الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويستحب لمن سلم على إنسان فلم يرد عليه أن يقول له بعبارة لطيفة: ردُّ السلام واجب، فينبغي لك أن ترد عليَّ ليسقط عنك الفرض، والله أعلم.
باب الاستئذان
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: 27] وقال تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ
ــ
إذا أعطين لم يشكرن وإذا ابتلين لم يصبرن ثم قال: يسلم الراكب على الراجل ويسلم الراجل على الجالس والأقل على الأكثر فمن أجاب السلام كان له ومن لم يجب فلا شيء له قال الحافظ: حديث صحيح إن ثبت سماع أبي سلام من عبد الرحمن فقد أدخل بعضهم بينهما أبا راشد الجبراني أخرجه أحمد وكذا رواه معاوية بن سلام عن جده أبي سلام عن أبي راشد الجبراني وكذا أخرجه الطبراني لكنهما اقتصرا على بعض الحديث وأخرجه الحافظ كذلك من طريق أخرى إلا أنه قال القاعد بدل الجالس وقال: هذا السند على شرط الصحيح لم يخرجا له قال: فيترجح أن الطريق الأولى منقطعة وأخرج أحمد وأبو يعلى والطبراني بعض الحديث من رواية هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي راشد فسقط من السند زيد وجده وأخرجه الحاكم مع ذلك من هذا الوجه لكن قال: صرح هشام عن يحيى بأن أبا راشد حدثه كذا قال والذي يغلب أن التصريح وهم
من بعض رواته فقد أخرجه أحمد من طريقين عن هشام بالعنعنة قاله الحافظ. قوله: (ويستحب لمن سلم على إنسان الخ) الظاهر أن طلب هذا القول ما دام وقت الرد باقياً ويحتمل أن يأتي به ولو مع طول الفصل ويكون القصد به زوال ما يقع عنده من ترك جوابه من الضغينة ونحوها والله أعلم.
باب الاستئذان
هو بسكون الهمزة وتبدل ياء طلب الإذن في الدخول، قيل: سبب نزول آية الاستئذان
الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 59].
وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الاسْتِئْذَانُ ثَلاثٌ، فإن أُذِنَ لكَ وإلَاّ فارْجِعْ".
ورويناه في
ــ
ما في الرياض النضرة للمحب الطبري عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل غلاماً من الأنصار إلى عمر بن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه فرأى عمر على حالة كره عمر رؤيته عليها فقال: يا رسول الله وددت لو أن الله أمرنا ونهانا في حال الاستئذان فنزلت: {يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} الآية، وقال: خرجه أبو الفرج وصاحب الفضائل وقال بعد قوله فدخل عليه وكان نائماً وقد انكشف بعض جسده فقال: اللهم حرم الدخول علينا وقت نومنا فنزلت فهو أحد المواضع التي وافق فيها رأى عمر رضي الله عنه أي الكتاب وقد نظمها السيوطي أرجوزة صغيرة وكنت كتبتها عليها وأودعت الشرح أرجوزة نظمت فيها ذلك بزيادة أشياء نفيسة يعرف حقها من راجعها ثم شرحتها في جزء سميته "اتحاف الثقات بشرح الموافقات" تقبلهما الله ونفع بهما بمنِّه آمين والآية سبق السلام على بعض ما يتعلق بها في أول كتاب السلام. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي موسى ثم ساق الحديث ثم قال ورويناه في الصحيحين الخ) لفظ الحديث عن أبي سعيد الخدري قال: كنت في حلقة فيها أبي بن كعب إذ جاءنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه مذعوراً فقال: إن عمر بعث إلي فأتيته فاستأذنت ثلاثاً فلم يأذن لي فرجعت فرآني بعد ذلك فقال لي: ما لك لم تأتني؟ فقلت: في أتيت فاستأذنت ثلاثاً وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا استأذن أحدكم ثلاثاً وفي رواية من استأذن ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع" فقال: لتأتين على ذلك ببينة أو لأفعلن بك وأفعلن فقال أبي بن كعب: لا
يقوم معك إلا أصغرنا وقال أبو سعيد: فكنت أصغر القوم فجئت إلى عمر فحدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره أخرجه البخاري ومسلم وفي بعض طرقه عند البخاري وقال عمر: خفي على هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألهاني الصفق في الأسواق يعني التجارة أخرجه الشيخان. قوله: (الاستئذان ثلاث) قال المصنف في شرح مسلم في الحديث دليل للقول المختار من ثلاثة أقوال من أنه ينصرف إذا استأذن ثلاثاً ولم يؤذن له اهـ. قال بعضهم: الأول للتعريف
"الصحيحين" أيضاً عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروينا في "صحيحيهما" عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما جُعِلَ الاسئتذانُ مِنْ أجْلِ البَصَرِ".
