المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب حكم السلام - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ٥

[ابن علان]

فهرس الكتاب

- ‌فصل في الأذكار والدعوات المستحبات بعرفات:

- ‌فصل في الأذكار المستحبة في الإفاضة من عرفة إلى مزدلفة

- ‌فصل في الأذكار المستحبة في المزدلفة والمشعر الحرام:

- ‌فصل في الأذكار المستحبة في الدفع من المشعر الحرام إلى منى

- ‌فصل في الأذكار المستحبة بمنى يوم النحر:

- ‌فصل في الأذكار المستحبة بمنى في أيام التشريق:

- ‌فصل:

- ‌فصل فيما يقوله إذا شرب من ماء زمرم:

- ‌فصل:

- ‌فصل في زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكارها:

- ‌كتاب أذكار الجهاد

- ‌باب استحباب سؤال الشهادة

- ‌باب حث الإمام أمير السرية على تقوى الله تعالى وتعليمه إياهما يحتاج إليه من أمر قتال ومصالحتهم وغير ذلك

- ‌باب بيان أن السنَّة للإمام وأمير السرية إذا أراد غزوة أن يورى بغيرها

- ‌باب الدعاء لمن يقاتل أو يعمل على ما يعين على القتال في وجهه وذكر ما ينشطهم ويحرضهم على القتال

- ‌باب الدعاء والتضرع والتكبير عندالقتال واستنجاز الله تعالى ما وعد من نصر المؤمنين

- ‌باب النهي عن رفع الصوت عند القتال لغير حاجة

- ‌باب قول الرجل في حال القتال: أنا فلان لإرعاب عدوه

- ‌باب استحباب الرجز حال المبارزة

- ‌باب استحباب إظهار الصبر والقوة لمن جرح واستبشاره بما حصل له من الجرح في سبيل الله وبما يصير إليه من الشهادة وإظهار السرور بذلك وأنه لا ضير علينا في ذلك بل هذا مطلوبنا وهو نهاية أملنا وغاية سؤلنا

- ‌باب ما يقول إذا ظهر المسلمون وغلبوا عدوهم

- ‌باب ما يقول إذا رأى هزيمة في المسلمين والعياذ بالله الكريم

- ‌باب ثناء الإمام على من ظهرت منه براعة في القتال

- ‌باب ما يقوله إذا رجع من الغزو

- ‌كتاب أذكار المسافر

- ‌باب الاستخارة والاستشارة

- ‌باب أذكاره بعد استقرار عزمه على السفر

- ‌تنبيه

- ‌فائدة

- ‌باب أذكاره عند إرادته الخروج من بيته

- ‌باب أذكاره إذا خرج

- ‌باب استحباب طلبه الوصية من أهل الخير

- ‌باب استحباب وصية المقيم المسافر بالدعاء له في مواطن الخير ولو كان المقيم أفضل من المسافر

- ‌باب ما يقوله إذا ركب دابته

- ‌باب ما يقول إذا ركب سفينة

- ‌باب استحباب الدعاء في السفر

- ‌باب تكبير المسافر إذا صعد الثنايا وشبهها وتسبيحه إذا هبط الأدوية ونحوها

- ‌باب النهي عن المبالغة في رفع الصوت بالتكبير ونحوه

- ‌باب استحباب الحداء للسرعة في السير وتنشيط النفوس وترويجها وتسهيل السير عليها

- ‌باب ما يقول إذا انفلتت دابته

- ‌باب ما يقوله على الدابة الصعبة

- ‌باب ما يقوله إذا رأى قرية يريد دخولها أو لا يريد

- ‌باب ما يدعو به إذا خاف ناسًا أو غيرهم

- ‌باب ما يقول المسافر إذا تغوَّلت الغيلان

- ‌باب ما يقول إذا نزل منزلًا

- ‌باب ما يقول إذا رجع من سفره

- ‌باب ما يقوله المسافر بعد صلاة الصبح

- ‌باب ما يقول إذا رأى بلدته

- ‌باب ما يقول إذا قدم من سفره فدخل بيته

- ‌باب ما يقال لمن يقدم من سفر

- ‌باب ما يقال لمن يقدم من غزو

- ‌باب ما يقال لمن يقدم من حج وما يقوله

- ‌كتاب أذكار الأكل والشرب

- ‌باب ما يقول إذا قرب إليه طعامه

- ‌باب استحباب قول صاحب الطعام لضيفانه عند تقديم الطعام: كلوا أو في معناه

- ‌باب التسمية عند الأكل والشرب

- ‌فصل:

- ‌باب لا يعيب الطعام والشراب

- ‌باب جواز قوله: لا أشتهي هذا الطعام أو ما اعتدت أكله أو نحو ذلك إذا دعت إليه الحاجة

- ‌باب مدح الأكل الطعام الذي يأكل منه

- ‌باب ما يقوله من حضر الطعام وهو صائم إذا لم يفطر

- ‌باب ما يقوله من دعى لطعام إذا تبعه غيره

- ‌باب وعظه وتأديبه من يسئ في أكله

- ‌باب استحباب الكلام على الطعام

- ‌باب ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع

- ‌باب ما يقول إذا أكل مع صاحب عاهة

- ‌فائدة

- ‌باب استحباب قول صاحب الطعام لضيفه ومن في معناه إذا رفع يده من الطعام "كل" وتكريره ذلك عليه ما لم يتحقق أنه اكتفى منه وكذلك يفعل في الشراب والطيب ونحو ذلك

- ‌باب ما يقول إذا فرغ من الطعام

- ‌تنبيه

- ‌باب دعاء المدعو والضيف لأهل الطعام إذا فرغ من أكله

- ‌باب دعاء الإنسان لمن سقاه ماء أو لبنًا ونحوهما

- ‌باب دعاء الإنسان وتحريضه لمن يضيف ضيفًا

- ‌باب الثناء على من أكرم ضيفه

- ‌باب استحباب ترحيب الإنسان بضيفه وحمده الله تعالى على حصوله ضيفًا عنده وسروره بذلك وثنائه عليه لكونه جعله أهلا لذلك

- ‌باب ما يقوله بعد انصرافه عن الطعام

- ‌كتاب السلام والاستئذان وتشميت العاطس وما يتعلق بها

- ‌باب فضل السلام والأمر بإفشائه

- ‌باب كيفية السلام

- ‌فصل:

- ‌فصل:

- ‌فصل:

- ‌باب ما جاء في كراهة الإشارة بالسلام باليد ونحوها بلا لفظ

- ‌باب حكم السلام

- ‌باب الأحوال التي يستحب فيها السلام والتي يكره فيها، والتي يباح

- ‌باب من يسلَّم عليه ومن لا يسلَّم عليه ومن يُرد عليه ومن لا يُرد عليه

- ‌فصل: وأما الصِّبيان فالسُّنَّة أن يسلم عليهم

- ‌باب في آداب ومسائل من السلام

- ‌باب الاستئذان

- ‌باب في مسائل تتفرَّع على السلام

- ‌فصل في المصافحة:

- ‌فصل: في استحباب طلب الإنسان من صاحبه الصالح أن يزوره، وأن يكثر من زيارته

الفصل: ‌باب حكم السلام

‌باب حكم السلام

اعلم أن ابتداء السلام سُنَّة مستحبة ليس بواجب، وهو سُنَّة على الكفاية، فإن كان المسلِّم جماعة، كفى عنهم تسليم واحد منهم، ولو سلَّموا كلُّهم كان أفضل. قال الإِمام القاضي حسين من أئمة أصحابنا في كتاب السِّيَر من تعليقه: ليس لنا سُنة على الكفاية إلا هذا.

قلت: وهذا الذي قاله القاضي من الحصر يُنكَر عليه، فإن أصحابنا رحمهم الله قالوا: تشميت العاطس سُنَّة على الكفاية كما سيأتي بيانه قريبًا إن شاء الله تعالى. وقال جماعة من أصحابنا بل كلُّهم: الأضحية سُنَّة على الكفاية في حق كل أهل بيت،

ــ

وإن ما جاء من سلامه عليهن المصرح به في الخبر الآخر فهو من خصوصياته عليه الصلاة والسلام فله أن يسلم وألا يسلم وأن يشير وألا يشير على أنه قد يراد بالإشارة مجرد التواضع من غير قصد السلام وقد يحمل على أنه لبيان الجواز بالنسبة إلى النساء وإن نهى التشبيه محمول على الكراهة لا على التحريم اهـ. وحكم السلام على النساء عندنا سيأتي فما ذكره من ذلك الاحتمال مبني على مذهبه والله أعلم أر على ما إذا تيقن الافتتان.

