الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيستحب له الجواب في الموضع الذي لا يجب، وأما المصلَّي، فيحرم عليه أن يقول: وعليكم السلام، فإن فعل ذلك بطلت صلاته إن كان عالماً بتحريمه، وإن كان جاهلاً، لم تبطل على أصح الوجهين عندنا، وإن قال: عليه السلام، بلفظ الغَيبة، لم تبطل صلاته، لأنه دعاء ليس بخطاب، والمستحب أن يرد عليه في الصلاة بالإشارة، ولا يتلفظ بشيء، وإن رد بعد الفراغ من الصلاة باللفظ، فلا بأس. وأما المؤذن، فلا يكره له رد الجواب بلفظه المعتاد، لأن ذلك يسير لا يبطل الأذان ولا يخل به.
باب من يسلَّم عليه ومن لا يسلَّم عليه ومن يُرد عليه ومن لا يُرد عليه
ــ
في باب كراهة الذكر على قضاء الحاجة أول الكتاب مزيد لهذا المقام. قوله: (وأما المصلي فحرام عليه أن يقول وعليكم السلام) أي إذا كانت الصلاة فرضاً لأنها التي يحرم قطعها أو نفلاً أراد استدامتها مع ذلك فيحرم لما فيه من تعاطي العبادة الفاسدة قال الحافظ وما ذكره الشيخ في بطلان الصلاة إذا أورد السلام بالخطاب ليس متفقاً عليه فعن الشافعي نص أنه لا يبطل لأنه لا يراد حقيقة الخطاب بل الدعاء اهـ. قوله: (وإن كان جاهلاً) أو معذوراً لقرب إسلامه أو لبعده عن الماء. قوله: (لم تبطل على أصح الوجهين) ففي الحديث أن إنساناً عطس فشمته بعض من كان حديث عهد بإسلام بقوله: يرحمك الله فرمقه القوم بأبصارهم فقال: واثكل أماه ما بالكم تنظرون إلي؟ الحديث فقال له صلى الله عليه وسلم بعد تمام الصلاة: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام النّاس" ولم ينقل أنه أمره بالإعادة فدل على عذر الجاهل المعذور بالكلام المذكور ونحوه والحديث عند مسلم وغيره. قوله: (أما المؤذن فلا يكره له) أي ولا يسن له ذلك في أثناء الأذان وإن كان يسيراً نعم إن فعله عقبه فهو أحب كما تقدم.
باب من يسلم عليه ومن لا يسلم عليه ومن يرد عليه ومن لا يرد عليه
اعلم أن الرجل المسلم الذي ليس بمشهور بفسق ولا بدعة يسلِّم ويسلَّم عليه، فيسن له السلام ويجب الرد عليه. قال أصحابنا: والمرأة مع المرأة كالرجل مع الرجل. وأما المرأة مع الرجل، فقال الإِمام أبو سعد المتولي: إن كانت زوجته أو جاريته أو مَحرَماً من محارمه، فهي معه كالرجل مع الرجل، فيستحب لكل واحد منهما ابتداء الآخر بالسلام، ويجب من الآخر رد السلام عليه، وإن كانت أجنبية، فإن كانت جميلة يخاف الافتتان بها لم يسلِّم الرجل عليها، ولو سلم، لم يجز لها رد الجواب ولم تسلِّم هي عليه ابتداءً، فإن سلَّمت، لم تستحق جواباً، فإن أجابها كره له، وإن كانت عجوزاً لا يفتتن بها، جاز أن تسلِّم على الرجل، وعلى الرجل رد السلام عليها، وإذا كانت النساء جمعاً، فيسلِّم عليهنَّ الرجل، أو كان الرجال جمعاً كثيراً، فسلَّموا على المرأة الواحدة جاز إذا لم يُخفْ عليه ولا عليهن ولا عليها ولا عليهم فتنة.
ــ
الباب السابق لبيان من يكره السلام عليه لأمر عارض ومن لا يطلب الرد عليه كذلك وهذا فيه بيان من لا يطلب السلام عليه لذاته وفي بيان من لا يرد عليه لذاته أيضاً. قوله: (ولو سلم لم يجز لها رد الجواب ولم تسلم هي عليه ابتداء) أي يحرم على الشابة ابتداء الأجنبي بالسلام والرد عليه وفارق
كراهتها له من الرجل بأن ابتداءها وردها يطمعه فيها أكثر بخلاف ابتدائه ورده والخنثى مع الرجل كإمرأة ومع المرأة كرجل في النظر فكذا هنا. قوله: (إذا لم يخف عليه ولا عليهن ولا عليها أو عليهم فتنة) فإن خيفت فتنة فيحرم سلام الرجل على جمع النساء وسلام الرجال على المرأة هذا ما أفهمه إطلاقه وليس بواضح في الأولى فقد أطلق الأصحاب جواز سلام جمع النساء على الرجل وكذا سلامه عليهن بل يندب له ابتداؤهن به ويجب الرد على إحداهن حينئذٍ وعللوه كما في التحفة لابن حجر بأنه لا يخشى فتنة حينئذٍ ومن ثم حلت الخلوة بامرأتين اهـ. وكأنه لم ينظر لتوهمها اكتفاء بكون ذلك ليس مظنة
روينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه وغيرها عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: "مر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا" قال الترمذي: حديث حسن. وهذا الذي ذكرته لفظ رواية أبي داود. وأما رواية الترمذي، ففيها عن أسماء "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في المسجد يوماً وعصبة من النساء قعود، فألوى بيده بالتسليم".
وروينا في كتاب ابن السني عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه "أن رسول صلى الله عليه وسلم مر على نسوة فسلم عليهن".
ــ
ذلك غالباً إذ النساء عند اجتماعهن تنقطع الأطماع عنهن غالباً ولا كذلك المرأة مع جمع الرجال فيشترط في سلامهم عليها الأمن من الفتنة والله أعلم وسكت عن سلام جمع الرجال على جمع النساء وعكسه.
