاب للمشقة في تركهم التعليم والأسباب واكتفاء بوجوب الغض عنهم إلا لحاجة وقد بالغ السلف في التنفير عنهم وسموهم الأنتان لاستقذارهم شرعاً ووقع نظر بعضهم على أمرد فأعجبه فقال له أستاذه: سترى غبه فنسي القرآن بعد عشرين سنة وشروط الحرمة مع أمن الفتنة وانتفاء الشهوة ألا يكون الناظر محرماً بنسب وكذا رضاع أو مصاهرة على ما شمله إطلاقهم ولا سيداً وأن يكون المنظور إليه جميلاً بحسب طبع الناظر لأن الحسن يختلف باختلاف الطباع ويفرق بين هذا والرجوع فيه إذا شرط للعرف بناء على الأصح أن الملاحة وصف ذاتي بأن المدار ثمة على ما تزيد به المالية وهو منوط بالعرف لا غير وهنا على ما قد يجر لفسقه وهو منوط بميل طبعه لا غيره وإنما لم يقيدوا النساء بذلك لأن لكل ساقطة لاقطة ولأن الميل إليهم طبعي وإذا قلنا بحرمة النظر إليه حرمت الخلوة به وفي مسه تفصيل قال ابن حجر في التحفة وإن كان معه أمرد آخر أخذاً من قولهم إن الرجل لا يمتنع من فعل المحرم بحضرة مثله واعترض بأن ذلك فيما إذا كان فاعلاً أما في هذا المقام فيستحي بحضرة مثله فوجود آخر معه يمنع من الخلوة به والله أعلم.

فصل في المصافحة

قال في مختصر النهاية التصفيح التصفيق وهو ضرب صفحة الكف على صفحة الأخرى ومنه المصافحة وهي إلصاق صفحة الكف بالكف وفي القاموس: والمصافحة الأخذ باليد كالتصافح وفي مرقاة الصعود للسيوطي هي مفاعلة من الصفحة والمراد بها الإفضاء بصفحة اليد إلى صفحة اليد اهـ،

وفي المرقاة يمكن أن تكون مأخوذة من الصفح بمعنى العفو ويكون أخذ اليد دالاً عليه كما أن تركه مشعر بالإعراض عنه اهـ، قال ابن رسلان ولا تحصل إلا بأن تقع بشرة أحد الكفين على الأخرى أما إذا تلاقيا ووضع كل واحد منهما كمه على كم الآخر ويداهما في أكمامهما فلا تحصل المصافحة المعروفة: وقد كثر هذا في زماننا بأن يضع كل واحد

ص: 391

أعلم أنها سُنَّة مجمع عليها عند التلاقي.

ــ

منهما كمه على الآخر ولا يلتقي الكفان وهذا أصلح من انحناء كل واحد منهما للآخر فإنه منهي عنه نقله العلقمي في شرح الجامع الصغير، وقال الحطاب المالكي: قال فقهاؤنا: المصافحة وضع كف على كف مع ملازمة لهما قدر ما يفرغ من السلام ومن سؤال عن غرض وأما اختطاف اليد أثر التلاقي فمكروه وفي شرح منسك الشيخ خليل للحطاب المذكور نقلاً عن شرح الإرشاد للشيخ سليمان البحيري قال: قال الأقفهسي المصافحة إلى آخر ما ذكر آنفاً ثم قال: وهل يشد كل منهما على يد صاحبه قولان وهل يقبل كل منهما يد نفسه قال: الذي سمعناه من شيوخنا لا يقبل وقال الزناتي: يقبل كل منهما يد نفسه اهـ، وقال الجزولي: صفتها أن يلصق كل واحد منهما راحته براحة الآخر ولا يشد لأنه أبلغ في المودة ولا يقبل أحدهما يده ولا يد الآخر فذلك مكروه اهـ، كلام الحطاب. قوله:(أعلم أنها سنة) أي لما فيها من داعية التألف المطلوب بين المؤمنين قال صلى الله عليه وسلم تصافحوا يذهب الغل الحديث الآتي وهو مرسل ونقل في رواية أشهب من الجامع من العتبية عن مالك كراهة المصافحة حكاه ابن شاس وغيره وروي عن مالك غير هذا وإنه صافح ابن عيينة وقال الشارمساحي في المصافحة عن مالك ثلاث روايات: الكراهة دون كراهة، المعانقة والجواز والاستحباب وهو مقتضى مذهبه في الموطأ بإدخال حديث الأمر بها قلت: يعني حديث تصافحوا يذهب الغل فإنه رواه في جامع الموطأ مرسلاً عن عطاء الخراساني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا تذهب الشحناء والغل" بكسر الغين الحقد كذا في حاشية الحطاب على منسك خليل وقال الباجي في المنتقى لما ذكر رواية أشهب بالكراهة فعليها فيحتمل أن يريد والله أعلم في الحديث بالمصافحة الصفح وهو التجاوز والغفران وهو أشبه لأنه يذهب الغل في الأغلب وقد وردت المصافحة في رواية من فعله صلى الله عليه وسلم ففي سنن أبي داود عن رجل من عترة أنه قال لأبي ذر حيث سير إلى الشام: إني أريد أن أسألك عن حديث من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذن أخبرك به إلا أن يكون سراً قلت: ليس بسر هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصافحكم إذا لقيتموه قال: ما لقيته قط إلا صافحني وبعث إليّ ذات يوم ولم أكن في أهلي فلما جئت أخبرت أنه أرسل

ص: 392

روينا في "صحيح البخاري" عن قتادة قال: قلت لأنس رضي الله عنه: أكانت المصافحة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.

وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" في حديث كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة توبته قال:

ــ

إليّ فأتيته وهو على سريره فالتزمني وكانت تلك أجود وأجود، وأخرجه الإِمام أحمد من طريق آخر نحوه قال العاقولي في شرح المصابيح الإشارة بقوله فكانت تلك إلى الالتزام على تأويل المعانقة وعبر عنها به ليكون أقرب إلى الأدب أي فكانت تلك المعانقة أجود من المصافحة وأجود والواو في وأجود للتعقيب بمنزلة الفاء في قولهم الأحسن فالأحسن اهـ، وبحث فيه في المرقاة بأن الواو هنا عاطفة لتأكيد نسبة الإسناد بخلاف الفاء فيما مثل به فإنه للتعقيب التنزلي في الأمر الإضافي، ولا ينافي هذا ما تقدم من كراهة المعانقة والتقبيل لغير القادم من السفر لأنه يحمل على بيان الجواز وأن تلك الكراهة للتنزيه لا للتحريم والله أعلم، وفي مسند أبي بكر الروياني عن البراء قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم

فصافحني فقلت: يا رسول الله كنت أحسب أن هذا من زي العجم قال: نحن أحق بالمصافحة نقله السيوطي في حواشي سنن أبي داود، قلت وأخرج الحديث ابن عبد البر في التمهيد وزاد ما من مسلمين يلتقيان فيأخذ أحدهما بيد صاحبه مودة بينهما ونصيحة إلا ألقيت ذنوبهما بينهما والمشهور عن مالك جوازها قال في التمهيد وهو الذي يدل عليه معنى ما في الموطأ وعلى جوازه العلماء من السلف والخلف اهـ، قال بعض شراح الرسالة المشهور عنه استحبابها قلت وهو الذي أشار الشيخ إليه بقوله: مجمع عليها أي على سنيتها عند التلاقي وقال الفاكهاني المشهور عن مالك إجازتها واستحبابها وهو الذي يدل عليه مذهبه في الموطأ بإدخال حديث ما من مسلمين يلتقيان الخ قلت: لم يذكر هذا الحديث في الموطأ إنما المذكور فيه الحديث المقدم والله تعالى أعلم قلت وفي رسالة ابن أبي زيد والمصافحة حسنة ولم يذكر فيها اختلافاً. قوله: (روينا في صحيح البخاري الخ) ورواه الترمذي أيضاً وقال حسن صحيح. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) تقدم تخريج الحديث في باب

ص: 393

فقام إليَّ طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يهرول، حتى صافحني وهنَّأني.

وروينا بالإسناد الصحيح في سنن أبي داود عن أنس رضي الله عنه قال: "لما جاء أهل اليمن، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قَدْ جاءَكُمْ أهْلُ اليَمَنِ وَهمْ أوَّلُ مَن جاءَ بالمُصَافَحَةِ".

وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه عن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ مُسْلمَينِ يَلْتَقِيانِ فَيَتَصَافَحَانِ إلا غُفِرَ لَهُما

ــ

ترك السلام على المبتدع. قوله: (فقام إلى طلحة يهرول الخ) قال المصنف في شرح مسلم فيه استحباب مصافحة القادم والقيام إكراماً والهرولة إلى لقائه بشاشة وفرحاً والمصافحة عند التلاقي سنة بلا خلاف اهـ. قوله: (وهنأني) بتوبة الله علي ففيه التهنئة بالنعم المتجددة وبدفع النقم. قوله: (وروينا بالإسناد الصحيح الخ) أخرجه ابن عبد البر في التمهيد من طريقين كلاهما عن أنس وفي ثانيهما قال: يقدم عليكم قوم أرق منكم قلوباً فقدم علينا الأشعريون فيهم أبو موسى فكانوا أول من أظهر المصافحة في الإسلام اهـ، ويستفاد من هذه الرواية تعيين الطائفة المذكورين بالإجمال في تلك الرواية وإن المراد من مجيئهم بالمصافحة إظهارهم لها في الإسلام والله أعلم وحديث أول من أظهر المصافحة أهل اليمين أخرجه البخاري في الأدب المفرد وابن وهب بني جامعه عن أنس كما في التوشيح. قوله:(وروينا في سنن أبي داود الخ) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب والترمذي في باب الاستئذان وقال حديث حسن غريب من حديث أبي إسحاق عن البراء وفي روي عن البراء من وجه آخر ورواه ابن ماجه وفي أبواب الأدب وأخرجه الإِمام أحمد والضياء كما في الجامع الصغير وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد. قوله: (فيتصافحان) أي عقب تلاقيهما دون تراخ بعد سلامهما. قوله: (إلا غفر لهما) قال ابن ماجه: هذا رحمة من الله تعالى وفي سنن أبي داود في رواية أخرى