وروينا الاستئذان ثلاثاً من جهات كثيرة. والسُنَّة أن يسلم ثم يستأذن، فيقوم عند الباب بحيث لا
ــ
والثاني للتأمل والثالث للإذن أو عدمه.
قوله: (وغيره) أراد به أبي بن كعب فقد جاء صريحاً أنه جاء وأخبر عمر بذلك فقال له: يا عمر لا تكن عذاباً على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقال عمر: سبحان الله إنما سمعت شيئاً أحببت أن أتثبت فيه ويدخل في عمومه من كان في الحلقة من الصحابة رضي الله عنهم.
قوله: (وروينا في صحيحيهما عن سهل بن سعد الخ) وحديثه قال: اطلع رجل من حجر في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم ومعه صلى الله عليه وسلم مدر يحك به رأسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك" إنما جعل الاستئذان من أجل النظر أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي والحديث مشهور عن الزهري عن سهل بن سعد وقد رواه سفيان بن حسين عن الزهري فقال عن أبي أمامة بن حنيف عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو شاذ وابن حسين وإن كان من رجال الصحيح فإنه ضعفوه في الزهري خاصة وله قصة في سبب ذلك مشهورة وجاء في تسمية الرجل الذي كان ينظر ما أخرجه الطبراني من طريق مدرك بن سليمان عن أبي صالح عن ابن عباس قال: كان سبب نفي الحكم إلى الطائف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيته فإذا هو بإنسان يطلع عليه فقال: اخرج فلا تسألني ما بقيت فنفاه إلى الطائف وفي مدرك وأبي صالح مقال قاله الحافظ. قوله: (إنما جعل الاستئذان لأجل النظر) قال المصنف معناه الاستئذان مشروع ومأمور به وإنما جعل لئلا يقع النظر على المحرم فيحرم فلا يحل لأحد أن ينظر في حجر باب ولا غيره مما هو متعرض لوقوع بصره على امرأة أجنبية اهـ.
قوله: (وروينا الاستئذان ثلاثاً من جهات كثيرة) قال الحافظ قال الترمذي بعد تخريجه وفي الباب عن علي وأم طارق ثم ساق من طريق ابن عباس عن عمر رضي الله عنهم قال: استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً فأذن لي قال الترمذي: إنما أنكر عمر على أبي موسى أنه رجع
ينظر إلى من في داخله، ثم يقول: السلام عليكم، أأدخل؟ فإن لم يجبه أحد، قال ذلك ثانياً وثالثاً، فإن لم يجبه أحد انصرف.
وروينا في "سنن أبي داود" بإسناد صحيح عن ربعي بن حِراش بكسر الحاء المهملة وآخره شين معجمة، التابعي الجليل قال: حدثنا رجل من بني عامر "استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت فقال: أألج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخادمه: "اخْرُجْ إلى هذا فعَلِّمهُ الاسْتِئْذَان، فَقُلْ لَهُ: قُلْ: السلامُ عَلَيكُمْ، أأدْخُلُ؟ " فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل".
ــ
بعد الثلاث ولم يعلم عمر الأمر بالرجوع بعدها وأخرج حديث أبي موسى أبو داود في سننه قال الحافظ وقد روينا الاستئذان من جهة النظر من جهات كثيرة (وتوفي الحافظ ابن حجر رحمه الله قبل بيان ذلك) وفي هذا المحل وقف تحرير أماليه فتغمده الله برحمته ونفعني وسائر المسلمين من بركته.
وكانت وفاته في ثامن عشر ذي الحجة الحرام سنة ثمانمائة واثنتين وخمسين. قوله: (فإن لم
يجبه أحد بعد الثلاث انصرف على المختار) لما تقدم من الحديث. قوله: (روينا في سنن أبي داود الخ) هذا ما صدر به أبو داود ثم ساق طريقاً أخرى إلى ربعي أنه قال: حدثت أن رجلاً من بني عامر استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه وهذه الرواية التي في الأصل أن المحدث له هو نفس الرجل السائل وقوله في الرواية الأخرى: حدثت أن رجلاً الخ، يقتضي أنه أخبر بذلك فيحتمل أن يكون السائل هو المخبر له بنفسه فتتفق الطريقان ويحتمل أنه سمعه تارة منه وتارة بواسطة والله أعلم. قوله:(أألج) بهمزتين مفتوحتين أولاهما للاستفهام والثانية حرف مضارعة ويجوز تحقيق وتسهيل الثانية وإبدالها ألفاً ولام مكسورة آخره جيم أي أدخل. قوله: (فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه) قال الحافظ السيوطي في مرقاة الصعود في تفسير ابن جرير من طريق عمرو بن سعيد الثقفي أن اسمها روضة. قوله: (السلام عليكم الخ) قال الحافظ في فتح الباري اختلف هل السلام شرط في
وروينا في "سنن أبي داود والترمذي" عن كلدَة بن الحنبل الصحابي رضي الله عنه قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه ولم أسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ارْجِعْ فَقُلْ: السلامُ عليكم أأدْخُلُ؟ " قال الترمذي: حديث حسن.