قوله: (روينا في سنن أبي داود الخ) سبق تخريجه والكلام على بعض ما يتعلق في باب كراهة الإشارة بالسلام. قوله: (فألوى بيده بالتسليم) أي أشار بها وتلفظ بالسلام إعمالاً للروايتين كما سبق بيانه. قوله: (وروينا في كتاب ابن السني) قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث غريب رجاله رجال الصحيح إلا جابراً وهو ابن يزيد الجعفي فهو ضعيف أخرجه ابن السني عن أبي يعلى والحافظ أخرج الحديث من طريق أبي يعلى أيضاً. قوله: (عن جرير بن عبد الله) هو البجلي وبجيلة بفتح الموحدة وكسر الجيم من ولد أنمار بن نزار بن معد بن عدنان واختلف في بجيلة هل هي أب أو أم؟ نسبت القبيلة إليها كذا في المفهم للقرطبي، وفي التهذيب للمصنف بجيلة بنت أنما ابن أوس نسب إليها القبيلة وفي الاستيعاب لابن عبد البر لم يختلفوا أن بجيلة أمهم نسبوا إليها وهي بجيلة بنت مصعب بن علي بن سعد العشيرة اهـ. وجرير هذا هو سيد بجيلة يكنى أبا عمرو وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل وافداً يطلع عليكم خير ذي يمن:"كأن على وجهه مسحة ملك" فطلع جرير وكان عمر يقول: فيه جرير بن عبد الله يوسف هذه الأمة وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه" وقال له عمر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رضي الله عنه: ما زلت سيداً في الجاهلية والإسلام وبسط له صلى الله عليه وسلم ثوباً ليجلس عليه قال في المفهم أسلم قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين يوماً ومثله في الاستيعاب وعبارته أسلم في العام الذي توفي
فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جرير: أسلمت قبل موته بأربعين يوماً ونقله بنحوه ابن الأثير في أسد الغابة لكن يشكل عليه حديث الصحيحين عنه رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "يوم عرفة استنصت لي النّاس" أورده بهذا اللفظ وعزاه للصحيحين العامري في الرياض وعزاه المصنف في التهذيب كذلك لكن لم أر فيه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم الخ ولعل إسقاط لي وقع من قلم الكاتب ثم رأيتها ثابتة كذلك في باب العلم وغيره من صحيح البخاري وفي كتاب الإيمان من صحيح مسلم وقد أحسن صاحب الرياض حيث قال: أسلم في السنة العاشرة أي التي وقعت حجة الوداع فيها ثم رأيت الحافظ الذهبي قال في كتابه تهذيب الكمال أسلم سنة عشر في رمضان اهـ. وهذا واضح جلي لا يخالفه شيء من الأخبار والله أعلم بحقيقة الحال، قال السيوطي في التوشيح: ادعى بعضهم زيادة لفظ لي لأن جريراً أسلم بعد حجة الوداع بنحو شهرين فيما جزم به ابن عبد البر ورد بأن البغوي وابن حبان قالا: إنه أسلم قبلها في رمضان واللفظة ثابتة في الأمهات القديمة فتقدم اهـ. نزل جرير الكوفة: بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم واتخذ بها داراً ثم تحول إلى قرقيسا ومات بها سنة أربع وخمسين وقيل: سنة إحدى وخمسين وقيل: مات بالسراة في ولاية الضحاك بن قيس على الكوفة لمعاوية روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قيل مائة حديث اتفقا منها على ثمانية وانفرد البخاري بحديث ومسلم بستة ومن فضائله ما في الصحيحين عن جرير قال: كان في الجاهلية بيت لخثعم يقال له ذو الخلصة والكعبة اليمانية فنفرت إليه بمائة وخمسين فارساً من أحمس فكسرناه وقتلنا من وجدنا عنده فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرناه فدعا لنا وفي رواية قال: انطلق فحرقها بالنار ثم بعث جرير رجلاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشره أنهم تركوها كالجمل الأجرب فبرك صلى الله عليه وسلم على خيل أحمس ورجالها خمس مرات ومناقبه كثيرة قال المصنف في التهذيب ومن مستظرفات مناقبه رضي الله عنه أنه اشترى له وكيله فرساً بثلاثمائة
وروينا في "صحيح البخاري" عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: "كانت فينا امرأة -وفي رواية: كانت لنا عجوز- تأخذ من أصول السِّلْق فتطرحه في القِدْر وتُكَرْكِرُ حَبَّابٍ من شعير، فإذا صلينا الجمعة انصرفنا نسلَّمْ عليها، فتقدِّمه إلينا".
قلت: تكَركر، معناه: تطحن.
وروينا في "صحيح مسلم"
ــ
درهم فرآها جرير فتخيل له أنها تساوي أربعمائة درهم فقال لصاحبها أتبيعها بأربعمائة درهم قال: نعم ثم تخيل أنها تساوي خمسمائة درهم فقال: أتبيعها بخمسمائة درهم ثم بسبعمائة ثم ثمانمائة فاشتراها بثمانمائة اهـ. وسببه أنه بايع النبي صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم كما جاء عنه لما سئل عن ذلك كما ذكره المصنف في شرح مسلم وفي تذهيب التهذيب للكمال الذهبي كان جرير إذا اشترى الشيء قال لصاحبه تعلم والله أن الذي اشترينا منك أعجب إلينا من ثمنه.
قوله: (وروينا في صحيح البخاري الخ) هذا اللفظ في إحدى روايات البخاري وفيه بعد قوله فتقدمه إلينا وما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة قال الحافظ: أخرج مسلم منه الجملة الأخيرة مقتصراً عليها وفي رواية للبخاري عن سهل بن سعد أيضاً قال: كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقاً فذكر الحديث وفيه ثم تجعل قبضة من شعير تطحنها وفي آخره وكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك قال الحافظ أخرجه الإسماعيلي وابن حبان. قوله: (من أصول السلق) بكسر السين المهملة وإسكان اللام بعدها قاف بقل معروف. قوله: (فتطرحه) أي المأخوذ أي تطرح السلق
قال الكرماني في الحديث الإيثار بالقليل الحقير وفيه السلام على المرأة الأجنبية وفيه قناعة الصحابة وعدم حرصهم على الدنيا ولذاتها اهـ.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) قال الحافظ بعد تخريجه: أخرجه مسلم وابن حبان قلت ورواه البخاري أيضاً كما سيأتي في كتاب الاستئذان للمصنف والحديث عند الترمذي والنسائي ثم في هذا الخبر بطريقه أنها جاءته وهو يغتسل وفاطمة تستره وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل في بيتها يوم الفتح وجمع بينهما بإمكان وقوع كل فمرة كان
عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وهو يغتسل، وفاطمة تستره، فسلَّمت
…
" وذكرت الحديث.
فصل: وأما أهل الذمة فاختلف أصحابنا فيهم،
ــ
ببيتها ومرة ذهبت إليه أو يقال: إنه كان في بيتها ولا ينافيه كون فاطمة عنده تستره أو يقال: كان لها بيتان أحدهما كان صلى الله عليه وسلم سكن فيه والآخر سكناها فالإضافة إليها باعتبار مالكيتها وإليه باعتبار سكناه والله أعلم. قوله: (عن أم هانئ) أي بهمزة آخره قال المصنف في التهذيب لا خلاف فيه بين أهل اللغة والأسماء كلهم مصرحون به وهي بنت أبي طالب أخت علي لأبويه واسمها فاختة حكاه ابن الأثير وقال المصنف إنه المشهور كما سيأتي وقيل هند أسلمت عام الفتح وكانت تحت هبيرة بن عمرو فولدت له عمراً وهانئاً ويوسف وجعدة روي لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قيل: ستة وأربعون حديثاً اتفقا منها على واحد وخرج حديثها الجماعة وروى عنها ابنها جعدة وحفيدها يحيى بن جعدة وعروة وطائفة ماتت في زمن معاوية. قوله: (يوم الفتح) أي فتح مكة وكان في رمضان من السنة الثامنة من الهجرة. قوله: (الحديث) وفيه فقال: من هذه: فقلت: أم هانئ بنت أبي طالب فقال: مرحباً بأم هانئ الحديث في قصتها مع أخيها علي لما أراد قتل من أجارته وفي آخره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ" قال المصنف في الحديث: سلام المرأة التي ليست بمحرم على الرجل بحضرة محارمه، قولها: فقلت: أم هانئ بنت أبي طالب فيه أنه لا بأس أن يكني الإنسان نفسه على سبيل التعريف إذا اشتهر بالكنية وفيه أنه إذا استأذن يقول المستأذن عليه من هذا فيقول المستأذن: فلان باسم يعرفه به المخاطب، وقوله صلى الله عليه وسلم:"مرحباً بأم هانئ" فيه استحباب قول الإنسان لزائره والوارد عليه مرحباً ونحوه من ألفاظ الإكرام والملاطفة ومعنى مرحبا صادفت رحباً أي سعة اهـ.
فصل
قوله: (وأما أهل الذمة) كذا ترجم هنا والأحاديث وترجم غالب الأصحاب السلام على أهل الكتاب الشامل لأهل الذمة وذوي الحرابة والله أعلم.
فقطع الأكثرون بأنه لا يجوز ابتداؤهم بالسلام، وقال آخرون: ليس هو بحرام، بل هو مكروه، فإن سلَّموا هم على مسلم قال في الرد: وعليكم، ولا يزيد على هذا.
وحكى أقضى القضاة الماوردي وجهاً لبعض أصحابنا، أنه يجوز ابتداؤهم بالسلام، لكن يقتصر المسلِّم على قوله: السلام عليك، ولا يذكره بلفظ الجمع.