زيادة اعتبار الحمد والاستغفار في حصول الغفران وأخرج عن البراء مرفوعاً إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله واستغفراه غفر لهما فيحتمل أن يكون ذلك قيداً لحصول أصل المغفرة المستفاد من الرواية

ص: 394

قَبْلَ أنْ يَتَفَرَّقَا".

وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه عن أنس رضي الله عنه قال: "قال رجل: يا رسول الله! الرجُلُ مِنَّا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ ، قال: "لا"، قال: أفيلتزمه ويقبِّله؟ قال: "لا"، قال: فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: "نعَمْ" قال الترمذي: حديث حسن. وفي الباب أحاديث كثيرة.

ــ

الأولى أو إفادة لكمالها بأن يكون مستوعباً لجميع ذنوبهما وعند ابن السني من حديث البراء إذا التقى المسلمان فتصافحا وتكاشرا بود ونصيحة تناثرت خطاياهما بينهما وعند الطبراني ويضحك كل واحد منهما في وجه صاحبه قال العلقمي: والمراد به التبسم وطلاقة الوجه وحسن الاستبشار والسرور بقلبه اهـ، وروى الحكيم الترمذي وأبو الشيخ عن عمر مرفوعاً إذا التقى المسلمان فسلم أحدهما على صاحبه كان أحبهما إلى الله أحسنهما بشراً لصاحبه فإذا تصافحا أنزل الله عليهما

مائة رحمة للبادئ تسعون وللمصافح عشر كذا في المرقاة، وفي جزء المصافحة للضياء عن البراء قال: صافحني رسول الله صلى الله عليه وسلم فغمز على كفي فقال لي: "يا براء أتدري لم غمزت على كفك" قال: قلت: لا يا رسول الله قال: "إذا صافح المؤمن المؤمن نزلت عليهما مائة رحمة تسعة وتسعون لأبشهما وأحسنهما خلقاً". قوله: (قبل أن يتفرقا) أي بالأبدان أو بالفراغ من المصافحة وهو أظهر في إرادة المبالغة. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي الخ) رواه الترمذي عن أسود بن نصر عن عبد الله بن المبارك ورواه ابن ماجه عن علي بن محمد عن وكيع عن جرير بن حازم كلاهما عن حنظلة وقال الترمذي: حديث حسن كذا في جزء المصافحة للضياء المقدسي. قوله: (يلقى أخاه) أي يلقى المؤمن وإن لم تكن بينهما صداقة خاصة أو أحداً من قومه فإنه يقال: أخو العرب والصديق الحبيب وهو أخص مما قبله. قوله: (أينحني له قال: لا الخ) دل على أن حني الظهر في السلام مكروه وكذا الالتزام المراد منه المعانقة والتقبيل لغير القادم من سفر ونحوه كراهة شديدة ولا يشكل عليه ما تقدم من حديث أبي ذر المذكور أوائل الفصل لما ذكر فيه أنه لبيان الجواز وإن نحو هذا النهي للتنزيه لا للتحريم ومثل ذلك واجب عليه صلى الله عليه وسلم للتشريع المأمور هو به. قوله: (فيأخذ بيده ويصافحه قال: نعم) يستثنى منه الأمرد الجميل كما سيأتي في الأصل فتحرم مصافحته

ص: 395

وروينا في "موطأ الإِمام مالك" رحمه الله عن عطاء بن عبد الله الخراساني قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَصَافَحُوا يَذْهَبِ الغِلُّ، وَتَهَادَوْا تَحَابوا وتَذْهَبِ الشحناءُ".

قلت: هذا

ــ

ومن به عاهة كأجزم وأبرص فتكره مصافحته قاله العبادي.

