المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب فضل السلام والأمر بإفشائه - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ٥

[ابن علان]

فهرس الكتاب

- ‌فصل في الأذكار والدعوات المستحبات بعرفات:

- ‌فصل في الأذكار المستحبة في الإفاضة من عرفة إلى مزدلفة

- ‌فصل في الأذكار المستحبة في المزدلفة والمشعر الحرام:

- ‌فصل في الأذكار المستحبة في الدفع من المشعر الحرام إلى منى

- ‌فصل في الأذكار المستحبة بمنى يوم النحر:

- ‌فصل في الأذكار المستحبة بمنى في أيام التشريق:

- ‌فصل:

- ‌فصل فيما يقوله إذا شرب من ماء زمرم:

- ‌فصل:

- ‌فصل في زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكارها:

- ‌كتاب أذكار الجهاد

- ‌باب استحباب سؤال الشهادة

- ‌باب حث الإمام أمير السرية على تقوى الله تعالى وتعليمه إياهما يحتاج إليه من أمر قتال ومصالحتهم وغير ذلك

- ‌باب بيان أن السنَّة للإمام وأمير السرية إذا أراد غزوة أن يورى بغيرها

- ‌باب الدعاء لمن يقاتل أو يعمل على ما يعين على القتال في وجهه وذكر ما ينشطهم ويحرضهم على القتال

- ‌باب الدعاء والتضرع والتكبير عندالقتال واستنجاز الله تعالى ما وعد من نصر المؤمنين

- ‌باب النهي عن رفع الصوت عند القتال لغير حاجة

- ‌باب قول الرجل في حال القتال: أنا فلان لإرعاب عدوه

- ‌باب استحباب الرجز حال المبارزة

- ‌باب استحباب إظهار الصبر والقوة لمن جرح واستبشاره بما حصل له من الجرح في سبيل الله وبما يصير إليه من الشهادة وإظهار السرور بذلك وأنه لا ضير علينا في ذلك بل هذا مطلوبنا وهو نهاية أملنا وغاية سؤلنا

- ‌باب ما يقول إذا ظهر المسلمون وغلبوا عدوهم

- ‌باب ما يقول إذا رأى هزيمة في المسلمين والعياذ بالله الكريم

- ‌باب ثناء الإمام على من ظهرت منه براعة في القتال

- ‌باب ما يقوله إذا رجع من الغزو

- ‌كتاب أذكار المسافر

- ‌باب الاستخارة والاستشارة

- ‌باب أذكاره بعد استقرار عزمه على السفر

- ‌تنبيه

- ‌فائدة

- ‌باب أذكاره عند إرادته الخروج من بيته

- ‌باب أذكاره إذا خرج

- ‌باب استحباب طلبه الوصية من أهل الخير

- ‌باب استحباب وصية المقيم المسافر بالدعاء له في مواطن الخير ولو كان المقيم أفضل من المسافر

- ‌باب ما يقوله إذا ركب دابته

- ‌باب ما يقول إذا ركب سفينة

- ‌باب استحباب الدعاء في السفر

- ‌باب تكبير المسافر إذا صعد الثنايا وشبهها وتسبيحه إذا هبط الأدوية ونحوها

- ‌باب النهي عن المبالغة في رفع الصوت بالتكبير ونحوه

- ‌باب استحباب الحداء للسرعة في السير وتنشيط النفوس وترويجها وتسهيل السير عليها

- ‌باب ما يقول إذا انفلتت دابته

- ‌باب ما يقوله على الدابة الصعبة

- ‌باب ما يقوله إذا رأى قرية يريد دخولها أو لا يريد

- ‌باب ما يدعو به إذا خاف ناسًا أو غيرهم

- ‌باب ما يقول المسافر إذا تغوَّلت الغيلان

- ‌باب ما يقول إذا نزل منزلًا

- ‌باب ما يقول إذا رجع من سفره

- ‌باب ما يقوله المسافر بعد صلاة الصبح

- ‌باب ما يقول إذا رأى بلدته

- ‌باب ما يقول إذا قدم من سفره فدخل بيته

- ‌باب ما يقال لمن يقدم من سفر

- ‌باب ما يقال لمن يقدم من غزو

- ‌باب ما يقال لمن يقدم من حج وما يقوله

- ‌كتاب أذكار الأكل والشرب

- ‌باب ما يقول إذا قرب إليه طعامه

- ‌باب استحباب قول صاحب الطعام لضيفانه عند تقديم الطعام: كلوا أو في معناه

- ‌باب التسمية عند الأكل والشرب

- ‌فصل:

- ‌باب لا يعيب الطعام والشراب

- ‌باب جواز قوله: لا أشتهي هذا الطعام أو ما اعتدت أكله أو نحو ذلك إذا دعت إليه الحاجة

- ‌باب مدح الأكل الطعام الذي يأكل منه

- ‌باب ما يقوله من حضر الطعام وهو صائم إذا لم يفطر

- ‌باب ما يقوله من دعى لطعام إذا تبعه غيره

- ‌باب وعظه وتأديبه من يسئ في أكله

- ‌باب استحباب الكلام على الطعام

- ‌باب ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع

- ‌باب ما يقول إذا أكل مع صاحب عاهة

- ‌فائدة

- ‌باب استحباب قول صاحب الطعام لضيفه ومن في معناه إذا رفع يده من الطعام "كل" وتكريره ذلك عليه ما لم يتحقق أنه اكتفى منه وكذلك يفعل في الشراب والطيب ونحو ذلك

- ‌باب ما يقول إذا فرغ من الطعام

- ‌تنبيه

- ‌باب دعاء المدعو والضيف لأهل الطعام إذا فرغ من أكله

- ‌باب دعاء الإنسان لمن سقاه ماء أو لبنًا ونحوهما

- ‌باب دعاء الإنسان وتحريضه لمن يضيف ضيفًا

- ‌باب الثناء على من أكرم ضيفه

- ‌باب استحباب ترحيب الإنسان بضيفه وحمده الله تعالى على حصوله ضيفًا عنده وسروره بذلك وثنائه عليه لكونه جعله أهلا لذلك