باب حكم السلام

قوله: (اعلم أن ابتداء السلام سنة مستحبة) الإتيان بقوله مستحبة بعد قوله سنة يحتمل أن يكون إشارة لتأكده ويحتمل أن يكون لدفع توهم وجوبه والأول أولى ليكون قوله (ليس بواجب) مذكورًا في محله على سبيل التأسيس والثاني أنسب بظاهر العبارة قال الأصحاب: أما كونه سنة فلقوله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} أي ليسلم بعضكم على بعض وقوله: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} أي وصرف عن الوجوب لما قام عندهم فيه وللأمر بإفشائه في الصحيحين كما تقدم بعضه وأما كون البدء سنة كفاية من الجماعة قلما سيأتي من خبر أبي داود وغيره. قوله: (فإن أصحابنا قالوا الخ) وكذا الأذان والإقامة والتسمية عند الأكل وفعل على ما يسن فعله بالميت فهذه كلها سنة كفاية عندنا.

ص: 303

فإذا ضحَّى واحد منهم حصل الشعار والسنة لجميعهم. وأما ردُّ السلام، فإن كان المسلَّم عليه واحدًا تعين عليه الرد،

وإن كانوا جماعة، كان ردُّ السلام فرضَ كفاية عليهم، فإن رد واحد منهم، سقط الحرج عن الباقين، وإن تركوه كلهم، أثموا كلُّهم، وإن ردُّوا كلُّهم، فهو النهاية في الكمال والفضيلة، كذا قاله أصحابنا، وهو ظاهر حسن. واتفق أصحابنا على أنه لو رد غيرهم، لم يسقط عنهم الرد، بل يجب عليهم أن يردُّوا، فإن اقتصروا على رد ذلك الأجنبي أثموا.

ــ

قوله: (حصل الشعار والسنة) أي أصلها أما الأفضل فالإفراد كما قال الشيخ والسنة لجميعهم أي فعلها لكل واحد واحد. قوله: (فإن كان المسلم عليه واحدًا وجب الرد) المسلم هنا بصيغة اسم المفعول ولا فرق في وجوب الرد بين كون المسلم بصيغة الفاعل مكلفًا أو صبيًّا ويشترط كما سبق رفع الصوت به واتصال الجواب بابتداء السلام كاتصال الإيجاب

بالقبول وإذا ترك الرد عصى، قال في التجريد يستحب لمن لم يرد كليه أن يبرئ المسلم عليه من الجواب فيقول: أبرأته من حقي في رد السلام أو جعلته في حل منه فإنه يسقط به حقه والأحسن أن يقول له إن أمكن: رد السلام فإنه واجب عليك اهـ. قوله: (فإن كانوا جماعة كان رد السلام فرض كفاية عليهم) أما كونه فرضًا فلقوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} وأما كونه كفاية فلما يأتي ومحل ذلك إذا سن السلام وإن كرهت صيغة نحو عليكم السلام فإذا لم يسن كما في بعض المواضع الآتية لم يجب الرد إلا فيما استثنى قال الحليمي: وإنما كان الرد فرضًا والابتداء سنة لأن أصل السلام أمان ودعاء بالسلامة وكل اثنين أحدهما آمن من الآخر يجب أن يكون الآخر آمنا منه فلا يجوز لأحد إذا سلم عليه غيره أن يسكت لئلا يخافه وعلى كونه فرض كفاية فإذا رد الجميع ولو مرتبًا أثيبوا عليه ثواب الفرض كالمصلين على الجنازة لأن الساقط بسلام البعض الحرج والإثم. قوله: (وإن رده واحد منهم الخ) قال ابن المزجد في التجريد لو رد من لم يسمع

ص: 304

روينا في سنن أبي داود عن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

ــ

السلام من الجماعة المسلم عليهم فالمشهور أنه لا يكفي اهـ. ومحل إجزاء سلام الواحد عن الباقين ما لم يكن مقصود المسلم واحدًا منهم لنحو رياسته وإلا فلا يجزي سلام غيره على أحد احتمالين أبداهما الإسنوي في التمهيد.

قوله: (روينا في سنن أبي داود) قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث حسن رجاله رجال الصحيح إلا سعيد بن خالد الخزاعي ففي حفظه مقال وقد تفرد به لكن له شاهد وقد أعله ابن عبد البر بالانقطاع فقال عبد الله يعني ابن الفضل شيخ الخزاعي لم يسمع من عبيد الله يعني ابن أبي رافع الراوي عن علي بينهما الأعرج قال الحافظ: أدخله أحمد بن منصور بينهما في روايته عن الجدي يعني عبد الملك بن إبراهيم الراوي عن الخزاعي لكن تردد فقال عن الأعرج إن شاء الله وثبت في حديث الافتتاح عند مسلم عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن عبيد الله عن علي، وأما الشاهد فخرجه الحافظ بسنده إلى عبد الله بن حسن بن حسن بن علي عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: قيل: يا رسول الله القوم يأتون الدار فيستأذن واحد منهم أيجزئ عنهم جميعًا؟ قال: "نعم"، قيل: فيأذن واحد منهم أيجزئ؟ قال: "نعم"، قيل: فالقوم يمرون فيسلم واحد منهم أيجزئ عنهم؟ قال: "نعم"، قيل: فيرد رجل من القوم أيجزئ عن الجميع؟ قال: "نعم" قال الحافظ: إسناده يصلح للاعتبار اهـ. وفي المشكاة عزو تخريج الحديث عن علي رضي الله عنه مرفوعًا إلى البيهقي في شعب الإيمان ثم قال: ورواه أبو داود أي موقوفًا وقال: رفعه الحسن بن علي وهو شيخ أبي داود وقال الطيبي: أشار المؤلف يعني صاحب المشكاة إلى أن إسناد هذا الحديث قد روي موقوفًا ورفعه الحسن

ابن علي شيخ أبي داود قال أبو داود وحدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الملك بن إبراهيم حدثنا سعيد ابن خالد حدثني عبد الله بن الفضل حدثنا عبد الله بن أبي رافع عن علي رضي الله عنه رفعه الحسن بن علي قال: يجزيء عن الجماعة الخ. قال في المرقاة: الظاهر أن مراد أبي داود أن شيخه الحسن رفعه من طريق آخر وإلا فالسند المذكور ظاهره الوقف مع احتمال أن يكون قوله ورفعه جملة حالية مبنية للإسناد السابق كما يقال مثلاً روي عن علي مرفوعاً ولعل وجه الإبهام عدم التذكير لكيفية الرفع هل هو بعبارة السماع أو بلفظ القول أو بعزو أو نحو ذلك

ص: 305

"يُجْزِئُ عنِ الجماعَةِ إذَا مَرُّوا أنْ يُسلِّمَ أحَدُهُمْ، ويُجْزِئُ عَنِ الجُلُوسِ أنْ يَرُدَّ أحَدُهُمْ".

وروينا في الموطأ عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سَلَّمَ وَاحِدٌ مِنَ القَوْم أجْزأ عَنْهمْ" قلت: هذا مرسل صحيح الإسناد.

ــ

وبتسليم أن الحديث روي موقوفاً ومرفوعاً فلا شك أنه يصير مرفوعاً لأن زيادة الثقة مقبولة على أن مثل هذا الموقوف في حكم المرفوع، قال الطيبي ويوافقه ما في المصابيح عن علي رضي الله عنه رفعه قال في المرقاة ويحتمل أنه أشار به إلى سند البيهقي فإنه مرفوع بلا خلاف اهـ. قوله:(يجزيء عن الجماعة الخ) أي يكفي عنهم سلام أحدهم أي واحد منهم وسبق تحقيق الكلام في جزى وأجزأ في كتاب فضل الذكر أول الكتاب بما حاصله أنه بفتح حرف المضارعة من غير همز آخره وبضم حرف المضارعة مع همز آخره وأنه بالفتح من جزى يجزي بمعنى كفى وبالضم من الإجزاء أي الاعتداد به في الإسقاط والله أعلم. قوله: (ويكفي عن الجلوس) أي ذوي الجلوس أو الجالسين والمراد المسلم عليهم بأي صفة كانوا رد أحدهم ولو رد الجميع كان أفضل كما تقدم وفيه أن السنة أن يسلم المار على الجالس والله أعلم.

