المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في مسائل تتفرع على السلام - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ٥

[ابن علان]

فهرس الكتاب

- ‌فصل في الأذكار والدعوات المستحبات بعرفات:

- ‌فصل في الأذكار المستحبة في الإفاضة من عرفة إلى مزدلفة

- ‌فصل في الأذكار المستحبة في المزدلفة والمشعر الحرام:

- ‌فصل في الأذكار المستحبة في الدفع من المشعر الحرام إلى منى

- ‌فصل في الأذكار المستحبة بمنى يوم النحر:

- ‌فصل في الأذكار المستحبة بمنى في أيام التشريق:

- ‌فصل:

- ‌فصل فيما يقوله إذا شرب من ماء زمرم:

- ‌فصل:

- ‌فصل في زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكارها:

- ‌كتاب أذكار الجهاد

- ‌باب استحباب سؤال الشهادة

- ‌باب حث الإمام أمير السرية على تقوى الله تعالى وتعليمه إياهما يحتاج إليه من أمر قتال ومصالحتهم وغير ذلك

- ‌باب بيان أن السنَّة للإمام وأمير السرية إذا أراد غزوة أن يورى بغيرها

- ‌باب الدعاء لمن يقاتل أو يعمل على ما يعين على القتال في وجهه وذكر ما ينشطهم ويحرضهم على القتال

- ‌باب الدعاء والتضرع والتكبير عندالقتال واستنجاز الله تعالى ما وعد من نصر المؤمنين

- ‌باب النهي عن رفع الصوت عند القتال لغير حاجة

- ‌باب قول الرجل في حال القتال: أنا فلان لإرعاب عدوه

- ‌باب استحباب الرجز حال المبارزة

- ‌باب استحباب إظهار الصبر والقوة لمن جرح واستبشاره بما حصل له من الجرح في سبيل الله وبما يصير إليه من الشهادة وإظهار السرور بذلك وأنه لا ضير علينا في ذلك بل هذا مطلوبنا وهو نهاية أملنا وغاية سؤلنا

- ‌باب ما يقول إذا ظهر المسلمون وغلبوا عدوهم

- ‌باب ما يقول إذا رأى هزيمة في المسلمين والعياذ بالله الكريم

- ‌باب ثناء الإمام على من ظهرت منه براعة في القتال

- ‌باب ما يقوله إذا رجع من الغزو

- ‌كتاب أذكار المسافر

- ‌باب الاستخارة والاستشارة

- ‌باب أذكاره بعد استقرار عزمه على السفر

- ‌تنبيه

- ‌فائدة

- ‌باب أذكاره عند إرادته الخروج من بيته

- ‌باب أذكاره إذا خرج

- ‌باب استحباب طلبه الوصية من أهل الخير

- ‌باب استحباب وصية المقيم المسافر بالدعاء له في مواطن الخير ولو كان المقيم أفضل من المسافر

- ‌باب ما يقوله إذا ركب دابته

- ‌باب ما يقول إذا ركب سفينة

- ‌باب استحباب الدعاء في السفر

- ‌باب تكبير المسافر إذا صعد الثنايا وشبهها وتسبيحه إذا هبط الأدوية ونحوها

- ‌باب النهي عن المبالغة في رفع الصوت بالتكبير ونحوه

- ‌باب استحباب الحداء للسرعة في السير وتنشيط النفوس وترويجها وتسهيل السير عليها

- ‌باب ما يقول إذا انفلتت دابته

- ‌باب ما يقوله على الدابة الصعبة

- ‌باب ما يقوله إذا رأى قرية يريد دخولها أو لا يريد

- ‌باب ما يدعو به إذا خاف ناسًا أو غيرهم

- ‌باب ما يقول المسافر إذا تغوَّلت الغيلان

- ‌باب ما يقول إذا نزل منزلًا

- ‌باب ما يقول إذا رجع من سفره

- ‌باب ما يقوله المسافر بعد صلاة الصبح

- ‌باب ما يقول إذا رأى بلدته

- ‌باب ما يقول إذا قدم من سفره فدخل بيته

- ‌باب ما يقال لمن يقدم من سفر

- ‌باب ما يقال لمن يقدم من غزو

- ‌باب ما يقال لمن يقدم من حج وما يقوله

- ‌كتاب أذكار الأكل والشرب

- ‌باب ما يقول إذا قرب إليه طعامه

- ‌باب استحباب قول صاحب الطعام لضيفانه عند تقديم الطعام: كلوا أو في معناه

- ‌باب التسمية عند الأكل والشرب

- ‌فصل:

- ‌باب لا يعيب الطعام والشراب

- ‌باب جواز قوله: لا أشتهي هذا الطعام أو ما اعتدت أكله أو نحو ذلك إذا دعت إليه الحاجة

- ‌باب مدح الأكل الطعام الذي يأكل منه

- ‌باب ما يقوله من حضر الطعام وهو صائم إذا لم يفطر

- ‌باب ما يقوله من دعى لطعام إذا تبعه غيره

- ‌باب وعظه وتأديبه من يسئ في أكله

- ‌باب استحباب الكلام على الطعام

- ‌باب ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع

- ‌باب ما يقول إذا أكل مع صاحب عاهة

- ‌فائدة

- ‌باب استحباب قول صاحب الطعام لضيفه ومن في معناه إذا رفع يده من الطعام "كل" وتكريره ذلك عليه ما لم يتحقق أنه اكتفى منه وكذلك يفعل في الشراب والطيب ونحو ذلك