- ‌باب ما يقوله بعد انصرافه عن الطعام

- ‌كتاب السلام والاستئذان وتشميت العاطس وما يتعلق بها

- ‌باب فضل السلام والأمر بإفشائه

- ‌باب كيفية السلام

- ‌فصل:

- ‌فصل:

- ‌فصل:

- ‌باب ما جاء في كراهة الإشارة بالسلام باليد ونحوها بلا لفظ

- ‌باب حكم السلام

- ‌باب الأحوال التي يستحب فيها السلام والتي يكره فيها، والتي يباح

- ‌باب من يسلَّم عليه ومن لا يسلَّم عليه ومن يُرد عليه ومن لا يُرد عليه

- ‌فصل: وأما الصِّبيان فالسُّنَّة أن يسلم عليهم

- ‌باب في آداب ومسائل من السلام

- ‌باب الاستئذان

- ‌باب في مسائل تتفرَّع على السلام

- ‌فصل في المصافحة:

- ‌فصل: في استحباب طلب الإنسان من صاحبه الصالح أن يزوره، وأن يكثر من زيارته

الفصل: ‌باب فضل السلام والأمر بإفشائه

‌باب فضل السلام والأمر بإفشائه

روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: "تُطْعِم الطعامَ، وتقرأُ السّلام على مَنْ عَرَفْتَ ومَنْ لَمْ تَعْرِفْ".

ــ

باب فضل السلام والأمر بإفشائه

أي إظهاره ونشره من فشا الخبر ظهر. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم) قال الحافظ بعد تخريجه بهذا اللفظ إلا أنه قال: وعلى من لم تعرف بزيادة لفظ على: وعند بعضهم -أي بعض من خرجه الحافظ عنه- بحذف على الأخيرة قال وعند بعضهم أن رجلًا قال: يا رسول الله والباقي سواء ثم قال الحافظ: أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه اهـ. وروى ابن ماجه عن عمر مرفوعًا أفشوا السلام وأطعموا الطعام وكونوا إخوانًا كما أمركم الله، وعند الطبراني في مكارم الأخلاق عن أبي هريرة مرفوعًا أفضل الأعمال بعد الإيمان التودد إلى النّاس كذا في المرقاة للقارئ.

قوله: (إن رجلًا) قال الجلال البلقيني في الإلمام بما في البخاري من الإبهام قيل: هو أبو ذر وفي صحيح ابن حبان أنه هانئ بن مرشد اهـ. قوله: (أي الإسلام خيرا) أي أي خصال الإسلام أو أهل الإسلام أو آدابهم خير أي أفضل ثوابًا وأكثر نفعًا قال الطيبي: السؤال وقع عما يتعلق بحقوق الآدميين من الخصال دون غيرها بدليل أنه صلى الله عليه وسلم أجاب عنها دون غيرها من الخصال في قوله: (تطعم الطعام) أي للأقارب والأباعد لا سيما المحتاجون لوجه الله تعالى لا لإرادة جزاء وشكور وإنما كان هذا من خير خصال الإسلام لما فيه من السماحة بالدنيا والإيثار بها وذلك من مكارم الأخلاق وتطعم في تقدير المصدر نحو تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، قال في المرقاة ويمكن أن يكون خبرًا معناه الأمر اهـ. قوله:(وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) تقرأ بفتح التاء بلفظ مضارع القراءة قال أبو حاتم السجستاني: يقال: اقرأ عليه السلام، ولا يقال أقرئه بالسلام فإن كان مكتوبًا قلت: أقرئه

ص: 270

وروينا في "صحيحيهما" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خَلَقَ الله عز وجل آدَمَ على صُورَتِهِ طُولهُ سِتُّونَ ذِراعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قال: اذْهَبْ فسَلِّمْ على أُولئِكَ:

ــ

السلام أي اجعله يقرأه كذا في حاشية السيوطي على البخاري وسنن النسائي وفي القاموس قرأ عليه: السلام أبلغه كأقرأه أو لا يقال: اقرأه إلا إذا كان السلام مكتوبًا والمراد من الحديث أن تسلم على كل من لقيته عرفته أم لم تعرفه ولا تخص به من تعرفه كما يفعله كثير من النّاس وفي بذل السلام لمن عرفت ولمن لم تعرف إخلاص العمل الله وترك المصانعة والتملق وفيه مع ذلك استعمال خلق التواضع وإفشاء شعار هذه الأمة ثم هذا العموم مخصوص بالمسلمين ولا يسلم ابتداء على كافر، وفي الحديث: الحث على إطعام الطعام والجود والاعتناء بنفع المسلمين والحث على تألفهم ثم جاء في هذا الحديث: أن خير خصاله ما ذكر من إطعام الطعام وإفشاء السلام وفي حديث آخر: خير المسلمين من سلم المسلمون من لسانه ويده قال المصنف واختلف الجواب في خير المسلمين لاختلاف حال السائل والحاضرين فكان في أحد الموضعين الحاجة إلى إفشاء السلام وإطعام الطعام أكثر وأهم لما حصل من إهمالهما والتساهل في أمرهما ونحو ذلك وفي الموضع الآخر: الكف عن إيذاء المسلمين اهـ. ويؤيد ما أشار إليه الشيخ من اختلاف السائلين أن المجاب بما في هذا الحديث هو أبو ذر أو هانئ على ما تقدم والمجاب بقوله: المسلم من سلم المسلمون الخ، هو أبو موسى الأشعري كما ذكر ذلك الحافظ الولي العراقي في مبهماته: وسيأتي في كتاب حفظ اللسان وقال التوربشتي: لعل تخصيص هذين علم النبي صلى الله عليه وسلم بمناسبتهما لحال السائل ولذا أسندهما إليه فقال: تطعم الطعام الخ، أو علمه صلى الله عليه وسلم أنه يسأل عما يعامل به المسلم في إسلامه فأخبره بذلك ثم رأى أن يجيب عن سؤاله بإضافة الفعل إليه ليكون أدعى إلى العمل والخبر قد يقع موقع الأمر اهـ.