قوله: (وروينا في الموطأ) قال الحافظ: هو شاهد أيضاً لأصل المسألة مع اختصاره وأخرجه عبد الرزاق في المصنف عن معمر عن زيد بن أسلم أتم منه ولفظه إذا مر القوم فسلم واحد منهم أجزأ عنهم وإذا رد أحدهم كفى عنهم وأخرجه ابن عبد البر من طريق ابن جريج عن زيد بن أسلم كذلك ولم يذكر من وصله قال الحافظ: وقد ظفرت به في الحلية من رواية عباد بن كثير عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أورده في ترجمة يوسف بن أسباط هـ. ولفظ الحديث إذا مر القوم على المجلس فسلم منهم رجل أجزأ ذلك عنهم وإذا رد من أهل المجلس رجل أجزأ ذلك عنهم. قوله: (إذا سلم واحد من القوم أجزأ) ذلك (عنهم) أي سواء كان ذلك ابتداء أو جواباً فسقط الاستحباب بالأول والوجوب بالثاني عن الباقين وقال ابن عبد البر في التمهيد قال الطحاوي عن أبي يوسف إنه كان ينكر الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رد السلام بعض القوم أجزأ عنهم" وقال:

ص: 306

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

"لا يجزيء إلا أن يردوا جميعاً" قال أبو جعفر: ولا نعلم في هذا الباب شيئا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا حديث مالك عن زيد بن أسلم وشيء يروى فيه عن النضر مولى عمر بن عبيد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلاهما لا يحتج به وإنما فيه إذا سلم من القوم واحد أجزأ عنهم وإنما هو ابتداء السلام وابتداء السلام خلاف رد السلام لأن السلام من المبتدئ تطوع ورده فريضة وليس هو من فروض الكفاية إذ لو كان مع القوم نصراني فرد دون أحد من المسلمين لم يسقط ذلك عنهم فرض السلام فدل على أن فرض السلام من الفروض المتعينة التي تلزم كل إنسان بنفسه، ونازعه ابن عبد البر بأن قوله إن حديث

زيد في الابتداء غير مسلم له ما ادعاه وظاهر الحديث يدل على خلاف ما تأول فيه وذلك قوله: أجزأ عنهم لأنه لا يقال: أجزأ عنهم إلا فيما في وجب عليهم والابتداء بالسلام ليس بواجب عند الجميع ولكنه سنة والرد واجب عند الجميع فاستبان بقوله: أجزأ عنهم أنه أراد بالحديث الرد الواجب فبطل قول الطحاوي أي من تعينه وصح قول فقهاء الحجاز أي أنه فرض كفاية وبأن قوله: لا يروى في هذا الباب إلا حديث زيد الخ، ليس كما قال: عندنا وروينا بإسناد متصل الظاهر من حديث علي رضي الله عنه معنى ما ذهب إليه مالك والشافعي ومن قال بقولهم: ففيه بيان موضع الخلاف حيث قال: ويجزيء عن القعود أن يرد أحدهم وقطع التنازع أن سوي بين الابتداء والرد وجعل ذلك على الكفاية والحديث حسن لا معارض له وقد روى ابن جريج هذا الخبر عن زيد بن أسلم بهذا المعنى مكشوفاً فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مر القوم على المجلس فسلم رجل منهم أجزأ ذلك عنهم وإذا رد من أهل المجلس رجل أجزأ ذلك عنهم" قال أبو عمر: روي في هذا الباب عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح بهذا المعنى فيه شيء غير ما ذكرناه اهـ. وقوله: الإجزاء يختص بالواجب أي عند جمع منهم الطحاوي فالخبر حينئذٍ صريح في المدعي من أن ذلك السقوط في الرد الواجب والله أعلم.

ص: 307

فصل: قال الإِمام أبو سعد المتولي وغيره: إذا نادى إنسان إنساناً من خلف سِتْر أو حائط فقال: السلام عليك يا فلان، أو كتب كتاباً فيه: السلام عليك يا فلان، أو السلام على فلان، أو أرسل رسولاً وقال: سلم على فلان، فبلغه الكتاب أو الرسول، وجب عليه أن يردَّ السلام، وكذا ذكر الواحدي وغيره أيضاً أنه يجب على المكتوب إليه رد السلام إذا بلغه السلام.

وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هَذَا جِبْرِيلُ

ــ

فصل

قوله: (وجب عليه أن يرد عليه السلام أي وجب على من ابتدئ السلام أو بالكتابة أو بالإرسال الرد ويجب على الرسول تبليغ السلام لمن أرسل به إليه وأداؤه، قيل: ومحله إن قبل تحمله فإن رد ذلك فلا وكذا إن سكت أخذاً من قولهم لا ينسب للساكت قول ويحتمل التفصيل بين أن تظهر منه قرينة تدل على الرضا فيجب أو عدمه فلا، قال بعضهم: يجب على الموصى به تبليغه ومحله إن قبل الوصية بلفظ يدل على التحمل لتعليلهم بأنه أمانة إذ تكليفه الوجوب بمجرد الوصية بعيد وإذا قلنا بالوجوب فالظاهر أنه لا يلزمه قصده بل إذا اجتمع به وذكر بلغه اهـ. قال ابن حجر في التحفة وفيما ذكره آخراً نظر بل الذي يتجه أنه يلزمه قصده حيث لا مشقة شديدة عرفاً عليه لأن أداء الأمانة ما أمكن واجب ولا ينافي ما تقرر من أن الواجب في الوديعة التخلية لا الرد لأن ذلك محله فيما علم به المالك وإلا وجب إعلامه بقصده لمحله أو إرسال خبرها له مع ثقة فكذا هنا اهـ. بمعناه ثم يستحب للمرسل إليه بالسلام أن يسلم أيضاً على المبلغ كما سيأتي في الفصل بعده ويبدأ به لأن الخطاب معه فيقول: عليك وعليه السلام وقوله: عليك ليس فاصلاً أجنبياً بين البدء والرد فلا ينافي ما تقرر أن اتصال الجواب بالابتداء كاتصال الجواب بالقبول. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم عن عائشة

الخ) في السلاح أخرجه الجماعة وقال الحافظ فيه كلام سيأتي آخراً. قوله: (يا عائشة) هكذا رواه

ص: 308

يَقْرَأُ علَيكِ السلام" قالت: قلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته.

ــ

البخاري في مواضع من صحيحه ورواه غيره ممن ذكر ورواه في باب من دعا صاحبه فنقص منه حرفاً من طريق شعيب عن الزهري بلفظ: يا عويش هذا جبريل يقرئك السلام قالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، وسيأتي ذكر من خرجه كذلك زيادة على ذلك في باب ترخيم الاسم، وهذا الاختلاف في ندائه صلى الله عليه وسلم تارة باسمها وتارة بتصغيره محمول إما على تعدد القصة وأنه تكرر من جبريل عليه السلام على عائشة تشريفها وأبلغها صلى الله عليه وسلم كذلك فمرة قال لها صلى الله عليه وسلم:"يا عائشة" ومرة قال لها: "يا عويش" وعلى كون القصة متحدة لم تتعدد فلعله صلى الله عليه وسلم خاطبها أولاً فكان لها شغل مانع من كمال توجهها لما يلقيه إليها فأعلن الخطاب ثانياً فمرة باسمها الأصلي ومرة بتصغيره فنقل كل من الطريقين أحد النداءين وسكت عن الآخر نسياناً أو لأمر اقتضاه والله أعلم، وهذا الاحتمال الأخير يمكن جريانه في قول خديجة لورقة: يا بن عم كما عند البخاري ومسلم وفي رواية يا عم كما عند مسلم في رواية أخرى أي إنها خاطبته بأحدهما فلم تر منه التوجه لما تلقيه إليه فأعادت نداءها له بأحد اللفظين المذكورين ليتوجه لخطابها ويسمع ما تلقيه إليه فروى كل من الروايتين أحد اللفظين ولعل هذا أحسن مما قال الحافظ ابن حجر وتبعه عليه غيره أن الصواب ما عند البخاري من قولها: يا بن عم وأن قولها عند مسلم: يا عم أي في إحدى روايتيه وهم، لأنه وإن صح أنها قالته توقيراً لكن القصة لم تتعدد ومخرجها متحد فلا يحمل على أنها قالته مرتين فتعين الحمل على الحقيقة اهـ. وعلى ما ذكرت لا منافاة بين اتحاد القضية والإتيان بكل من اللفظين إذ لعلها نادته مرتين ليتوجه إليها أتم التوجه تارة بما هو الحقيقة من قولها: يا بن عم وتارة بما فيه التعظيم من قولها: يا عم والله أعلم. قوله: (يقرأ عليك السلام) أي من تلقائه وقبله، قال القرطبي في المفهم يقال: أقرأته السلام هو ويقرئك السلام رباعياً بضم حرف المضارعة منه فإذا قلت: يقرأ عليك السلام كان مفتوح حرف المضارعة لأنه ثلاثي، وهذه فضيلة عظيمة لعائشة غير أن ما ورد من تسليم الله عز وجل على خديجة أعلى وأغلى لأن ذلك سلام من الله وهذا سلام من الملك، وقال المصنف في شرح مسلم: في الحديث فضيلة ظاهرة لعائشة