ــ
ثم رأيت في التحفة لابن حجر يحرم أي الجواب لمن سلم عليه نحو حربي أو مرتد وذلك مؤيد لما ترجم به المصنف مبين أن لفظ أهل الكتاب أو اليهود أو النصارى الوارد في الأخبار من العام المراد به الخاص. قوله: (فقطع الأكثرون بأنه لا يجوز ابتداؤهم بالسلام الخ) قال العلوي وفي الشامل في الوليمة لا يجب رد السلام على أهل
الذمة اهـ. والصحيح من مذهبنا وجوب الرد لكن يقتصر على قوله: وعليكم. قوله: (وقال آخرون ليس هو بحرام الخ) قال المصنف في شرح مسلم وهذا ضعيف لأن النهي للتحريم والصواب تحريم ابتدائهم اهـ (فإن سلموا هم) أي أهل الذمة (على مسلم قال) أي المسلم وجوباً (في الرد وعليكوا) قال المصنف في شرح مسلم دليل تحريم ابتدائهم قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام" ودليل وجوب الرد قوله في الحديث الآخر فقولوا: وعليكم وما ذكرناه عن مذهبنا قال به أكثر العلماء وعليه السلف وقال البلقيني والأذرعي والزركشي يسن الرد عليهم ولا يجب وخرج بقوله فإن سلموا هم أي أهل الذمة ما إذا سلم الحربي وفي معناه المرتد فلا يجب الرد عليهم بل يحرم كما تقدم آنفاً. قوله: (وحكى أقضى القضاة الماوردي الخ) في شرح مسلم للمصنف وذهبت طائفة إلى جواز ابتدائنا لهم بالسلام وروي ذلك عن ابن عباس وأبي أمامة وابن محيريز وهو وجه لبعض أصحابنا حكاه الماوردي لكنه قال: يقول: السلام عليك ولا يقول عليكم بالجمع واحتج هؤلاء بعموم أحاديث إفشاء السلام وهي حجة باطلة لأنه عام مخصوص بحديث: "لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام" وحكى القاضي عن جماعة أنه يجوز ابتداؤهم به لضرورة أو حاجة أو سبب وهو قول علقمة والنخعي وعن الأوزاعي
وحكى الماوردي وجهاً أنه يقول في الرد عليهم إذا ابتدؤوا: وعليكم السلام، ولكن لا يقول: ورحمة الله، وهذان الوجهان شاذان ومردودان.
روينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَبْدَؤوا اليَهُودَ ولا النَّصَارى بالسَّلام فإذا لَقِيتُمْ أحَدَهُمْ في طَريقِ فاضْطَرُّوهُ إلى أضْيَقِهِ".
وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا سَلَّمَ عَلَيكُمْ أهْلُ الكِتابِ فَقُولُوا: وعَلَيكمْ".
ــ
إن سلمت فقد سلم الصالحون وإن تركت فقد ترك الصالحون. قوله: (وحكى الماوردي الخ) قال المصنف في شرح مسلم وهو ضعيف مخالف للأحاديث.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) قال الحافظ بعد تخريجه لكن أخرجه بلفظ وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها أخرجه أحمد ومسلم وأبو عوانة في صحيحه اهـ. قال في المرقاة وكذا أخرجه أبو داود والترمذي. قوله: (لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام) أي لأن الابتداء به إعزاز للمسلم عليه ولا يجوز إعزازهم وكذا لا يجوز توادهم وتحابهم بالسلام قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ} ، الآية. قوله:(فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقها) قال المصنف قال أصحابنا: لا يترك للذمي صدر الطريق بل يضطر أي يلجأ إلى أضيقها إذا كان المسلمون يطرقون فإن خلت الطريق عن الزحمة أي إما بالفعل وإما بأن يؤمر بالعدول عن وسط الطريق إلى أحد طرفيه فلا حرج وليكن التضييق بحيث لا يقع في وهدة ولا يصدمه جدار ونحوه اهـ.
قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) هكذا هو عند الشيخين وأخرجه أحمد والنسائي كلهم من طريق شعبة بهذا اللفظ قال: قولوا وعليكم وأخرجه أيضاً من طريق حماد بن سلمة عن قتادة والقاسم كلاهما عن أنس قال: قال صلى الله عليه وسلم: "إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: عليكم" هكذا فيه بغير
وروينا في "صحيح البخاري" عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: "إذَا سَلَّمَ عَلَيكُمُ اليَهُودُ فإنَّمَا يَقُولُ أحَدُهُم: السَّلام عَلَيكَ، فَقُلْ: وَعَلَيكَ"
ــ
واو اهـ. من كلام الحافظ ملخصاً وفي شرح مسلم للمؤلف جاءت للأحاديث التي ذكرها مسلم عليكم وعليكم بإثبات الواو وحذفها وأكثر الروايات إثباتها وفي الجامع الصغير بعد ذكر الحديث عن أنس بهذا اللفظ رواه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي وفي بدائع الفوائد لابن القيم قال الخطابي: المحدثون يروونه بالواو وقال أبو داود وكذا رواه مالك عن ابن دينار وكذا رواه الثوري فقال: وعليكم وأخرجه الترمذي والنسائي كذلك اهـ. وحديث مالك الذي ذكره أبو داود أخرجه البخاري في صحيحه وحديث سفيان متفق عليه وما أشار إليه الخطابي من أن ابن عيينة رواه بحذف الواو فهو كذلك عنه عند النسائي في سننه أشار إليه الحافظ وسيأتي لهذا المعنى مزيد.
قوله: (وروينا في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما الخ) قال في السلاح خرج حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم: السام عليكم فقل: وعليك" الجماعة إلا ابن ماجه وفي رواية للنسائي فقل: عليك بغير واو اهـ. وقال الحافظ بعد تخريجه أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن عبد الله بن دينار هكذا أي بإثبات الواو في وعليك وكذا رواه بالإثبات سفيان بن عيينة عن عبد الله بن دينار ورواه يحيى بن يحيى عن مالك بحذفها من عليك وكذا رواه عنه خالد بن مخلد قال الحافظ ولم يذكر المؤلف أن مسلماً أخرج الحديث مع أنه عنده لكن من غير رواية مالك ولفظه إن اليهود إذا سلموا عليكم يقول أحدهم: السام عليكم فقل: عليك وفي رواية فقل: وعليك فأخرجه بغير واو الترمذي والنسائي أيضاً وخرجه الحافظ من طرق أخرى، والسام قال الطيبي رواه قتادة مهموزاً وقال: معناه يسأمون دينكم ورواه غيره السام وهو الموت فإن كان عربياً فهو من سام يسوم إذا مضى لأن الموت مضى اهـ. قيل: وهذا المعنى غير مذكور في القاموس إنما فيه سوم فلاناً خلاه ولعله أقرب مأخذ للمعنى اهـ. قال المصنف في شرح مسلم على إثبات الواو في معنى قوله: وعليكم وجهان أحدهما أنه على ظاهره أي أن السام الذي هو الموت علينا وعليكم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أيضاً أي نحن وأنتم فيه سواء أي كلنا نموت وعليه فالواو عاطفة قلت لكن نقل بعضهم عن القاضي عياض أنه إذا علم التعريض بالدعاء علينا فالوجه أن يقدر وأقول عليكم ما تريدون بنا أو ما تستحقونه ولا يكون وعليكم عطفاً على عليكم في كلامهم وإلا لتضمن ذلك تقرير دعائهم ولذا جاء في الرواية بغير واو اهـ. وظاهر كلام المصنف أنها للعطف وإن علم أنهم عرضوا بالسلام مريدين به الموت ولا ضرر في تقرير دعائهم به والله أعلم، الثاني أن الواو هنا للاستئناف وتقديره وعليكم ما تستحقونه من الذم أما من حذف الواو فتقديره عليكم السام قال القاضي: اختار بعض العلماء منهم ابن حبيب المالكي حذف الواو لئلا تقتضي التشريك وقال غيره بإثباتها كما هو في أكثر الروايات قال