قوله: (وروينا في صحيحيهما) قال في السلاح وأخرجه النسائي وقال الحافظ: أخرجه أحمد والشيخان وسكت عن ذكر النسائي. قوله: (خلق الله آدم على صورته) قال المصنف: هذا من

أحاديث الصفات وفيه للعلماء طريقان: فالأول: يمسك عن

ص: 271

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تأويلها ويقال: نؤمن بها حقًّا وأن ظاهرها غير مراد ولها معنى يليق بها وهذا مذهب جمهور السلف وهو أحوط وأسلم، والثاني: أن يؤول على حسب ما يليق بتنزيه الله تعالى وأنه ليس كمثله شيء، قلت وقد سبق في باب ما يقول إذا قام من الليل بسط لهذا المعنى في حديث ينزل ربنا إلى سماء الدنيا، واختلف العلماء في تأويل هذا الحديث فقالت طائفة الضمير: يعود على آدم، قال المصنف: وهذه الرواية ظاهرة في ذلك والمعنى أنه تعالى خلق آدم في أول نشأته على صورته التي كان عليها في الجنة وهي صورته في الأرض لم يتغير أي لم يتطور من النطفة إلى العلقة الخ، بل أوجده هكذا ابتداء ولم يتغير عن صورته حال نزوله إلى الأرض بل استمر على صورته التي كان عليها في الجنة وهو في الأرض، قال التوربشتي: هذا كلام صحيح في موضعه فأما في تأويل هذا الحديث فإنه غير سديد لما في حديث آخر خلق آدم على صورة الرحمن ولما في غير هذه الرواية أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يضرب وجه غلام فقام فقال: "لا تضرب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته" فالمعنى الذي ذهب إليه هذا المؤول لا يلائم هذا القول وأهل الحق في ذلك على طبقتين إحداهما المنزهون عن التأويل مع نفي التشبيه الخ والطبقة الأخرى يرون الإضافة فيها إضافة تكريم وتشريف أي كقوله تعالى: {نَاقَةَ اللَّهِ} وكما يقال: الكعبة بيت الله وذلك أن الله تعالى خلق آدم أبا البشر على صورة لم يشاكلها شيء من الصور في الجمال والكمال وكثرة ما احتوت عليه من الفوائد الجليلة فاستحقت الصورة البشرية أن تكرم ولا تهان اتباعًا لسنة الله تعالى فيها وتكريمًا لما كرمه اهـ. وقال القرطبي: لو سلمنا أن الضمير عائد على الله تعالى فالتأويل فيه وجه صحيح هو أن الصورة قد تطلق بمعنى الصفة ومنه صورة المسألة أي صفتها فيكون معنى الخبر إن الله خلق آدم على صورته أي خلقه موصوفًا بالعلم الذي فصل به بينه وبين جميع الحيوانات وخصه منه بما لم يخص به أحدًا من ملائكة الأرضين والسموات اهـ. وفي التوشيح بناء على كون الضمير الله المراد بالصورة الصفة من الحياة والعلم والسمع والبصر وإن كانت صفاته تعالى لا يشبهها شيء اهـ. وقيل المراد منه الكناية عن صورة الكمال كما أشار إليه العاقولي، وقيل: الضمير للعبد المحذوف من السياق لما تقدم في سبب الحديث من أن رجلًا ضرب وجه غلام الخ، قال ابن جماعة ومن قال بأن لله تعالى

ص: 272

نَفَرٍ مِنَ المَلائِكَةِ جُلُوسٍ فاسْتَمعْ ما يُحَيُّونَكَ فإنَّها تَحِيَّتُكَ وتحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فقال: السلام عَلَيْكُمْ، فقالوا: السلامُ عَلَيكَ وَرَحْمَة الله فَزَادُوهُ: وَرَحمَة الله".

ــ

صورة خلق آدم عليها فمردود عليه لما فيه من التجسيم وكذا من قال: صورة لا كالصور أي كابن قتيبة وقد رد عليه ذلك المصنف نقلًا عن المأزري والله أعلم. قوله: (نفر من الملائكة) النفر بفتح الفاء وسكونها عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة وهو بالرفع خبر لمبتدأ محذوف أي هم نفر أو بالجر بدل من اسم الإشارة، وجلوس إما وصف له أو خبر بعد خبر وأفرد لأنه مصدر أو مراعاة للفظ نفر أو تقديره ذوو جلوس أو من قبيل رجل عدل مبالغة أو هو جمع جالس وقد النسخة التي شرح عليها المصنف من مسلم اذهب فسلم على أولئك النفر وهم نفر من الملائكة الخ، وهو يؤيد الوجه الأول أي الرفع وقال الحافظ في الفتح هو بالجر في الرواية ويجوز الرفع والنصب أي صناعة قال المصنف في الحديث: إن الوارد على جلوس يسلم عليهم وإن الأفضل أن يقول: السلام عليكم

بالألف واللام ولو قال: سلام عليكم كفاه وإن رد السلام يستحب أن يكون بزيادة على الابتداء وأنه يجوز في الرد السلام عليكم أي بقصد الرد ولا يشترط اأن يقول: وعليكم السلام اهـ، والله أعلم. قوله:(يحيونك) بالحاء المهملة من التحتية كما هو الأنسب لقوله فإنها تحيتك وتحية ذريتك وقد نسخة يجيبونك بالجيم فالتحتية فالموحدة من الإجابة وهي رواية أبي ذر في البخاري كما في التوشيح للسيوطي وبه يرد قول صاحب المرقاة ما وقع في بعض نسخ المصابيح بالجيم والتحتية والموحدة تصحيف وتحريف اهـ. والذرية بتشديد الياء قال القاضي البيضاوي: الولد يقع على الواحد والجمع فعلية من الذر أو فعولة من الذرء أبدلت همزتها ياء ثم قلبت الواو ياء وأدغمت وقال البغوي: تطلق الذرية على الأبناء لأنه ذرأهم وعلى الآباء لأنه ذرأ الأبناء منهم اهـ. والمراد من الذرية في الحديث بنوه الشامل لهذه الأمة كما ستأتي الإشارة إليه في كلام الشيخ في باب كيفية السلام قال العاقولي: وفي الخبر دليل على فضيلة آدم حيث تولى الله تعالى تأديبه وعلى أن السلام أدب قديم مشروع منذ خلق آدم والسنة أن يسلم القادم على أهل المجلس لأن آدم كان القادم عليهم وفيه دليل على استحباب السعي لطلب العلم وآدم أول من سعى لطلب العلم

ص: 273

وروينا في "صحيحيهما" عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع: بعيادةِ المريض، واتِّباع الجنائز، وتشميتِ العاطس،

ــ

بمقتضى هذا الحديث فليحمد الله طلبة العلم حيث تحققت فيهم وراثة أبيهم آدم عليه السلام.

