الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أجمعين من قدح لبن
…
وذكر الحديث، إلى أن قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "بَقِيتُ أنا وَأنْتَ" قلت: صدقتَ يا رسول الله، قال: اقعد فاشرب، فقعدت فشربت، فقال: اشْرَبْ فَشَرِبْتُ، فمَا زال يَقُولُ: اشْرَبْ، حتى قلتُ: لا، والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكًا، قال: فأرِني، فأعطيته القدح، فحمد الله تعالى وسمى وشرب الفضلة.
باب ما يقول إذا فرغ من الطعام
روينا في "صحيح البخاري" عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته
ــ
بذلك السؤال للضيافة ففيه أن كتمان الحاجة أولى من إظهارها وإن جاز له الإخبار بباطن أمره لمن يرجو منه كشف ما به. قوله: (فحمد الله) أي على البركة وظهور المعجزة (وسمى) أي سمى الله تعالى وفي الحديث استحباب الاستئذان والسؤال عن الوارد إلى البيت من أين هو وتشريك الفقراء فيه وشرب الساقي وصاحب الشراب آخرا والحمد الله على الخير والتسمية على الشرب وفيه امتناعه صلى الله عليه وسلم من الصدقة وأكله من الهدية ثم قضية قوله فما زال يقول: اشرب الخ إنه غير مقصور على الثلاث وصرح أصحابنا بأن نحو المضيف لا يزيد في قوله لنحو ضيفه كل على ثلاث مرات ويحتمل تنزيل الخبر عليه بأنه لما كرر ذلك ثلاثًا قال أبو هريرة: لا والذي بعثك بالحق الخ والله أعلم.
باب ما يقول إذا فرغ من الطعام
قوله: (روينا في صحيح البخاري الخ) وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان. قوله: (رفع مائدته) أي رفعها من بين يدي الحاضرين معه وفيه تولي خدمة نحو الضيف وإن ذلك من الكمال وعند الترمذي إذا رفعت مائدته بإسناد الفجل المبني للمجهول للمائدة مع
قال: "الحَمْدُ لِلَهِ
ــ
تأنيثه ويحتمل أن يكون الفعل في رواية البخاري للمجهول أيضًا وحذف علامة التأنيث لكون تأنيث الفاعل مجازيًّا قال الحافظ: وقد رواية إذا فرغ من طعامه ورفعت مائدته ومثله ما جاء في رواية عن أبي أمامة علمني النبي صلى الله عليه وسلم أن أقول عند فراغي من الطعام ورفع المائدة فذكره اهـ. والمائدة خوان عليه طعام وإلا فهو خوان لا مائدة كذا في الصحاح وقد فتح الباري قد تطلق المائدة ويراد بها ما عليه الطعام وإن لم يكن خوان وقد تطلق على الطعام نفسه، ونقل عن البخاري أنه قال إذا أكل الطعام على شيء ثم رفع قيل: رفعت مائدته. قيل ما ذكره من إطلاقها على ما عليه الطعام وإن لم يكن خوانًا ذكره متقدمون منهم الحكيم الترمذي. وأما قوله وقد يطلق على الطعام نفسه فتبع فيه صاحب المحكم وقد رده الحافظ الزين العراقي بأن حديث سليمان يرد تفسير المائدة بالطعام اهـ. ولك أن تقول لا رد فإن ما في المحكم ليس مراده أن ذلك الإطلاق ملازم للفظ المائدة إنما أراد أنها اسم للخوان عليه الطعام
وقد تطلق على الطعام نفسه أي على سبيل القلة كما يؤذن به كلمة في ثم يحتمل أنه حقيقة كما هو المتبادر من لفظ يطلق ويحتمل أنه مجاز مرسل من إطلاق اسم المحل على الحال. واختلف في تسمية الخوان عليه الطعام بالمائدة فقيل: لأنها تميد بما عليها أي تتحرك من قوله تعالى: {وجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} وقيل من ماد أعطى فكأنها تميد أي تعطي من حواليها مما أحضر عليها وأجاز بعضهم أن يقال فيه ميدة كقول الراجز:
وميدة كثيرة الألوان
…
تصنع للجيران والإخوان
ثم استشكل قوله: إذا رفعت مائدته مع تفسيرها بأنها الخوان إذا كان عليه الطعام بما جاء عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم لم يأكل على خوان قط. وأجيب بأن أنسًا لم ير ذلك ورآه غيره والمثبت مقدم على النافي أو المراد على بالخوان صفة مخصوصة والمائدة تطلق على كل ما يوضع عليه الطعام ولا يختص ذلك بصفة مخصوصة. قوله: (قال الحمد الله) يحتمل أن يكون قال ذلك جهرًا وهو