قوله: (وروينا في موطأ مالك عن عطاء بن عبد الله الخراساني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تصافحوا الخ" (قال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد: هذا يتصل من وجوه وكلها حسان ثم أورد أحاديث في المصافحة وكأنه أراد اتصال مضمون حديث عطاء لا خصوص هذا اللفظ إذ لم يورده فيه ثم رأيت الحافظ قال في الفتح وفي مرسل عطاء الخراساني في الموطأ تصافحوا الخ، ولم يقف عليه موصولاً واقتصر ابن عبد البر على شواهده من حديث البراء وغيره وأورد في التمهيد عن عطاء قال:

رأيت ابن عباس يصلي في الحجر فجاء رجل فقام إلى جنبه ثم مد الرجل يده فالتفت ابن عباس فبسط يده فصافحه فرأيته يغمز يده وهو في الصلاة فعرفت أن ذلك من مودته إياه ثم مضى في صلاته اهـ، وفي الجامع الصغير تهادوا تحابوا وتصافحوا يذهب الغل منكم رواه ابن عساكر عن أبي هريرة. قوله:(وتهادوا تحابوا) قال ابن عبد البر: هذا جاء من حديث أبي هريرة ثم خرجه من غير طريق عطاء وأسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تهادوا تحابوا" اهـ، وأخرج ابن عبد البر بسند تكلم في بعض رجاله عن معاوية بن الحكم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تهادوا فإنه يضعف الود ويذهب بغوائل الصدر قال ابن عبد الله كان صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية وندب أمته إليها وفيه الأسوة الحسنة صلى الله عليه وسلم ومن فضل الهدية مع اتباع السنة أنها تورث المودة وتذهب العداوة قلت وهي المراد بالشحناء وهو بفتح المعجمة وإسكان المهملة على ما جاء في هذا الحديث وما في معناه وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر ولا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة وقد أحسن القائل حيث قال:

هدايا النّاس بعضهم لبعض

تولد في قلوبهم الوصالا

وتزرع في الفؤاد هوى وودا

وتكسوهم إذا حضروا جمالا

ص: 396

حديث مرسل.

واعلم أن هذه المصافحة مستحبَّة عند كل لقاء، وأما ما اعتاده النّاس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر، فلا أصل له في الشرع على هذا الوجه، ولكن لا بأس به،

ــ

قوله: (حديث مرسل) أي لكنه معتضد بما جاء له من الشواهد الحسنة الموصولة. قوله: (واعلم أن المصافحة مستحبة عند كل لقاء) أي سواء كان بعد سفر أو لا. قوله: (وأما ما اعتاده النّاس الخ) في صحيح البخاري من حديث جابر بن سمرة كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى أقبل علينا بوجهه وفيه قال أبو جحيفة وخرج صلى الله عليه وسلم بالهاجرة إلى البطحاء فتوضأ ثم صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين وقام النّاس فجعلوا يأخذون بيده فيمسحون بها وجوههم فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب رائحة من المسك أورد هذين الحديثين المحب الطبري في غايته وأورد أحاديث كثيرة كذلك وقال: يستأنس بذلك لما تطابق عليه النّاس من المصافحة بعد الصلوات في الجماعات لا سيما في العصر والمغرب إذا اقترن به قصد صالح من تبرك أو تودد أو نحوه اهـ، وأفتى حمزة الناشري وغيره باستحبابها عقب الصلوات مطلقاً أي وإن صافحه قبلها لأن الصلاة غيبة حكمية فتلحق بالغيبة الحسية اهـ. نقله الأشخر في فروعه، قال أبو شكيل في شرح الوسيط يظهر لي أن تخصيص هذين الوقتين أي العصر والصبح هو لما روي أن ذينك الوقتين لنزول ملائكة وصعود آخرين إذ تنزل ملائكة الليل عند العصر وتصعد عندها ملائكة النهار وتنزل ملائكة النهار عند صلاة الصبح وتصعد ملائكة الليل فاستحب المصافحة للتبرك بمصافحتهم قلت: ولو قيل التخصيص بهما لمزيد فضلهما لما ذكروا أن العصر هي الوسطى وقيل مثل ذلك في الفجر وهما أوقات الفيوض فناسب تخصيصهما بنوع تكريم لكان أقرب والله أعلم، قال بعضهم ومثل المصافحة عقب هاتين الصلاتين المصافحة عقب باقي الصلوات أي ممن اجتمع به قبلها. قوله:(فلا أصل له على هذا الوجه) أي من كونهم

يأتون بها عقب هاتين الصلاتين إذا كانوا قبلهما مجتمعين. قوله: (ولكن لا بأس به) نقل في المرقاة عن بعض الحنفية كراهة ذلك.

ص: 397

فإن أصل المصافحة سُنَّة، وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال، وفرطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها، لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها.

وقد ذكر الشيخ الإِمام أبو محمد بن عبد السلام رحمه الله في كتابه "القواعد" أن البدع على خمسة أقسام: واجبة، ومحرمة، ومكروهة، ومستحبة، ومباحة. قال: ومن أمثلة البدع المباحة: المصافحة