قوله: (وروينا في صحيحيهما) قال الحافظ بعد تخريجه من طرق قال في بعضها واتباع الجنائز وفي بعضها وشهود الجنائز ما لفظه: أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو عوانة في صحيحه وسيأتي ما فيه من اختلاف الرواة قال الحافظ: وجاء حديث البراء من وجه آخر مختصرًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفشوا السلام تسلموا قال الحافظ بعد تخريجه: حديث صحيح أخرجه البخاري في الأدب المفرد وابن حبان في صحيحه والضياء في المختارة. قوله: (أمرنا بسبع) جاء بعده في الحديث ونهانا عن سبع وحذفه الشيخ لعدم تعلق غرض الترجمة به وذكر جميع السبع المأمور بها استطرادًا وتتميمًا للفائدة وإلا فغرض الترجمة إنما هو إفشاء السلام. قوله: (بعيادة المريض) هو وما بعده بدل من سبع بإعادة الجار وهو بدل مفصل من مجمل وأتى به كذلك ليكون أوقع في النفس وأقرأ فيها، وعيادة أصلها عوادة فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها كما في صيام وقيام وعيادة المريض سنة بالإجماع سواء فيه من تعرفه وغيره والقريب والأجنبي، وما ورد عند مسلم بلفظ: يجب للمسلم على المسلم سبع وذكر منها العيادة وغيرها مما ظاهره الوجوب محمول على الندب المتأكد كحديث غسل الجنة واجب على كل محتلم وأجراه بعضهم على ظاهره وترجم البخاري في كتاب المرضى من صحيح البخاري باب وجوب عيادة المريض واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: "أطعموا الجائع وعودوا المريض" قال ابن المنير في شرح البخاري لا خفاء في وجوب عيادة المريض إذا أدى تركها إلى القطيعة والمؤاخذة والحقد والمباعدة فإن لم يتوقع ذلك فهي سنة اهـ. وتقدم آداب العيادة في باب أذكار المريض. قوله: (واتباع الجنائز) وهو سنة مندوبة بالإجماع أيضًا متأكدة سواء فيه القريب والبعيد وغيرهما. قوله: (وتشميت العاطس) أي قول: يرحمك الله وهو بالسين المهملة

والمعجمة لغتان مشهورتان يأتي بيان مأخذهما في محله إن شاء الله تعالى فتسميته سنة كفاية عندنا عند سماع قول العاطس: الحمد الله. قوله:

ص: 274

ونصرِ الضعيف، وعونِ المظلوم، وإفشاء السلام، وإبرارِ القَسَم" هذا لفظ إحدى روايات البخاري.

ــ

(ونصر الضعيف) أي نصر المظلوم كما أشار إليه الحافظ فيما يأتي ونصره فرض كفاية من جملة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكن إنما يتوجه الأمر به على من قدر عليه ولم يخف ضررًا. قوله: (وعون المظلوم) هو بمعنى ما قبله كما علم مما تقدم عن الحافظ. قوله: (وإفشاء السلام) أي إشاعته وإكثاره وهو أن يبذل لكل مسلم وسبق قوله صلى الله عليه وسلم: "وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف". قوله: (وإبرار القسم) هو سنة أيضًا مستحبة متأكدة لكن يندب إذا لم تكن فيه مفسدة أو خوف ضرر أو نحو ذلك فإن كان شيء من ذلك لم يبر قسمه كما ثبت أن أبا بكر رضي الله عنه لما عبر الرؤيا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فقال له صلى الله عليه وسلم: "أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا" فقال: أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني، فقال:"لا تقسم" ولم يخبره. قوله: (هذا لفظ إحدى روايات البخاري) قال الحافظ بعد أن أخرجه بلفظ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس وإفشاء السلام ونصر المظلوم وإجابة الداعي وابرار القسم أخرجه الشيخان والترمذي قال وقول الشيخ هذا بلفظ إحدى روايات البخاري إلى آخر ما تقدم عنه رواية قتيبة أخرجها عنه في كتاب الاستئذان وهي مخالفة لرواية جميع من أخرج الحديث ممن اطلعنا عليه فقد أخرجه البخاري في عشرة مواضع من صحيحه وأزيد باللفظ الذي سقته إلا رواية قتيبة فإنه أبدل فيها إجابة الداعي بقوله وعون المظلوم وعبر عن نصر المظلوم بنصر الضعيف وقد أخرجه مسلم من طريق شيخ قتيبة وهو جرير وضم روايته إلى رواية غيره وكذا صنع أبو نعيم في المستخرج في رواية إسحاق بن راهويه عن جرير أيضًا وأفصح بذلك أبو عوانة فساق رواية جرير بلفظ وافق رواية الجماعة أخرجها عن يوسف القاضي عن علي يعني بذلك المديني عن جرير فاحتمل أن يكون جرير أو من دونه لما حدث به أورده من حفظه فوقع التغيير وقد أبعد من أول الداعي بالضعيف فإنه أخص منه وكذا الإجابة بالنصر أو العون وأبعد منه من قال هي خصلة زائدة ومفهوم العدد ليس بحجة قال: وقد أوضحت ذلك في فتح

ص: 275

وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حتى تُؤمِنُوا ولا تُؤمِنُوا حتى تَحابُّوا أوَلا أدُلُّكُمْ على شَيء إذا فَعَلْتُمُوهُ

تَحَابَبْتُمْ؟

ــ

الباري اهـ. وأشار بما ذكر من الجوابين إلى الكرماني فإنه أجاب بهما في شرحه كما في فتح الباري.

