الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9].
قلت: وهذا محمول على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين إلى الطعام حاجة ضرورية، لأن العادة أن الصبي وإن كان شبعانَ يطلب الطعام إذا رأى من يأكله، ويحمُل فعل الرجل والمرأة على أنهما آثرا بنصيبهما ضيفهما، والله أعلم.
باب استحباب ترحيب الإنسان بضيفه وحمده الله تعالى على حصوله ضيفًا عنده وسروره بذلك وثنائه عليه لكونه جعله أهلا لذلك
ــ
قوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} أي خلة وحاجة وأصلها خصاص البيت وهي فروجه والجملة في موضع الحال أي مفروضة خصاصة أي ذلك لا يمنعهم من الإيثار فيكون ذلك أعظم في الأجر والله أعلم. قوله: (قلت وهذا محمول الخ) قال المصنف في شرح مسلم هذا محمول على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين إلى الأكل وإنما تطلبه أنفسهم على عادة الصبيان من غير جوع يضر فإنهم لو كانوا على حاجة بحيث يضرهم ترك الأكل لكان إطعامهم واجبًا ويجب تقديمه على الضيافة وقد أثنى الله ورسوله على هذا الرجل وامرأته فدل على أنهما لم يتركا واجبًا بل أحسنا وأجملا رضي الله عنهما وأما هو وامرأته فقد آثرا على أنفسهما برضاهما مع حاجتهما وخصاصتهما فمدحهما الله تعالى وأنزل فيهما {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} ففيه فضيلة الإيثار والحث عليه وقد أجمع العلماء على فضيلة الإيثار بالطعام ونحوه من حظوظ النفوس أما القربات فالأفضل ألا يؤثر فيها لأن الحق فيها الله تعالى والله أعلم.
باب استحباب ترحيب الإنسان بضيفه وحمد الله تعالى على حصوله عنده وسروره بذلك وثنائه عليه
روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" من طرق كثيرة عن أبي هريرة وعن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
ــ
أي على الله سبحانه لكونه جعله أهلًا لذلك. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) أما حديث أبي هريرة فخرجه الحافظ عنه من طريق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليسكت" ثم قال: خرجه مسلم ثم أخرجه الحافظ من طريق آخر إلى أبي هريرة فذكر مثله وخرجه البخاري إلا ما يتعلق بالجار وقال في آخره: "ليصمت" ثم قال أخرجه البخاري ومسلم ثم أخرج الحافظ من طريق آخر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن باللهِ واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن قرى ضيفه" قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم، وأما حديث أبي شريح الخزاعي فأخرجه الحافظ عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه " ثم قال: أخرجه
مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي وجاء عن أبي شريح رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه" قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث صحيح أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي اهـ. وفي الآمالي الحلبيات للحافظ بعد تخريج حديث أبي هريرة هذا حديث صحيح أخرجه أحمد وأبو داود واتفق على إخراجه الشيخان في صحيحيهما واتفق الأئمة الستة على تخريجه من حديث أبي شريح الخزاعي ثم أخرجه الحافظ من حديث أبي شريح فذكر مثل حديث أبي هريرة سواء لكنه قال: فليحسن إلى جاره وقال في آخره فليسكت ثم ذكر طريق كل من الستة فيه. قوله: (وأبي شريح الخزاعي) هو الخزاعي الكعبي ويقال فيه العدوي وليس هو من في عدي لا عدي قريش ولا عدي مضر فلعله كان حليفًا لبني عدي بن كعب بن قريش واختلف في اسمه فقيل: خويلد بن عمرو
"مَنْ كانَ يُؤمِنُ باللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيفَهُ".
وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، قال:"ما أخرَجَكما مِنْ بيُوتكُما هَذِهِ السّاعَةَ"؟
ــ
وهو المشهور وقيل عكسه وقيل: خويلد بن صخر وقيل صخر جده ابن عبد العزى بن معاوية بن المحترش بن عمرو بن زمان بن عدي بن عمرو بن ربيعة وقيل: اسمه هانئ بن عمرو وقيل: عبد الرحمن بن عمرو وقيل: كعب وقيل: مطر الصحابي الجليل أسلم قبل فتح مكة وقيل: يوم الفتح وجرى عليه المزي في الأطراف وكان يوم فتح مكة حاملًا أحد ألوية بني كعب روى له عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما قيل عشرون حديثًا اتفقا منها على حديثين وانفرد البخاري بحديث سكن المدينة ومات بها سنة ثمان وستين وقيل: سنة ثمان وخمسين كذا في شرح العمدة للقلقشندي. قوله: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) أي من كان يؤمن إيمانًا كاملًا ينجيه من العذاب ويلجئه إلى الثواب فالمتوقف على ما ذكر كمال الإيمان لا حقيقته أو هو محمول على المبالغة في الاستجلاب إلى هذه الأفعال كما يقول القائل: لست ابني إن لم تطعني أي من كان من أهل الإيمان فليكرم ضيفه أي سواء كان غنيًّا أو فقيرًا بالبشر في وجهه وطيب الحديث معه والمبادرة إلى إحضار ما تيسر عنده من الطعام من من غير كلفة ولا إضرار بأهله إلا إذا رضوا وهم بالغون عاقلون أخذًا مما سبق في الباب قبل هذا والضيف لغة يشمل الواحد والجمع من أضفته وضيفته إذا أنزلته بك ضيفًا وضفته إذا نزلت عليه ضيفًا.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم) سبق ما يتعلق بسند هذا الحديث في باب ما يقول بعد الطعام. قوله: (ذات يوم) أتى بها لئلا يتوهم أن المراد باليوم مطلق الزمان الشامل لليل والنهار إذ قد يطلق كل من اليوم والليلة على ذلك ويطلق اليوم على المدة، وحقيقة اليوم شرعًا من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس كما تقدم في باب فضل الذكر جمعه أيام وأصله أيوام فأعل كاعلال سيد، والليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الصادق
قالا: الجوع يا رسول الله، قال: "وأنا والَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لأخْرَجَنِيَ الذي
أخرَجَكُما، قوموا"، فقاموا معه، فأتى رجلًا من الأنصار فإذا ليس هو في بيته، فلما رأته المرأة قالت: مرحبًا وأهلًا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيْنَ فُلانٌ؟ " قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء، إذ جاء الأنصاريّ فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه،
ــ
وأو فيه للشك من الراوي. قوله: (قالا الجوع)
أي الذي أخرجنا الجوع أو أخرجنا الجوع فجملة الجواب اسمية أو فعلية وفيه أن التماس الرزق وتعاطي الأسباب غير قادح في التوكل فإنهما من رؤوس المتوكلين فالتوكل بالقلب وتعاطي الأسباب امتثالًا للأمر بالقالب. قوله: (قال: وأنا الذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما) قال الفاسي في تاريخه العقد الثمين نقلًا عن خط جده محمد بن محمد بن عبد الرحمن الفاسي قوله الذي أخرجكما الذي لفظ مبهم ظاهره الجوع والمراد والله أعلم الله سبحانه إذ هو أخرجه حقيقة فعبر بلفظ الذي الصادق على السبب والمسبب فشاركهم في ظاهر الحال دفعًا للوحشة الواقعة في ذكر الجوع، قال الفاسي: وهذا من معالي الأخلاق وكريم الشيم وهو في معنى قوله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} . قوله: (فأتوا رجلًا من الأنصار) تقدم أنه جاء في حديث الترمذي وغيره مجيئه صلى الله عليه وسلم ومن معه إلى حائط أبي الهيثم بن التيهان، وجاء في الطبراني أنه ذهب بمن معه إلى حائط أبي أيوب الأنصاري فرجل في هذا الحديث محتمل لهما قلت ولغيرهما، وفيما ما ذكر منقبة عظيمة لكل من أمله صلى الله عليه وسلم لذلك، وفيه أنه لا بأس بالإدلال على الصاحب الموثوق به والمعلوم منه الرضا والفرح بذلك. قوله:(فلما رأته المرأة قالت: مرحبًا وأهلًا) أي صادفت رحبًا أي مكانًا واسعًا فأنزل وأهلًا فأنس بالنزول فيهم، وفي الحديث جواز سماع كلام الأجنبية مع أمن الفتنة وإن وقعت فيه مراجعة. قوله:(يستعذب لنا من الماء) أي يستقي لنا ماء عذبًا من بئر يقال: استعذب الماء استقى عذبًا كذا في الصحاح، وبه يعلم الفرق بين استعذب لنا الماء واستعذبه من غير لنا وفيه جواز استعذاب الماء وتطييبه وأن ذلك لا ينافي الزهد ومن ثم نقل عن