وقال بعضهم: عليكم السلام بكسر السين أي الحجارة وهذا ضعيف وقال الخطابي عامة المحدثين يروون هذا الحرف بالواو وكان ابن عيينة يرويه بغير واو وقال الخطابي: هذا هو الصواب لأنه إذا حذف الواو صار كلامهم بعينه مردوداً عليهم خاصة وإذا أثبت الواو اقتضى المشاركة معهم فيما قالوه: هذا كلام الخطابي والصواب أن إثبات الواو وحذفها جائزان كما صحت به الروايات وأن الواو أجود كما هو في أكثر الروايات ولا مفسدة فيه لأن السام الموت وهو علينا وعليهم فلا ضرر في قوله بالواو اهـ. وفي السلاح بعد نقل كلام الخطابي ما لفظه وقال غيره أما من فسر السام بالموت فلا يبعد الواو ومن فسره بالسآمة وهي الملالة أي تسامون دينكم فإسقاط الواو هو الوجه اهـ. وجمع في الحرز بجمع آخر وهو حمل حذف الواو على صدوره منه صلى الله عليه وسلم عند قولهم: السام عليك وإثباتها على صدوره منه صلى الله عليه وسلم عند قولهم: السلام عليك وأراد به السلامة الدنيوية لهم بناء على حسن المعاشرة العرفية وهو الظاهر من إطلاق الآية القرآنية {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} وهذا للمسلمين {أَوْ رُدُّوهَا} وهذا لأهل الكتاب والله أعلم بالصواب وفي بديع الفوائد لابن القيم في إدخال الواو هنا سر لطيف هو الدلالة على أن هذا الذي طلبوه ودعوا به لنا هو بعينه مردود عليهم لا غيره فإدخال الواو مفيد لهذه النكتة البديعة ونظير هذا في الخبر إذا قلت: غفر الله لك فقيل: ولك فكأن المعنى أن هذه الدعوة بعينها مني لك فلو قلت لك بحذف الواو لم يكن فيه إشعار بأن الدعاء الثاني هو الأول بعينه فتأمله فإنه بديع جداً وعليه فالصواب إثبات الواو كما هو ثابت في الصحيح والسنن وقال
وفي المسألة أحاديث كثيرة بنحو ما ذكرنا، والله أعلم.
قال أبو سعد المتولي: ولو سلَّم على رجل ظنه مسلماً، فبان كافراً، يستحب أن يستردَّ سلامه
ــ
التوربشتي: إثبات الواو في الرد عليهم إنما يحمل على معنى الدعاء لهم بالإسلام فإنه مناط السلامة في الدارين إذا لم يعلم منهم تعريض بالدعاء علينا وأما إذا علم ذلك فالوجه فيه أن يكون التقدير وأقول عليكم ما تستحقونه وإنما اختار صلى الله عليه وسلم هذه الصيغة ليكون أبعد من الإيحاش وأقرب إلى الرفق فإن رد التحية يكون إما بأحسن منها أو بقولنا: وعليك السلام والرد بأحسن عليهم لا يجوز لنا ولا رد بأقل من قولنا: وعليك وأما الرد بغير الواو فظاهر أي عليكم ما تستحقونه اهـ. وفي بديع الفوائد أيضاً إنما اقتصر في الرد علي أهل الكتاب على قوله وعليكم لأن ذلك متضمن للرد فهو مماثل لقول المسلم: السلام عليك ولم يزد فيه السلام لأنهم ربما كانوا يحرفونه ولا يعدلون فيه وربما كانوا يسلمون سلاماً صحيحاً غير محرف ويشتبه الأمر فيه على السامع فندب إلى هذا اللفظ المفرد المتضمن لرده عليهم نظير ما قالوه ولم تشرع فيه الجملة التامة لأنها إما تتضمن من التحريف مثل ما قالوا ولا يليق بالمسلم تحريف السلام الذي هو تحية أهل الإسلام وإما يرد سلاماً صحيحاً غير محرف مع كون المسلم محرفاً للسلام فلا يستحق الرد الصحيح فكان العدول إلى المفرد وهو عليك مقتضى الحكمة مع ما فيه من السلامة من تحريف ذكر الله تعالى، والحاصل أن عليكم يكفي في مقصود الجواب وإنما زيد المسلم السلام تكميلاً للعدل ودفعاً لأن يتوهم إرادة غيره اهـ. بالمعنى وهو بديع نفيس والله أعلم. قوله:(وفي المسألة أحاديث كثيرة) قال الحافظ منها حديث عائشة في الصحيحين من طريق الزهري عن عروة عنها قالت: دخل وهي من اليهود فقالوا: السام عليك ففهمتها الحديث وفيه ألم تسمع ما
قالوا قال: قد قلت: وعليكم لفظ شعيب عند البخاري ولفظ مسلم عن سفيان بغير واو وأخرجه البزار من وجه آخر عن أنس فيه زيادة وقال في رواية السأم عليكم أي بالهمز أي تسأمون دينكم وفي آخره قد قلت: عليكم أي عليكم ما قلتم هكذا في نفس الحديث ويغلب على الظن أن التفسير مدرج في الخبر من بعض الرواة لكن الإدراج لا يثبت بالاحتمال والعلم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عند الله وأصل حديث أنس في الصحيح ثم أخرجه الحافظ عن أنس قال: أتى رجل من أهل الكتاب فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السام عليك فقال عمر: ألا أضرب عنقه فقال صلى الله عليه وسلم: "إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: عليكم" وقال بعد تخريجه: أخرجه أحمد وفي رواية بعد قوله: أضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا" وأخرجه البخاري من طريق ابن المبارك عن شعبة ووقع في روايته فقالوا: ألا نقتله ولم يسم عمر ومنها في حديث زيد بن أرقم عند الطبراني في المعجم الكبير ويستفاد منه أن اسم اليهودي الذي سلم ثعلبة بن الحارث ولفظ الحديث عن زيد بن أرقم قال: بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقبل رجل من اليهود يقال له: ثعلبة بن الحارث فقال: السام عليك يا محمد الحديث قال الحافظ وسنده واه، ومنها حديث أنس كما سبق ومنها حديث جابر قال: سلم ناس من اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم فقال: وعليكم فقالت عائشة وغضبت: ألم تسمع ما قالوا قال: بلى في سمعت ورددتها عليهم إنا نجاب ولا يجابون علينا قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الإِمام أحمد وغيره أخرجه مسلم، ومنها حديث أبي بصرة بفتح الموحدة وسكون المهملة وأبي عبد الرحمن الجهني ذكر ذلك الترمذي عقب حديث عائشة حيث قال وفي الباب الخ قال الحافظ هو حديث واحد اختلف على بعض رواته في صحابيه، ثم أخرجه الحافظ عن أبي بصرة الغفاري واسمه حميل بمهملة مصغر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني راكب غداً إلى يهود فمن انطلق منكم معي فلا يبدؤهم بالسلام" فلما جئناهم سلموا علينا فقلنا: وعليكم قال الحافظ بعد تخريجه بهذا اللفظ: هذا حديث صحيح أخرجه أحمد والنسائي ووقع عنده وعند أحمد في رواية بعد قوله بالسلام فإذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم وهكذا رواه ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير اليزني عن مرثد بفتح أوله والمثلثة بينهما مهملة ساكنة عن أبي بصرة ثم أخرج الحافظ طريق ابن لهيعة المذكورة وقال فذكر الحديث بتمامه أخرجه محمد بن الربيع الجيزي في مسند الصحابة المصريين وقال في روايته فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وساق الحديث ورواه محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب فاختلف عليه في صحابيه فوافق الجماعة تارة وخالفهم أخرى ثم أخرج الحافظ عن حبيب عن مرثد بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الجهني رضي الله عنه قال: قال
فيقول له: رِدَّ عليَّ سلامي، والغرض من ذلك أن يُوحِشه ويُظْهِرَ له أنه ليس بينهما أُلفة.