قوله: (وروينا في صحيح مسلم) قال الحافظ من طريق الإِمام أحمد وأبي نعيم أخرجه مسلم وابن ماجه وقال صاحب المرقاة وكذا رواه أبو داود والترمذي اهـ، وقال الحافظ بعد ذكر الحديث من طريق آخر عن أبي هريرة فذكره بمثله أخرجه البخاري في الأدب المفرد بنحوه. قوله:(لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا) أي لأن الله حرم الجنة على الكفار فلا يدخل الجنة إلا من مات مؤمنًا سواء كمل الإيمان بفعل خصال كماله أولًا وقال الشيخ ابن الصلاح معنى الحديث لا يكمل إيمانكم إلا بالتحاب ولا تدخلوا الجنة عند دخول أهلها إذا لم تكونوا كذلك قال المصنف والذي قاله أبو عمرو محتمل والله أعلم، وقال العاقولي وكأن معنى قوله: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا أي يؤمن كل منكم أخاه

بوائقه كما جاء في الحديث الآخر ولا يأمن أحدكم بوائق صاحبه إلا إذا حصلت المحبة بينكم لأن المحب يأمن محبوبه ولا شك أن السلام يزيل الإحن من الصدور ويترقى حتى تحصل المحبة اهـ. قوله: (ولا تؤمنوا حتى تحابوا) قال المصنف هكذا هو في جميع الأصول والروايات ولا تؤمنوا بحذف النون من آخره وهي لغة معروفة صحيحة اهـ. وقال بعضهم: حسن ذلك هنا لمشاكلة الفعل المنصوب قبله أي حتى تحابوا لكن قال الطيبي ونحن استقرأنا نسخ مسلم والحميدي وجامع الأصول وبعض نسخ المصابيح فوجدناها مثبتة بالنون على الظاهر ونازعه في المرقاة في ذلك بأن نسخ المصابيح المقروءة على المشايخ الكبار كابن الجزري والسيد أصيل الدين وجمال الدين المحدث وغيرها من النسخ الحاضرة كلها بحذف النون وكذا متن مسلم المصحح المقروء على جملة المشايخ منهم السيد نور الدين الأيجي قدس سره نعم في الحاشية نسخة بثبات النون وهو في تيسير الوصول إلى جامع الأصول بحذف النون بل قوله: لا تدخلوا محذوف النون أيضًا ولعل الوجه أن النهي في يراد به النفي كعكسه المشهور عند أهل العلم اهـ. والمراد من هذه الجملة

ص: 276

افْشُوا السلام بَيْنَكمْ".

وروينا في "مسند الدارمي" وكتابي الترمذي وابن ماجه وغيرها بالأسانيد الجيدة عن عبد الله بن سلام رضي

ــ

لا يكمل إيمان أحدكم ولا يصلح حاله إلا بالتحاب. قوله: (أفشوا السلام بينكم) هو بقطع همزة أفشوا وأصله أفشيوا فنقلت حركة الياء إلى الشين بعد سلبها حركتها ثم حذفت الياء أي أظهروه ففيه الحض العظيم على إفشاء السلام وبذله للمسلمين كلهم من عرفت ومن لم تعرف كما تقدم في الحديث السابق والسلام أول أسباب التآلف ومفتاح استجلاب المودة وفي إفشائه تمكين ألفة المسلمين بعضهم لبعض وإظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل مع ما فيه من رياضة النفس ولزوم التواضع وإعظام حرمات المسلمين وفيه أنه يتضمن رفع التقاطع والتهاجر والشحناء وفساد ذات البين التي هي الحالقة وأن يكون سلامه الله تعالى لا يتبع فيه هواه ويخص به من يعرفه أشار إليه المصنف في شرح مسلم. قوله: (وروينا في مسند الدارمي الخ) قال الحافظ: هذا حديث حسن أخرجه أحمد والطبراني والحاكم كل هؤلاء تنتهي أسانيدهم إلى عوف بن أبي جميلة الأعرابي الراوي له عن زرارة بن أوجه عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه فمدار الحديث على عوف فقول الشيخ بالأسانيد الجيدة يوهم أن للحديث طرقًا إلى الصحابي وليس كذلك قلت ويمكن على بعد أن مراده تعداد الأسانيد المنتهية إلى عوف وهي كذلك وقد أجاب الحافظ بمثل ذلك عن المصنف فيما تقدم من نظير ما نحن فيه مما تعدد فيه الطريق إلى الراوي الذي هو مدار الحديث مع اتحاد صحابي الحديث ثم إن الترمذي صحح هذا الحديث، قال الحافظ وفي تصحيحه له نظر فإن زرارة وإن كان ثقة لا يعرف له سماع من عبد الله بن سلام رضي الله عنه ثم قال فلعله أطلق الصحة لما للمتن من الشواهد يعني فيكون حسنًا لذاته صحيحًا لغيره وأما تصحيح الحاكم فلعله تبع الترمذي ومن شواهد المتن ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعًا اعبدوا الرحمن وأفشوا السلام وأطعموا الطعام تدخلوا الجنان وسنده جيد اهـ. قوله: (عن عبد الله بن سلام رضي

