المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما يقوله إذا ركب دابته - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ٥

[ابن علان]

فهرس الكتاب

- ‌فصل في الأذكار والدعوات المستحبات بعرفات:

- ‌فصل في الأذكار المستحبة في الإفاضة من عرفة إلى مزدلفة

- ‌فصل في الأذكار المستحبة في المزدلفة والمشعر الحرام:

- ‌فصل في الأذكار المستحبة في الدفع من المشعر الحرام إلى منى

- ‌فصل في الأذكار المستحبة بمنى يوم النحر:

- ‌فصل في الأذكار المستحبة بمنى في أيام التشريق:

- ‌فصل:

- ‌فصل فيما يقوله إذا شرب من ماء زمرم:

- ‌فصل:

- ‌فصل في زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكارها:

- ‌كتاب أذكار الجهاد

- ‌باب استحباب سؤال الشهادة

- ‌باب حث الإمام أمير السرية على تقوى الله تعالى وتعليمه إياهما يحتاج إليه من أمر قتال ومصالحتهم وغير ذلك

- ‌باب بيان أن السنَّة للإمام وأمير السرية إذا أراد غزوة أن يورى بغيرها

- ‌باب الدعاء لمن يقاتل أو يعمل على ما يعين على القتال في وجهه وذكر ما ينشطهم ويحرضهم على القتال

- ‌باب الدعاء والتضرع والتكبير عندالقتال واستنجاز الله تعالى ما وعد من نصر المؤمنين

- ‌باب النهي عن رفع الصوت عند القتال لغير حاجة

- ‌باب قول الرجل في حال القتال: أنا فلان لإرعاب عدوه

- ‌باب استحباب الرجز حال المبارزة

- ‌باب استحباب إظهار الصبر والقوة لمن جرح واستبشاره بما حصل له من الجرح في سبيل الله وبما يصير إليه من الشهادة وإظهار السرور بذلك وأنه لا ضير علينا في ذلك بل هذا مطلوبنا وهو نهاية أملنا وغاية سؤلنا

- ‌باب ما يقول إذا ظهر المسلمون وغلبوا عدوهم

- ‌باب ما يقول إذا رأى هزيمة في المسلمين والعياذ بالله الكريم

- ‌باب ثناء الإمام على من ظهرت منه براعة في القتال

- ‌باب ما يقوله إذا رجع من الغزو

- ‌كتاب أذكار المسافر

- ‌باب الاستخارة والاستشارة

- ‌باب أذكاره بعد استقرار عزمه على السفر

- ‌تنبيه

- ‌فائدة

- ‌باب أذكاره عند إرادته الخروج من بيته

- ‌باب أذكاره إذا خرج

- ‌باب استحباب طلبه الوصية من أهل الخير

- ‌باب استحباب وصية المقيم المسافر بالدعاء له في مواطن الخير ولو كان المقيم أفضل من المسافر

- ‌باب ما يقوله إذا ركب دابته

- ‌باب ما يقول إذا ركب سفينة

- ‌باب استحباب الدعاء في السفر

- ‌باب تكبير المسافر إذا صعد الثنايا وشبهها وتسبيحه إذا هبط الأدوية ونحوها

- ‌باب النهي عن المبالغة في رفع الصوت بالتكبير ونحوه

- ‌باب استحباب الحداء للسرعة في السير وتنشيط النفوس وترويجها وتسهيل السير عليها

- ‌باب ما يقول إذا انفلتت دابته

- ‌باب ما يقوله على الدابة الصعبة

- ‌باب ما يقوله إذا رأى قرية يريد دخولها أو لا يريد

- ‌باب ما يدعو به إذا خاف ناسًا أو غيرهم

- ‌باب ما يقول المسافر إذا تغوَّلت الغيلان

- ‌باب ما يقول إذا نزل منزلًا

- ‌باب ما يقول إذا رجع من سفره

- ‌باب ما يقوله المسافر بعد صلاة الصبح

- ‌باب ما يقول إذا رأى بلدته

- ‌باب ما يقول إذا قدم من سفره فدخل بيته

- ‌باب ما يقال لمن يقدم من سفر

- ‌باب ما يقال لمن يقدم من غزو

- ‌باب ما يقال لمن يقدم من حج وما يقوله

- ‌كتاب أذكار الأكل والشرب

- ‌باب ما يقول إذا قرب إليه طعامه

- ‌باب استحباب قول صاحب الطعام لضيفانه عند تقديم الطعام: كلوا أو في معناه

- ‌باب التسمية عند الأكل والشرب

- ‌فصل:

- ‌باب لا يعيب الطعام والشراب

- ‌باب جواز قوله: لا أشتهي هذا الطعام أو ما اعتدت أكله أو نحو ذلك إذا دعت إليه الحاجة