ص: 309

هكذا وقع في بعض روايات "الصحيحين""وبركاتُه" ولم يقع في بعضها، وزيادة الثقة مقبولة. ووقع في كتاب الترمذي "وبركاته" وقال: حديث حسن صحيح،

ــ

وفيه استحباب بعث السلام ويجب على الرسول تبليغه وفيه بعث الأجنبي السلام إلى الأجنبية الصالحة إذا لم يخف ترتب مفسدة وأن الذي يبلغه السلام يرد عليه قال أصحابنا: وهذا الرد واجب على الفور وكذا لو بلغه سلام في ورقة من غائب وجب عليه أن يرد السلام باللفظ على الفور إذا قرأه وفيه أنه يستحب في الرد أن يقول: وعليك أو وعليكم السلام بالواو فلو قال: عليك السلام أجزأ على الصحيح وكان تاركاً للأفضل وقال بعض أصحابنا: لا يجزئه اهـ. قوله: (هكذا وقع في بعض روايات الصحيحين الخ) قال الحافظ بعد أن خرج الحديث من طريق يزيد بن هارون ومن طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال: أخبرني أبي عن الشعبي حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: إن جبريل يقرأ عليك السلام قلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته هذا لفظ يحيى ولم يقل يزيد في روايته وبركاته وأخرجه الشيخان من طرق عن زكريا ليس

فيها لفظ وبركاته، وأما قول الشيخ ووقع في بعض رواية الصحيحين الخ، فمدار الحديث فيها على الشعبي وقد ذكرت ما فيها وعلى الزهري وقد اتفقا عليه من طريق شعيب بن أبي حمزة وأخرجه البخاري من طريق معمر من طريق يونس بن يزيد وعلقه من طريق النعمان بن راشد كلهم عن الزهري ولم يقع وبركاته إلا عند البخاري في رواية يونس وفي رواية النعمان وسأذكر إيضاح ذلك ورواية الشعبي التي ذكرتها أخرجها أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه اهـ. قوله:(وزيادة الثقة مقبولة) أي مطلقاً على الصحيح. قوله: (ووقع في كتاب الترمذي) قال الحافظ هو كما قال يعني المصنف لكن وقع عند الترمذي أيضاً بدونها فإنه أخرج الحديث في الاستئذان من طريق فضيل وفي المناقب من رواية ابن المبارك كلاهما عن زكريا عن الشعبي وفيه ما وبركاته وأخرجه في الاستئذان أيضاً من طريق معمر عن الزهري بدونها وجل من رواه عن زكريا لم يذكرها ثم أخرج الحافظ

ص: 310

ويستحب أن يرسل بالسلام إلى من غاب عنه.

ــ

من طريق البخاري عن أبي نعيم حدثنا زكريا قال: سمعت عامراً يقول: حدثني أبو سلمة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "هذا جبريل" فذكر الحديث وليس فيه وبركاته قال الحافظ أخرجه أحمد عن أبي نعيم وأخرجه مسلم عن إسحاق بن راهويه عن أبي نعيم وأخرج الحافظ بسنده من طريق البخاري أيضاً حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب عن الزهري حدثنا أبو سلمة أن عائشة قالت: فذكر مثله وقال الحافظ: أخرجه أحمد عن أبي اليمان ومسلم عن الدارمي عن أبي اليمان والنسائي عن عمرو بن منصور عن أبي اليمان وأخرج الحافظ بسنده من طريق البخاري أيضاً حدثنا ابن مقاتل وابن محمد قال: أخبرنا عبد الله هو ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة فذكره وقال الحافظ: أخرجه الترمذي عن سويد بن نصر عن ابن المبارك وأخرجه النسائي في الكبرى عن محمد بن حاتم عن حبان بن موسى عن ابن المبارك قال البخاري بعد رواية معمر تابعه شعيب وقال يونس والنعمان عن الزهري وبركاته ثم قال الحافظ: وقد ذكرنا رواية شعيب وأما رواية يونس فوصلها البخاري في المناقب من طريق الليث وأحمد من طريق ابن المبارك كلاهما عنه وفيه عندهما وبركاته ثم أخرج الحافظ بسنده إلى النعمان بن راشد عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام" قلت: عليه السلام ورحمة الله وبركاته، قال الحافظ: وقد وقعت زيادة وبركاته من طريق معمر أيضاً أخرجها البخاري في بدء الخلق من رواية هشام بن يوسف عن معمر وكذا هو في رواية سويد بن نصر عن ابن المبارك عند الترمذي والله أعلم اهـ. كلام الحافظ، قلت: ووقعت زيادة وبركاته عند البخاري من طريق شعيب عن الزهري أخرجه في باب من دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفاً كما تقدم ذكره لكن صريح كلام الحافظ أنها ليست في طريق شعيب ولعل في النسخ اختلافاً والله أعلم بحقيقة الحال. قوله: (ويستحب أن يرسل السلام الخ) أي كما يسن الإتيان به في الخطاب يسن إرساله للغائب وكذا يسن في صدر الكتاب ويجب على المرسل معه السلام تبليغه كما تقدم لأنه أمانة ويجب أداء الأمانة.

ص: 311

فصل: إذا بعث إنسان مع إنسان سلاماً، فقال الرسول: فلان يسلم عليك، فقد قدَّمنا أنه يجب عليه أن يردَّ على الفور، ويستحب أن يرد على المبلِّغ أيضاً، فيقول: وعليك وعليه السلام.

وروينا في سنن أبي داود عن غالب القطان عن رجل قال: حدثني أبي عن جدي قال: بعثني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ائته فأقرئه السلام، فأتيتُه فقلتُ: إن أبي يقرئك السلام، فقال:"وعلَيْكَ وعلى أبِيكَ السلامُ".

قلت: وهذا وإن كان رواية عن مجهول، فقد قدمنا أن أحاديث الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم كلَّهم.

ــ

فصل

قوله: (ويستحب أن يرد على المبلغ) أي جزاء لحمل السلام إليه والرد على المبلغ ليس أجنبياً كما تقدم. قوله: (فيقول: عليك وعليه السلام) بدأ بالمبلغ مع أن السلام عليه مندوب وعلى المرسل واجب لأنه المخاطب، وحسن أدب الخطاب يقتضي تقديم المخاطب على الغائب قال تعالى:{وبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} . قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) قال الحافظ بعد تخريجه: أخرجه النسائي في الكبرى عن محمد بن بشار عن محمد بن جعفر عن شعبة قال: سمعت غالباً القطان يحدث عن رجل من بني نمير عن أبيه عن جده أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إن أبي يقرأ عليك السلام فقال له: "عليك وعلى أبيك السلام" قال الحافظ: أخرجه أبو داود عن أبي بكر بن أبي شيبة عن إسماعيل بن علية عن غالب القطان قال: كنا على باب الحسن يعني البصري فأتى رجل فذكره ولم يقل من بني نمير، وقال الترمذي بعد ذكر حديث عائشة في الاستئذان: وفي الباب عن رجل من بني نمير عن أبيه عن جده فأشار إلى هذا الحديث وأخرج الحافظ من طريق أبي نعيم في الحلية عن رجل من بني تميم الخ. فذكره قال الحافظ: هكذا وقع في هذه الرواية من بني تميم والماضي في الرواية الماضية من بني نمير أصوب والله أعلم. قوله: (وهذا وإن كان رواية عن مجهول) قال الحافظ: فيه تجوز عن الاصطلاح لأن من

ص: 312

فصل: قوله: قال المتولي: إذا سلم على أصم لا يسمع، فينبغي أن يتلفظ بلفظ السلام لقدرته عليه، ويشير باليد حتى يحصل الإفهام ويستحق الجواب، فلو لم يجمع بينهما لا يستحق الجواب. قال: وكذا لو سلم عليه أصم وأراد الرد، فيتلفظ باللسان، ويشير بالجواب

ليحصل به الإفهام، ويسقط عنه فرض الجواب. قال: ولو سلم على أخرس فأشار الأخرس باليد، سقط عنه الفرض، لأن إشارته قائمة مقام العبارة، وكذا لو سلم عليه أخرس بالإشارة يستحق الجواب لما ذكرنا.