ص: 277

الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا أيها

النّاسُ أفْشُوا السّلام، وأطْعِمُوا الطعامَ،

ــ

الله عنه) سلام بتخفيف اللام واسم

والد سلام الحارث الإسرائيلي ثم الأنصاري هو من ولد يعقوب وكان اسمه في الجاهلية الحصن فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله توفي بالمدينة في خلافة معاوية سنة ثلاث وأربعين ودفن بها وأسلم أن قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأول هذا الحديث عن عبد الله بن سلام قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة احتفل النّاس لرؤيته فقالوا: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت فيمن خرج انظر فلما رأيته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب فأول شيء سمعته يقول: "يا أيها النّاس أفشوا السلام الخ" أخرجه كذلك من ذكرناه من أحمد والدارمي وغيرهما ممن ذكر المصنف بعضه والحافظ الباقي ونزل فيه قوله تعالى: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} كذا ورد واستشكل بأن ابن سلام أسلم بالمدينة والأحقاف مكية وأجيب بأنها مكية إلا هذه الآية وقال سعد بن أبي وقاص: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لرجل يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام، قال الكرماني إن قلت المبشرون بالجنة عشرة فما وجهه قلت: لفظ ما سمعت لم ينف أصل الإخبار بالجنة لغيره والتخصيص بالعدد لا يدل على نفي الزائد أو المراد بالعشرة الذين جاء فيهم لفظ البشارة أو المبشرون في مجلس واحد أو لم يقل لأحد غيره حال مشيه على الأرض ولا بد عن هذا التأويل كيف والحسنان وأزواج الرسول بل أهل بدر ونحوهم من أهل الجنة اهـ، وكان ابن سلام من سادات اليهود معظمًا في الجاهلية والإسلام وشهد فتح بيت المقدس والجابية روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قيل: خمسة وعشرون حديثًا اتفقا منها على اثنين كذا قال القرطبي وقال في الرياض اتفقا على حديث

ص: 278

وَصِلوا الأرحامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نيامٌ، تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسلامٍ"،

ــ

واحد وانفرد البخاري بالثاني. قوله: (وصلوا الأرحام) الأمر فيه محمول على الوجوب قال القرطبي والرحم عبارة عن قرابات الإنسان من جهة طرفيه آبائه وإن علوا وأبنائه وإن نزلوا وما يتصل بالطرفين من الأعمام والعمات والأخوال والخالات والإخوة والأخوات وما يتصل بهم من أولادهم برحم جامعة وقطع الرحم كبيرة من غير خلاف والصلة درجات بعضها أرفع من بعض فأدناها ترك المهاجرة وأدنى صلتها بالسلام قال صلى الله عليه وسلم: "بلوا أرحامكم ولو بالسلام" وهذا بحسب القدرة عليها والحاجة إليها فمنها ما يتعين ويلزم ومنها ما يستحب ويرغب فيه وليس من لم يبلغ أقصى الصلات يسمى قاطعًا ولا من قصر عما ينبغي له ويقدر عليه يسمى واصلًا، قال القاضي عياض واختلفوا في الرحم التي تجب صلتها فقيل كل رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكرًا والآخر أنثى حرمت مناكحتهما فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام وأولاد الأخوال وقيل هو عام في كل رحم من ذوي الأرحام في الميراث يستوي فيه المحرم وغيره ويدل له قوله صلى الله عليه وسلم:"أدناك ثم أدناك" اهـ. قال المصنف وهذا القول الثاني هو الصواب ومما يدل عليه الحديث في أهل مصر فإن لهم ذمة ورحمًا وحديث إن أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه مع أنه لا محرمية تم والله أعلم وتعقب القرطبي القول الثاني بأنه يلزم عليه أن الرحم التي لا يتوارث بها لا تجب صلتهم ولا يحرم قطعهم وهذا ليس بصحيح والصواب ما ذكرناه قبل هذا من التعميم والتقسيم اهـ. وما أشار إليه من التعميم سبق نقله عنه أول الكلام في هذا المقام والله أعلم. قوله: (وصلوا بالليل والناس نيام) فيه طلب قيام الليل وإحيائه بالصلاة وقد ورد فيه من الأحاديث النبوية من فعله وقوله صلى الله عليه وسلم ما يهيج الموفق ويبعثه على تحصيل ذلك ولا يخفى ما بين قوله

وصلوا الأرحام وقوله وصلوا من الجناس المحرف. قوله: (تدخلوا الجنة بسلام) أي سالمين. أو مسلمًا عليكم من ربكم أو من الملائكة أو من بعضكم

ص: 279

قال الترمذي: حديث صحيح.

وروينا في كتابي ابن ماجه وابن السني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: "أمَرَنا نبينا، صلى الله عليه وسلم أن نُفشي السلام".

وروينا في "مَوطأ" الإِمام مالك رضي الله عنه عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أن الطفيل بن أُبي بن كعب أخبره أنه كان يأتي عبد الله بن عمر فيغدو معه إلى

ــ

على بعض وأولها أشرفها. قوله" (قال الترمذي حديث صحيح) تقدم ما في تصحيحه في كلام الحافظ.

قوله: (وروينا في كتابي ابن ماجه وابن السني الخ) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الطبراني: هذا حديث حسن أخرجه ابن ماجه ورجاله رجال الصحيح إلا إسماعيل بن عياش ففيه ضعف لكن روايته عن الشاميين جيدة وهذا منها وقد تابعه بقية بن الوليد ثم أخرجه الحافظ عنه من طريق الطبراني أيضًا وقال بعد تخريجه وأخرجه ابن السني من طريق كثير بن عبيد عن بقية وزاد فيه لأبي أمامة قال الحافظ في الطريق التي أورد بها حديث بقية وهذه طريق جيدة بتصريح بقية بالتحديث فيها فأمن تدليسه وهو أشد ما عيب به اهـ. قوله: (أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم) هذا مرفوع اتفاقًا للنص فيه على اطلاعه صلى الله عليه وسلم ومحل الخلاف ما لم ينص فيه على اطلاعه صلى الله عليه وسلم وقيل: بجريان الخلاف فيه أيضًا وسبق تحقيق ذلك في أوائل الكتاب. قوله: (أن نفشي) بضم النون أي تظهر ونشهر (السلام) بأدائه على من لقينا عرفنا أو لم نعرف.