ــ

قوله: (ولكن لا بأس به) عبر بمثله في الروضة واستحسن في المجموع كلام ابن عبد السلام ثم قال والمختار أن مصافحة من كان معه قبل الصلاة مباحة ومن لم يكن معه قبل الصلاة سنة لأن المصافحة عند اللقاء سنة اهـ، وعليه لا يتقيد ذلك بالصبح والعصر كما هو ظاهر كما لا يتقيد بذلك فتوى الناشري بالاستحباب مطلقاً كما تقدم عنه. قوله:(فإن أصل المصافحة سنة) أي في محلها المشروعة هي فيه وذلك عند التلاقي. قوله: (وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال) أي وإن لي تكن مشروعة في ذلك البعض كما في ما إذا اجتمعا قبل الصلاة ثم تصافحا عقبها (لا يخرج ذلك البعض) وإن كان مبتدعاً (عن كونه من) أفراد (المصافحة) لطبق تعريفه عليها (التي ورد الشرع بأصلها) أي بالمشروع منها وهو عند الملاقاة، وبما تقرر في حل عبارة المصنف يندفع اعتراض صاحب المرقاة وقوله إن في كلام المصنف نوع تناقض لأن الإتيان بالسنة في بعض الأوقات لا يسمى بدعة اهـ ووجه اندفاعه أن المصنف لم يقل إن المصافحة فيما ذكر من السنة وإنها بدعة مباحة، بل إنها بدعة لأن المصافحة إنما تسن عند اللقاء وهو سابق في هذه الحالة الصلاة فهي بعدها حينئذٍ بدعة لعدم ورودها كذلك عن الشارع وكانت مباحة لورود أصلها في محله وهو عند اللقاء، وبه يندفع أيضاً قوله معترضاً عليه مع أن عمل النّاس في هذين الوقتين ليس على وجه الاستحباب المشروع فإن محل المصافحة أول اللقاء وهؤلاء يتلاقون قبل الصلاة من غير مصافحة ويتصافحون عقبها فأين هذا من السنة اهـ، ووجه اندفاعه بل عدم وروده بالكلية أن المصنف لم يقل باستحباب المصافحة في هذه الصورة بل صرح بأنها بدعة مباحة ومع هذا التصريح فلا يبقى لهذا الإيراد وجه فضلاً عن وجه مليح، وفي المرقاة

ص: 398

عقب الصبح والعصر، والله أعلم.

قلت: وينبغي أن يحترز من مصافحة الأمرد الحسن الوجه، فإن النظر إليه حرام كما قدمنا في الفصل الذي قبل هذا، وقد قال أصحابنا: كل من حرم النظر إليه حرم مسه، بل المس أشد، فإنه يحل النظر إلى الأجنبية إذا أراد أن يتزوجها. وفي حال البيع والشراء والأخذ والعطاء، ونحو ذلك، ولا يجوز مسها في شيء من ذلك، والله أعلم.

فصل: ويستحب مع المصافحة، البشاشة بالوجه، والدعاء بالمغفرة وغيرها.

روينا في "صحيح مسلم" عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال

ــ

ومع كونها من البدع فإذا مد مسلم يده إليه ليصافحه فلا ينبغي الإعراض عنه بجذب اليد لما يترتب عليه من أذى يزيد على مراعاة الأدب وإن كان يقال إن فيه نوع إعانة على البدعة وذلك لما فيه من المجابرة اهـ. وكذا فهم الحافظ من كلام المصنف أنه يرى أنها مستحبة في هذين من قوله بعد نقل كلام ابن عبد السلام أصل المصافحة سنة وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال لا يخرجها عن أصل السنة قال الحافظ وللنظر فيه مجال فإن أصل صلاة النافلة سنة مرغب فيها ومع ذلك فقد كره المحققون تخصيص وقت بها دون وقت ومنهم من أطلق تحريم مثل ذلك كصلاة الرغائب التي لا أصل لها اهـ. قوله: (فإن النظر إليه حرام الخ) فرع الشيخ تحريم مسه على تحريم النظر إليه الذي قال به واعتمده أما على القول بحل النظر إليه فسكت عنه الشيخ وفي التحفة لابن حجر جزم بعضهم بأنه يحرم مس الأمرد وإن حل النظر إليه وإنما يتجه إن قلنا

إن محرم المرأة يحرم عليه مسها مطلقاً كما هو مقتضى كلام الروضة أما إذا قلنا بالمعتمد من حل مس رأس المحرم ونحوه مما ليس بعورة كما نقل المصنف الإجماع عليه في شرح مسلم حيث لا شهوة ولا فتنة بوجه سواء لحاجة أو شفقة فينبغي أن يجيء في الأمرد ذلك التفصيل اهـ بمعناه.

فصل

قوله: (البشاشة بالوجه) قال في النهاية بشاشة اللقاء الفرح بالمرء والانبساط إليه والأنس به.

قوله: (وغيرها) أي من باقي خير الدارين. قوله: (روينا في صحيح مسلم الخ) ورواه أحمد والترمذي من جملة حديث عن جابر قال: قال

ص: 399

لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئاً، ولَو أنْ تَلْقى أخاكَ بوجْهٍ طَلِيق".

وروينا في كتاب ابن السني عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المُسْلمَيْنِ إذا التَقَيا فَتَصَافَحا وَتَكَاشَرا بِوُدٍّ وَنَصِيحَةٍ تَنَاثَرَتْ خَطايَاهُما بَيْنَهُما".