- ‌باب ما يقول إذا فرغ من الطعام

- ‌تنبيه

- ‌باب دعاء المدعو والضيف لأهل الطعام إذا فرغ من أكله

- ‌باب دعاء الإنسان لمن سقاه ماء أو لبنًا ونحوهما

- ‌باب دعاء الإنسان وتحريضه لمن يضيف ضيفًا

- ‌باب الثناء على من أكرم ضيفه

- ‌باب استحباب ترحيب الإنسان بضيفه وحمده الله تعالى على حصوله ضيفًا عنده وسروره بذلك وثنائه عليه لكونه جعله أهلا لذلك

- ‌باب ما يقوله بعد انصرافه عن الطعام

- ‌كتاب السلام والاستئذان وتشميت العاطس وما يتعلق بها

- ‌باب فضل السلام والأمر بإفشائه

- ‌باب كيفية السلام

- ‌فصل:

- ‌فصل:

- ‌فصل:

- ‌باب ما جاء في كراهة الإشارة بالسلام باليد ونحوها بلا لفظ

- ‌باب حكم السلام

- ‌باب الأحوال التي يستحب فيها السلام والتي يكره فيها، والتي يباح

- ‌باب من يسلَّم عليه ومن لا يسلَّم عليه ومن يُرد عليه ومن لا يُرد عليه

- ‌فصل: وأما الصِّبيان فالسُّنَّة أن يسلم عليهم

- ‌باب في آداب ومسائل من السلام

- ‌باب الاستئذان

- ‌باب في مسائل تتفرَّع على السلام

- ‌فصل في المصافحة:

- ‌فصل: في استحباب طلب الإنسان من صاحبه الصالح أن يزوره، وأن يكثر من زيارته

الفصل: ‌باب في مسائل تتفرع على السلام

فقال: مَنْ هَذا؟ قلت: أبو قتادة". قلت: ونظائره هذا كثيرة، وسببه الحاجة وعدم إرادة الافتخار.

ويقرب من هذا ما رويناه في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه -واسمه عبد الرحمن بن صخر على الأصح- قال: "قلتُ: يا رسول الله ادع الله أن يهديَ أمَّ أبي هريرة

" وذكر الحديث

إلى أن قال: "فرجعت فقلت: يا رسول الله قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة".

‌باب في مسائل تتفرَّع على السلام

مسألة: قال أبو سعيد المتولي: التحية عند الخروج من الحمَّام، بأن يقال له: طاب حمَّامك، لا أصل لها ولكن روي أن علياً رضي الله عنه قال لرجل خرج من الحمَّام: طَهَرْتَ فلا نَجِسْتَ.

قلت: هذا المحل لم يصحّ فيه شيء، ولو قال إنسان لصاحبه على سبيل المودَّة والمؤالفة واستجلاب الود: أدام الله لك النعيم، ونحو ذلك من الدعاء فلا بأس به.

ــ

صلى الله عليه وسلم في الليلة الثالثة وهو على الراحلة رفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه وقال: "من هذا" قلت: أبو قتادة قال: "متى كان هذا مسيرك مني" قلت: ما زال هذا مسيري منذ الليلة قال: "حفظك الله بما حفظت به نبيه صلى الله عليه وسلم" وسيأتي ذكر الحديث بأبسط

من هذا في باب دعاء الإنسان لمن صنع إليه معروفاً ونتكلم ثمة على جمل من فوائد الحديث إن شاء الله تعالى. قوله: (ادع الله أن يهدي أم أبي هريرة) قال في السلاح: اسمها أمية بنت صفيح بضم الصاد المهملة وفتح الفاء وسكون التحتية آخره حاء مهملة هذا هو الصحيح المشهور وقيل اسمها ميمونة اهـ وإنما قال الشيخ ويقرب الخ أن هذا اللفظ أي أم أبي هريرة لم يكن كنية لها فإنما أتى به أبو هريرة تقريباً للمراد ولعله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف اسم أمه فأتى بذلك لذلك.

باب في معرفة مسائل تتفرع على السلام

قوله: (طهرت فلا نجست) أي حصلت لك الطهارة الحسية فلا وقع بك النجاسة الحسية

ص: 377

مسألة: إذا ابتدأ المارُّ الممرور عليه، فقال: صبَّحك الله بالخير، أو بالسعادة، أو قوَّاك الله، أو لا أوحش الله منك، أو غير ذلك من الألفاظ التي يستعملها النّاس في العادة، لم يستحق جواباً، لكن لو دعا له قُبَالة ذلك كان حسناً، إلا أن يترك جوابه بالكلية زجراً له في تخلُّفه وإهماله السلام وتأديباً له ولغيره في الاعتناء بالابتداء بالسلام.

فصل: إذا أراد تقبيل يد غيره، إن كان ذلك لزهده وصلاحه أو علمه أو شرفه وصيانته أو نحو ذلك من الأمور الدّينية، لم يكره، بل يستحبُّ،

ــ

ولا المعنوية وطهر بفتح الهاء ونجس بضم الجيم وفي التجريد لابن المزجد قال المتولي والروياني روي أن علياً رضي الله عنه قال لرجل: خرج من الحمام طهرت فلا نجست وعند علي يهودي فقال للرجل هلا أجبت أمير المؤمنين فقلت: سعدت ولا شقيت فقال علي رضي الله عنه: الحكمة ضالة المؤمن خذوها ولو من أفواه المشركين اهـ، وفي وصول الأماني للسيوطي في الفردوس من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر وقد خرجا من الحمام طاب حمامكما لكن بيض له ولده في مسنده فلم يذكر له إسناداً اهـ وسيأتي في هذا مزيد. قوله:(فقال: صبحك الله بالخير الخ) هذه الألفاظ كلها لا أصل لها في التحية ولم يثبت فيها شيء. قوله: (إلا أن يترك الخ) أي فيكون ترك الدعاء له حسناً لما فيه من البعث على الاعتناء بالسنة والاهتمام بشأنها ومحله ما لم يترتب على الترك مفسدة.