قلت: كَلدَة، بفتح الكاف واللام. والحنبل، بفتح الحاء المهملة وبعدها نون ساكنة ثم باء موحدة مفتوحة ثم لام. وهذا الذي ذكرناه من تقديم السلام على الاستئذان هو الصحيح. وذكر الماوردي فيه ثلاثة أوجه، أحدها هذا، والثاني: تقديم الاستئذان
ــ
الاستئذان أولاً.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي) وكذا أخرجه الطبراني في معجمه ذكره السيوطي في مرقاة الصعود. قوله: (عن كلدة بن الحنبل) ويقال: كلدة بن عبد الله بن حنبل والصواب الأول بن بليل الغساني وقيل الأسلمي حليف بني جمع أخي صفوان بن أمية لأمه قال ابن إسحاق والواقدي ومصعب والطبراني قال ابن عبد البر أمهما صفية بنت معمر بن وهب بن حذافة بن جمح وقال ابن الكلبي والهيثم بن عدي بن كلدة بن الحنبل أخي صفوان بن أمية لأمه وقال: كان الحنبل مولى لعمر ابن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح وكان أخا صفوان بن أمية لأمه شهد الحنبل مع صفوان يوم حنين فلما انهزم المسلمون قال الحنبل: بطل سحر ابن أبي كبشة فقال صفوان: فض الله فاك لأن يرثني رجل من قريش أحب إليّ من أن يرثني رجل من هوازن.
وكلدة هو الذي بعثه صفوان بن أمية إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهدايا فيها لبن وضغابيس وهي كما قال العاقولي بفتح الضاد والغين المعجمتين وبالباء الموحدة بعدها المثناة والسين المهملة صغار القثاء واحدها ضغبوس وقيل: هي نبت في أصول الثمم يشبه الهليون يسلق بالخل والزيت ويؤكل اهـ.
وقال السيوطي: قال أبو عاصم بقلة تكون بالبراري، وكلدة هذا وأخوه عبد الرحمن بن الحنبل شقيقان وكانا ممن سقط من اليمن إلى مكة فيما قال مصعب وغيره أسلم كلدة بإسلام صفوان ولم يزل مقيماً بمكة إلى أن توفي بها، روى عنه عمرو بن عبد الله بن صفوان ثم كلدة بفتح الكاف والدال
المهملة بعدها هاء كذا في المغني. قوله: (وهذا الذي ذكرناه الخ) في الروضة بعد ذكر المذاهب الثلاثة الصحيح المختار تقديم السلام فقد صحت فيه
على السلام، والثالث: وهو اختياره: إن وقعت عين المستأذن على صاحب المنزل قبل دخوله قَدَّم السلام، وإن لم تقع عليه عينه، قدَّم الاستئذان. وإذا استأذن ثلاثاً فلم يُؤذَن له وظَنَّ أنه لم يسمع، فهل يزيد عليها؟ حكى الإِمام أبو بكر بن العربي المالكي فيه ثلاثة مذاهب، أحدها: يعيده، والثاني: لا يعيده، والثالث: إن كان بلفظ الاستئذان المتقدِّم لم يُعِدْه، وإن كان بغيره أعاده، قال: والأصح أنه لا يعيده بحال، وهذا الذي صححه هو الذي تقتضيه السُّنَّة، والله أعلم.
فصل: وينبغي إذا استأذن على إنسان بالسلام أو بدق الباب، فقيل له: من أنت؟ أن يقول: فلان بن فلان، أو فلان الفلاني، أو فلان المعروف بكذا، أو ما أشبه ذلك، بحيث يحصل التعريف التام به، ويكره أن يقتصر على قوله: أنا، أو الخادم، أو بعض الغلمان، أو بعض المحبين، وما أشبه ذلك.