وفي رواية: "إذا الْتَقَى المُسْلِمانِ فَتَصافَحَا وَحَمِدَا اللهَ تعالى واسْتَغْفَرَا، غَفَرَ اللهُ عز وجل لَهُما".

ــ

صلى الله عليه وسلم: "كل معروفة صدقة وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق" الحديث قال الترمذي واللفظ له حديث حسن صحيح قال المنذري في الترغيب وصدره في الصحيحين من حديث حذيفة اهـ، وتقدم في ترجمة أبي جرد من كتاب السلام قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقى ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط" الحديث رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح ورواه النسائي وابن حبان في صحيحه ورأيت منقولاً عن "تسديد القوس في تخريج أحاديث الفردوس" للحافظ حديث: لا تحقرن من المعروف شيئاً الحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي والطبراني عن جابر بن سليم اهـ. قوله: (لا تحقرن من المعروفة شيئاً الخ) أي المعروف وإن كان يسيراً فله موقع فلا ينبغي احتقاره وقوله (ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) أي ولو كان ذلك المعروف لقياك أخاك بوجه طلق وطلق قال المصنف: روي على ثلاثة أوجه إسكان اللام وكسرها أي مع فتح الطاء وطليق بزيادة ياء تحتية ومعناه سهل منبسط وفي الحديث الحث على فعل المعروف وما تيسر منه وإن قل اهـ وما أحسن ما قيل:

ومتى تفعل الكثير من الخيـ

ـر إذا كنت تاركاً لأقله

قوله: (بود ونصيحة) أي حال كون تكاشرهما مصحوباً بالود بضم الواو أي الصداقة والمحبة وبالنصيحة المطلوبة لعموم المؤمنين ففي الخبر الصحيح الدين النصيحة. قوله: (وفي رواية) أي لابن

السني عن البراء بن عازب وقد أخرجه كذلك أبو داود في سننه لكن قال واستغفراه بزيادة ضمير المفعول فكان العزو إليه أولى. قوله: (فتصافحا وحمدا) الظاهر أنه يطلب الترتيب بين الحمد

ص: 400

وروينا فيه عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما مِنْ عَبْدَينِ مُتَحَابَّيْنِ في اللهِ، يَسْتَقْبِلُ أحَدُهُما صَاحِبَهُ فَيُصَافِحُهُ، فَيُصَلِّيانِ على النبي صلى الله عليه وسلم إلا لَمْ يَتَفرَّقا حتى تُغْفَرَ ذُنُوبُهُما مَا تَقدَّمَ مِنْها وما تأخرَ".

وروينا فيه عن أنس أيضاً، قال: ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد رجل ففارقه حتى قال: "اللهُم آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذَابَ النَّارِ".

فصل: ويكرَه حنْيُ الظهر في كل حال لكل أحد، ويدل عليه ما قدمناه في الفصلين المتقدِّمين في حديث أنس، وقوله:"أينحني له؟ قال: لا" وهو حديث حسن كما ذكرناه، ولم يأت له معارض، فلا مصير إلى مخالفته،

ــ

والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم استحباباً لترتبها في الذكر المشعر بذلك وإن قلنا بالأصح إن الواو لا تفيد الترتيب ويحتمل خلافه. قوله: (وروينا فيه) أي في كتاب ابن السني قد أخرجه الحسن بن سفيان وأبو يعلى في مسنديهما أيضاً قال الحافظ في الخصال المكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة أخرجه ابن حبان في كتاب الضعفاء اهـ، قال ابن بنت الميلق وذكره المنذري في أحاديث غفران ما تقدم وما تأخر وقد علمت مما سبق أن الحديث عند أبي داود والترمذي وابن ماجه لكن ليس فيه التقييد بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا بغفران ما تقدم وتأخر قال ابن بنت الميلق وينبغي للحريص على المغفرة أن يأتي بالمصافحة وذكرها على أكمل الأحوال والألفاظ احتياطاً لتحصيلها ومن كمال ذكرها ما رواه ابن السني عن أنس قال: ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد رجل ففارقه إلا قال: ربنا آتنا في الدنيا حسنة الخ.

فصل

قوله: (ويكره حتى الظهر) ظاهره وإن وصل إلى حد الركوع فإنه يبقى مكروهاً وكأن الفرق بينه وبين تحريم السجود بين يدي المشايخ بل في بعض صوره ما يقتضي الكفر أن السجود أبلغ في التواضع فحرم فعله لغير الله تعالى وظاهر أن محل ما ذكر في الانحناء ما لم يقصد به الركوع وإلا فيحرم لأنه تعاطى عبادة

ص: 401

ولا يُغتر بكثرة من يَفعله ممن ينسب إلى علم أو صلاح وغيرهما من خصال الفضل، فإن الاقتداء إنما يكون برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].