فصل

قوله: (بل يستحب) أي لأتباع السلف والخلف في ذلك فقد ورد أن أبا

ص: 378

وإن كان لغناه ودنياه وثروته وشوكته ووجاهته عند أهل الدنيا ونحو ذلك، فهو مكروه شديد الكراهة. وقال المتولي من أصحابنا: لا يجوز فأشار إلى أنه حرام.

روينا في سنن أبي داود عن زَارع رضي الله عنه، وكان في وفد عبد القيس قال: "فجعلنا

ــ

عبيدة قبل يد عمر رضي الله عنهما ومثل تقبيل اليد في الحكم تقبيل غيرها من الرأس أو القدم أو نحو ذلك. قوله: (وإن كان لغناه الخ) ففي الحديث من تواضع لغني لغناه ذهب ثلثا دينه والثروة بفتح المثلثة وسكون الراء المهملة كثرة المال وفي التتمة للمتولي.

فرع

الدخول على الأغنياء والسلاطين لا يستحب لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تدخلوا على هؤلاء

الموتى فتمرض قلوبكم" قيل: ومن هم؟ قال: الأغنياء اهـ. قوله: (فأشار إلى أنه حرام) قال في الروضة وظاهره التحريم اهـ. وقيل: يحرم ما كان على وجه التملق والتعظيم أما المأذون فيه فعند التوديع والقدوم من السفر وطول العهد بالصاحب وشدة الحب في الله تعالى مع أمن النفس اهـ.

والراجح ما ذكره المصنف أولاً من استحباب تقبيل يد العالم على وجه الإكرام والسلام.

قوله: (روينا في سنن أبي داود الخ) رواه عن محمد بن عيسى حدثنا مطر بن عبد الرحمن الأعنق قال: حدثتني أم أبان ابنة الوازع بن زارع عن جدها زارع وكان في وفد عبد القيس قال فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجله وانتظر المنذر بن الأشج حتى أتى عيبة فلبس ثوبيه ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: "إن فيك خلتين يحبهما الله تعالى: الحلم والأناة" فقال: يا رسول الله أنا أتخلق بهما أم جبلني الله عليهما قال: "بل جبلك الله عليهما" فقال: الحمد الله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله قال الحافظ السيوطي في حاشيته على السنن المذكورة في مسند أحمد من طريق أبي معبد مولى بني هشام عن مطر قال: سمعت هنداً بنت الوازع تقول: سمعت الوازع يقول: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم والأشج فذكر الحديث فجعله من مسند أبيها الوازع قال ابن الجوزي في جامع المسانيد هكذا ذكره أحمد في مسنده وما رأيت أحداً غيره ذكره في الصحابة قال الحافظ أبو الفضل العراقي فيما كتبه بخطه على حاشيته ذكر أبو موسى الأصبهاني في تذييله على الصحابة لابن منده وازع بن الزارع وقال ابن ماكولا في الإكمال وازع بن زارع وقيل له: صحبة ورواية

ص: 379

نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم وَرِجْلَه".

قلت: زَارع بزاي في أوَّله وراء بعد الألف على لفظ زارع الحنطة وغيرها.

ــ

عن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه ابنه وازع وذكر ابن عساكر في جزء له رتب فيه صحابة المسند على حروف المعجم أن الذي وقع فيه في المسند وهم وصوابه زارع بالزاي وكذا ذكره البزار في مسنده وابن حبان في الثقات وابن قانع في جامع الصحابة وابن عبد البر في الاستيعاب وقالوا: زارع بن عامر العبدي اهـ. وفي رجال المشكاة زارع بن عامر بن

عبد القيس وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وفي عبد القيس عداده في البصريين وحديثه فيهم اهـ. قوله: (نتبادر) أي يبدر بعضنا بعضاً في النزول والإسراع إلى حضرته صلى الله عليه وسلم. قوله: (ورجله) قال العلوى في سنن أبي داود وفي رواية ورجليه وسقط ذلك من بعض نسخ الأذكار اهـ. ففي تقريره صلى الله عليه وسلم على ذلك دليل على جواز فعله مع وارثيه من العلماء الأخيار والصالحين الأبرار وكره مالك تقبيل يد نحو العالم أخذاً من حديث أبي هريرة لما اشترى صلى الله عليه وسلم السراويل وقال للوازن زن وأرجح إلى أن قال فأراد ذلك الرجل أن يقبل يده صلى الله عليه وسلم فجبذ يده وقال: لا تعظموني كما تعظم الأعاجم ملوكها قال بعض شراح رسالة ابن أبي زيد نعم لا بأس أن يمكن المسلم نحو اليهودي من تقبيل يده لشرفه عليهم بالإسلام فقد جاء أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسأله مختبرين له عن تسع آيات بينات فلما أخبرهم بها قبلوا يديه ورجليه الحديث الطويل اهـ.