قوله: (وروينا في موطأ الإِمام مالك) قال الحافظ هذا موقوف صحيح ثم خرجه الحافظ عن مالك وقال أخرجه البخاري في الأدب المفرد هكذا. قوله: (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) هو تابعي أخذ عن عمه أخي أبيه لأمه أنس بن مالك وأبوه عبد الله صحابي حنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجده أبو طلحة صحابي جليل أنصاري عظيم. قوله: (أن الطفيل) هو بضم الطاء المهملة وفتح الفاء وسكون التحتية تابعي أخذ عن عمر وعن أبيه وأبوه أبي بضم الهمز وفتح الموحدة ابن كعب الصحابي الجليل الأنصاري وقوله (أخبره) خبر أن والضمير المستتر المرفوع يعود إلى الطفيل والضمير البارز المنصوب يعود لإسحاق والمعنى أخبر الطفيل إسحاق بـ (أنه لما كان يأتي عبد الله الخ) فحذف الباء الموحدة وحذف الجار مع أن وأن قياس مطرد عند

ص: 280

السوق، قال: فإذا غدونا إلى السوق لم يمر عبد الله على سَقَّاطٍ، ولا صاحب بَيعة ولا مسكين ولا أحد إلا سلم عليه، قال الطفيل: فجئت عبد الله بن عمر يومًا، فاستتبعني إلى السوق، فقلت له: ما

تصنع بالسوق وأنت لا تقف على البيع ولا تسأل عن السِّلَع ولا تسوم بها ولا تجلس في مجالس السوق؟ قال: وأقول: اجلس بنا ها هنا نتحدث، فقال لي ابن عمر:

ــ

أمن اللبس. قوله: (سقاط) بتشديد القاف وبالطاء المهملة آخره قال في النهاية هو الذي يبيع سقط المتاع وهو رديئه وحقيره. قوله: (ولا صاحب بيعة) أي نفيسة لقرينة مقابلته بالسقاط قال الطيبي وهو بفتح الموحدة الصفقة وبكسرها الحالة كالركبة والقعدة وقوله (إلا سلم عليه) الظاهر أن المسلم هو ابن عمر ويحتمل العكس كما في المرقاة. قوله: (فاستتبعني إلى السوق) أي طلبني أتبعه للسوق وطلب ابن عمر ذلك من ابن الطفيل ليرى إفشاءه

للسلام على الخاص والعام فيقتدي به في هذا المقام فيحصل له ثواب الفعل ولابن عمر ثواب الدلالة والله أعلم. والسوق مؤنثة وقيل: يجوز تذكيرها وسميت بذلك لسوق البضائع إليها وقيل: لأن النّاس يقفون فيها على ساق وقيل لأن النّاس يضرب ساق بعضهم فيها ساق بعض من الازدحام وتعقب الأخيران باختلاف المادة فمادة السوق من ذوات الواو والساق من ذوات الهمز قيل: فالأول من الثلاثة المتعين. قوله: (ما تصنع بالسوق الخ) ما فيه استفهامية وجملة (وأنت لا تقف الخ) في محل الحال وكذا ما بعدها والسلع بكسر ففتح جمع سلعة والمذكور غالب ما يقصد من الأسواق وقد ظن الطفيل أن السوق مقصود للمطالب الدنيوية من البيع والسوم والتفرج على ما يحدث فيه وكل ذلك ليس مرادًا لعبد الله بن عمر فلا فائدة في ذهابه للسوق فأرشده عبد الله رضي الله عنه إلى أنه أيضًا يكون سوقًا لمتجر الآخرة وذلك بأن يفشي فيه السلام على الخاص والعام المأمور بإفشائه في حديث سيد الأنام صلى الله عليه وسلم وذلك يتيسر فيه لكثرة النّاس فيه والله أعلم، ثم لا منافاة بين قضية حديث ابن عمر وما سيأتي آخر الباب وهو ما في الروضة وغيرها من أن من كان بشارع أو سوق يطرق كثيرًا أو نحوه مما يكثر فيه المتلاقون

ص: 281

يا أبا بطن وكان الطفيل ذا بطن، إنما نغدو من أجل السلام نسلم على من لقيناه.

وروينا في "صحيح البخاري" عنه

ــ

إنما يسلم على بعض النّاس دون بعض لأنه لو سلم على الجميع تعطل عن كل مهم وخرج به عن العرف اهـ. لأن حديث ابن عمر يمكن حمله على ذلك بأن يراد ولا أحد أي مما لا يؤدي السلام عليه إلى ذوات ما هو أهم منه وإلا فيعدل إلى ذلك كأمر بمعروف ونهي عن منكر أو يقال في الجمع إن مراد الفقهاء سقوط الطلب عن المكلف حينئذٍ فإذا أتى به الإنسان فلا منع منه لما فيه من الحرص على الخير وعليه يحمل ما جاء عن الصحابي والله أعلم. قوله: (يا أبا بطن) فيه أن ذكر بعض خلقة الإنسان إذا لم يتأذ بذكره ولم يقصد به الإهانة وإدخال العيب لا يكون محرمًا منهيا عنه وقوله (وكان الطفيل) في المشكاة قال وكان الطفيل بزيادة قال وهو محتمل أن يكون صدر هذا القول من الراوي عنه أو من الطفيل نفسه وقوله (ذا بطن) أي كبير لا أنه صاحب أكل كثير كما في يتوهم. قوله: (من أجل السلام) أي لنؤديه ونفشيه على من لقيناه. قوله: (لقيناه) هو بكسر القاف وسكون التحتية وبإثبات الضمير في نسخة وفي نسخة لقينا بفتح الياء واللقاء يحصل من الجانبين والظاهر أن المراد بالسلام أعم من ابتدائه وجوابه ففي كل منهما فضيلة كاملة.