- ‌باب مدح الأكل الطعام الذي يأكل منه

- ‌باب ما يقوله من حضر الطعام وهو صائم إذا لم يفطر

- ‌باب ما يقوله من دعى لطعام إذا تبعه غيره

- ‌باب وعظه وتأديبه من يسئ في أكله

- ‌باب استحباب الكلام على الطعام

- ‌باب ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع

- ‌باب ما يقول إذا أكل مع صاحب عاهة

- ‌فائدة

- ‌باب استحباب قول صاحب الطعام لضيفه ومن في معناه إذا رفع يده من الطعام "كل" وتكريره ذلك عليه ما لم يتحقق أنه اكتفى منه وكذلك يفعل في الشراب والطيب ونحو ذلك

- ‌باب ما يقول إذا فرغ من الطعام

- ‌تنبيه

- ‌باب دعاء المدعو والضيف لأهل الطعام إذا فرغ من أكله

- ‌باب دعاء الإنسان لمن سقاه ماء أو لبنًا ونحوهما

- ‌باب دعاء الإنسان وتحريضه لمن يضيف ضيفًا

- ‌باب الثناء على من أكرم ضيفه

- ‌باب استحباب ترحيب الإنسان بضيفه وحمده الله تعالى على حصوله ضيفًا عنده وسروره بذلك وثنائه عليه لكونه جعله أهلا لذلك

- ‌باب ما يقوله بعد انصرافه عن الطعام

- ‌كتاب السلام والاستئذان وتشميت العاطس وما يتعلق بها

- ‌باب فضل السلام والأمر بإفشائه

- ‌باب كيفية السلام

- ‌فصل:

- ‌فصل:

- ‌فصل:

- ‌باب ما جاء في كراهة الإشارة بالسلام باليد ونحوها بلا لفظ

- ‌باب حكم السلام

- ‌باب الأحوال التي يستحب فيها السلام والتي يكره فيها، والتي يباح

- ‌باب من يسلَّم عليه ومن لا يسلَّم عليه ومن يُرد عليه ومن لا يُرد عليه

- ‌فصل: وأما الصِّبيان فالسُّنَّة أن يسلم عليهم

- ‌باب في آداب ومسائل من السلام

- ‌باب الاستئذان

- ‌باب في مسائل تتفرَّع على السلام

- ‌فصل في المصافحة:

- ‌فصل: في استحباب طلب الإنسان من صاحبه الصالح أن يزوره، وأن يكثر من زيارته

الفصل: ‌باب ما يقوله إذا ركب دابته

"لا تَنْسَنا يا أُخَيَّ مِنْ دُعائِكَ، فقال كلمةً ما يسرني أن لي بها الدنيا". وفي رواية قال: "أشْرِكْنا يا أُخَيَّ في دُعائِكَ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

‌باب ما يقوله إذا ركب دابته

قال الله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا

نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ

ــ

عن سالم عن ابن عمر استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن له وقال أي أخي أشركنا في صالح دعائك أخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع لكن قال عن ابن عمر عن عمر أنه استأذنه وقال في شيء من دعائك زاد ولا تنسنا قال الحافظ وهكذا أخرجه الترمذي عن سفيان بن وكيع عن أبيه لكن لم يقل صالح وفي شيء وأخرجه البزار عن محمد بن المثنى عن مؤمل بن إسماعيل عن سفيان الثوري وقال: لم يقل غير مؤمل فيه عن عمر قال الحافظ رواية أبي بكر ومن وافقه واردة عليه اهـ. قوله: (لا تنسنا) هكذا هو في أصل الصحيح بالألف فيحتمل أن يكون خبرًا لفظًا طلبًا معنى، ويحتمل أن الألف نشأت من إشباع الفتحة. قوله:(يا أخي) بضم الهمزة قيل كذا ضبط في أبي داود وقيل إنه بالتكبير وفيه قول الإنسان وفيه قول الإنسان لمن يقاربه في السن يا أخي على سبيل التلطف وتقدم استحباب ذلك في باب ما يقول إذا خرج من بيته والله سبحانه أعلم.

باب ما يقول إذا ركب دابته

قوله: (قال الله تعالى {وجَعَلَ لَكُمْ} أي لانتفاعكم. قوله: {مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ} أي تركبونه في البر والبحر يقال ركب الأنعام وركب في الفلك فغلب هنا المتعدى بنفسه على

المتعدى بغيره لقوته قال في النهر وما موصولة ويراعى فيها اللفظ والمعنى فمراعاة المعنى في قوله على ظهوره حيث جمع ومراعاة اللفظ حيث أضاف الظهور إلى الضمير المفرد وكذا فيما بعد ذلك في قوله عليه وفي الإشارة في قوله هذا. قوله: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} ) هذه حكمة الجعل وثمرته المرتبة عليه أي لتثبتوا

ص: 123

عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ}. [الزخرف: 12 - 14].

