الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب استحباب قول صاحب الطعام لضيفه ومن في معناه إذا رفع يده من الطعام "كل" وتكريره ذلك عليه ما لم يتحقق أنه اكتفى منه وكذلك يفعل في الشراب والطيب ونحو ذلك
ــ
الاحتمال الأول ضعيف جدًّا وأقول بل الاحتمال الأول هو الظاهر المتبادر من قوة الكلام أي أن ثقة من كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم وأنه حال من فاعل أكل مضارعًا مقدرا يعني آكل معك حال كوني واثقًا بالله وجعله حالًا من فاعل كل بعيد وأبعد منه جعل هذه الجملة مدرجة من كلام الراوي لبيان كمال وثوق المصطفى بالله فأكل مع ذلك المجذوم لا أنه تلفظ بذلك لأنه خلاف ما تعطيه قوة الكلام.
والحاصل أن الأكل مع المجذوم يحتاج إلى حال الاعتماد والتوكل على الله دون المجذوم على ما يتوهم من التقدير الأول ثم هذا التقدير أي كل معي إنما يحتاج إليه في عبارة الحصن فإنه قال وإن أكل مع مجذوم أو ذي عاهة قال: بسم الله ثقة بالله الخ، أما عبارة الأذكار فغير محتاجة إلى ذلك لأن لفظ "كل" موجود فيها إلا أن يقال:"معي" فمقدر وأما الاحتمال الثاني فبعيد جدًّا لأنه يلزم منه أن لا يكون قوله ثقة بالله الخ من كلامه صلى الله عليه وسلم وليس كذلك مع أنه احتمال متكلف مستغنى عنه بما ذكرناه سابقا وقال ميرك: بل الظاهر أنه حال أي آكل بسم الله حال كوني واثقًا بالله ومتوكلًا عليه على أن كلا من المصدرين بمعنى اسم الفاعل كما قيل في قوله تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} أي راغبين وراهبين اهـ والله أعلم.
باب استحباب قول صاحب الطعام لضيفه ومن في معناه
أي الضيف من أهله وعياله (إذا رفع يده من الطعام) لنحو حياء (كل) أو نحوها من العبارات المؤذنة بطلب نحو أكل من نحو بسم الله أو استعمل (وتكرير ذلك ما لم يتحقق أنه قد أكتفى منه) قضيته أنه لا حد لتكرار ذلك وإن مدار ترك التكرار على تحقق اكتفاء الآكل معه لكن قالوا: لا يزيد ندبًا في ذلك على ثلاث مرات وعلله في الإحياء بأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم تكلم ثلاثًا وأنه لا يراجع في الشيء فوق
اعلم أن هذا مستحبُّ، حتى يستحب ذلك للرجل مع زوجته وغيرها، من عياله الذين يتوهم منهم أنهم رفعوا أيديهم ولهم حاجة إلى الطعام وإن قلَّت.
ومما يستدل به في ذلك ما رويناه في "صحيح البخاري" عن أبي هريرة رضي الله
ــ
ثلاث قال في الإحياء ولا ينبغي أن يقسم عليه بالله ليأكل اهـ. وسيأتي فيه كلام في آخر الباب.