فصل: قال المتولي: لو سلم على صبي، لا يجب عليه الجواب، لأن الصبي ليس من أهل الفرض، وهذا الذي قاله صحيح، لكن الأدب والمستحب له الجواب. قال القاضي حسين وصاحبه المتولي: ولو سلم الصبي

ــ

لم يسم يقال له: مبهم والمجهول إذا أطلق يراد به من سمى ولم يرو عنه إلا واحد ويقال أيضاً لمن روى عنه أكثر من واحد مجهول الحال وقد يقال: مجهول والمراد به حاله والله أعلم.

فصل

قوله: (فينبغي الخ) أي على سبيل الاستحباب في الابتداء. قوله: (حتى يحصل الإفهام الخ) حتى فيه تعليلية ويصح أن تكون غائية. قوله: (وكذا لو سلم عليه أصم الخ) أي يجمع بين التلفظ والإشارة وجوباً ليحصل الإفهام وقضية التعليل أنه إن فهم ذلك بقرينة الحال والنظر إلى فمه لم تجب

الإشارة وهو ما بحثه الأذرعي. قوله: (لأن اشارته قائمة مقام، العبارة) أي إلا في بطلان الصلاة فتبطل بالنطق بحرفين ولا تبطل بالإشارة من الأخرس إلى ذلك وكذا ليست إشارته مثل العبارة فيما لو حلف لا يكلم زيداً فخرس وأشار إليه.

فصل

قوله: (لكن الأدب والمستحب الخ) قال في الروضة: الأدب والسنة يشتركان في الطلب ويفترقان في أن طلب الأدب دون السنة وسيأتي في

ص: 313

على بالغ، فهل يجب على البالغ الرد؟ فيه وجهان ينبنيان على صحة إسلامه، إن قلنا: يصح إسلامه، كان سلامه كسلام البالغ، فيجب جوابه.

وإن قلنا: لا يصح إسلامه، لم يجب رد السلام، لكن يستحب.

قلت: الصحيح من الوجهين وجوب رد السلام، لقول الله تعالى:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] وأما قولهما: إنه مبني على إسلامه، فقال الشاشي:

ــ

آخر كتاب السلام الذي نحن فيه في الأصل الإشارة إلى ذلك. قوله: (فيه وجهان مبنيان على صحة إسلامه عندنا) قضية هذا البناء أن يكون الراجح عدم وجوب الرد عليه لأن الأصح عدم صحة إسلامه وسيأتي بيان وجهه أواخر هذا الفصل وما نقل من إسلام صبيان وقبوله صلى الله عليه وسلم لذلك كان أول الإسلام ثم نسخ قاله البيهقي. قوله: (قلت الصحيح من الوجهين وجوب الرد الخ) قال في المهمات ما ذكره المتولي من البناء في خالفه فيه الشاشي وأوجب الرد وقال: إن الباء فاسد وصحح النووي في كتبه مقالته اهـ. قوله: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} أي سواء حياكم صبي أو بالغ بل استدل الجمهور بها على وجوب الرد على المسلم وإن كان كافراً لكن يختلف في صيغة الرد أخرج ابن أبي حاتم وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت عن ابن عباس قال: من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه وإن كان مجوسياً لأن الله تعالى قال: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: فحيوا بأحسن منها للمسلمين أو ردوها على أهل الكتاب ويوافقه حديث إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم وقدمنا في كلام ابن القيم إن وعليكم يحصل به الجواب وإنما زيد المسلم المسلم لفظ السلام ليذهب عنه الوهم وأبقى الكافر على ذلك لما يأتي فيه، واستدل بعموم الآية من أوجب الرد على المصلي لفظاً أو إشارة أو في نفسه مذاهب والقول بأن الآية في تشميت العاطس كما حكي عن مالك ضعيف

ترده

ص: 314

هذا بناء فاسد، وهو كما قال، والله أعلم.

ولو سلم بالغ على جماعة فيهم صبي، فردَّ الصبي ولم يردَّ منهم غيره، فهل يسقط عنهم؟ فيه وجهان أصحهما -وبه قال القاضي حسين وصاحبه المتولي- لا يسقط، لأنه ليس أهلاً للفرض، والرد فرض فلم يسقط به، كما لا يسقط به الفرض في الصلاة على الجنازة. والثاني وهو قول أبي بكر الشاشي صاحب "المستظهري" من أصحابنا: أنه يسقط، كما يصح أذانه للرجال، ويسقط عنهم طلب الأذان.

قلت: وأما الصلاة على الجنازة، فقد اختلف أصحابنا في سقوط فرضها بصلاة الصبي على وجهين مشهورين، الصحيح منهما عند الأصحاب: أنه يسقط، ونص عليه

ــ

ألفاظ الآية أشار إلى ذلك السيوطي في كتاب الإكليل. قوله: (ولو سلم بالغ على جماعة فيهم صبي الخ) وجه القول الأصح أن القصد من مشروعية السلام الإعلام بأن كلاً سالم من الآخر وأمان الصبي لا يصح بخلاف صلاته والمقصود بصلاة الجنازة طلب الرحمة والاستغفار للميت والصبي من أهل ذلك فسقط فرض صلاة الجنازة لكونه أهلاً للمقصود بها دون فرض السلام ولا بعد في سقوط الفرض بصلاته وإن كان نفلاً كما لو صلى فرض الوقت ثم بلغ فيه وفارق الاعتداد بسلام الصبي عدم الاعتداد بإسلامه لخطر الإسلام ولأن النطق به يستلزم الإخبار عن التصديق القلبي الذي هو الأصل والصبي لا يقبل أخباره والغرض هنا التحية والأمان وهو حاصل بلفظه وقول القاضي حسين وكما لا يسقط به الفرض في الجنازة هذا رأي لبعض أصحابنا وبنى عليه القاضي عدم سقوط فرض الرد برده والمعتمد في الجنازة السقوط بصلاته كما نبه عليه الشيخ هنا آخراً بخلاف السلام فلا يسقط الفرض عن البالغين برده والفرق ما ذكرنا، وفي شرح الروض لو سلم على جماعة فيهم امرأة فردت هل يكفي قال الزركشي: ينبغي بناؤه على أنه هل يشرع لها الابتداء بالسلام فحيث شرع لها كفى جوابها وإلا فلا مثلها الخنثى فيما يظهر اهـ. قوله: (الصحيح منهما الخ) قصد الشيخ به الاستدراك على ما قد يتوهم من نقله لكلام القاضي من

ص: 315

الشافعي، والله أعلم.

فصل: إذا سلم عليه إنسان ثم لقيه على قرب، يسن له أن يسلِّم عليه ثانياً وثالثاً وأكثر، اتفق عليه أصحابنا.

ويدل عليه ما رويناه في "صحيحي البخاري ومسلم"

ــ

عدم سقوط فرض صلاة الجنازة بصلاته والله أعلم.

فصل

قوله: (ثم لقيه) خرج به ما إذا لم يحدث تلاق بأن دخل فسلم وجلس ثم أراد أن يسلم على صاحبه الذي سلم عليه أولاً، ثانياً: فلا يستحب كما صرح به الروياني. قوله: (ويدل عليه ما رويناه في صحيحي البخاري ومسلم) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الإِمام أحمد وغيره بمثل ما أورده المصنف ثم قال: أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة ووقع عند رواته اختلاف في سعيد بن أبي سعيد المقبري فقال يحيى القطان فيه عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة وهي

الطريق التي أخرج الحافظ بها الحديث وقال الحافظ بعد تخريجها: أخرجه أحمد والشيخان ومن ذكر معهم ثم قال: وقال النسائي: خولف فيه يحيى قال ابن خزيمة: لم يقل فيه عن أبيه أحد عن يحيى وكذا قال البزار، قال الحافظ وقد صحح الشيخان الطريقين فأخرجاه من رواية عبد الله بن نمير ومن رواية أبي أسامة وأخرجه أبو داود من رواية أبي ضمرة ثلاثتهم عن عبد الله بن عمر العمري عن سعيد ليس فيه عن أبيه وأخرجاه من طريق يحيى القطان فأخرجه البخاري عن مسدد وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي عن يحيى بن المثنى كلاهما عن يحيى القطان وقال عن أبيه وكأن سعيداً سمعه من أبيه عن أبي هريرة ثم سمعه عن أبي هريرة أو سمعه من أبي هريرة وثبته فيه أبوه وإلى ذلك أشار الدارقطني وقد جاءت القصة من حديث رفاعة بن رافع الأنصاري قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ونحن حوله فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى القوم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "وعليك ارجع فصلِّ فإنك لم تصل" فرجع الرجل فصلى كما صلّى فلما قضى صلاته جاء فسلم فذكر مثله قال: فلا أدري فعل ذلك مرتين أو ثلاثاً الحديث قال الحافظ: أخرجه أبو داود وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم ثم أخرجه الحاكم من طريق أخرى عن

ص: 316

عن أبي هريرة رضي الله عنه

في حديث المسيء صلاته "أنه جاء فصلى، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلَّم عليه، فرد عليه السلام، وقال: "ارْجِعْ فَصَلِّ فإنكَ لَمْ تُصَلِّ"، فرجع فصلى، ثم جاء فسلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم، حتى فعل ذلك ثلاث مرات".