وروينا في كتب أبي داود، والترمذي، والنسائي، بالأسانيد الصحيحة عن علي بن ربيعة قال:

ــ

على ظهور ما تركبون من السفن والأنعام. قوله: (عليه) أي على ما تركبون من الأنعام والفلك. قوله: (مقرنين) أي مطيقين والقرن بفتحتين الحبل الذي يقرن به وقيل ضابطين من أقرن الرجل أطاقه وأقرنَه أيضًا ضبطه قال الأبي وقيل مما يلين اهـ قال ابن عطاء خاطب العوام بأن يذكروا النعم في وقت دون وقت ولا يعرفون نعم الله عليهم في كل نفس وطرفة عين وحركة وسكون. وقال سهل خص الأنبياء وبعض الصديقين بمعرفة نعم الله عليهم قبل زوالها وحلم الله تعالى عنهم. قوله: {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} أي راجعون إليه في المعاد ويجوز أن يقال لما كان ركوب السفينة والدابة قد يفضي إلى الموت في بعض الأحوال تذكروا معادهم بسببه ذكره الكواشي في تفسيره الكبير وقال ابن حجر الهيتمي ناسب ذكره لأن الدابة سبب من أسباب التلف إذ كثيرًا ما يسقط عنها راكبها فيندق عنقه وكان شهود الراكب للموت وقد اتصل به سبب من أسبابه حاملًا له على تقوى الله في ركوبه ومسيره.

قوله: (وروينا في كتب أبي داود والترمذي الخ) قال في السلاح اللفظ لأبي داود ورواه الترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان في صحيحيهما وقال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم اهـ. قوله: (بالأسانيد الصحيحة عن علي بن ربيعة الخ) قال الحافظ حقه أن يقول

ص: 124

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عن أبي إسحاق السبيعي عن علي بن ربيعة لأن مداره عندهم على أبي إسحاق عن علي بن ربيعة وإن كان غيرهم أخرجه عن أبي إسحاق ثم أخرجه الحافظ من طرق عديدة قال في آخرها: قالوا: وهم ستة عن أبي إسحاق هو السبيعي عن علي بن ربيعة قال شهدت عليًّا رضي الله عنه الخ لكن زاد الثوري في أوله كنت ردف علي رضي الله عنه وكذلك كنت ردفًا للنبي صلى الله عليه وسلم ولا إله إلا أنت بعد قوله سبحانك في الموضعين وفي آخر رواية منصور علم عبدي أن له ربا يغفر الذنوب قال الحافظ: أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي كلهم ينتهون إلى أبي الأخوص أحد الستة الراوين عن أبي إسحاق وأخرجه أحمد وأخرجه ابن حبان والحاكم من طريق جرير يعني ابن عبد الحميد الراوي عن منصور بن المعتمر أحد الستة السابقة وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم وقال الترمذي حديث حسن صحيح وقال البزار هذا أحسن إسناد يروى لهذا الحديث قال الحافظ وقفت له على علة خفية ذكرها الحاكم في تاريخ نيسابور وذهل عنها في المستدرك هي ما أسنده إلى عبد الرحمن بن بشر بن الحكم قال ذكر عبد الرحمن بن مهدي وأنا أسمع الحديث الذي حدثناه يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن

أبي إسحاق عن علي بن ربيعة قال كنت ردف علي رضي الله عنه حين يركب فقال: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} قال شعبة قلت لأبي إسحاق ممن سمعته قال من يونس بن حبان فلقيت يونس فقلت ممن سمعته فقال من رجل سمعه من علي بن ربيعة فدلت هذه القصة على أن ابا إسحاق دلس بحذفه رجلين أو أكثر والرجل الذي ما سماه أحد أربعة وصلت إلينا روايتهم له عن علي بن ربيعة شقيق الأزدي والحكم بن قتيبة وإسماعيل بن عبد الملك بن الصغير والمنهال بن عمر ورواياتهم في كتاب الدعاء للطبراني وأحسنها سياقًا رواية المنهال فساقها الحافظ وقال رجاله كلهم موثقون من رجال الصحيح إلا ميسرة وهو ثقة وأخرجه الحاكم من وجه آخر وقال صحيح الإسناد ورواية الحكم أخرجها المحاملي، وقد وضح لي أن الذي لم بسم منهم هو شقيق الأزدي فقد أخرج الدارقطني في الأفراد من طريق عبد ربه ابن سعيد الأنصاري عن يونس بن خباب عن شقيق الأزدي عن علي بن ربيعة قال: أردفني على فساق الحديث

ص: 125

شهدتُ علي بن أبي طالب رضي الله عنه أُتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الرَّكاب

قال: بِسْمِ اللهِ، فلما استوى على ظهرها قال: الحَمْدُ لِلهِ، ثم قال:{سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} ثم قال:

ــ

ثم قال غريب من حديث عبد ربه بن سعيد عن يونس تفرد به ابن لهيعة عنه وكذا ذكر المزي في الأطراف أن شعيب بن صفوان رواه عن يونس بن خباب عن شقيق الأزدي عن علي بن ربيعة ورواه الطبراني في الدعاء من طريق ابن لهيعة لكن سقط من السند شقيق الأزدي قال الحافظ وشقيق هذا ما عرفت اسم أبيه ولا حاله هو والعلم عند الله تعالى اهـ. ثم علي بن ربيعة من كبار أوساط التابعين خرج له الستة. قوله: (شهدت) أي حضرت قوله: (بدابة) أصلها ما يدب على وجه الأرض ثم خصصها العرف العام بذوات الأربع ثم خصصها العرف الخاص بالفرس والبغل والحمار. قوله: (الركاب) بكسر الراء. قوله: (بسم الله) أي أركب قال العصام في شرح الشمائل كأنه مأخوذ من قول نوح لما ركب السفينة بسم الله لأن المركب بالبر كالسفينة بالبحر وتعقبه ابن حجر الهيثمي بأن ذلك نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وبين بأنه تأسى به في ذلك فكيف مع ذلك يقال كأنه مأخوذ الخ، وفيه أنه فهم أن المحقق العصام أراد أن عليًّا هو الآخذ وليس كما ظن بل معني كلامه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ ذلك من قول الله حكايته عن نوح ولا بدع لقوله تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} كما أن بقية الأذكار الآتية مأخوذة من قوله تعالى {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ} وأيضًا فإذا قال الإنسان ذلك تذكر عنده عقوق قوم نوح على الله الموجب لغرقهم، فكان في ذوه حمل للرجوع إلى الله تعالى المتكفل بالخلاص من الشدائد قال المناوي واعترضه هلهل. قوله:(استوى) أي استقر. قوله: (سخر) أي ذلل. قوله: (وما كنا له) أي لتسخيره، وكأن وجه مناسبة الإتيان بهذا الذكر وافتتاحه بسبحان الموضوعة للتنزيه أن تسخير الدواب لنا نعمة عظيمة لا يقدر عليها غيره فناسب شهود تنزيهه عن شريك حينئذٍ وقيل إنه تنزيه عن الاستواء الحقيقي على العرش المذكر به الاستواء على الدابة قيل ويرده ذكر {الَّذِي سَخَّرَ لَنَا} الخ تنبيهًا على سر قوله ذلك هنا المتأيد به ما أشرنا إليه أولًا

ص: 126

الحَمدُ لِلهِ، ثلاث مرات، ثم قال: اللهُ أكْبرُ، ثلاث مرات، ثم قال: سُبْحانكَ إني ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغْفِرْ لي، إنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا أنْتَ، ثم ضحك، فقيل: يا أمير المؤمنين من أي شيء ضحكت؟ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل مثل ما فعلت ثم ضحك، فقلت: يا رسول الله من أي شيء ضحكت؟ قال: "إن رَبَّكَ سُبْحانَهُ يَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إذا قال: اغْفِرْ لي ذُنُوبي،

ــ

من قولنا وكأنه وجه الخ اهـ وسكت المناوي في شرح الشمائل على الوجه الثاني ولم يتعقبه بشيء. قوله: (الحمد الله) أي على هذه النعمة العظيمة أي تذليل هذا الوحش النافر وإطاعته لنا على ركوبه محفوظين عن شره. قوله: (ثم قال) أي شكرًا لنعمة التسخير، فلذا كرر ذلك تعظيمًا لتلك النعمة إذ لا يقدر عليها غيره وقيل الحمد الأول لحصول النعمة والثاني لدفع النقمة والثالث

لعموم المنحة. قوله: (ثم قال الله أكبر) أي لما أدى مقام شكر النعمة بالحمد أتى بما فيه الثناء عليه تعالى بالجلال وكرره لمزيد الإجلال، وقيل: أتى به تعجبًا للتسخير أو دفعًا لنخوة النفس من استيلائها على المركب والتكرار قيل: تعظيمًا للتسخير وقيل الأول إيماء إلى الكبرياء والعظمة في ذاته والثاني للتكبر والتعظيم في صفاته والثالث للإشعار بأنه منزه عن الاستواء المكاني. قوله: (سبحانك) أي تنزهت عن الحاجة أي ما يحتاجه عبادك وكرره توطئة لقوله إني ظلمت نفسي ليكون مع اعترافه بالظلم أنجح لإجابة سؤاله وتحقيق آماله وقيل: سبب ذكر قوله: ظلمت نفسي كونه في قضاء حاجة نفسه لا في الجهاد في سبيله اهـ ورد بأنه غفل عن أنه يسن ذلك حتى للمجاهد وكل من ركب لعبادة ولو واجبة، فالوجه أن سببه أن تذكر النعمة يحمل على شهود التقصير في شكرها وأن العبد ظلم نفسه بعدم القيام به فناسب ذكر هذا هنا قوله:(فقيل) جاء في رواية أخرى عند الترمذي أن علي بن ربيعة هو السائل لعلي رضي الله عنه. قوله: (يا أمير المؤمنين) هذا يدل على أن القضية في أيام خلافته. قوله: (فقيل) جاء في رواية الترمذي أيضًا أن السائل له صلى الله عليه وسلم هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قوله: (يعجب من عبده) المراد من العجب في حقه تعالى

ص: 127

يَعْلَمُ أنَّه لا يَغْفِرُ الذنُوبَ غَيرِي"، هذا لفظ رواية أبي داود. قال الترمذي: حديث حسن. وفي بعض النسخ: حسن صحيح.

