الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
قال الإِمام أبو محمد القاضي حسين، والإمام أبو الحسن الواحدي وغيرهما من أصحابنا: ويشترط أن يكون الجواب على الفور، فإن آخره ثم ردَّ لم يعد جوابًا، وكان آثما بترك الرد.
باب ما جاء في كراهة الإشارة بالسلام باليد ونحوها بلا لفظ
روينا في كتاب الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
ــ
فصل
قوله: (ويشترط أن يكون الجواب على الفور) أي فيشترط اتصال الجواب بالابتداء كاتصال الإيجاب بالقبول في العقود وإلا لزم ترك وجوب الرد كما في شرح الروض. قوله: (فإن آخره) أي بما يعد فاصلًا بين الإيجاب والقبول. قوله: (وكان آثمًا) أي ولا يمكن تداركه لانتفاء الجواب عن المأتي به بعد وجود الفاصل المذكور فلا قضاء خلافًا لما يوهمه كلام الروياني وسيأتي أنه ينبغي للمسلم إذا لم يرد عليه أن يقول أبرأتك من حقي وسيأتي أنه يسقط بهذا التحليل حق الآدمي أما حق الله فلا يسقط بذلك كما في التحفة وغيرها.
باب ما جاء في كراهة الإشارة بالسلام باليد ونحوها بلا لفظ
الكراهة مصدر وهو في بعض النسخ كراهية بزيادة ياء خفيفة بين الهاءين وهي مصدر كطواعية وعلانية ونحو اليد الإشارة بالرأس أو بشيء في اليد من منديل ونحوه والكلام حيث لا عذر أما إذا كان في الصلاة وسلم عليه فيرد بالإشارة للعذر قال الحافظ وقد ورد ذلك في أحاديث جيدة اهـ. فإن سلم من غير خطاب كقوله عليه السلام لم تبطل لأنه دعاء لغائب وإلا فتبطل وكذا لا تكره الإشارة به إلى من كان بعيدًا بحيث لا يسمع السلام فيجوز السلام عليه إشارة ويتلفظ به معها كما في الفتح. قوله: (روينا في كتاب الترمذي) قال الحافظ: أخرجه من طريق ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب الخ ولذا ضعف الشيخ إسناده ويقال: إنه لم يسمعه من عمر وقال الترمذي وروى ابن المبارك هذا الحديث عن ابن لهيعة فلم يرفعه وليس ضعفه لكونه ترجمة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كما حمله عليه صاحب المرقاة ثم تعقب الحكم بالضعف بناء على أنه مبني على ذلك بقوله والمعتمد أن ذلك السند حسن لا سيما وقد أسنده
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَيسَ منّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيرِنا، لا تَشَبَّهُوا باليَهُودِ وَلا بالنَّصارَى، فإن تَسْلِيمَ اليَهُودِ الإشارَةُ بالأصَابع، وَتَسْلِيمَ النصَارَى الإشارَةُ بالكَفِّ" قال الترمذي: إسناده ضعيف.
قلت:
ــ
السيوطي في الجامع إلى ابن عمر فارتفع النزاع وزال الإشكال اهـ. بل ضعفه لكونه من رواية ابن لهيعة ومجيئه من غير طريقه سيأتي ما في سنده قال الحافظ وقد وقع لنا من غير طريق ابن لهيعة ثم أخرجه من طريق الطبراني عن ليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه رفعه قال: ليس منا من تشبه بغيرنا لا تشبهوا باليهود والنصارى فإن تسليم اليهود بالأصابع وتسليم النصارى بالأكف قال الحافظ بعد تخريجه وفي هذا السند من لا يعرف حاله وأخرج البيهقي في الشعب نحو هذا من حديث جابر بسند واه ولفظه فإن تسليم اليهود والنصارى بالكفوف والحواجب قال الحافظ وقد وقع لنا نحوه في اليوم والليلة للنسائي ووقع لنا بعضه بسند رجاله ثقات ثم أخرجه عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تسليم الرجل بأصبع واحدة يشير بها فعل اليهود" قال الحافظ بعد تخريجه لولا عنعنة ثور بن يزيد وشيخه يعني أبا الزبير الراوي عن جابر لكان من شرط الصحيح وقد أخرجه النسائي بعضه من طريق أخرى عن ثور قال: حدث أبو الزبير فأشعر أنه لم يسمعه منه. قوله: أليس منا) أي ليس من أهل هدينا وطريقنا. قوله: (لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى) وأصل تشبهوا تتشبهوا بتاءين فحذفت إحداهما دفعًا للثقل وزيدت لا لتأكيد النفي والمعنى لا تتشبهوا بهم في جميع أفعالهم خصوصًا في هاتين الخصلتين المذكورتين في الخبر ولعلهم كانوا يكتفون بالإشارتين عن السلام من غير نطق بلفظ السلام الذي هو سنة آدم وذريته من الأنبياء والأولياء وكأنه صلى الله عليه وسلم كوشف أن بعض أمته يفعلون ذلك وهذا الخبر وأمثاله ناسخ لما جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يودع إليه فيه شيء ثم نسخ ذلك ونهى عن التشبه بهم وأمر بمخالفتهم وقد جمع الحافظ السيوطي في التوشيح المسائل التي كان صلى الله عليه وسلم يوافق أهل الكتاب فيها ثم تركها فقال:
فائدة
الأمور التي وافق صلى الله عليه وسلم فيها أهل الكتاب ثم خالفهم
وأما الحديث الذي رويناه بنى كتاب الترمذي عن أسماءَ بنت يزيد "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في المسجد يومًا،
ــ
السدل ثم الفرق وترك صبغ الشعر ثم فعله وصوم عاشوراء ثم مخالفتهم بيوم قبله أو بعده واستقبال بيت المقدس ثم الكعبة وترك مخالطة الحائض ثم المخالطة بكل شيء إلا الجماع وصوم عيد الجمعة ثم النهي عنه والقيام للجنازة ثم تركه وقد نظم ذلك بسؤالي له صاحبنا الشيخ الإِمام محمد بن نور الدين الرشيدي الشافعي فقال:
سبع بها وافق الهادي بخير هدى
…
أهل الكتاب وبعد الوحي خالفهم
السدل فالفرق ترك الصبغ ثم به
…
أتى وفي صوم عاشوراء وافقهم
فردًا فخالفهم في صومه معه
…
ما قبله أو يليه والوفاق لهم
في قبلة القدس منسوخ وآيته
…
فول وجهك منها الغيظ داخلهم
وتركه حائضًا بدءًا فخالطها
…
بكل شيء وحاشا ما الإزار يلم
وصوم عيد لأسبوع وعقبه
…
بالنهي عنه قيام للجنازة ثم
من بعد خالفهم بالترك فاتبعن
…
بهديه تلق ما ترجوه بل ويعم
قوله: (وأما الحديث الذي رويناه في كتاب الترمذي) قال الحافظ بعد تخريجه: أخرجه الترمذي من طريق عبد الحميد أي ابن بهرام عن شهر بن حوشب قال: سمعت أسماء بنت يزيد بن السكن ثم ساق الحديث وقال الترمذي حسن وقد قال أحمد لا بأس برواية عبد الحميد عن شهر بن حوشب. قوله: (عن أسماء بنت يزيد) قال الحافظ في تخريجه أسماء بنت يزيد بن السكن فزاد ابن السكن وليس هو عند الترمذي قال ابن الأثير في أسد الغابة هي ابنة عمة معاذ بن جبل قتلت يوم اليرموك تسعة من الروم بعمود فسطاطها روى عنها شهر بن حوشب ومجاهد وإسحاق بن راشد ومحمود بن عمرو وغيرهم ثم أخرج من طريق شهر بن حوشب عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تقتلوا أولادكم سرًّا فإن
وعُصبَة من النساء قُعود، فألوى بيده بالتسليم" قال الترمذي: حديث حسن، فهذا محمول على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين اللفظ والإشارة، يدل على هذا أن أبا داود روى هذا الحديث، وقال في روايته "فسلَّمَ علينا".
ــ
الفيل يدرك الفارس فيدعثره ومن طريق محمود بن عمرو عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بنى الله مسجدًا بنى الله له بيتًا في الجنة" أخرجه ابن منده وأبو نعيم ثم حكى خلافًا في أن أسماء هذه هل هي أسماء بنت يزيد الأنصارية الأشهلية أو غيرها فحكي أن ابن عبد البر جعلها هي وأما أبو نعيم وابن مسنده فترجما لكل منهما ترجمة والله أعلم. قوله: (وعصبة) هو بضم العين وسكون الصاد المهملتين كعصابة الجماعة من النّاس من العشرة إلى الأربعين ولا واحد لها من لفظها كذا يؤخذ من النهاية. قوله: (فألوى بيده) أي أشار بيده بالسلام قال الترمذي أشار عبد الحميد بيده إلى كيفية إلوائه صلى الله عليه وسلم بيده بالسلام. قوله: (يدل على هذا) أي أنه محمول على الجمع بين الإشارة والسلام باللسان (إن أبا
داود روى هذا الحديث) أي حديث أسماء (وقال في روايته) أي التي أخرجها عن أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي حسين سمعه عن شهر بن حوشب عن أسماء قالت: مر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم أي في محل قوله في رواية الترمذي فألوى بيده الخ ورواه كذلك ابن ماجه والدارمي كما في المشكاة، والحديثان مقبولان أي فيحمل أنه وقع الجمع بين السلام باللسان والإشارة باليد وأنه جاء في كل من الطريقين التعرض لأحد الأمرين وترك الآخر إما نسيانًا أو لنحوه قال في المرقاة وعلى تقدير عدم تلفظه صلى الله عليه وسلم بالسلام لا محذور فيه لأنه ما شرع السلام على من مر عليه من جماعة النسوان