ــ
أحاديث صريحة وفي شرح مسلم للمصنف أنه الذي قال به المحققون وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان في تقديم السلام. قوله: (وهذا الذي صححه) تقتضيه السنة أي كما تقدم في حديث أبي موسى الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع قال المصنف في شرح مسلم ومن قال بالثاني حمل الحديث على أنه علم أو ظن أنه سمعه فلم يأذن اهـ.
فصل
قوله: (أو بدق الباب) أي فإنه قائم مقام الاستئذان أخذاً من حديث جابر رضي الله عنه فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه إقامة دق الباب مقام الاستئذان إنما أنكر عليه قوله أنا وكان حقه أن يقول جابر: أشار إليه العاقولي ونقل الكرماني عن بعضهم أنه يكره إن لم يستأذن بلفظ السلام بل بالدق اهـ. ويبعده أنه صلى الله عليه وسلم أتى بما يدل على كراهية إتيان جابر بلفظ: أنا بقوله: أنا أنا ويقوم مقام الاستئذان أيضاً التنحنح. قوله: (ويكره أن يقتصر الخ) لأن مقصود رب الدار معرفة المستأذن وهي لا تحصل بهذا الجواب لما بينهما من الجدار الحائل فاعتبر ما تحصل به معرفته عنده وقال ابن الجوزي إنما
روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" في حديث الإسراء المشهور، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثمّ صَعِدَ بِي جِبْرِيلُ إلى السَّماءِ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قالَ: جِبْرِيل، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قالَ: مُحَمَدٌ، ثم صَعِدَ بِي إلى السَّماءِ الثانِيَةِ وَالثالِثَةِ وَسَائِرِهِنَّ، وَيُقَالُ في باب كُل سمَاءِ: مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ:
ــ
يكره لفظ أنا لأن فيها نوعاً من الكبر كأنه يقول أنا الذي لا أحتاج أن أذكر اسمي ولا نسبي اهـ. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم في قصة الإسراء المعروفة) المراد من الإسراء ما يشمل المعراج لأن ما ذكر من الاستئذان في فتح أبواب السماء إنما هو في قصة المعراج وقصة الإسراء كذلك مروية عند الشيخين والترمذي والحاكم والبيهقي والبزار وغيرهم وكانت قصة المعراج قبل الهجرة بنحو
ثمانية عشر شهراً وقيل غير ذلك. قوله: (فاستفتح جبريل) الأشبه كما قال الحافظ ابن حجر إن هذا الاستفتاح كان بقرع لأن صوته معروفة ويؤيده كما قال بعضهم ما في بعض الروايات فقرع الباب قال ابن دحية في استفتاح جبريل لأبواب السماء دليل على أنه صادف أبوابها مغلقة وإنما لم يتهيأ للنبي صلى الله عليه وسلم بالفتح قبل مجيئه وإن كان أبلغ في الإكرام لأنه لو رآها مفتحة لظن أنها لا تزال كذلك ففعل ذلك ليعلم أن ذلك الفتح فعل من أجله تشريفاً له وأيضاً فأراد الله أن يطلعه على أنه معروفة عند أهل السموات ولذا لما سألوا من معك فقال محمد: لم يقولوا ومن محمد وإنما سألوا عن البعث إليه أجاء زمانه. قوله: (قال جبريل) سمى نفسه لأنه كان معروفاً ولم يعرف من الملائكة من اسمه جبريل سواه ولم يقل: أنا لئلا يلتبس بغيره ولأن فيها إشعاراً بالعظمة وفي الكلام السائر أول من قال: أنا إبليس فشقي حيث قال: أنا خير منه وقالها فرعون فتعس حيث قال: أنا ربكم الأعلى وسيأتي فيه مزيد.
قوله: (قيل ومن معك) هذا القول يشعر بأنهم أحسوا أن مع جبريل غيره قيل وإلا لكان السؤال: أمعك أحد؟ وذلك الإحساس إما بمشاهدة لكون السماء شفافة وإما لأمر معنوي بزيادة أنوار. قوله: (قال محمد) في إتيان جبريل باسمه صلى الله عليه وسلم دون كنيته دليل على أن الاسم أرفع منها لأنه أخبر باسمه ولم يخبر بكنيته وهو صلى الله عليه وسلم مشهور في العالمين
جِبْرِيلُ".
وروينا في "صحيحيهما" في حديث أبي موسى لما جلس النبي صلى الله عليه وسلم على بئر البستان وجاء أبو بكر فاستأذن، فقال: مَنْ؟ قال: أبو بكر، ثم جاء عمر فاستأذن، فقال: مَنْ: قال عمر، ثم عثمان كذلك.
وروينا في "صحيحيهما" أيضاً عن جابر رضي الله عنه قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدققت الباب، فقال: مَنْ ذَا؟ فقلت: أنا، فقال: أنَا أنَا؟ كأنه كرهها".