وروينا في "صحيح مسلم" في كتاب المناسك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر كبر ثلاثًا، ثم قال:

{سُبْحَانَ

ــ

لاستحالة حقيقة العجب منه غايته وهي استعظام الشيء والرضا به المستلزم لجزيل الثواب له ولهذا الرضا المقتضي فرحه صلى الله عليه وسلم ومزيد النعمة عليه ضحك صلى الله عليه وسلم ولما تذكر علي كرم الله وجهه ذلك اقتضى مزيد فرحه وبشره فضحك أيضًا. قوله: (يعلم) هو حال من فاعل "قال رب اغفر لي" أي قال ذلك غير غافل ولا جاهل بل عالمًا الخ وأغرب ميرك في قوله بتقدير قد لأن الجملة الحالية إذا كانت فعلية مضارعية مثبتة تكتفي بالضمير وحده لمشابهته لفظًا ومعنى لاسم الفاعل المستغني عن الواو نحو جاء زيد يسرع قيل وقد سمع بالواو نعم لا بد في الماضي من قد ظاهرة أو مقدرة بل تقدير قد هنا مضر.

فائدة

قال ابن حجر الهيتمي ينبغي إذا فاته ذكر الركوب في أوله أن يأتي به في أثنائه نظير البسملة في الوضوء وغيره اهـ. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) قال في السلاح ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وفي رواية لمسلم أيضًا وكآبة المنظر وسوء المنظر اهـ وأشار الحافظ إلى أن في رواية الترمذي اختصارًا، وقال فيه واطو لنا بعد الأرض وفيه وإذا رجع قال: آئبون وعند الدارمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رجع من سفره قال: آئبون إن شاء الله تائبون. قوله: (إذا استوى على بعيره الخ) قال

الأبي: ينبغي تكرير هذا الذكر وإشاعته وكذا يقوله من ركب السفينة بل هو أحرى وكذا يقوله الراجل إلا أنه لا يقول ما يختص بالراكب كقوله {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} اهـ وتردد ابن حجر الهيتمي في إلحاق راكب الآدمي براكب الدابة في استحباب هذا الذكر قال والإلحاق غير بعيد لأن من شأن الآدمي الآباء عن كونه مركوبًا فكان في تسخيره نعمة أي نعمة واستوجه أيضًا ندب ما ذكر عند ركوب نحو الدابة المغصوبة لأن الحمد على التسخير وهو قدر مشترك فيما له وفيها غصبه وإن حرم الانتفاع بالأخير. قوله: (كبر) أي قال الله أكبر وتقدمت حكمته وحكمة

ص: 128

الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} اللَّهُمَّ إنا نَسألُكَ في سَفَرِنا هَذَا البرَّ والتَّقوى، ومِنَ العَمَلِ ما تَرْضَى، اللهُم هَوِّن عَلَينا سَفَرنا هَذَا، وَاطْو عَنا بُعدَهُ، اللهم أنْتَ الصَّاحِبُ في السفَرِ وَالخَلِيفةُ في الأهلِ، اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنْ وَعثاءِ السَّفَرِ، وكآبَةِ المَنْظَرِ، وَسُوءِ المُنْقَلب في المَالِ والأهلِ"