قوله: (قلت زارع الخ) قال الإِمام ابن الأثير في أسد الغابة زارع بن عامر العبدي من عبد القيس كنيته أبو الوازع وقيل زارع بن زارع والأول أصح وله ابن يسمى الوازع كان يكنى به روى أبو داود الطيالسي عن مطر بن الأعنق عن أم أبان بنت الوازع أن جدها وفد على النبي صلى الله عليه وسلم مع الأشج العصري ومعه ابن له مجنون أو ابن أخت له فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله إن معي ابناً لي أو ابن أخت لي مجنوناً أتيتك به لتدعو الله له فقال: ائتني به فأتاه به فدعا له فبرأ فلم يكن في الوفد من يفضل عليه وروت عنه أيضاً حديثاً طويلاً أحسنت سياقه اهـ، وفي الإصابة للحافظ ابن حجر الزارع بن عامر ويقال ابن عمر وأبو الزارع روت له ابنة ابنه أم أبان وذكر أبو الفتح الأزدي أنها انفردت بالرواية عنه اهـ، ثم زارع هذا يزاد على من ذكره المصنف فيمن عرف اسمه من وفد عبد القيس وعبارته في شرح مسلم وفد وفد عبد القيس على رسول الله

ص: 380

وروينا في سنن أبي داود أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما قصة قال فيها: "فدنونا: يعني من النبي صلى الله عليه وسلم فقبَّلنا يده".

وأما تقبيل الرَّجُل خَد ولده الصغير، وأخيه، وقُبلةُ غير خَده من أطرافه ونحوها على وجه الشفقة والرحمة واللطف ومحبة القرابة، فسُنَّة. والأحاديث فيه كثيرة صحيحة مشهورة، وسواء

ــ

صلى الله عليه وسلم وكانوا أربعة عشر راكباً الأشج العصري رئيسهم ومزينة بن مالك المحاربي وعبيدة بن همام المحاربي وضحار أي بمعجمة مضمومة فمهملة وبعد الألف راء مهملة ابن العباس المري وعمر بن مرحوم العصري والحارث بن شعيب العصري والحارث بن جندب من بني عابس ولم يعثر بعد طول التتبع على أكثر من أسماء هؤلاء زاد الحافظ ابن حجر وعقبة بن جروة وقيس بن النعمان والجهم بن فثم والرسيم وجويرية والزارع فهؤلاء أربعة عشر قال السيوطي في التوشيح وقد روى الدولابي عن أبي خبرة الصباحي قال: كنت في الوفد الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من عبد القيس وكنا أربعين رجلاً قال ابن حجر فلعل الأربعة عشر رؤوس الوفد وممن سمى منهم غير من سبق مطر أخو الزارع وابن أخيه ولم يسم ومشمرج وجابر بن الحارث وحرية بن عمرو وهمام بن ربيعة وجارية بالجيم وجابر ونوح بن مخلد فهؤلاء بضع وعشرون.

قوله: (وروينا في سنن أبي داود عن ابن عمر قصة الخ) رواه ابن ماجه أيضاً لكن ليس فيه عنده وذكر قصة الخ وفي الترمذي بعد ذكر حديث صفوان الآتي وفي الباب عن يزيد بن الأسود وابن عمر

وكعب بن مالك اهـ. فلعل القصة التي أشار إليها أبو داود هو ما سيأتي في حديث صفوان من سؤال اليهود الخ وظاهر عبارة المصنف بوهم أن أبا داود ذكر في سننه قصة فيها أن ابن عمر قبل يده صلى الله عليه وسلم وأن المصنف رواها عنه، والذي في أبي داود في كتاب الأدب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن ابن عمر حدثه وذكر قصة قال: فدنونا يعني من النبي صلى الله عليه وسلم فقبلنا يده اهـ، فأشار أبو داود إلى القصة وذكر منها ما يناسب الترجمة وهو تقبيل اليد. قوله:(أما تقبيل الرجل خد ولده الصغير وأخيه) أي الصغير وجواب أما قوله الآتي (فسنة) وقد صحف هذه العبارة بعض الكتاب فقال: تقبيل الرجل خد ولده الصغير واجب وكذا غيره من أطرافه الخ سنة ونقله هكذا في المرقاة ثم

ص: 381

الولد الذكر والأنثى، وكذلك قُبْلَتُه ولد صديقه وغيره من صغار الأطفال على هذا الوجه. وأما التقبيل بالشهوة، فحرام بالاتفاق، وسواء في ذلك الولد وغيره، بل النظر إليه بالشهوة حرام بالاتفاق على القريب والأجنبي.

وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قَبَّلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الحسنَ بن علي رضي الله عنهما وعنده الأقرع بن حابس التميمي، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحداً، فنظر

ــ

قال: وكون تقبيل الرجل خد ولده الصغير واجباً يحتاج إلى حديث صريح أو قياس صحيح اهـ، وقد علمت أن اعتراضه مبني على ذلك التصحيف والله أعلم وكانت القصة ما وقع من سؤال اليهود له صلى الله عليه وسلم وتقبيلهم يديه ورجليه الآتي في الأصل والله أعلم.

قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) وكذا رواه الترمذي من حديث أبي هريرة قال: أبصر الأقرع بن حابس النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقبل الحسن بن علي وقال ابن أبي عمر الحسن والحسين فقال الأقرع الخ، قال الترمذي وفي الباب عن أنس وعائشة وهذا حديث حسن صحيح قلت: وحديث عائشة وأنس هما عند الشيخين وذكرهما الشيخ في الأثر قال الطاهر الأهدل وعند أبي داود وقبل النبي صلى الله عليه وسلم حسيناً. قوله: (قبل الحسن الخ) فيه رحمته صلى الله عليه وسلم العيال والأطفال وتقبيلهم. قوله: (وعنده الأقرع ابن حابس التميمي) الجملة في محل الحال والأقرع بن حابس اسمه فراس ولقب الأقرع لقرع كان به والقرع ذهاب الشعر من الرأس قدم على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مع أشراف تميم بعد فتح مكة وأسلم بعد أن فاخر بنو تميم النبي صلى الله عليه وسلم نثراً وشعراً فأمر النبي صلى الله عليه وسلم ثابت بن شماس الأنصاري ففاخرهم نثراً وحسان فأجابهم شعراً فأسلم عند ذلك الأقرع بن حابس كما في أسد الغابة وكان قد شهد مع النبي قوله فتح مكة وحنيناً وحضر الطائف وشهد الأقرع مع خالد بن الوليد حرب أهل العراق وشهد معه فتح الأنبار وكان على مقدمة خالد وكان الأقرع شريفاً في الجاهلية والإسلام واستعمله عبد الله بن عامر على جيش سيره على خراسان فأصيب بالخورجان هو والجيش. قوله: (فنظر) أي نظر تعجب أو نظر

ص: 382

إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ".

وروينا في "صحيحيهما" عن عائشة رضي الله عنها قالت "قَدِمَ ناسٌ من الأعراب على

ــ

غضب (من لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ) قال الكرماني بالرفع والجزم في اللفظين وقال القاضي عياض:

أكثرهم ضبطوه بالرفع على الخبر وقال أبو البقاء: الجيد أن يكون من بمعنى الذي فيرتفع الفعلان وإن جعلت شرطاً لجزمهما جاز وقال السهيلي محمله على الخبر أشبه بسياق السلام لأنه مردود على قول الرجل إن لي عشرة من الولد أي الذي يفعل هذا الفعل لا يرحم ولو جعلت شرطاً لانقطع مما قبله بعض الانقطاع لأن الشرط وجوابه كلام مستأنف ولأن الشرط إذا كان بعده فعل منفي فأكثر ما ورد منفياً بلم لا بلا كقوله ومن لم يتب قال الطيبي: لعل وضع الرحمة في الأول للمشاكلة فإن المعنى من لم يشفق على الأولاد لا يرحمه الله وأتى بالعام ليدخل الشفقة أولياً اهـ. وسيأتي فيه مزيد بيان، وفي الجامع الصغير حديث من لا يَرحم لا يُرحم أخرجه الشيخان والترمذي عن أبي هريرة وابن ماجه عن جرير وفي رواية لأحمد والشيخين والترمذي عن جرير ولأحمد والترمذي أيضاً عن أبي سعيد بلفظ: من لا يرحم النّاس لا يرحمه الله تعالى ورواه الطبراني عن جرير ولفظه: من لا يرحم من في الأرض لا يرحمه من في السماء وفي رواية عن جرير من لا يَرحم لا يُرحم ومن لا يَغفر لا يُغفر له وزاد الطبراني ومن لا يتب لا يتب عليه اهـ، وقيل: هذه الرواية مؤيدة القول بأن من شرطية جازمة اهـ، وقال المصنف في شرح مسلم قوله: من لا يرحم الخ قال العلماء: هذا عام يتناول رحمة الأطفال وغيرهم قلت: قال القاضي عياض كما قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: من لا يرحم النّاس لا يرحمه الله وكما قال: إنما يرحم الله من عباده الرحماء قال: ومن الرحمة واجب وهو كف الأذى عن المسلمين وإغاثة الملهوف وفك العاني وسد خلة الفقراء والضعفاء وهذا كله إن لم يؤد حق الله فيه عاقبه الله ومنعه رحمته إن أنفذ عليه وعده ووعيده وان شاء سمح له وعفا عنه بفضله ورحمته وسعتها اهـ.

قوله: (قدم ناس من الأعراب) يحتمل أن يكونوا أشراف بني تميم الذين منهم

ص: 383

رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: تُقَبِّلُونَ صبيانكم؟ فقالوا: نعم، قالوا: لكنَّا والله ما نقبِّل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أوَأمْلكُ أنْ كانَ الله تَعالى نزَعَ مِنْكُمُ الرَّحْمَةَ؟ "

ــ

الأقرع بن حابس وأن القصة واحدة رواها كل من أبي هريرة وعائشة ويحتمل تعددها ثم رأيته في البخاري من حديث عائشة بلفظ جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تقبلون الصبيان إلى آخر الحديث أي أتقبلون كما في نسخة من البخاري وهو يؤيد الاحتمال الأول ثم رأيت الشيخ زكريا نقل عن شيخه الحافظ أن الأعرابي هذا يحتمل كونه الأقرع بن حابس والله أعلم. قلت وحكى المصنف في مبهماته عن الخطيب قولاً بأنه عيينة بن حصن قال وقد جاء التصريح في الصحيحين بأنه الأقرع فإن صح عن عيينة أيضاً حمل على أنه كان واقعاً منهما جميعاً اهـ. قوله: (أو أملك إن كان الله نزع منكم الرحمة) قال القاضي عياض: تفسيره ما جاء في رواية البخاري أو أملك لك إن نزع الله من قلبك الرحمة معناه أو أملك منك ذلك حتى أصرفه عنك فاللام هنا بمعنى من وقد تكون الهمزة هنا بمعنى لا على حد قول بعضهم في قوله تعالى: {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} إن معناه لا تفعل ذلك اهـ. وقال الشيخ زكريا في تحفة القاري على صحيح البخاري أو أملك بفتح الواو والهمزة الأولى للاستفهام الإنكاري والواو للعطف على مقدر بعد الهمزة أن نزع الله من قلبك بفتح الهمزة مفعول أملك أي لا أقدر أن أجعل الرحمة في قلبك بعد أن نزعها الله منه ويجوز أن يكون تعليلاً للنفي المستفاد من الاستفهام الإنكاري