ــ
العلوي والسفلي فلو كانت الكنية أرفع من الاسم لأخبر بكنيته. قوله: (لما جلس النبي صلى الله عليه وسلم على البئر) أي بئر أريس بوزن جليس بئر بقباء وكان أبو موسى حافظ الباب في ذلك الوقت كما في الصحيح فلما جاء كل من الثلاثة استأذن لهم فأذن لهم والشاهد من الاستدلال أن كلاً منهم لما استأذن فقيل له: من هذا ذكر اسمه بالصريح. قوله: (وروينا في صحيحيهما عن جابر الخ) وكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومداره على شعبة عن محمد بن المنكدر عن جابر كما أشار إليه العلائي في عوالي مالك قال المصنف قال العلماء: إذا استأذن فقيل له: من أنت؟ أو من هذا؟ كره أن يقول: أنا قال في التوشيح وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد والحاكم وصححه من حديث بريدة قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من هذا فقلت: أنا بريدة اهـ. قال في المرقاة: نعم إذا كان من أهل البيت من يعرفه بصوته فلا بأس بقوله: أنا على ما هو المتعارف إذ لا شك أنه صلى الله عليه وسلم لو عرفه لما أنكر عليه لحصول المقصود به أو كرهه لأن فيه تعظيماً فلم ير صلى الله عليه وسلم التكلم بلفظ ليس فيه تواضع اهـ. وفيه أنه لو قال: أنا جابر لم يكن يكرهها اهـ.
كلام المرقاة وفي شرح المصابيح لزين العرب ذهبت طائفة من أهل العلم وفرقة من الصوفية إلى كراهة إخبار الإنسان عن نفسه بقوله: أنا واستدلوا بحديث جابر وما ذهبوا إليه ضعيف إذ القرآن والأحاديث الصحيحة مشحونة بذلك قال تعالى لنبيه: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} أنا سيد ولد آدم وكراهته صلى الله عليه وسلم لذلك الذي في حديث جابر لم يكن من جهة أنها تتضمن التكبر بل أنه أخبر عن نفسه بما لا يرتفع به الإيهام وأنكر عليه دق الباب لأنه مما لا يليق بالأدب وفي الأخير بعد لأن ظاهر قوله: أنا أنا كراهته لهذا اللفظ وفي الحديث
فصل: ولا بأس أن يصف نفسه بما يعرَف إذا لم يعرِفه المخاطَب بغيره، وإن كان فيه صورة تبجيل له، بأن يكني نفسه، أو يقول: أنا المفتي فلان، أو القاضي، أو الشيخ فلان، أو ما أشبه ذلك.
روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أمّ هانيء بنت أبي طالب رضي الله عنها، واسمها فاختة على المشهور، وقيل: فاطمة، وقيل: هند، قالت:"أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل وفاطمةُ تستره فقال: مَنْ هَذهِ؟ فقلت: أنا أمُّ هانيء".
وروينا في "صحيحيهما" عن أبي ذرّ رضي الله عنه، واسمه جُندُب، وقيل: بُرَيْر بضم الباء تصغيرُ برّ، قال: خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحدَه، فجعلت أمشي في ظل القمر، فالتفت فرآني فقال:"مَنْ هَذا؟ " فقلت: أبو ذر".
وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه في حديث الميضأة المشتمل على معجزات كثيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جُمَل من فنون العلوم، قال فيه أبو قتادة: "فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه
ــ
كأنه كرهها أي كلمة أنا وقوله صلى الله عليه وسلم: "أنا أنا" مكرراً الإنكار عليه قال الطيبي أي قولك: أنا مكروه فلا تعده أي والثاني تأكيد لما أشرنا إليه والله أعلم.
فصل
قوله: (ولا بأس الخ) وإن كان فيه ثناء على النفس لأن الحاجة للتعريف دعت لذلك فاغتفر.
قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم) تقدم تخريجه في حكم السلام على النساء وفيه ذكرت ترجمة أم هانيء رضي الله عنها. قوله: (واسمه جندب) بضم الجيم وسكون النون وضم الدال المهملة وفتحها وسبقت ترجمته في باب الذكر أول الكتاب. قوله: (وقيل برير الخ) وقيل: إنه بربر بموحدتين مضمومتين ومهملتين ساكنتين بوزن هدهد. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) روى الحديث أبو داود والنسائي وابن ماجه. قوله: (عن أبي قتادة الحارث بن ربعي) هذا أحد ما قيل في اسمه. قوله: (فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه) لما زحم أبو قتادة رسول الله