ــ

تكراره. قوله: (البر) أي العمل الصالح والخلق الحسن. قوله: (والتقوى) قال الأبي أي الخوف الحامل على التحرز من المكروه. قوله: (ومن العمل) بيان لما والمراد وما ترضاه من العمل وهو العمل الصالح، وكرر ما يدل على طلب ذلك لاقتضاء مقام السؤال الإطناب. قوله:(اللهم أنت الصاحب في السفر الخ) فينبغي ندب ذلك بسبابته اليمنى ليلحظ بها ما رفعت له في تشهد الصلاة من الإشارة إلى التوحيد بالقلب واللسان والأركان ويظهر أنه لو لم يتيسر له باليمنى أشار باليسرى ويفرف بينه وبين نظيره في التشهد بأن الإشارة باليسرى ثم تبطل سنة وضعها على الركبة ولا كذلك هنا اهـ والصاحب الذي يصحبك بحفظه، والخليفة الذي يخلفك في أهلك بصلاح أحوالهم بعد انقطاع نظرك عنهم قال الأبي ولا يسمى الله بالصاحب ولا بالخليفة لعدم الإذن وعدم تكرر ذلك في الشريعة اهـ. وقال ابن حجر الهيتمي المراد من الصحبة هنا غايتها من اللطف وأس الإنعام والإفضال ويستفاد من الحديث أن الصاحب في السفر من أسماء الله تعالى لكن هل هو بقيد في السفر اتباعًا للفظ الحديث ولم يرد إلا مقيدًا أو لا يتقيد بذلك محل نظر والأقرب الأول وكذا يقال بنظيره في قوله والخليفة في المال والأهل اهـ. قوله:(أعوذ بك من وعثاء السفر) الوعثاء بفتح الواو وإسكان العين المهملة وبالثاء المثلثة وبالمد هي المشقة والشدة. قوله: (وكآبة المنظر) بفتح أوله وثالثه أي حزن المرء وما يسوؤه قاله الأبي وسيأتي له مزيد. قوله: (وسوء المنقلب) مصدر ميمي أي سوء الانقلاب والرجوع من الخير إلى ضده وفي مفتاح الحصن أي سوء الانقلاب من السفر والعود إلى وطنه يعني أن يعود فيرى ما يسوؤه في الأهل والمال أي أهل بيته وزوجه وخدمه وحشمه اهـ. وقال ميرك معناه أن ينقلب إلى وطنه

ص: 129

وإذا رجع قالهن، وزاد فيهن:"آيِبُونَ تائُبِونَ عابدُونَ لرَبِّنا حامِدُونَ" هذا

ــ

فيلقي ما يكتئب منه من إصابته في سفره أو ما يقدم عليه مثل أن يرجع غير مقضي الحاجة أو أصاب ماله آفة أو يقدم على أهله فيجدهم مرضى أو يفقد بعضهم اهـ. قال في الحرز أو يرى بعضهم على المعصية اهـ. قوله: (وإذا رجع) أي من سفره وأشرف على بلده، ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اشرف على المدينة قال آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون فلم يزل يقولها حتى دخل المدينة. قوله:(آئبون) بهمزة ممدودة فهمزة مكسورة فموحدة واحده آئب وهو الراجع قال في مفتاح

الحصن آئبون بكسر الهمزة بعد الألف وكثير من النّاس يلفظ بياء بعد الألف وهو لحن ومعناه راجعون اهـ وقوله بعد الألف أي الممدودة فإنه اسم فاعل قال في الحرز وكون الياء لحنًا إنما هو في الوصل أما في الوقف عليه فهو صحيح بلا خلاف كما هو مقتضى قاعدة الإِمام حمزة من قراء السبعة حيث جوز في مثله التسهيل والإبدال والتقدير نحن الرفقاء آئبون اهـ ثم هو خبر مبتدأ محذوف أي نحن راجعون وليس المراد الإخبار بمحض الرجوع فإنه تحصيل الحاصل بل الرجوع في حالة مخصوصة وهي تلبسهم بالعبادة المخصوصة والاتصاف بالأوصاف المذكورة أشار إليه العلقمي وفي الحرز الأولى أن يفسر آئبون براجعون عن الغفلة فإن الأواب وصف الأنبياء ومنه قوله تعالى: {إِنَّهُ أَوَّابٌ} ونعت الأولياء ومنه {فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} ويقال للصلاة بين العشاءين صلاة الأوابين. قوله: (تائبون) قال الغزالي في المنهاج نقلًا عن شيخه التوبة ترك اختيار ذنب سبق عنك مثله تعظيمًا الله تعالى قال الأبي وأصلها الرجوع عما هو مذموم إلى محمود وقوله تائبون فيه إشارة إلى التقصير في العبادة وقاله صلى الله عليه وسلم تواضعًا أو تعليمًا لأمته أو المراد أمته وقد تستعمل التربة لإرادة الاستمرار على الطاعة فيكون المراد أن لا يقع منهم ذنب. قوله: (لربنا) متعلق بقوله عابدون وقيل إنه تنازع فيه هو وقوله حامدون ويرد بأن شرط التنازع

ص: 130

لفظ رواية مسلم.

زاد أبو بكر في روايته "وكان النبي صلى الله عليه وسلم وجيوشه إذا علوا الثنايا كبَّروا، وإذا هبطوا سبحوا" وروينا معناه من رواية جماعة من الصحابة أيضًا مرفوعًا.

وروينا في "صحيح مسلم" عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر يتعوَّذ من وعثاءِ السفر، وكآبةِ المنقلب،

ــ

تقدم العامل وقال الكرماني قوله لربنا يحتمل تعلقه بحامدون أو بساجدون أو بهما أو بالصفات الأربع المتقدمة أو بالخمس على سبيل التنازع اهـ وحامدون أي مثنون عليه بصفات الكمال وشاكرون عوارف الإفضال. قوله: (وزاد أبو داود الخ) قال الحافظ هو حديث آخر يأتي بيانه قريبًا في باب تكبير المسافر وما يأتي في الباب المذكور من معناه عن جماعة من الصحابة مرفوعًا.