ومفعول أملك محذوف أي لا أملك وضع الرحمة في قلبك لأن الله نزعها منك، وضبطها العاقولي بفتح الهمزة وخرجه على نحو ما ذكر وكسرها وخرجه على أنها أداة شرط جزاؤها محذوف أي إن نزع الله الرحمة من قلبك لا أملك لك رفعه ومنعه اهـ، وجعله في المصابيح بفتح الهمزة من أن وعلى حذف مضاف فقال أي أو أملك دفع نزع الله الرحمة من قلبك يعني تقبيل الأطفال شفقة ورحمة فإذا لم تكن في قلبك هذه الشفقة والرحمة فقد نزعا من قلبك ولا أقدر على أن أضع فيه

ص: 384

هذا لفظ إحدى الروايات، وهو مروي بألفاظ.

وروينا في "صحيح البخاري" وغيره عن أنس رضي الله عنه قال: "أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم فقَبَّله وشمه".

وروينا في سنن أبي داود عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: دخلت مع أبي بكر رضي الله عنه أوَّل ما قدم المدينة، فإذا عائشة ابنته رضي الله عنها مضطجعة قد أصابتها حمى، فأتاها أبو بكر فقال: كيف أنتِ يا بنيَّة؟ وقبَّل خدَّها.

وروينا في كتب الترمذي والنسائي وابن ماجه بالأسانيد الصحيحة

ــ

شيئاً نزعه الله منه اهـ. قوله: (هذا لفظ إحدى الروايات) وعند مسلم أيضاً عن ابن نمير إن نزع الله من قلبك الرحمة.

قوله: (وروينا قد صحيح البخاري وغيره) أما تقبيله صلى الله عليه وسلم لابنه إبراهيم فهو عند مسلم أيضاً وفيه أنه ضمه إليه صلى الله عليه وسلم بالضاد المعجمة إلى تخريج الصحيحين ولعله كذلك في بعض نسخ مسلم قال ابن حجر قد شرح المشكاة في الخبر ندب تقبيل الصغير وشمه لإنبائه عن الرحمة والشفقة.

قوله: (وروينا في سنن أبي داود عن البراء الخ) هذا الحديث أخرجه الحافظ البخاري في صحيحه قد آخر باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم عن البراء في قصة شراء الصديق الرحل من عازب أبي البراء ثم سؤاله عن حديث الهجرة وفي آخره قال البراء فدخلت مع أبي بكر على أهله فإذا بنته عائشة مضطجعة قد أصابتها حمى فرأيت أباها يقبل خدها وقال: كيف أنت يا بنية وكأن وجه الاقتصار على العزو لتخريج أبي داود أنه بين أن ذلك وقع أول مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ورواية الصحيح ساكتة عن ذلك وإلا فلا يظهر وجه ترك العزو للصحيح والاقتصار على العزو للسنن والله أعلم.

قوله: (وروينا في كتب الترمذي والنسائي وابن ماجه الخ) مدار الحديث عند الترمذي والنسائي وابن ماجه على شعبة فإنه رواه الترمذي والنسائي عن عبد الله بن إدريس وأبي أسامة عن شعبة ورواه ابن ماجه عنهما وغندر

ص: 385

عن صفوان بن عسال الصحابي رضي الله عنه -وعسَّال بفتح العين وتشديد السين المهملتين- قال: قال يهودي

لصاحبه: "اذهب بنا إلى هذا النبي، فأتيا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن تسع آيات بيِّنات

فذكر الحديث

إلى قوله: فقبَّلوا يَدَه ورِجْلَه، وقالا: نشهد أنك نبي".

ــ

عن شعبة وحينئذٍ ففي قول الشيخ بالأسانيد نظر إذ ليس له عند من ذكر إلا إسناد واحد هو شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن صفوان، قال الترمذي بعد تخريج الحديث وهذا حديث حسن صحيح قال وفي الباب عن يزيد بن الأسود وابن عمر وكعب بن مالك، وفي تخريج أحاديث الكشاف للحافظ ابن حجر ورواه الحاكم وأحمد وإسحاق وأبو يعلى والطبراني كلهم من رواية عبد الله بن سلمة عن صفوان قال الحافظ وعبد الله بن سلمة كبر فساء حفظه. قوله:(عن صفوان بن عسال بفتح العين) أي المهملة وصفوان بفتح أوله المهمل وسكون الفاء آخره نون

وهو ابن عسال من بني الربض بن هوازن بن عامر بن عوثيان بن مراد سكن الكوفة: وغزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة روى عنه عبد الله بن مسعود وزر بن حبيش وعبد الله بن سلمة في آخرين وقال أبو نعيم وهو من بني زاهر بن مراد وقال الكلبي كما ذكرناه إنه من بني زاهر بن عامر وأخرج ابن الأثير عن زر عن عبد الله بن مسعود قال: حدثني صفوان بن عسال المرادي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متكيء في المسجد على برد له أحمر فقلت: يا رسول الله إني جئت أطلب العلم فقال: "مرحبا بطالب العلم إن طالب العلم لتحفة الملائكة بأجنحتها" أخرجه الثلاثة يعني أبا نعيم وابن منده وابن عبد البر. قوله: (قال يهودي الخ) هذا لفظ الترمذي وفاعل قال الأول ضمير يعود إلى عسال. قوله: (فذكر الحديث) فقال: "ألا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ولا تقذفوا محصنة ولا تفروا من الزحف عليكم خاصة اليهود ألا تعدوا في السبت قال الحافظ في تخريج أحاديث الكشاف كان المسؤول عنه العشر كلمات لأنه عدها عشرة لا التسع آيات لأن العشر وصايا كهذه والتسع حجج على فرعون وقومه اهـ، قال البيضاوي: فعلى هذا فالمراد بالآيات الأحكام العامة للملل الثابتة في

ص: 386

وروينا في سنن أبي داود بالإسناد الصحيح المليح عن إياس بن دَغْفَل قال: رأيت أبا نضرة قَبَّلَ خدَّ الحسن بن علي رضي الله عنهما.