قوله: (ومما يستدل به لذلك ما رويناه في صحيح البخاري الخ) عن مجاهد قال: سمعت أبا
يقول والله الذي لا إله غيره إن كنت لأعتمد على كبدي في الأرض من الجوع وإن كنت لأشد بحجر على بطني من الجوع ولقد قعدت يومًا على طريقهم الذي يمرون به فمر بي أبو بكر رضي الله عنه فسألته عن آية من كتاب الله ما سألت عنها إلا ليستتبعني فمر ولم يفعل ثم مر بي عمر رضي الله عنه فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته عنها إلا ليستتبعني فمر ولم يفعل ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فعرف ما في نفسي وما في وجهي فتبسم فقال: أبا هريرة فقلت: لبيك يا رسول الله فقال الحق ثم مضى وتبعته فدخل بيته فاستأذنت فأذن لي فوجد لبنًا في قدح فقال: من أين هذا اللبن؟ قالوا: أهدأه لك فلان أو فلانة قال أبا هو: قلت: لبيك يا رسول الله قال: انطلق إلى أهل الصفة فأدعهم قال وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يلوون على أهل ولا مال إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئًا وإذا أتته هدية أصاب منها وأرسل إليهم وأشركهم فيها فساءني ذلك وقلت في نفسي: ما هذا اللبن في أهل الصفة كنت أود لو شربت منه شربة أتقوى بها أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا جاؤوا أمرني فكنت أنا الذي أعطيهم فما عسى أن يبلغني من هذا اللبن ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فأخذوا مجالسهم فالتفت فقال: أبا هريرة فقلت: لبيك يا رسول الله قال: "فأعطهم" فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى حتى انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلهم فأخذ القدح فوضعه على يده ونظر إليّ فتبسم وقال أبا هر: بقيت أنا وأنت قلت: صدقت يا رسول الله قال: "فاقعد واشرب" فقعدت فشربت ثم قال: "اشرب" فما زال يقول اشرب حتى قلت: والذي بعثك بالحق ما أجد له مساغًا فأعطيته القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة صلى الله عليه وسلم قال الحافظ بعد تخريجه: أخرجه أحمد عن روح بن
عنه في حديثه الطويل المشتمل على معجزات ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما اشتد جوع أبي هريرة رضي الله عنه وقعد على الطريق يستقرئ من مر به القرآن، معرَّضًا بأن يضيفه، ثم بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الصُّفَّة، فجاء بهم فأرواهم
ــ
عبادة عن عمر بن ذر وأخرجه البخاري في كتاب الرقائق عن أبي نعيم وأخرجه النسائي عن أحمد بن يحيى الكوفي عن أبي نعيم أي وأبو نعيم يرويه عن عمر بن ذر عن مجاهد وساق الحديث بتمامه والبخاري لما أخرج الحديث قال: أخبرنا أبو نعيم بنحو من نصف هذا الحديث ولم يذكر من حدثه بالنصف الآخر مع إبهامه لكنه أخرج في الاستئذان عن أبي نعيم قطعة من آخر هذا الحديث فأشعر أن النصف الذي أشار إليه بالتحديث هو النصف اهـ. وهذا الذي قاله الحافظ من قوله: فاشرب الخ نقله الكرماني عن مغلطاي ثم تعقبه بأن ما ذكره ثم ليس نصفه ولا ثلثه ولا ربعه وقال وفيما فعله البخاري محذور وهو أن نصف الحديث يبقى بغير إسناد ثم أجاب بأنه اعتمد على ما ذكره في كتاب الأطعمة من طريق يوسف بن عيسى المروزي وهو قريب من نصف الحديث فلعل البخاري أراد بالنصف الذي لأبي نعيم ما لم يذكره ثمة فيصير الكل مسندًا بعضه بطريق يوسف وبعضه الآخر بطريق أبي نعيم وقال صاحب التاريخ وهو مغلطاي ذكر المصنف الحديث في الاستئذان مختصرًا وكأنه هو النصف المشار إليه هنا وأقول ليس ما ذكره هنا نصفه ولا ثلثه الخ، ثم إن المحذور وهو خلو البعض من الإسناد لازم كما كان وإن أفاد تكريره أن بعضه متكرر الإسناد ولا كلام فيه والله أعلم اهـ. قال الحافظ: وفي استدرك الحاكم الحديث من وجه آخر من طريق يونس بن بكير عن عمر بن ذر اهـ. قوله: (المشتمل على معجزات ظاهرة) قلت منها اطلاعه صلى الله عليه وسلم على ما أضمر أبو هريرة من التطلع إلى من يذهب ليطعمه ومنها دعوته إلى طعام ووجوده
له من غير استعداد ومنها تكثير ذلك اللبن القليل الذي رأى أبو هريرة أنه يكفيه ويكفي النبي صلى الله عليه وسلم وكفى أهل الصفة المدعوين عن آخرهم. قوله: (يستقرئ من مر به القرآن) أي يسأله ظاهرًا عن آية ليقرئه إياها وهو يعرض