وقد قدمنا في "كتاب الجنائز" عن الفضيل بن عياض رضي الله عنه ما معناه: اتّبعْ

ــ

فاسدة بل في بعض صوره ما يقتضي الكفر ولا يشكل على ما تقرر من تحريم السجود فيما ذكر قوله تعالى حكايته عن إخوة يوسف: {خَرُّوا سُجَّدًا} له، لأن ذلك شرع من قبلنا وليس هو بشرع لنا ما لم يرد في شرعنا تقريره والله أعلم. قوله:(ولا يغتر بكثرة من يفعله ممن ينسب إلى علم أو صلاح وغيرهما) من خصال الفضل والفلاح (فإن الاقتداء) أي بالأفعال الصادرة من فاعلها (إنما يكون برسول الله صلى الله عليه وسلم) وكذا بوارثيه المتقيدين بالاتباع في سائر الأحوال الذين لم يغلب عليهم الحال فإن ذا الحال كما لا ينكر عليه شأنه لا يقتدي به إنما يقتدي بالوارثين من أرباب

الكمال المشرفين بمقام الاتباع والحائزين لمقام الوارثة. قوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} أي ما أعطاكم الرسول فخذوه والآية وإن كانت في الفيء والغنيمة إلا أن ما يوميء إليه من تلقي ما جاء به الرسول بالقبول والانتهاء عما نهى عنه عام باق على عمومه ولذا ذكرها الشيخ في هذا المقام الذي فيه الوقوف عند حدود رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيرها والكلام في فعل الغير إذا لم يكن له أصل من الشرع وإلا ولو بالقياس الصحيح فيكون من جملة الشرع المأمور بسلوكه ففي حديث عائشة مرفوعاً من أحدث من ديننا هذا ما ليس منه فهو رد عليه. قوله: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} أي بلاء {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الآخرة قال أبو حيان وظاهر الأمر الوجوب فلذا جعل في مخالفته إصابة الفتنة أو العذاب الأليم وأقول: الأولى: إبقاء الأمر على عمومه فإن من تعمد مخالفة السنن يؤول به ذلك إلى الفتنة بترك الفرائض ويؤول به ذلك إلى العذاب الأليم والله أعلم.

قوله: (وقد قدمنا في كتاب الجنائز الخ) وقد عقدت معنى ما قاله هذا الولي الكبير في قولي:

ص: 402

طُرُق الهدى، ولا يضرك قِلَّةُ السالكين، وإياك وطرقَ الضلالة، ولا تغترَّ بكثرة الهالكين، وبالله التوفيق.

فصل: وأما إكرام الداخل بالقيام، فالذي نختاره أنه مستحب لمن كان فيه فضيلة ظاهرة من علم أو صلاح أو شرف أو ولاية مصحوبة بصيانة، أو له ولادة أو رحم مع سن ونحو ذلك، ويكون هذا القيام للبِرِّ والإكرام والاحترام، لا للرياء والإعظام، وعلى هذا الذي اخترناه استمر عمل السلف والخلف، وقد جمعت في ذلك جزءاً جمعت فيه الأحاديث والآثار وأقوال السلف وأفعالهم الدالة على ما ذكرتُه، ذكرتُ فيه ما خالفها، وأوضحتُ الجواب عنه، فمن أشكل عليه من ذلك شيء ورغب في مطالعة ذلك الجزء رجوتُ أن يزول إشكاله إن شاء الله تعالى، والله أعلم.

ــ

عليك بالخير ولا تكترث

بقلة السارين في ذا السنن

واحذر من الشر ولا تغترر

بكثرة الأشرار يا ذا السنن

فصل

قوله: (أما إكرام الداخل بالقيام الخ) قال بعض المتأخرين من المحققين القيام تجري فيه الخمسة الأحكام فيجب عند خوف الضرر بتركه ومن الضرر التباغض والتدابر المنهي عنه بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تباغضوا ولا تدابروا" وقد صرح بوجوبه في هذه الأزمنة الأذرعي قال: دفعاً للعداوة والتقاطع كما أشار إليه ابن عبد السلام فيكون من باب درء المفاسد ويندب لذي فضيلة ظاهرة من علم أو صلاح أو شرف بقصد الإكرام لا بقصد الرياء والإعظام ويحرم لنحو كافر لا يخشى من ترك القيام له محذوراً ويكره لذي فسق كذلك ويباح فيما سوى ذلك. قوله: (وقد جمعت في ذلك جزءاً الخ) ناقشه في كثير مما ذكره فيه ابن الحاج في مدخله بما لا يسلم له في الغالب والله أعلم قال المصنف "لم يصح في النهي عن القيام شيء صريح" اهـ، ثم يحرم على الداخل محبة القيام له على وجه المفاخرة

والتطاول على الأقران وعليه يحمل حديث من أحب أن يتمثل له النّاس قياماً فليتبوأ مقعده من النار أما من أحب

ص: 403

فصل: يستحب استحباباً متأكداً: زيارة الصالحين، والإخوان، والجيران، والأصدقاء، والأقارب، وإكرامهم، وبِرهم، وصلتهم، وضبط ذلك يختلف باختلاف أحوالهم ومراتبهم وفراغهم. وينبغي أن تكون زيارته لهم على وجه لا يكرهونه، وفي وقت يرتضونه. والأحاديث والآثار في هذا كثيرة مشهورة.