وروي أن ابن عمر رضي الله عنهما سلّم على رجل، فقيل: إنه يهودي، فتبعه وقال له: ردَّ على سلامي.
قلت:
ــ
لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني راكب غداً إلى يهود فلا تبدؤوهم بالسلام وإذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم" ثم قال أخرجه ابن ماجه ومحمد بن الربيع أيضاً والطحاوي تنتهي طرقهم إلى ابن إسحاق بالسند المذكور قال أبو جعفر: سألت يوسف عن أبي عبد الرحمن فقال: لا أعرفه ولكن هكذا حدثني عبد الرحيم يشير به إلى أن المشهور بهذا السند أبو بصرة الغفاري كما تقدم وقال أبو القاسم بن عبد الحكم في كتاب فتوح مصر هذا خطأ وإنما هو أبو بصرة كما قال ابن لهيعة والليث وغيرهما عن يزيد بن أبي حبيب، وأخرجه الحافظ أيضاً من طريق
ابن إسحاق عن يزيد عن أبي الخير عن أبي بصرة فذكر مثل الرواية السابقة أولاً ثم قال الحافظ: فيحتمل أن يكون عنده على الوجهين وإلا فهي شاذة لمخالفة العدد الكثير عن ابن إسحاق والمراد من قوله فهي أي رواية ابن إسحاق الخبر من حديث أبي بصرة شاذة فإن الراوية عنه إنما روى الحديث من جهته من حديث أبي عبد الرحمن قال الحافظ ورواه من جهته من حديث أبي بصرة الطبراني قال الحافظ وأخرجها محمد بن الربيع عن القطان أيضاً فلم ينفرد بها الطبراني. قوله: (فيقول له رد علي سلامي) أي ومثله استرجعت سلامي قال في شرح الروض فكل من الصيغتين كاف في ذلك قال في المرقاة ولا بأس بمثل هذا للمبتدع أو للمباغض أو المتكبر الذي لم يرد عليه السلام اهـ، والمقرر أنه إذا لم يرد عليه فيستحب له إبراء المسلم عليه بقوله: أسقطت حقي ليبرأ من حقه وما قاله في المبتدع غير بعيد إلا أن أصحابنا لم أر عنهم النقل بذلك والله أعلم وسيأتي في الأصل قريباً حكم المبتدع في ابتدائه بالسلام والرد عليه. قوله: (روي أن ابن عمر الخ) قال الحافظ: لم يذكر المصنف من خرجه وقد وجدته في جامع ابن وهب وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان من طريقه عن السري بن
وقد روينا في "موطأ مالك" رحمه الله أن مالكاً سئل عمن سلم على اليهودي أو النصراني هل يستقيله ذلك؟ فقال: لا، فهذا مذهبه، واختاره ابن العربي المالكي. قال أبو سعد: لو أراد تحية ذمي، فعلها بغير السلام، بأن يقول: هداك الله، أو أنعم الله صباحك.
قلت: هذا الذي قاله أبو سعد لا بأس به إذا احتاج إليه، فيقول: صُبِّحت بالخير، أو السعادة، أو بالعافية، أو صبَّحك الله بالسرور، أو بالسعادة والنعمة، أو بالمسرَّة، أو ما أشبه ذلك. وأما إذا لم يحتج إليه، فالاختيار أن لا يقول شيئاً، فإن ذلك بَسْط له وإيناس وإظهار صورة ود، ونحن مأمورون بالإغلاظ عليهم ومنهيون عن ودِّهم فلا نظهره، والله أعلم.
فرع: إذا مرَّ واحد على جماعة فيهم مسلمون، أو مسلم وكفَّار، فالسُّنَّة أن يسلم عليهم ويقصد المسلمين أو المسلم.
ــ
يحيى عن سليمان التيمي أن ابن عمر مر برجل فسلم عليه فقيل له: نصراني فرجع إليه وقال: رد علي سلامي فقال: قد رددته عليك فقال له ابن عمر: كثر الله مالك لكن في الأولى أنه يهودي وفي هذه أنه نصراني وفي هذه زيادة ليست في تلك ولعلهما واقعتان اهـ.
قوله: (وقد روينا في موطأ مالك الخ) قال الحافظ: وقع ذلك في الرواية التي سقتها عن يحيى ابن يحيى قال: وسئل مالك عمن سلم على اليهودي والنصراني هل يستقيله ذلك قال: لا اهـ. قوله: (هل يستقيله) أي بأن يقول له: رد علي سلامي مثلاً أولاً. قوله: (ونحن مأمورون بالإغلاظ عليهم) قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} والأمة مثله صلى الله عليه وسلم في هذا الحكم. قوله: (ومنهيون عن ودهم) قال تعالى: ({لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ
وَرَسُولَه} والآية. وفي التحية المذكورة إظهار للتواد فدخلت تحت الوصف الذميم أي موادة الكفار قال تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} قوله: (فالسنة أن يسلم ويقصد المسلمين) أي يقصد اختصاص المسلمين بابتدائه بالسلام واستثناء الذمي من المسلم عليهم وظاهر عبارته
روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم من على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عَبَدة الأوثان واليهود، فسلَّم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ".
فرع: إذا كتب كتاباً إلى مشرك، وكتب فيه سلاماً أو نحوه، فينبغي أن يكتب ما رويناه في "صحيحي البخاري ومسلم" في حديث أبي سفيان رضي الله عنه في قصة هرقل "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب: من محمد عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتَّبع الهدى".
ــ
أن هذا القصد سنة وبمثل ذلك عبر في الروضة لكن في شرح الروض ويستثنيه أي الذمي وجوباً ولو بقلبه إن كان بين المسلمين وسلم عليهم ويمكن جعل عبارته هنا موافقة لذلك بأن يرفع ويقصد المسلمين على الاستئناف فيكون خارجاً عن الاستحباب المقصور على ما قبله والله أعلم قال ابن العربي ومثل ما ذكر في أخلاط المسلمين والكافر ما إذا من بمجلس فيه أهل السنة والبدعة أو بمجلس فيه عدول وظلمة أو بمجلس فيه محب ومبغض اهـ.
قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) وأخرجه ابن السني أيضاً ولذلك لما ذهب لزيارة ابن عبادة فمر بمجلس فيه ابن أبي وقوم من المؤمنين. قوله: (أخلاط من المسلمين الخ) بفتح الهمز جمع خلط وهو ما يخلط والمراد جمع مخلوط من هذه الأنواع مختلطون غير متمايزين. قوله: (عبدة الأوثان) عطف بيان أو بدل للمشركين قال الطيبي وكذا قوله واليهود وجعلهم مشركين إما لقولهم عزير ابن الله وإما للتغليب أو للتقدير كقوله متقلداً سيفاً ورمحاً اهـ والأولى عطف اليهود على المشركين. قوله: (فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم الخ) قال المصنف: فيه جواز الابتداء بالسلام على قوم فيهم مسلمون وكفار أي وقد قصد المسلمين وهذا مجمع عليه. قوله: (إذا كتب كتاباً إلى مشرك) أي أراد أن يكتب والمراد من المشرك في العبارة الكافر بأنواعه لا ما يقابل أهل الكتاب. قوله: (ما رويناه في صحيحي البخاري ومسلم) رويناه من حديث ابن عباس عن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبي سفيان بن حرب قال: انطلقت في المدة التي كانت بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا أنا بالشام إذ جيء بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل فساق القصة إلى أن قال: فقرأه وفي رواية فأمر به فقرئ فإذا فيه يسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله وفي رواية من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى وذكر بقية الحديث قال المصنف في كتابه صلى الله عليه وسلم جمل من القواعد منها وجوب العمل بخبر الواحد وإلا فلم يكن في بعث الكتاب مع دحية فائدة وهذا إجماع من يعتد به ومنها استحباب تصدير الكتاب باسم الله الرحمن الرحيم وإن كان المبعوث إليه كافراً، ومنها أن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم المراد فيه بحمد الله ذكر الله تعالى وقد جاء في رواية بذكر الله
تعالى وهذا الكتاب كان ذا بال بل من المهمات العظام وبدأ فيه بالبسملة دون الحمدلة، ومنها أنه يجوز أن يسافر إلى أرض العدو بالآية والآيتين ونحوهما وأن يبعث ذلك إلى الكفار وإنما نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو أي بكلمة أو بجملة منه وذلك أيضاً محمول على ما إذا خيف وقوعه في أيدي الكفار ومنها أنه يجوز للمحدث والكافر مس آية أو آيات يسيرة مع غير القرآن ومنها أن السنة في المكاتبة والمراسلة بين النّاس أن يبدأ الكاتب الكتاب بنفسه فيقول من زيد إلى عمرو وهذه مسألة مختلف فيها قال الإِمام أبو جعفر بن النحاس في كتابه صناعة الكتاب قال العلماء: يستحب أن يبدأ فيه بنفسه كما ذكرنا ثم روى فيه أحاديث كثيرة وآثاراً قال: وهذا هو الصحيح عند العلماء لأنه إجماع الصحابة قال: وسواء في هذا تصدير الكتاب والعنوان قال ورخص جماعة في أن يبدأ بالمكتوب إليه فيقول في التصدير والعنوان إلى فلان من فلان ثم روي بإسناده إلى زيد بن ثابت كتب إلى معاوية فبدأ باسم معاوية وعن محمد ابن الحنفية وبكر بن عبد الله وأيوب السختياني أنه لا بأس بذلك، قال وأما العنوان فالصواب أن يكتب عليه إلى فلان ولا يكتب لفلان لأنه إليه لا له إلا على مجاز قال وهذا هو الصواب الذي عليه أكثر العلماء من الصحابة والتابعين قلت في المرقاة روى الطبراني في الكبير بسند حسن عن النعمان بن بشير مرفوعاً إذا كتب أحدكم إلى أحد فليبدأ بنفسه وروى الحاكم وغيره كتابه صلى الله عليه وسلم إلى معاذ بن جبل يعزيه
فرع: فيما يقول إذا عاد ذمياً: اعلم أن أصحابنا اختلفوا في عيادة الذمي، فاستحبَّها جماعة، ومنعها جماعة، وذكر الشاشي الاختلاف ثم قال: الصواب عندي أن يقول: عيادة الكافر في الجملة جائزة، والقربة فيها موقوفة: على نوع حرمة تقترن بها من جِوَارٍ أو قرابةٍ.
قلت: هذا الذي ذكره الشاشي حسن، فقد روينا في "صحيح البخاري" عن أنس
ــ
في ابن له بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ بن جبل الحديث قيل ولعل هذا الصنيع مقتبس من قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ولا يخفى أن الواو لمطلق الجمع أو كان من سليمان في العنوان اهـ. بمعناه ومنها التوقي في المكاتبة واستعمال الورع فلا يفرط ولا يفرط ولذا قال صلى الله عليه وسلم إلى عظيم الروم ولم يقل لملك الروم لأنه لا ملك له ولا لغيره بحكم الإسلام ولا سلطان لأحد إلا لمن ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ولاه مر أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرطه وإنما ينفذ من تصرفات الكفار ما ينفذ للضرورة ولم يقل إلى هرقل بل أتى بنوع من الملاطفة فقال عظيم الروم أي الذي يعظمونه ويقدمونه وقد أمر الله بإلانة القول لمن يدعى إلى الإسلام فقال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} ومنها استحباب البلاغة والإيجاز وتحري الألفاظ الجزلة في المكاتبة اهـ.
قوله: (فقد روينا في صحيح البخاري عن أنس الخ) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق البخاري في صحيحه باللفظ المذكور سواء أخرجه أحمد والنسائي وزاد أحمد في رواية أخرى أنه كان يضع له وضوءه ويناوله نعله وقال في آخره صلوا على أخيكم ويستفاد منها أنه مات عن قرب قال
الحافظ ووجدت التصريح بذلك في رواية فساقها بإسناده إلى أبي الربيع الزهراني عن حماد بن زيد عن ثابت أظنه عن أنس قال: كان غلام من اليهود فذكر الحديث وقال فيه بعد قوله: أطع أبا القاسم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ثم هلك الغلام فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فذكر باقيه مثل ما تقدم سواء قال الحافظ والحديث عند أحمد عن مؤمل عن حماد بن زيد عن ثابت وفيه وأشهد أنك رسول الله وأبو
رضي الله عنه قال: "كان غلام يهودي يخدمُ النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: أسْلِمْ،
ــ
الربيع المذكور اسمه سليمان بن داود مر شيوخ البخاري ومسلم وأظنه أنه الذي قال أظنه أو الراوي عنه إلى الربيع اهـ. قوله: (كان غلام يهودي) الغلام وإن كان حقيقة في غير البالغ لكن المراد به هنا البالغ فليس في الحديث دليل على صحة إسلام الصبي وإنما صح إسلام علي رضي الله عنه مع صباه لما ذكره الأئمة أن الأحكام قبل الهجرة كانت منوطة بالتمييز على أن قوله الآتي: أنقذه من النار صريح في بلوغه إذ الأصح الذي عليه الأكثرون ودلت عليه الأخبار الصحيحة أن أطفال المشركين في الجنة وقوله صلى الله عليه وسلم: "هم من آبائهم" قاله قبل أن يعلمه الله بذلك فلما أعلمه أخبر به. قوله: (يخدم النبي صلى الله عليه وسلم) فيه جواز استخدام الذمي ومخالطته أي بالظاهر وسبق في الحديث في بعض طرقه أنه كان يأتي بوضوء النبي صلى الله عليه وسلم ويقدم نعله أما الموادة له وصحبته فيحرمان وعليهما يحمل قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ} وعلى هذا التفصيل يحمل كلام بعض الأئمة الموهم للتناقض في ذلك. قوله: (فأتاه يعوده) فيه ندب عيادة المريض الذمي ومثله المعاهد والمستأمن لكن إن كان ثم نفع أو صلة كنحو قرابة وجوار وكذا رجاء إسلامه ومثله مبتدع أو فاسق متجاهر بفسقه رجيت توبته فإن انتفت جازت. قوله: (فقعد عند رأسه) فيه استحباب تحري الجلوس ثم للعائد. قوله: (فقال له: أسلم) فيه أنه ينبغي للعائد إذا رأى أمارة الموت وعلم عدم مشقة كلامه على المريض أن يرغبه في التوبة والوصية والتنصل من جميع الحقوق بكل ما يمكنه من أداء أو استحلال ويسن له أن يبالغ في تحسين ظنه بربه وتطميعه في رحمته سيما إن رأى منه أمارات اليأس بل بحث جمع من أئمتنا وجوبه حينئذ أخذًا بقاعدة النصيحة الواجبة ثم هل يؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم له: "أسلم إن من عاد مريضاً غير مسلم يجب عليه عرض الإسلام عليه" لأن الأصل في فعله صلى الله عليه وسلم أن يكون للوجوب على خلاف فيه في الأصول أو يفرق بأنه صلى الله عليه وسلم متحتم عليه إبلاغ الدعوة لكل من أمكنه إبلاغه بخلاف غيره محل نظر والظاهر عدم الوجوب في خصوص هذا حتى عليه صلى الله عليه وسلم لأنه قد بلغ الدعوة
فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال: أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحَمْدُ لِلهِ الَّذي أنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ".