ــ

رفاعة بن رافع قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد إذ دخل رجل كالبدوي فصلّى فأخف صلاته ثم انصرف فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث بنحوه وقال الحافظ بعد تخريجه: أخرجه الترمذي والنسائي قال الحافظ: وللحديثين طرق فيها ألفاظ زائدة قد استوعبتها في فتح الباري وفيه أن اسم الرجل المذكور خلاد والله أعلم. قوله: (في حديث المسيء صلاته) هو خلاد بن رفاعة بن رافع الزرقي الأنصاري. قوله: (فسلم عليه الخ) قال الزركشي في أحكام المساجد: هذه مسألة حسنة هي أن الداخل المسجد لو رأى فيه جماعة فالظاهر من حديث رفاعة أن يشرع في التحية قبل السلام عليهم وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر عليه صلاته ولم ينكر عليه تأخير سلامة إلى بعد الصلاة اهـ بالمعنى. قوله: (فصلى) أي الصلاة الشرعية ذات الركوع والسجود. قوله: (فردّ عليه السلام أي ردّ النبي صلى الله عليه وسلم السلام عليه. قوله: (فإنك لم تصل) فيه أن من أخل ببعض واجبات الصلاة لا تصح صلاته ولا يسمّى مصلياً شرعاً. قوله: (فرجع فصلى ثم جاء فسلم) فيه استحباب السلام عند اللقاء ووجوب رده وأنه يستحب تكراره إذا تكرر اللقاء وإن قرب والظاهر أنه حصل بينهما حائل أو ما يعد به مفارقاً لمجلسه صلى الله عليه وسلم وإلا فلم يكن لإعادة السلام مقتض والله أعلم، وأخرج ابن عبد البر في التمهيد عن أسامة بن زيد عن نافع قال: كنت أساير رجلاً من فقهاء الشام يقال له: عبيد الله بن زكريا، فحبستني دابتي تبول ثم أدركته ولم أسلم فقال: ألا تسلم، فقلت: أنا كنت معك آنفاً، قال: وإن، لقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسايرون فيفرق بينهم الشجر فإذا التقوا سلم بعضهم على بعض. قوله:(حتى فعل ذلك ثلاث مرات) قال الكرماني إن قيل كيف تركه صلى الله عليه وسلم مراراً يصلي صلاة فاسدة فالجواب أنه لم يأذن له في صلاة فاسدة ولا علم من حاله أنه يأتي بها في المرة

ص: 317

وروينا في "سنن أبي داود" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا لَقِيَ أحَدُكُمْ أخاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيهِ، فإن حالَتْ بَينَهُما شَجَرَةٌ أو جِدارُّ أو حَجَرٌ ثم لَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ".

وروينا في كتاب ابن السني عن أنس رضي الله عنه قال: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتَماشَوْن، فإذا استقبلتهم شجرة أو أكَمة فتفرقوا يميناً وشمالاً ثم التقَوْا من ورائها، سلم بعضهم على بعض".

ــ

الثانية والثالثة فاسدة بل هو محتمل أن يأتي بها صحيحة وإنما لم يعلمه أولاً ليكون أبلغ

في تعريفه لصفة الصلاة المجزئة قال التوربشتي فإن قيل لم سكت عن تعليمه أولاً قلنا: إن الرجل لما رجع ولم يستكشف الحال من مورد الوحي كأنه اغتر بما عنده من العلم فسكت صلى الله عليه وسلم عن تعليمه زجراً له وتأديباً وإرشاداً إلى استكشاف ما استبهم عليه فلما طلب كشف الحال أرشده إليه اهـ. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) قال الحافظ بعد تخريجه من طرق عن معاوية بن صالح منها عنه عن أبي مريم عن أبي هريرة ومنها عنه عن عبد الوهاب بن بخت بضم الموحدة وسكون المعجمة بعدها مثناة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وقال بعد تخريجه: هذا حديث صحيح غريب من رواية عبد الوهاب عن أبي الزناد وأخرجه البخاري في الأدب المفرد عن عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن أبي مريم عن أبي هريرة وأخرجه أبو داود من طريق عبد الله بن ذهب عن معاوية بن صالح. قوله: (فإن حالت بينهما شجرة الخ) قيد في المرقاة الحجر بكونه كبيراً أي ليحصل به الحيلولة وقال الطيبي في الحديث الحث على إفشاء السلام وإنما يكرر عند كل تغير حال ولكل جاء وغاد اهـ. وقضية الحديث أن ما دام لم يحل بينهما حائل وكان بمرأى من صاحبه وإن بعد ألا يندب السلام عند تقاربهما وتلاقيهما ويحتمل تقييده بما لم يعده العرف مفارقة وإلا فيندب عند تقاربهما وتلاقيهما والله أعلم. قوله: (وروينا في كتاب ابن السني) قال الحافظ بعد تخريجه: أخرجه ابن السني من طريق حماد عن ثابت وحميد عن أنس قال: وقع لنا من وجه آخر

ص: 318

فصل: إذا تلاقى رجلان، فسلَّم كل واحد منهما على صاحبه دفعة واحدة أو أحدهما بعد الآخر، فقال القاضي حسين وصاحبه أبو سعد المتولي: يصير كل واحد منهما مبتدئاً بالسلام، فيجب على كل واحد منهما أن يردَّ السلام على صاحبه. وقال الشاشي: هذا فيه نظر، فإن هذا اللفظ يصلح للجواب، فإذا كان أحدهما بعد الآخر كان جواباً، وإن كانا دفعة واحدة، لم يكن جواباً وهذا الذي قاله الشاشي هو الصواب.

ــ

عن أنس التصريح فيه بالرفع ثم أخرجه ولفظه عن أنس قال: كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ففرقت بيننا شجرة فإذا التقينا يسلم بعضنا على بعض قال: وله شاهد عن ابن عمر جاء بصيغة الأمر ثم أخرجه عنه من طريق يحيى بن عقبة بن أبي العيزار عن محمد بن سوقة قال: أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا لقي أحدكم أخاه في النهار مراراً فليسلم عليه" قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث غريب أخرجه أبو سعيد بن يونس في ترجمة إبراهيم يعني ابن الجراح من تاريخ مصر من طريق أحمد بن عبد المؤمن بهذا السند وذكر فيه قصة لعقبة بن أبي العيزار والد يحيى مع محمد بن سوقة في ذلك ويحيى ابن عقبة ضعفوه اهـ.

فصل

قوله: (فقال القاضي حسين وصاحبه أبو سعد المتولي) كذا قال هنا وفي الروضة قاله المتولي

وقاله أيضاً شيخه القاضي حسين ولا منافاة بين الأمرين فكأنه كان صاحب القاضي حسين في الأخذ عن بعض الشيوخ وتلميذاً له ومثل هذا كثير معروف والله أعلم. قوله: (فإن كان أحدهما بعد الآخر كان جواباً) قال في شرح الروض: نعم إن قصد به الابتداء صرفه عن الجواب قاله الزركشي ونقله ابن حجر في الإمداد عن غيره أيضاً قلت وقضيته أنه يكون جواباً في صورتي قصد الرد وانتفاء القصد ومع كونه يحصل به الجواب فالأولى أن يجيب بغير سلامه. قوله: (وهذا الذي قاله الشاشي هو الصواب) في الروضة هذا كلام الشاشي وتفصيله حسن ينبغي أن يجزم به اهـ. ويوجد في بعض نسخ

ص: 319

فصل: إذا لقي إنسان إنساناً، فقال المبتدئ "وعليكم السلام" قال المتولي: لا يكون ذلك سلاماً، فلا يستحق جواباً، لأن هذه الصيغة لا تصلح للابتداء.