قوله: (وروينا في صحيحي مسلم الخ) قال الحافظ أورده من طريق يحيى بن يحيى وزهير بن حرب عن أبي معاوية ومن طريق حامد بن عمر عن عبد الواحد بن زياد كلاهما عن عاصم وساقهما مساقًا واحدًا ولم يذكر فإذا رجع الخ ثم قال بعد أن فرغ غير أن في حديث عبد الواحد في المال والأهل وفي رواية ابن خازم يعني ابا معاوية وأبوه خازم بمعجمتين قال: وإذا رجع بدأ بالأهل قال الحافظ وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي معاوية وعبد الرحيم بن سليمان كلاهما عن عاصم وقال في آخره زاد أبو معاوية فإذا رجع قال مثلها ولم يذكر ما بعدها قلت: وأكثر من روى هذا الحديث قدم الأهل على المال ولم يذكروا الرجوع ولا ما فيه ثم خرجه الحافظ كذلك وقال أخرجه مسلم والنسائي وأخرجه أحمد عن يزيد بن هارون قال أخبرنا عاصم بالكوفة فلم أكتبه ثم سمعت شعبة يحدث به فعرفته اهـ كلام الحافظ.

قوله: (عن عبد الله بن سرجس) قال الحافظ هو بسينين مهملتين الأولى مفتوحة بعدها راء ساكنة ثم جيم مكسورة اهـ قال العامري وهو منصرف لأنه عربي رباعي ليس فيه اجتماع علتين وذكر القارئ في شرح الشمائل أنه روي غير منصرف أيضًا وهو مزني نسبًا مخزومي حلفًا بصري دارًا قال البخاري له صحبة وهو من صغار الصحابة أخرج عنه مسلم حديثين وأخرج

ص: 131

والحَوْرِ بعد الكون، ودعوةِ المظلوم، وسوءِ المنظر في الأهل والمال".

وروينا في كتاب الترمذي وكتاب ابن ماجه بالأسانيد الصحيحة عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر يقول: "اللهم أنتَ الصَّاحِبُ في السَّفَرِ، والخَلِيفَةُ في الأهْلِ، اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السفَرِ، وكآبَةِ المُنْقَلَبِ، ومِنْ دَعْوَةِ المَظْلُوم،

ــ

عند الأربعة روى عنه بنوه مطرف ويزيد وهانئ لا يعرف تاريخ موته وفي المستخرج المليح لابن الجوزي أن عدة أحاديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة عشر حديثًا وفي السلاح انفرد بإخراج حديثه مسلم فروى له ثلاثة أحاديث هذا أحدها اهـ وهو مخالف لما في رياض العامري في عدة ما أخرجه عنه مسلم.

قوله: (وروينا في كتاب الترمذي الخ) قال الحافظ أسانيدهم الصحيحة وغيرهم تنتهي إلى عاصم يعني ابن الأحوال عن ابن سرجس وهو الحديث الذي قبله زاد فيه بعض الرواة عن عاصم كما تقدم لأبي معاوية وزاد بعضهم في أوله اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم اصحبنا في سفرنا واخلفنا في أهلنا اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر الخ رواه كذلك الترمذي والنسائي وابن خزيمة قال الحافظ ولم يذكر ابن ماجه الزيادة في أوله وأورد له الحافظ طرقًا أربعة ثلاثة منها على شرط الصحيح وفي بعض طرقه احفظنا بدل اصحبنا وفي بعضها إنا نعوذ بك بصيغة الجمع قال وجاء عن أبي هريرة نحو هذا الحديث بزيادته أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عنه رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم إذا سافر قال: "اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر" فذكر الحديث بدون أصحبنا وأخلفنا والحور والكور ودعوة المظلوم أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي. وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فركب راحلته قال بأصبعه ومد أصبعه اللهم أنت الصاحب في السفر الحديث كالذي عند الترمذي والنسائي وزاد اللهم اصحبنا بنصح واقلبنا بذمة وليس عنده وسوء المنظر الخ أخرجه الترمذي والنسائي جميعًا وقال الترمذي: حسن غريب اهـ. قوله: (ومن الحور) هو بفتح الحاء المهملة وسكون الواو والراء آخره. قوله: (ودعوة المظلوم) أي أعوذ بك من الظلم فإنه يترتب

ص: 132

وَمِنْ سُوءِ المَنْظَرِ في الأهْلِ والمَالِ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قال: ويروى: الحوَر بعد الكور أيضًا: يعني: يروى الكَوْن بالنون، والكَوْر بالراء. قال الترمذي: وكلاهما له وجه،