وروينا في "صحيح البخاري ومسلم"
ــ
لهذا ولغيره تبليغاً متكرراً ولأنه لو امتنع لم يجبر لذمته وأمانه فلم يتضح وجه الوجوب. قوله: (فنظر إلى أبيه) أي كالمستحي منه في الخروج عن دينه. قوله: (فقال أطع أبا القاسم) أي فقال أبوه لما رأى لولده ميلاً إلى ذلك أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم فيما أمرك به وفي التعبير بأبي القاسم في هذا المقام إشارة إلى عظم المرتبة التي أوتيها صلى الله عليه وسلم وأشار إليه بقوله: إنما أنا قاسم والله يعطي كيف وقد قسم لهذا الخادم له الذي تشرف بخدمته وحل عليه نظر سعادته تلقينه ما فيه نجاته وسعادته الأبدية وأعطاه الله ببركة تلك الوجهة إليه ذلك الكمال الأبدي والعز السرمدي ثم إن أباه إن استمر على دينه فهو في ميدان الخسران ولا ينفعه في ذلك قوله لولده ما ذكر ويؤخذ منه أن أمر الكافر
مثله بالإسلام لا يكون إسلاماً لأن الإنسان كثيراً ما يأمر بالشيء ولا يرضاه. قوله: (الحمد الله الذي أنقذه من النار) أي التي لو مات على كفره لدخلها أو أنقذه الله من النار يعني الكفر لكونه سببها أو من الأمر الذي يؤول من أقام به إليها وهذا منه صلى الله عليه وسلم شكر على ما حل بذلك الخادم من نعمة الإسلام التي نالها بسبب نظره عليه الصلاة والسلام.
قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) قال الحافظ بعد تخريجه وأخرجه ابن حبان أيضاً ولفظ الخبر قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال له: يا عم قل: لا إله إلا الله أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل نبي الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيدان تلك المقالة حتى قال آخر: ما كلمهم به هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله فقال صلى الله عليه وسلم: "لأستغفرن لك" ما لم أنه عنك فنزلت {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ و} ونزلت في أبي طالب {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} الآية قال المصنف في شرح مسلم: هذا حديث اتفق الشيخان على إخراجه في صحيحيهما من رواية سعيد بن المسيب عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرو عن المسيب إلا ابنه سعيد كذا قال الحفاظ وفيه رد على
عن المسيِّب بن حَزْن والد سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءَه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عَمِّ قُلْ: لا إله إلَاّ الله
…
" وذكر الحديث بطوله.
قلت: فينبغي لعائد الذمي أن يرغِّبه في الإسلام، ويبين له محاسنه، ويحثه عليه، ويحرِّضَه على معاجلته
ــ
الحاكم أبي عبد الله في قوله: لم يخرج البخاري ولا مسلم عن أحد ممن لم يرو عنه إلا واحداً ولعله أراد مر غير الصحابة اهـ. قوله: (عن المسيب) بفتح الياء على المشهور وقيل: بكسرها وهو قول أهل المدينة وكان سعيد يكره فتحها وحزن بفتح والمهملة وسكون الزاي آخره نون ابن أبي وهب القرشي المخزومي المكي قال في الروض: أسلم هو وأبوه حزن يوم الفتح وهو قول مصعب قال المصنف في التهذيب هو وأبوه حزن صحابيان هاجرا إلى المدينة وكان المسيب ممن بايع بيعة الرضوان تحت الشجرة في قول وقال مصعب: لا يختلف أصحابنا أن المسيب وأباه من مسلمة الفتح قال أبو أحمد العسكري أحسب مصعباً وهم لأن المسيب حضر بيعة الرضوان وشهد اليرموك روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أحاديث اتفقا منها على حديثين وانفرد البخاري بواحد وهو راوي حديث وفاة أبي طالب اهـ. ووقع في بعض نسخ الرياض المستطابة سقط موهم وذلك أنه قال وانفرد البخاري بحديث وهو حديث وفاة أبي طالب فسقط لفظ راوي بين وهو حديث والله أعلم ولم يرو عنه إلا ابنه سعيد عاش إلى خلافة عثمان رضي الله عنه. قوله: (لما حضرت أبا طالب الوفاة) المراد به قربت وفاة وحضرت دلائلها وذلك قبل المعاينة والنزع إذ لو كان حينئذٍ لما نفعه الإيمان لقوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} ويدل على أنه قبل المعاينة مجاوبته للنبي صلى الله عليه وسلم ومع كفار قريش قال القاضي عياض: وقد رأيت بعض المتكلمين على الحديث جعل الحضور هنا على حقيقة الاحتضار
لأن النبي صلى الله عليه وسلم رحى بقوله ذلك حينئذٍ أن تناله الرحمة ببركة النبي صلى الله عليه وسلم قال القاضي: وهذا ليس بصحيح لما قدمناه وأبو طالب اسمه عبد مناف وكانت وفاته قبل الهجرة بقليل مات أبو طالب ولرسول الله صلى الله عليه وسلم تسع وأربعون سنة
قبل أن يصيرَ إلى حال لا ينفعه فيها توبتُه، وإن دعا له دعا بالهداية ونحوها.
فصل: وأما المبتدع ومن اقترف ذنباً عظيماً ولم يتب منه، فينبغي أن لا يسلِّم عليهم، ولا يردَّ عليهم السلام، كذا قاله البخاري وغيره من العلماء: واحتجَّ الإِمام أبو عبد الله البخاري في "صحيحه" في هذه المسألة بما رويناه في "صحيحي البخاري ومسلم"
ــ
وثمانية أشهر وأحد عشر يوماً وتوفيت خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها بعد ذلك بثلاثة أيام ذكره المصنف في شرح مسلم وذكر فيه فوائد باقي الحديث. قوله: (قبل أن يصير إلى حالة لا تنفعه فيها توبته) وهي حال المعاينة والنزع. قوله: (وإن دعا له دعا له بالهداية) أي إذا دعا المسلم للذمي الذي عاده دعا له بالهداية للإيمان (أو نحوها) من التوفيق وتنوير الباطن بنور الإيمان ولا يدعو له بالمغفرة والرحمة ونحوهما لأنهما لأهل الإيمان قال تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} وقال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} ، الآية.