ومن أحسنها ما رويناه في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد الله تعالى على مَدْرَجته مَلَكاً، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة ترُبُّها؟ قال: لا، غير أني أحببتُه في الله تعالى، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله تعالى قد أحبك كما أحببته فيه".

قلت: مدرجته بفتح الميم والراء والجيم: طريقه. ومعنى تربُّها: أي تحفظها وتراعيها وتربيها كما يربّي

ــ

ذلك إكراماً له على الوجه المذكور لكونه صار شعاراً في هذا الزمن لتحصيل المودة فلا كما نبه عليه ابن العماد وغيره.

فصل

قوله: (وينبغي أن تكون زيارتهم الخ) لأن القصد من زيارتهم إدخال السرور عليهم طلباً لثواب الله تعالى وأداء لحقهم فيقيد بما أشار إليه الشيخ. قوله: (ما رويناه في صحيح مسلم -إلى آخر قوله- فأرصد الله على مدرجته) قال في النهاية أي وكله بحفظ المدرجة وهي الطريق وجعله رصداً أي حافظاً معداً وقال المصنف: معنى أرصده أقعده والمدرجة بفتح الميم وإسكان المهملة الأولى وفتح الثانية وبالجيم الطريق كما قاله المصنف في شرح مسلم وسميت بذلك لأن النّاس يدرجون عليها أي يمضون ويمشون. قوله: (هل لك عليه من نعمة تربها) بضم الراء المهملة وتشديد الموحدة أي تحفظها وتراعيها وتربيها كما قال المصنف وبمعناه قوله في شرح مسلم أن يقوم بإصلاحها وينهض إليه بسبب ذلك. قوله: (فقال: لا غير أبي أحببته الله الخ) أي لم أزره

ص: 404

الرجل ولدَه.

وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عادَ مرِيضاً، أوْ زَارَ أخاً لهُ في الله تعالى، ناداهُ مُنادٍ بأنْ طِبْتَ وطَابَ مَمْشاكَ، وَتَبَوَّأتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنْزِلاً".

ــ

لغرض من أغراض الدنيا ثم أخبر أنه إنما زاره من أجل أنه أحبه في الله فبشره الملك بأن الله قد أحبه كما أحبه فيه ومحبة الله للعبد إكرامه إياه وبره وإرادته الخير به وأن يفعل به فعل المحب من الخير وأصل المحبة في حق العباد ميل القلب والله منزه عن ذلك وتقدم بسط ذلك في شرح خطبة الكتاب، وفي الحديث فضل المحبة في الله وإنها سبب لحب الله تعالى للعبد وفي الحديث المرفوع من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع الله فقد استكمل الإيمان، وفي الحديث زيارة الصالحين والإخوان وفيه أن الآدميين قد يرون الملائكة أي إذا تشكلوا ببعض الصور.

قوله: (وروينا في كتاب الترمذي وابن ماجه) وكذا رواه ابن حبان في صحيحه كلهم من رواية أبي سنان عن عثمان بن سودة عن أبي هريرة كذا في الترغيب للمنذري. قوله: (من عاد مريضاً) سبق فضل عيادة المريض في أبواب الجنائز وهي من القرب المطلوبة المتأكدة بل قال القرطبي في المفهم: إنها من فروض الكفايات لأن المريض لو لم يعد لضاع سيما إن كان غريباً أو ضعيفاً ومن له أهل يجب تمريضه على من تجب عليه مؤنته فمن قام به منهم سقط عن الباقين اهـ، بمعناه ثم ظاهر عموم الخبر حصول الثواب لمن حصلت منه العيادة وإن أخل ببعض ما لها من الآداب لكن في شرح المشكاة لابن حجر تقييده بمن أتى بما يطلب من العائد باطناً وظاهراً ولا شبهة أن ثوابه أكمل أما كون أصل الثواب المذكور في الخبر موقوفاً على ذلك ففيه نظر. قوله:(ناداه مناد من السماء الخ) وفي كون النداء من السماء حكم: منها الإعلام بعظيم فضل هذا العائد وعيادته فيزداد له الدعاء والاستغفار من الملائكة القائمين بذلك للمؤمنين، قال تعالى:{وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} . قوله: (طبت) أي خلقاً وحياة في هذه الدار أي أتيت بما هو من كريم الأخلاق التي بها التواصل بين المؤمنين ويكمل توادهم فتعود بركة صالحهم على غيره (وطاب ممشاك) أي كثر ثواب مشيك إلى هذه العيادة. قوله: (وتبوأت من الجنة منزلاً) أي هيأت

ص: 405