قلت: أما إذا قال: عليك، أو عليكم السلام، بغير واو، فقطع الإِمام أبو الحسن الواحدي بأنه سلام يتحتم على المخاطَب به الجواب، وإن كان قد قلب اللفظ المعتاد، وهذا الذي قاله الواحدي هو الظاهر. وقد جزم أيضاً إمام الحرمين به، فيجب فيه الجواب لأنه يسمى سلاماً، ويحتمل أن يقال: في كونه سلاماً وجهان كالوجهين لأصحابنا فيما إذا قال في تحلله

من الصلاة

ــ

الأذكار قلت: ينبغي أن يكون جواباً في الحالين أي في حالتي الترتيب والمعية ولا يجب على أحدهما الرد بعد ذلك اهـ. وفيه مخالفة لقوله هنا: أن التفصيل هو الصواب ولقوله في الروضة أنه الذي ينبغي أن يجزم به والله أعلم فالظاهر أنه مما ألحق بالكتاب إذ لو كان منه لنقله عنه المتأخرون من الأصحاب والله أعلم بالصواب وفي المرقاة في حديث الصحيحين في قصة آدم عليه السلام السابقة في باب فضل السلام في قوله فقال: السلام عليكم فقالوا: السلام عليك: هذا يدل على جواز تقديم السلام في الجواب بل على ندبه لأن المقام مقام التعليم لكن الجمهور على أن الجواب بقوله: وعليكم السلام أفضل ولعل الملائكة أرادوا إنشاء السلام على آدم كما يقع كثيراً فيما بين النّاس ويشترط في صحة الجواب أن يقع بعد السلام لا أن يقعا معاً كما يدل عليه فاء التعقيب وهذه مسألة يغفل عنها أكثر النّاس فلو تلاقى رجلان وسلم كل منهما على صاحبه دفعة واحدة يجب على كل الجواب اهـ.

فصل

قوله: (قلت: أما إذا قال عليك السلام أو عليكم السلام الخ) أما فيه بفتح الهمزة وتشديد الميم وهي كما قال الدماميني حرف فيه معنى الشرط صرح به جماعة من النحويين لا حرف شرط اهـ وهي هنا مجردة عن التفصيل كما نص عليه ابن هشام في المغني في أما زيد فمنطلق والله أعلم وقوله: عليك أي إذا كان المسلم عليه واحداً أو عليكم إذا كان كذلك وأتى بالأفضل أو قصده هو ومن معه من الملائكة أو كان جمعاً والله أعلم. قوله: (لأنه يسمى سلاماً) ولذا أجزأ في التحلل

ص: 320

"عليكم السلام" هل يحصل به التحلل، أم لا؟ الأصح: أنه يحصل، ويحتمل أن يقال: إن هذا لا يستحق فيه جواباً بكل حال.

لما رويناه في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة عن أبي جري الهجيمي الصحابي رضي الله عنه، واسمه جابر بن سليم، وقيل سليم بن جابر، قال: أتيتُ

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: عليك السلام يا رسول الله، قال: "لا تَقُلْ

ــ

من الصلاة على الأصح وفارق عدم إجزاء أكبر الله في التحريم لأنه لا يسمّى تكبيراً قال الحافظ في الفتح: هكذا

جعل النووي الخلاف في إسقاط الواو وإثباتها والمتبادر أن الخلاف في تقدم عليكم على السلام كما يشير إليه كلام الواحدي اهـ. قوله: (ويحتمل أن يقال هذا لا يستحق فيه جواباً الخ) ويكون مدركه ما قاله المتولي من أن هذه الصيغة لا تصلح للابتداء على ما فيه وكان وجه الاستدلال بالخبر أنه سكت فيه عن جوابه منه صلى الله عليه وسلم وذلك ظاهر في عدم وقوعه فدل على عدم وجوبه على المبتدئ بهذا اللفظ.

قوله: (لما روينا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة) قال الحافظ في فتح الباري في أول كتاب الاستئذان قول النووي بالأسانيد الصحيحة الخ، يوهم أن له طرقاً إلى الصحابي المذكور وليس كذلك فإنه لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير أبي جري ومع ذلك فمداره عند جميع من أخرجه على أبي تميمة الهجيمي رواية عن أبي جري وقد أخرجه أيضاً أحمد والنسائي وصححه الحاكم اهـ. قوله:(عن أبي جري) بضم الجيم وفتح الراء المهملة الهجيمي بضم الهاء وفتح الجيم الأصبهاني قال في لب اللباب نسبة إلى بني هجيم بطن من تميم نزلوا بمحلة من البصرة فنسب لذلك جماعة منهم إلى المكان ومنهم إلى القبلة وقال ابن الأثير منسوب إلى الهجيم بن عمرو بن تميم وأبو جري عداده في أهل البصرة ثم الحديث عند أبي داود والنسائي عن أبي جري الهجيمي وعند الترمذي عن جابر بن سليم رضي الله عنه كما في السلاح. قوله: (واسمه جابر بن سليم) قال البخاري: إنه الصحيح وكذا رجحه ابن عبد البر أيضاً كذا في السلاح وخرجه الحافظ بسنده عن أبي تميمة الهجيمي عن جابر عن رجل من قومه وهو

ص: 321

عَلَيكَ السَّلامُ فإنْ عَلَيْكَ السلامُ تحيَّةُ المَوْتَى" قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

ــ

أبو جري رضي الله عنه قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض سكك المدينة وعليه ثوب قطري وهو بكسر القاف وسكون الطاء المهملة فقلت: عليك السلام يا رسول الله فقال: عليك السلام تحية الموتى قل السلام عليكم قالها مرتين أو ثلاثاً قال الحافظ بعد تخريجه: حديث صحيح أخرجه النسائي وأخرجه الحافظ أيضاً بسنده عن أبي غفار عن أبي كريمة عن أبي جري قال: قلت: يا رسول الله عليك السلام، قال:"لا تقل عليك السلام تحية الموتى" قلت: أنت رسول الله! قال: "أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضر فدعوته كشف عنك وإذا أصابتك سيئة دعوته فأسهل لك" فقلت: اعهد إليّ عهداً قال: "لا تسبن أحداً ولا تحقرن من المعروف شيئاً وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وإياك وإسبال الإزار فإن إسباله من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة ارفع إزارك إلى نصف الساق فإن أبيت فإلى الكعبين وإن امرؤ شاتمك بما يعلم منك فلا تشتمه بما تعلم منه فإن وبال ذلك عليه" قال الحافظ بعد تخريجه: حديث صحيح أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي كلهم مدارهم فيه على أبي غفار، ثم منهم من طوله ومنهم من اقتصر على بعضه ومنهم من سمّى أبا جري جابر بن سليم ومنهم من سماه سليم بن جابر وهو في رواية عند الطبراني في حرف السين من معجمه وأخرجه الترمذي والنسائي أيضاً من طريق عن خالد الحذاء عن أبي تميمة عن رجل

من قومه ولم يسمه انتهى ملخصاً. قوله: (فإن عليك السلام تحية الموتى) قال ابن القيم في كتابه: بدائع الفوائد هذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم عن الواقع المعتاد الذي جرى عليه ألسنة الشعراء والناس فإنهم كانوا يقدمون اسم الميت على الدعاء كما قال قائلهم:

عليك سلام الله قيس بن عاصم

ورحموته ما شاء أن يترحما

ص: 322

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهذا أكثر في إشعارهم من أن يذكر والإخبار عن الواقع لا يدل على الجواز فضلاً عن كونه سنة كما توهمه بعضهم حتى رد هذا الحديث بقوله صح أنه صلى الله عليه وسلم قال في تحية الموتى: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين" وفيه تقديم السلام وهذا أصح فوجب المصير إليه وقال آخرون بالفرق بين سلام الحي فيقدم لفظ السلام فيه وسلام الميت فيقدم الجار والمجرور فيه وهؤلاء كلهم إنما أتوا عن عدم فهم مقصود الحديث إذ قوله عليك السلام تحية الموتى ليس تشريعاً وإخباراً عن أمر شرعي بل إخبار عن الواقع المعتاد كما سبق ومثله لا يدل على جواز فضلاً عن استحباب بل نهيه صلى الله عليه وسلم بقوله: لا تقل مع إخباره بوقوعه يدل على عدم مشروعيته وأن السنة تقديم لفظ السلام على الظرف بعده مطلقاً فيقال في الحي والميت: السلام عليكم، وكأن الذي تخيله القوم من الفرق بين الحي والميت أن الحي لما كان يتوقع منه الجواب وأن يقول: عليكم السلام قدم السلام المدعو به على المدعو له توقعاً لقوله: وعليك السلام ولما لم يتوقع ذلك من الميت قدم المدعو له على الدعاء، وهذا الفرق لو صح يقتضي التسوية بين الحي والميت في هذا المعنى فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم كما قال ابن عبد البر أنه قال: ما من رجل يمر بقبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه، وهنا نكتة لطيفة بديعة ينبغي التيقظ لها هي أن السلام شرع على الأحياء والأموات بتقديم اسمه على المسلم عليهم لأنه بدعاء بخير والأحسن تقديم المدعو به إذا كان خيراً كقوله تعالى:{رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} وتأخيره إذا كان شراً وكقوله تعالى لإبليس: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي} ، وسر ذلك والله أعلم إن الخير لما كان محبوباً قدم ما يدل عليه لكونه تشتهيه النفوس ويلتذ به السمع فينده السمع ذكر الاسم المحبوب فتشرف النفس لمن هو وعلى من يحل فيأتي باسمه فيقول: عليك أو لك فيحصل له من السرور والفرح ما يبعث على التحاب والتراحم الذي هو مقصود السلام وقدم المدعو عليه في الشر للإيذان بتخصيصه بذلك فكأنه قيل لك: وحدك ذلك الشر لا شريك لك فيه غيرك والدعاء بالخير. يطلب عمومه وكلما عم الداعي كان أفضل وذكر ابن تيمية حديثاً مرفوعاً عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو يدعو فقال: "يا علي عمم فضل العموم على

ص: 323

قلت: ويحتمل أن يكون هذا الحديث ورد في بيان الأحسن والأكمل، ولا يكون المراد أن هذا ليس بسلام، والله أعلم. وقد قال الإِمام أبو حامد الغزالي في "الإحياء": يكره أن يقول

ابتداءً "عليكم السلام" لهذا الحديث، والمختار أنه يكره الابتداء بهذه الصيغة، فإن ابتدأ وجب الجواب لأنه سلام.

فصل: السُّنَّة أن المسلِّم يبدأ بالسلام قبل كل كلام، والأحاديث الصحيحة وعمل سلف الأمة وخلفها على وفق ذلك مشهورة، فهذا هو المعتمد في دليل الفصل.

ــ

الخصوص كفضل السماء على الأرض" اهـ. ملخصاً وقيل: المراد بأن عليك السلام تحية الموتى أنها تحية موتى القلوب فلا تفعلوها. قوله: (ويحتمل أن يكون هذا الحديث ورد في بيان الأحسن) أي من قول السلام عليكم (ولا يكون المراد

أن هذا) أي عليكم السلام (ليس بسلام) أي بل هو سلام وإن كانت صيغته خلاف الأفضل بل هي مكروهة كما قال الغزالي وكراهته من حيث الصيغة لا من حيث ذاته وما كان كذلك يجب الرد فيه كما سبق وبما ذكر يجاب عن قول الشيخ الأذرعي لك أن تقول: إذا كره الابتداء بذلك فينبغي ألا يستحق المسلم جواباً لا سيما إذا كان عالماً بالنهي عن ذلك أي لأن عدم استحقاق الجواب إنما هو عند كون المسلم عليه يكره أداء السلام عليه لمعنى فيه كما سيأتي ذكر بعضه أما إذا كان يطلب لكن أتى المسلم بصيغة مكروهة فهو مستحق للرد والله أعلم.

فصل

قوله: (السنة أن يبدأ بالسلام الخ) فلو أتى به بعد تكلم لم يعتد به نعم يحتمل فيمن تكلم سهواً أو جهلاً وعذر به أنه لا يفوت الابتداء به ويترتب على فوات الابتداء بالكلام وعدمه وجوب الرد عليه وعدمه. قوله: (والأحاديث الصحيحة وعمل سلف الأمة وخلفها على وفق ذلك مشهورة) قال الحافظ: الأحاديث

ص: 324

وأما الحديث الذي رويناه في كتاب الترمذي عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "السلامُ قَبْلَ الكَلام" فهو حديث ضعيف، قال الترمذي: هذا حديث منكر.

فصل: الابتداء بالسلام أفضل،

ــ

الصحيحة ليس فيها شيء صريح في ذلك إنما هي وقائع أحوال وسيأتي منها قريباً حديث أسامة بن زيد وحديث أم هانئ وفي صحيح مسلم حديث أبي ذر في قصة إسلامه. قوله: (وأما الحديث الذي رويناه في كتاب الترمذي الخ) قال الحافظ بعد تخريجه بهذا اللفظ وزاد آخره وقال: لا تدعوا أحداً إلى الطعام حتى يسلم هذا الحديث غريب وسنده ضعيف كما قال الشيخ وقد نقل الترمذي تضعيفه أيضاً عن البخاري قال في المشكاة رواه الترمذي وقال: هذا حديث منكر وقال التوربشتي لأن مداره على عيينة بن عبد الرحمن وهو ضعيف جداً ثم إنه يرويه عنه محمد بن زادان وهو منكر الحديث اهـ. قال الحافظ وقد وجدت له شاهداً بسند جيد من حديث ابن عمر ثم أخرجه عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدأكم بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه" قال الحافظ بعد تخريجه: حديث غريب أخرجه ابن السني ورجاله من أهل الصدق ولكن بقية بن الوليد أحد رواته مدلس وقد عنعنه وقد تابعه حفص بن عمر الأيلي بفتح الهمز وسكون التحتية بعدها لام في شيخه عبد العزيز يعني ابن أبي رواد وحفص تركوه ومنهم من كذبه أخرجه ابن عدي في ترجمة عبد العزيز وعبد العزيز ضعفه بعضهم بسبب الإرجاء ولا يقدح فيه عند الجمهور اهـ. قوله: (السلام قبل الكلام) أي لأنه تحية يبدأ به فيفوت بالافتتاح بالكلام كتحية المسجد فإنها قبل الجلوس وتفوت به وقد روى القضاعي عن أنس مرفوعاً السلام تحية ملتنا وأمان لذمتنا.

فصل

قوله: (الابتداء بالسلام أفضل) أي لما ذكره الشيخ ولحديث السلام اسم من أسمائه تعالى وضعه الله في الأرض فأفشوه بينكم فإن الرجل المسلم إذا مر بقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة بتذكيره إياهم

ص: 325

لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "وخَيرُهُما الَّذي يَبْدَأُ بالسَّلام" فينبغي لكل واحد من المتلاقيين أن يحرص على أن يبتدئ بالسلام.

ــ

السلام فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب قال في المرقاة: رواه البزار والبيهقي عن ابن مسعود اهـ وفي الباب أحاديث ذكر الشيخ بعضها وهذا مستثنى من قولهم الفرض أفضل من النفل وقد جمع الحافظ السيوطي صوراً من ذلك في قوله:

الفرض أفضل من تطوع نافل

حتى ولو قد جاء منه بأكثر

إلا التطهر قبل وقت وابتدا

ء بالسلام كذاك إبرا معسر

وقد نظمت ذلك وزدت عليه مسألة رابعة في بيتين هما:

الفرض أفضل من نفل وإن كثرا

فيما عدا أربعاً خذها حكت دررا

بدء السلام أذان مع طهارتنا

قبيل وقت وإبراء لمن عسرا

وقد نظم هذه الصورة كذلك بعضهم وزاد تعليل الأفضلية في كل منها فقال:

أربعة مسنونة إذ تفعل

أفضل من فعل لفرض يكمل

أول تلك البدء بالسلام

أفضل من رد له تمام

والثان فالأذان للمقامه

أفضل من تأدية الإمامه

والثالث الإبراءِ للمكاتب

أفضل من إيتائه للواجب

والرابع الإبراء مما أعسره

أفضل من إنظاره للميسره

كذا رأيت عنهمو منقولا

من غير أن يوجهوا التفضيلا

أن الذي يبدأ بالتحيه

للاختصاص بمزيد رحمه

على الذي أجابه خمسمائه

تسع وتسعون له مهيأه

وللذي أجاب فرداً واحده

لقب لأخبار بذاك وارده

وكون من أذن ذا تأمين

ومن يؤم خص بالتضمين

والسر في ثالثه وآخره

براءة الذمة دنيا وآخره

وإنما يظهر فضل ما فضل

بكثرة الأجر سوى أصل حصل

قوله: (لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح) أي حديث أبي أيوب رضي الله

ص: 326