قلت: أبو نضرة بالنون والضاد المعجمة: اسمه المنذر بن مالك بن قطعة، تابعي ثقة.

ودغفل، بدال مهملة مفتوحة ثم غين معجمة ساكنة ثم فاء مفتوحة ثم لام.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقبل ابنه سالماً ويقول: اعجبوا من شيخ يُقَبِّل شيخاً.

وعن سهل بن عبد الله التستري السيد الجليل أحد أفراد زُهَّاد الأمَّة وعُبَّادها رضي الله عنه أنه كان يأتي أبا داود السجستاني يقول: أخرجْ لي لسانك الذي تحدِّث به حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأقَبِّله، فيقبِّلُه.

وأفعال السلف في هذا الباب أكثر من أن تحصر، والله أعلم.

ــ

كل الشرائع سميت بذلك لأنها تدل على حال من يتعاطى متعلقها في الآخرة من سعادة وشقاوة وقوله: وعليكم الخ حكم زائد مستأنف على الجواب ولذا غير فيه سياق الكلام اهـ، فأشار إلى وجه آخر هو أنسب بظاهر سياق الآية آخر سورة الإسراء.

قوله: (وروينا في سنن أبي داود بالإسناد الصحيح المليح) هكذا وقع وصف هذا الإسناد بالمليح ولعله أراد بملاحته علوه إذ هو من رباعيات أبي داود قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا المعتمر عن إياس بن دغفل قال: رأيت أبا نضرة قبل خد الحسن ويحتمل أنه أراد به جودته وتوثيق رجاله وإياس بكسر الهمزة ثم تحتية آخره سين مهملة ودغفل بدال مهملة مفتوحة ثم غين معجمة ساكنة ثم فاء مفتوحة ثم لام. قوله: (ابن قطعة) قال الحافظ في التقريب بضم القاف وفتح المهملة اهـ. ونقل الأهدل عن الخلاصة أنه بكسر القاف وإسكان الطاء المهملة وأبو نضرة هو العبدي العوقي بفتح العين المهملة والواو وبالقاف البصري مشهور بكنيته مات سنة ثمان أو تسع ومائة.

قوله: (وعن ابن عمر الخ) سكت المصنف هنا عن بيان من خرجه وفي التهذيب له أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه.

ص: 387

فصل: ولا بأس بتقبيل وجه الميت الصالح للتبرك، ولا بتقبيل الرجلُ وجه صاحبه إذا قَدِم من سفره ونحوه.

روينا في "صحيح البخاري" عن عائشة رضي الله عنها في الحديث الطويل في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: "دخل أبو بكر رضي الله عنه فكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أكبَّ عليه فقَبَّله، ثم بكى".

وروينا في كتاب الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول

ــ

فصل

قوله: (ولا بأس بتقبيل وجه الميت الخ) أي سواء كان قريباً أم لا قال ابن حجر في فتح الإله: حكم المسألة إن كان الميت صالحاً سن لكل أحد تقبيل وجهه التماساً لبركته واتباعاً لفعله صلى الله عليه وسلم في عثمان بن مظعون كما سيأتي وإن كان غير صالح جاز ذلك بلا كراهة لنحو أهله وأصدقائه لأنه ربما كان مخففاً لما وجده من ألم فقده ومع الكراهة لغير أهل الميت إذ قد لا يرضى به لو كان حياً من غير قريبه وصديقه ومحل ذلك كله ما لم يحمل التقبيل فاعله على جزع أو سخط كما هو الغالب من أحوال النساء وإلا حرم أو كره اهـ. قوله: (ولا بتقبيل الرجل وجه صاحبه) أي ما لم يكن أمرد جميلاً كما قيد به آخراً. قوله: (وروينا في صحيح البخاري الخ) قلت وكذا رواه الترمذي وابن ماجه والنسائي ووجه الاستدلال بهذا الخبر مع أنه فعل صحابي أنه شاع وانتشر وسكت عليه ولم ينكر فأخذ منه ذلك كيف والذي فعل ذلك أفضل النّاس بعد النبيين صلى الله عليهم أجمعين وقد ورد ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم ففي صحيح البخاري أنه لما توفي عثمان بن مظعون جاء صلى الله عليه وسلم وكشف عن وجهه وقبله وبكى الحديث. قوله: (فكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي كشوف الثوب الذي غشته به عائشة عند وفاته صلى الله عليه وسلم. قوله: (ثم أكب عليه) هذا أحد الفعلين اللذين خرجا عن القياس ثانيهما أعرض فإن قياس القاصر إذا دخلت عليه الهمزة أن يصير متعدياً نحو كرم زيد وأكرمته وهذان الفعلان أي أكب وأعرض متعديان عند عدم الهمزة نحو كبه أي ألقاه على وجهه وعرضه أكب أظهره وإذا دخلت عليهما الهمزة صارا لازمين قال الزوزني ولا ثالث لهما. قوله: (ثم بكى) استشكل ما جاء من بكائه صلى الله عليه وسلم عند

ص: 388

الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فأتاه فقرع الباب، فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم يجرُّ ثوبَه، فاعتنقه وقبَّله" قال الترمذي: حديث حسن.