قال: يقال: هو الرجوع من الإيمان إلى الكفر، أو من الطاعة إلى المعصية، إنما يعني: الرجوع من شيء إلى شيء من الشر، هذا كلام

ــ

عليه دعاء المظلوم ودعوته ليس بينها وبين الله حجاب قال الأبي فالمصدر على هذا مضاف للفاعل وقد يصح أن يكون مضافًا للمفعول كما قال في حديثه أعوذ بك أن أظلم أر أظلم اهـ. لا يقال الظلم ودعوة المظلوم يحترز عنها في الحضر والسفر لأنا نقول الحور بعد الكور وما بعده كذلك لكن مظنة البلايا والمصائب والمشقة فيه أكثر فخصت به أو لأن دعوة المظلوم المسافر الذي لا يلقى الإعانة ولا الإغاثة أقرب إلى الإجابة وفي الحديث التحذير عن الظلم وعن التعرض لأسبابه. قوله: (قال) يعني الترمذي بعد أن رواه بالنون ما لفظه (ويروى) أي الحديث (الكور) أي بالراء أيضًا. قوله: (يروى الكون بالنون) وهو مأخوذ من مصدر كان يكون كونًا إذا وجد واستقر وقال المأزري قال أبو عبيد سأل

عاصم عن معناه قال: ألم نسمع قولهم حار بعد ما كان أي أنه كان على حال جميلة فرجع عنها أشار إليه المصنف في شرح مسلم، وفي الفائق الحور أي الرجوع بعد الكون بالنون أي الحصول على حال حميدة استعاذ من التراجع بعد الإقبال اهـ. قوله:(والكور بالراء) قال في الحرز الكور معناه الزيادة ومنه كور العمامة وقوله تعالى {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ} الآية قال المأزري على رواية الراء معناه أعوذ بك من الرجوع عن الجماعة بعد أن كنا في الكور أي الجماعة يقال كار عمامته إذا لفها وحارها إذا نقضها وقيل نعوذ بك أن تفسد أمورنا بعد إصلاحها كفساد العمامة بعد استقامتها على الرأس اهـ. ونظر فيه التوربشتي بأن استعمال الكور خاص بجماعة الإبل وربما استعمل في جماعة البقر وأجاب عنه في الحرز بأن باب الاستعارة

ص: 133

الترمذي، وكذا قال غيره من العلماء: معناه بالراء والنون جميعًا: الرجوع من الاستقامة، أو الزيادة إلى النقص. قالوا: ورواية الراء مأخوذة من تكوير العمامة وهو لفها وجمعها، ورواية النون مأخوذة من الكَون مصدر كان يكون كونًا: إذا وجد واستقر.

قلت: ورواية النون أكثر، وهي أكثر أصول "صحيح مسلم"، بل هي المشهور فيها.

والوعثاء بفتح الواو وإسكان العين وبالثاء المثلثة وبالمدِّ: هي: الشدة.

ــ

غير مسدود كالعطن مخصوص بالإبل ويكنى به عن ضيق الخلق وفي الفائق وروي بعد الكور بالراء أيضًا فقيل معناه النقصان بعد الزيادة وقيل من الشذوذ بعد الجماعة وقيل من الفساد بعد الصلاح أو من القلة بعد الكثرة أو من الإيمان إلى الكفر أو من الطاعة إلى المعصية أو من الحضور إلى الغفلة وكأنه من كار عمامته إذا لفها على رأسه فاجتمعت وإذا نقضها فانفرقت وأما بالنون فقال أبو عبيدة من قولهم حار بعد ما كان أي أنه كان على حال جميلة فرجع عنها ووهم بعضهم رواية النون والله أعلم اهـ كلام الفائق وظاهره أن الحور إذا كان مع الكون بالنون يفسر بالرجوع وإذا كان مع الكور بالراء يفسر بأحد ما سبق فيه والذي جرى عليه المصنف هنا أن معناه الرجوع في كلامه مع كل منهما. قوله: (معناه) أي الحور. قوله: (بالراء والنون) أي حال كونه مصاحبًا للكون بالراء والنون. قوله: (ورواية النون أكثر) قال المصنف في شرح مسلم هكذا هو في معظم النسخ من صحيح مسلم بعد الكون بالنون بل لا يكاد يوجد في نسخ بلادنا إلا بالنون وكذا ضبطه الحفاظ المتقنون في صحيح مسلم قال القاضي وكذا رواه الفارسي وغيره من رواة مسلم قال: ورواه العذري بعد الكور بالراء قال والمعروف من رواية عاصم الذي روى عنه مسلم بالنون قال القاضي يقال إن عاصمًا وهم فيه وأن صوابه الكور بالراء.

قلت: وليس كما قال قال الحربي: بل كلاهما روايتان وممن ذكر الروايتين جميعًا الترمذي في جامعه وخلائق من المحدثين وذكرهما أبو عبيدة وخلائق من أهل اللغة

ص: 134