فصل
قوله: (وأما المبتدع) أي من فارق السنة بما أحدثه من الاعتقاد الفاسد المأخوذ من العقل الكاسد والحكم الآتي في المبتدع محله فيمن لا تؤدي بدعته لكفره أما ذلك فهو مرتد وحكمه سبق بيانه والله أعلم. قوله.: (ومن اقترف ذنباً عظيماً ولم يتب منه) ومثله فيما ذكر المجاهر بفسقه والظاهر أن المراد بعظم الذنب أن يصير فاعله به فاسقاً ويفارف ما ألحق به من المجاهر بفسقه بالمجاهرة بالذنب هنا دون ما في الأصل والله أعلم. قوله: (ولم يتب منه) قال الحافظ في الفتح التقييد به جيد لكن في الاستدلال لذلك بقصة كعب نظر فإنه ندم على ما صدر منه وتاب ولكن أخر الكلام معه حتى قبل الله توبته وقضيته ألا يكلم حتى تقبل توبته ويمكن الجواب بأن الاطلاع على القبول في قصة كعب كان ممكناً وأما بعده فيكفي ظهور علامته من الندم والإقلاع وأمارة صدق ذلك اهـ. قوله: (بما رويناه في صحيحي البخاري ومسلم) قال الحافظ بعد أن خرجه من طريق أبي نعيم في المستخرج ومن طريق البخاري أيضاً كلاهما من حديث كعب بن مالك حين تخلف عن
في قصة كعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلَّف عن غزوة تبوك
هو ورفيقان له، قال:"ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا قال: وكنت آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلِّم عليه فأقول: هل حرَّك شفتيه بردِّ السلام أم لا؟ " قال البخاري: وقال عبد الله بن عمرو: لا تسلِّموا على شَرَبَة الخمر. قلت: فإن اضطر إلى السلام على الظَّلَمة، بأن دخل عليهم وخاف تَرَتُّبَ مفسدة في دينه أو دنياه أو غيرهما إن لم يسلِّم سلَّم عليهم. قال الإِمام أبو بكر بن العربي: قال العلماء: يسلِّم،
ــ
غزوة تبوك فذكر الحديث بطوله إلى أن قال فيه ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا أيها الثلاثة وقال فيه وكنت أشب الرجلين وكنت أخرج فأشهد الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد وكنت آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي: حرّك شفتيه برد السلام أو لا وأخرجه الحافظ أيضاً من حديث جابر قال في قوله تعالى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} قال: هم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع وكلهم من الأنصار قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث صحيح أخرجه سعيد بن منصور في السنن. قوله: (في قصة كعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلف عن
غزوة تبوك هو ورفيقان له) قال الحافظ في هذه العبارة ما في يوهم أنهم اتفقوا على التخلف وليس مراداً واسم صاحبيه هلال بن أمية ومرارة بن الربيع. قوله: (وكنت آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) أي أنه لا يرى تحريك شفتيه صلى الله عليه وسلم ولكنه يتردد في ذلك هل هو كما يرى مر عدم الرد لما وقع منه أو أنه بخلافه رحمة عليه وتفضلاً منه لديه قال المصنف في شرح مسلم فيه هجر أهل البدع والمعاصي الظاهرة وترك السلام عليهم ومقاطعتهم تحقيراً لهم وزجراً. قوله: (قال البخاري وقال عبد الله بن عمر الخ) قال الحافظ لم يذكر المصنف من وصله وقد ذكره البخاري في التاريخ قال: قال ابن أبي مريم حدثنا بكر بن مضر حدثنا عبيد الله بن زحر عن حبان بن أبي جبلة بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة وأبوه بفتح الجيم والموحدة عن
وينوي أن السلام اسم من أسماء الله تعالى المعنى: الله عليكم رقيب.
ــ
ابن عمر لا تعودوا شراب الخمر إذا مرضوا وبه إلى ابن عمر قال: لا تسلموا على شربة الخمر هذا حديث حسن موقوف وعبد الله بن زحر مختلف في الاحتجاج به والبخاري ممن يقويه وقد جاء عنه بسند آخر أخرجه سعيد بن منصور والبخاري في التاريخ من طريق الليث بن أبي سليم عنه وعن ابن عمران عن عبد الله بن عمر وبكر أتقن من ليث وأعرف من ابن زحر فإنهما مصريان وأخرجه ابن عدي في الكامل من وجه آخر مرفوعاً لكن سنده ساقطا اهـ. وحكم الرد على السكران أنه إذا كان مميزاً ولم يعص بسكره واجب وقول المجموع لا يجب رد سلام مجنون وسكران يحمل على غير المميز أما المتعدي ففاسق وأما غير المميز فليس فيه أهلية الخطاب فلا عبرة بسلامه ولا يجب عليه رد والملحق بالمكلف إنما هو المتعدي وإنما لم يلحق به هنا لانتفاء فائدة الوجوب التي ذكرت في الصلاة من انعقاد سبب الوجوب في حقه حتى يلزمه القضاء لأن الرد لا يقضي كما تقدم نعم لو قيل بوجوبه ليكون آثماً في ترك الرد تغليظاً عليه لم يبعد أشار إليه ابن حجر في شرح المنهاج. قوله: (وينوي أن السلام اسم من أسماء الله تعالى) أي أنه لا يقصد التحية عليهم وإكرامهم بها الداعية إلى التحابب والتوادد للأمر بهجران أرباب المعاصي والظلم بل يقصد أن الله مطلع على أعمالكم فيجازيكم بها في أخراكم.
ثم اعلم أن السلام المذكور في التحية اختلف فيه هل هو من أسماء الله تعالى وعليه فيفرق بين سلام التحية والسلام على نحو العاصي بأنه في خطاب غيره على تقدير مضاف أي بركة اسم السلام حلت عليكم ونزلت بكم وفي خطاب العاصي على ظاهره من غير تقدير كما تقدم أو هو بمعنى السلامة وهو المطلوب المدعو به عند التحية قولان واستدل لكل من القولين بما فيه طول وسبق بعضه وقد حقق ذلك ابن القيم في كتابه بديع الفوائد فمما استدل به للأول قوله في الحديث الصحيح فإن الله هو السلام وما رواه أبو داود من حديث ابن عمر أن رجلاً سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فلم يرد عليه حتى استقبل الجدار ثم تيمم ورد عليه قال: إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر إذ السلام
إنما يكون ذكراً الله إذا تضمن اسماً من أسمائه، قلت: وقد يقال: إن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الذكر هو من قوله ورحمة الله إذ الظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بأكمل التحية فلذا لم يرد عليه حتى تيمم وحرمة ابتداء الكافر به مع جواز ابتدائه بنحو سلمك الله فليس حرمة ذلك إلا لكونه من أسمائه تعالى فلا يسوغ أن يطلب حلول بركة اسمه تعالى عليهم، قال ابن القيم وهذه حجج قوية، قلت وترجم البخاري في صحيحه باب السلام اسم من أسماء الله تعالى في قوله {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ} وأخرج في الباب حديث ابن مسعود كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على الله قبل عباده الحديث وأخرج في الأدب المفرد من حديث أنس مرفوعاً السلام من أسماء الله تعالى وضعه الله في الأرض فأفشوه بينكم وقال السيوطي في التوشيح وأخرجه البزار من حديث مسعود والبيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة وهو مرفوع عند الجميع وتقدم تخريج الحديث من طريق ابن مسعود عند البزار والبيهقي في فصل الابتداء بالسلام أفضل قال الشيخ زكريا في تحفة القاري لا ينافي ذلك قول مر قال إنه مصدر نعت به والمعنى ذو السلامة من كل آفة اهـ. قال ابن القيم ومما استدل به للقول بالمصدرية إنه يجوز تنكيره ولو كان من أسمائه تعالى لما استعمل كذلك فإن التنكير لا يصرف اللفظ إلى معين فضلاً عن أن يصرفه إلى الله تعالى وحده بخلاف العرف فإنه ينصرف إليه تعييناً عليه وإنه عطف عليه الرحمة والبركة وهذا يدل على أن المراد به المصدر أي السلامة إذ الكل مصادر وبأنه لو كان من أسمائه تعالى لما استقام الكلام بإضمار وتقدير يكون به مفيداً أي بركة السلام عليكم والتقدير خلاف الأصل ولا دليل عليه وبأنه ليس القصد من السلام هذا المعنى وإنما القصد منه الإيذان بالسلامة ولذا كان السلام أماناً لتضمنه معنى السلامة وأمن كل واحد من المسلم والراد من صاحبه فهذه الأدلة تؤذن بأنه بمعنى السلامة وحذفت تاؤه لأن المطلوب الجنس لا المرة الواحدة والتاء تفيد التحديد، وفصل الخطاب في المسألة أن يقال الحق في مجموع القولين فكل منهما بعض الحق ومجموعهما هو الحق ويتبين ذلك بتقريره قاعدة هي أن من دعا الله بأسمائه الحسنى يسأل في كل مطلوب ويتوسل إلى الله تعالى بالاسم المقتضي لمطلوبه المناسب لحصوله حتى إن الداعي بالتوبة والغفران يقول: رب اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم وقد سأل أمرين وتوسل باسمين مقتضيين حصول مطلوبه والمقام هنا لما كان مقام طالب السلامة التي هي أهم ما عند الرجل أتى في لفظها بصيغة اسم من أسماء الله