الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما يقول إذا رأى هزيمة في المسلمين والعياذ بالله الكريم
يستحبُّ إذا رأى ذلك أن يفزع إلى ذكر الله تعالى واستغفاره ودعائه، واستنجاز ما وعد المؤمنين
ــ
فلما حصل لهم هذا الانكسار وظهر أن الكثرة لا دخل لها في النصرة إنما النصر لله تعالى جبر الله تعالى ذلك الكسر وأوصل ما أخذه صلى الله عليه وسلم بكفه من التراب إلى عين كل من أولئك الكفار الأشرار فكانوا غنيمة للمسلمين ففيه التحذير من الركون في حال إلى غير الله تعالى والتنبيه على أن الكسر لكونه ملجئًا للاضطرار إلى الله تعالى سبب الجبر قال الله تعالى ({أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} سبحانه جل وعلا.
باب ما يقول إذا رأى هزيمة في المسلمين والعياذ بالله
قوله: (أن يفزع إلى ذكر الله تعالى) هو بالفاء والزاي من باب علم يعلم قال في النهاية فزعت إليه فأفزعني أي استغثت إليه فأغاثني اهـ. أي يطلب منه الغوث والنصر وقال السيوطي في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الكسوف فافزعوا إلى ذكر الله بفتح الزاي أي الجؤوا اهـ. وهذا أنسب عند المقام والظاهر أن المراد الذكر القلبي أي أنه تعالى منه النصر وإليه يرجع الأمر فيسلم الأمر إليه ويخرج عن حول نفسه وقوتها ففي التسليم غاية الهنا ونهاية المني وعليه فعطف ما بعده عليه من عطف المغاير ويحتمل أن يكون المراد الذكر اللساني ويقر به عطف ما بعده من الاستغفار وما بعده عليه وكان حكمته أن الله تعالى يذكر من يذكره وينصر من ينصره وفي ذلك اهتمام بشأن الذاكرين ونصرة الذابين عن الحق والناصرين له والله أعلم. قوله: (واستنجاز ما وعد المؤمنين) أي سؤال إنجاز ما وعد المؤمنين من نصرهم وكون العاقبة لهم وذلك للاتباع لما فعله صلى الله عليه وسلم ببدر فعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو
من نصرهم وإظهار دينه، وأن يدعوَ بدعاء الكرب المتقدم: لا إله إلا اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلهَ إلَّا الله رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلهَ إلا الله ربُّ السَّمواتِ وَرَبُّ الأرْضِ ربُّ العَرْشِ الكَرِيمِ.
ويستحبُّ أن يدعوَ بغيره من الدعوات المذكورة المتقذمة والتي ستأتي في مواطن الخوف والهلكة.
وقد قدمنا في باب الرجز الذي قبل هذا "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى هزيمة المسلمين، نزل واستنصر ودعا" وكان عاقبة ذلك النصر {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].
وروينا في "صحيح البخاري" عن أنس رضي الله عنه قال:
ــ
في قبته ببدر اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لن تعبد بعد اليوم فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك فقام وهو يُنسب في الدرع ويقول ({سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} حديث صحيح أخرجه البخاري من طرق ووافقه في بعضها النسائي والطبراني وفي بعضها يوم بدر من غير ذكر القبة وفي بعضها في قبة من غير ضمير وفي بعضها في قبة له ولم يذكر يوم بدر والحديث عند مسلم أيضًا كما تقدم. قوله: (من نصرهم) أي بقوله {ولينصرن الله من ينصره} ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله وحده صدق وعده الخ. قوله: (وإظهار دينه) إضافة الدين إليه تعالى للتشريف قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} أي والله لا يخلف الميعاد فظهور خلاف ما ذكر إنما هو لعدم ظهوره لأولئك الأقوام ولكل شيء أجل ولكل أجل كتاب. قوله: (الذي قبل هذا) أي ببابين وفي نسخة قبل الذي قبل هذا فباب الرجز قبل باب استحباب إظهار الصبر الخ وهو قبل باب ما يقول إذا ظهر المسلمون
الذي هو قبل هذا الباب ومقتضى هذا أن يقال في الباب الذي قبل هذا وأوضح منه أن يقال فيه في الباب السابق على هذا الباب ببابين والله أعلم.
قوله: (وروينا في صحيح البخاري) قال الحافظ وهو عند مسلم من غير طريق البخاري عن
لما كان يوم أُحد وانكشف المسلمون قال عمي أنس بن النضر:
ــ
أنس أيضًا وحديث البخاري عن أنس بن النضر غاب عن قتال بدر فلما قدم قال غبت عن أول قتال قاتله رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين لئن الله أشهدني مشهدًا بعدها ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه ثم تقدم فلقيه سعد بن معاذ بأخراها فقال سعد فقلت له: أنا معك فلم أستطع ما صنع قال أنس فوجدنا به بضعًا وسبعين ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم فكنا نقول فيه وفي أصحابه نزلت {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} الآية وزاد فيه في رواية السهمي فوجدناه بين القتلى قد مثلوا به فما عرفته إلا أخته قال الحافظ أخرجه أحمد والبخاري والترمذي والنسائي زاد في جامع الأصول من تخريج من ذكر فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد وحديث مسلم عن ثابت عن أنس بن مالك قال كان أنس بن النضر وبه سميت لم يشهد بدرًا فعظم ذلك عليه فقال أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه فذكر الحديث بنحوه وفيه بعد قوله ليراني الله ما أصنع فهاب أن يقول غيرها وقال فيه فقاتل حتى قتل وأخرجه أيضًا النسائي والترمذي اهـ قال المصنف في شرح مسلم كذا في النسخ ليراني الله ما أصنع بالألف وهو صحيح ويكون ما أصنع بدلًا من الضمير في يرائي أي ليرى الله ما أصنع ووقع في رواية ليرين الله ما أصنع بنون مشددة بعد التحتية المفتوحة وهكذا وقع في البخاري وعليه ضبطوه بوجهين بفتح التحتية الأولى والراء أي يراه الله واقفًا بارزًا وبضم التحتية وكسر الراء معناه ليرين الله النّاس ما أصنع ويبرزه الله لهم وقوله فهاب أن يقول غيرها معناه أنه اقتصر على هذه اللفظة المبهمة وهو قوله ليرين الله الخ مخافة أن يعاهد الله بغيرها فيعجز أو تضعف نيته عنه أو نحو ذلك ليكون أبرأ من الحول والقوة اهـ. قوله: (أنس بن النضر) هو بالضاد المعجمة قال الحافظ في مقدمة الفتح ما كان على هذه الصورة معرفًا فبالضاد المعجمة أو منكرًا فبالصاد المهملة وأنس هذا عم أنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم ومن كراماته ما ورد في الصخيح عن أنس قال كسرت الرببع وهي عمة أنس بن مالك أخت أنس بن النضر ثنية جارية من الأنصار فطلب القوم القصاص