وأما المعانقة وتقبيل الوجه لغير الطفل ولغير القادم من سفر ونحوه، فمكروهان، نصَّ على كراهتهما أبو محمد البغوي وغيره من أصحابنا.

ويدلُّ على الكراهة ما رويناه في كتابي الترمذي وابن ماجه عن أنس رضي الله عنه قال: "قال رجل: يا رسول الله! الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: لا، قال: أفيلتزمه ويقَبِّله؟ قال: لا، قال: فيأخذه ييده ويصافحه؟ قال: نَعَمْ" قال الترمذي: حديث

ــ

كشف وجه عثمان بن مظعون وتقبيله بقوله: فإذا وجبت فلا تبكين باكية وأجيب بأنه لبيان الجواز على أنه

يحتمل أن يكون اضطرارياً والنهي إنما يكون عن الاختياري وبهذا الاحتمال الأخير يجاب عن بكاء الصديق الكبير رضي الله عنه. قوله: (فقرع الباب) يؤخذ منه جواز الاستئذان بنحو قرع الباب من غير سلام وقد ورد مثل ذلك من فعل جابر كما سبق في باب الاستئذان ويحتمل أن يكون قرن بالقرع الاستئذان وهذا القرع كان بلطف كالقرع بالأظافير على ما هو الأدب. قوله: (يجر ثوبه) أي بردائه فكان صلى الله عليه وسلم مستور العورة عرياناً من غير ساتر العورة لعجلته استبشاراً يزيد. قوله: (فاعتنقه وقبله) وحذف المصنف من الحديث قول عائشة والله ما رأيته عرياناً قبله ولا بعده أي ما رأيته استقبل رجلاً عرياناً فاختصرت الكلام لدلالة الحال كما قاله القاضي عياض وقيل يحتمل أن يكون مرادها لم تره عرياناً مثل ذلك العري واختار الطيبي ما قاله القاضي وقال: هو الوجه لما شم من سياق كلامها من رائحة الفرح والاستبشار بقدومه واستعجاله للقائه بحيث لم يتمكن من تمام التردي بالرداء حتى جره وكثيراً ما يقع مثل هذا اهـ. قوله: (أينحني له) من الانحناء وهو إمالة الرأس أو الظهر تواضعاً وخدمة (قال: لا) أي فإنه في معنى الركوع والسجود من عبادة الله سبحانه وقوله (أفيلزمه) أي يعتنقه (ويقبله قال: لا) يستدل به من كرههما وخرج نحو السفر لما ورد فيه من حديث زيد وما في معناه وقوله (ويصافحه) معطوف على ما قبله عطف تفسير أو الثاني أخص وأتم. قوله: (قال الترمذي الخ) حديث

ص: 389

حسن.

قلت: وهذا الذي ذكرناه في التقبيل والمعانقة، وأنه لا بأس به عند القدوم من سفر ونحوه، ومكروه كراهة تنزيه في غيره، هو في غير الأمرد الحسن الوجه، فأما الأمرد الحسن، فيحرم بكل حال تقبيله، سواء قدم من سفر أم لا. والظاهر أن معانقته كتقبيله، أو قريبة من

تقبيله، ولا فرق في هذا بين أن يكون المقبِّل والمقبَّل رجلين صالحين أو فاسقين، أو أحدهما صالحاً، فالجميع سواء. والمذهب الصحيح عندنا تحريم النظر إلى الأمرد الحسن، ولو كان بغير شهوة، وقد أمن الفتنة، فهو حرام كالمرأة لكونه في معناها.

ــ

حسن غريب لا يعرفه من حديث الزهري إلا من هذا الوجه اهـ. قوله: (فأما الأمرد الحسن فيحرم تقبيله) إذا كان أجنبياً كما هو موضوع المسألة كما أشار إليه بقوله أول الفصل ولا بأس بتقبيل الرجل وجه صاحبه الخ، أما تقبيل القريب فقد تقدم في الفصل قبله وحينئذٍ فإذا كان القادم أمرد فلا بأس بتقبيله ومعانقته من غير شهوة إذا كان من قريبه من والده وممن في معناه ممن يأتي ثم الأمرد من لم يأت زمان نبات لحيته غالباً فإن جاء ولم تنبت فيقال فيه ثط بالمثلثة فالمهملة قيل ويظهر ابتداء

ضبط الأمرد بأن يكون بحيث لو كان امرأة صغيرة لاشتهيت للرجال والأصح أن الحسن يختلف باختلاف الطباع قال الشاعر:

وكم في النّاس من حسن ولكن

ألذ العيش ما تهوى القلوب

قوله: (ولا فرق في هذا الخ) أي فيحرم الجميع سداً للباب. قوله: (والمذهب الصحيح عندنا تحريم النظر إلى الأمرد الحسن) أي إلى جزء من بدنه وإن كان الناظر أمرد أيضاً ثم النظر عند خوف الفتنة بأن لم يندر وقوعها كما قاله ابن الصلاح أو مع الشهوة وضبطها في الإحياء بأن كان يتأنس بكمال صورته بحيث يدرك من نفسه فرقاً بينه وبين الملتحي حرام إجماعاً وكثير من يقتصر على مجرد النظر والمحبة ظانين سلامتهم من الإثم وليسوا سالمين منه أما عند انتفاء الشهوة وعند أمن الفتنة فقال الشيخ المصنف هنا: المذهب الصحيح التحريم ولو بغير شهوة وقد أمن الفتنة وفي

ص: 390