فائدة

قال في المرقاة هذا الحديث يناسب ما اختاره السادة النقشبندية من حصول الخلوة في الأسواق وبين الجماعة، قلت قيل للخواجة بهاء الدين نقشبندي قدس سره كيف يعقل هذا فتلا قوله تعالى:{رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} اهـ. ثم قال في المرقاة ولعل وجهه من قوله صلى الله عليه وسلم: "ذاكر الله في الغافلين بمنزلة الصابر في الفارين" رواه البزار والطبراني في الأوسط كلاهما من حديث ابن مسعود والحديث الآتي فيما يقول: إذا دخل السوق من رواية أبي داود والترمذي والحاكم من حديث عمر مرفوعًا من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله الخ ولعل وجه الحكمة في ذلك أن الله ينظر إلى

عباده نظر رحمة وعناية في كل آن فكل من غفل فاته وكل من شهد وحضر أدركه بل وأخذ من نصيب غيره ولعل هذا هو الباعث على الترغيب على الجماعة والجماعة ومجالس الذكر فإنه بمنزلة المائدة الجامعة لأنواع المشتهيات فكل من يكون

ص: 282

قال: وقال عمار رضي الله عنه: ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصافُ من نفسك، وبذلُ السلام

ــ

حاضرًا مشتاقًا يأخذ منها حظه ونصيبه والغائب أو الحاضر الغافل أو المريض المعدوم الاشتهاء يقعد محرومًا اهـ. قوله: (قال: قال عمار رضي الله عنه فاعل قال الأول الإِمام البخاري وعمار هو ابن ياسر العنسي بالعين المهملة المفتوحة والنون الساكنة والسين المهملة ثم المذحجي القحطاني نسبًا المخزومي حلفًا وولاء المكي ثم المدني ثم الشامي ثم الدمشقي أحد السابقين الأولين المعذبين في الله أشد العذاب وكذا عذب أبوه وأمه سمية ومر بهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم يعذبون فقال: صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة وكانت سمية أمه أول شهيدة في الإسلام، شهد عمار جميع المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مخصوصًا منه بالبشارة والترحيب والبشاشة والتطييب وأخبر أنه أحد الأربعة الذين تشتاق إليهم الجنة وقال له: مرحبًا بالطيب المطيب وأخبر أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما وقال عمار: جلدة ما بين عيني وأنفي وقال: اهتدوا بهدي عمار وقال: من عادى عمارًا عاداه الله ومن أبغض عمارًا أبغضه الله وآخى صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن أبي وقاص ولما أخبر صلى الله عليه وسلم أنه أكره على الكفر فكفر قال: كلا والله إن عمارًا مليء إيمانًا من قرنه إلى مشاشه ونزل فيه قوله تعالى: {إلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} ولاه عمر على الكوفة: وكتب إليهم أنه من النجباء الرفقاء فاعرفوا له قدره، روي له رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنان وستون حديثًا اتفقا منها على واحد وانفرد البخاري بثلاثة ومسلم بواحد وأخرج عنه أصحاب السنن وغيرهم قتله رضي الله عنه بصفين سنة سبع وثلاثين عن ثلاث وخمسين سنة قال قبل أن يقتل ائتوني بشربة لبن فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "آخر شربة تشربها شربة لبن" كذا نقل من الرياض للعامري باختصار. قوله: (ثلاث من جمعهن) قال الحافظ في فتح الباري أي ثلاث خصال وثلاث مبتدأ والجملة خبر وجاز الابتداء بالنكرة لأن التنوين عوض عن المضاف إليه أي المقدر بخصال ويحتمل في إعرابه غير ذلك ولعل مما يحتمله أن يكون ثلاث وصفًا للمبتدأ أي خصال ثلاث أو يكون ثلاث موصوفًا بمحذوف أي ثلاث من الخصال من جمعهن الخ (فقد جمع الإيمان) في الفتح لفظ شعبة من كن فيه استكمل الإيمان قال وهو بالمعنى

ص: 283

للعالمِ، والإنفاقُ من الإقتار.

وروينا هذا في غير البخاري مرفوعًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قلت: قد جمع في هذه الكلمات الثلاث خيرات الآخرة والدنيا، فإن الإنصاف يقتضي أن يؤدّي إلى الله تعالى جميع حقوقه وما أمره به، ويجتنب جميع ما نهاه عنه، وأن يؤدِّي للناس حقوقهم، ولا يطلب ما ليس له، وأن

ــ

وهكذا روينا في جامع معمر عن أبي إسحاق وكذا حدث به عبد الرزاق في مصنفه عن معمر. قوله: (للعالم) بفتح اللام به هنا جميع النّاس قال ابن العز الحجازي فهو عام أريد به خاص. قوله: (من الإقتار) أي القلة. قوله: (وروينا هذا) الحديث الموقوف على عمار (في غير البخاري مرفوعًا) قال الحافظ في الفتح حدث به عبد الرزاق عن معمر موقوفًا على عمار وحدث به بأخرة فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كذا أخرجه البزار في مسنده وابن أبي حاتم في العلل كلاهما عن الحسن بن عبد الله الكوفي وكذا رواه البغوي في شرح السنة من طريق محمد بن كعب الواسطي وكذا أخرجه ابن الأعرابي في معجمه عن محمد بن الصباغ الصغاني ثلاثتهم عن عبد الرزاق مرفوعًا واستغربه

البزار وقال أبو زرعة هو خطأ قلت وهو معلوم من حيث صناعة الإسناد لأن عبد الرزاق تغير بأخرة وسماع هؤلاء حال تغيره إلا أن مثله لا يقال من قبل الرأي فهو في حكم المرفوع وقد رويناه موقوفًا من وجه آخر عن عمار أخرجه الطبراني في الكبير وفي إسناده ضعف وله شواهد أخر بينتها في تعليق التعليق اهـ. قال الحافظ في التخريج له وقد ذكرت في تعليق التعليق أن بعضهم رواه عن عبد الرزاق متابعًا للحسن يعني ابن عبد الله إمام مسجد العوام بواسط الراوي للحديث عن عبد الرزاق مرفوعًا ولا يثبت أيضًا وروايته من وجه آخر في الحلية لأبي نعيم من طريق أبي أمامة الباهلي عن عمار مرفوعًا وسنده ضعيف اهـ. قوله: (قلت الخ) نقل الحافظ نحو هذا الكلام عن الشيخِ أبي الزناد بن السراج وغيره قال الحافظ بعد نقله وهذا التقدير يقوي أيضًا أن يكون الحديث مرفوعًا لأنه يشبه أن يكون من كلام من أوتي جوامع الكلم والله أعلم. قوله: (فإن الإنصاف الخ) قال الحافظ نقلًا عمن ذكر وهذا مجمع أركان الإيمان.

ص: 284