كثِيرا طَيبا مُبارَكًا فِيهِ غَيرَ مَكْفِئ ولا مُوَدَّع ولا مُسْتَغْنىً عَنْهُ رَبُّنا"
ــ
ظاهر سياق أبي أمامة ويحتمل أنه أسر به ولما رآه أبو أمامة يحرك شفتيه سأله فعلمه ثم السنة للأكل ألا يجهر بالحمد إذا فرغ من الطعام قبل جلسائه كي لا يكون منعًا لهم وقوله: الحمد الله أي لذاته وصفاته وأفعاله التي من جملتها الإنعام بالإطعام وقوله: حمدًا الواقع عند الترمذي وغيره مفعول مطلق للحمد إما باعتبار ذاته أو باعتبار تضمنه معنى الفعل أو للفعل. قوله: (كثيرًا) صفة مفعول مطلق والكثرة المراد منها عدم النهاية إذ لا نهاية لحمده تعالى كما لا نهاية لنعمه. قوله: (طيبًا) أي خالصًا عن الرياء والسمعة والأوصاف التي لا تليق بجنابه تقدس لأنه طيب لا يقبل إلا طيبًا، أو خالصًا عن أن يرى الحامد أنه قضى حق نعمته. قوله:(مباركًا فيه) أي في الحمد وهو مفعول أقيم مقام فاعل مبارك أي ما وقع فيه البركة واليمن والزيادة والثبات والمعنى حمدًا ذا بركة دائمًا لا ينقطع لأن نعمه تعالى لا تنقطع فينبغي أن يكون حمدنا غير منقطع أيضًا ولونية وقصدًا. قوله: (غير مودع) بتشديد الدال المهملة مع فتحها أي غير متروك الطلب منه وعلى هذا اقتصر الشيخ كما سيأتي ثم حكى عنه صاحب النهاية أنه قال غير مودع أي غير متروك الطاعة. وقيل هو من الوداع وإليه يرجع والله أعلم، ومع كسرها أي حال كوني غير تارك لها ومعرض عنها لكن تعقب بأنه لا يلائم قوله قبله غير مكفي وقوله بعده ولا مستغنى إذ الرواية فيهما ليست إلا على صيغة اسم المفعول وعلى كل فمؤدى الروايتين واحد هو دوام الحمد واستمراره وغير بالنصحب على أنه حال من الاسم الكريم قيل: أو من اهـ حمد وقال في الحرز إنه الأقرب أي حال كون الحمد لك غير متروك بل مستمر لاستمرار النعم التي هو عليها هذا على روايته اسم مفعول وعلى أنه اسم فاعل فهو حال حذف عاملها وصاحبها أي أقول ذلك حال كوني غير تارك حمدك وما ذكر من النصب هو ما في الأصول المعتمدة من الحصن ووقع في نسخة بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي هو. قوله: (ولا مستغنى) هو بضم الميم وفتح النون أي لا يستغني عنه أحد بل يعاد إليه كرة بعد كرة ويحتاج إليه كل متكلم لبقاء نعمته تعالى واستمرارها ولم يصب من جعله عطف تفسير
وقد رواية "كان إذا فرغ من طعامه" وقال مرة "إذا رفع مائدته قال: الحَمْدُ لِلهِ الذي كفانا وأرْوانا غَيْرَ مَكْفِئ ولا مَكْفُورٍ".
قلت: مكفي، بفتح الميم وتشديد الياء، هذه الرواية الصحيحة الفصيحة، ورواه أكثر الرواة بالهمز، وهو فاسد من حيث العربية، سواء كان من الكفاية، أو من كفأت الإناء، كما لا يقال في مقروء من القراءة: مقرئ، ولا في مرمي مرمئ بالهمز. قال صاحب "مطالع الأنوار" في تفسير هذا الحديث:
ــ
محتجًا بأن المتروك هو المستغني عنه لظهور أن فيه فائدة لم يفدها ما قبلها وهي أنه لا مستغنى لأحد عن الحمد كما تقرر لظهور أنه لا فيض إلا منه تقدس فيجب على
كل مكلف إذ لا يخلو أحد عن نعمة بل نعمه جمة لا تحصى وهو في مقابلة النعمة واجب بمعنى أن الآتي به في مقابلتها يثاب عليه ثواب الواجب. أما شكر المنعم بمعنى امتثال أمره واجتناب نهيه فواجب شرعًا على كل مكلف يأثم بتركه اجماعًا. قوله: (وفي رواية) هي للبخاري أيضًا زاد في السلاح عن البخاري وقال مرة: لك الحمد ربنا غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه وفي رواية للترمذي وابن ماجه وإحدى روايات النسائي: اللهم لك الحمد حمدًا. قوله: (قلت: مكفيّ الخ) قال الحافظ: هكذا ثبت هذا اللفظ في حديث أبي أمامة بالياء وعلى هذا الضبط فقال ابن بطال يحتمل أن يكون من كفأت الإناء فالمعنى غير مردود عليه إنعامه أو من الكفاية أي أنه تعالى غير مكفي رزق عباده أي غير محتاج إلى أحد في كفايتهم إذ لا يكفيهم أحد غيره سبحانه وتعالى فالضمير الله تعالى وهذا ما حكاه المصنف عن الخطابي وقال الحربي الضمير للطعام ومكفي بمعنى مقلوب من الإكفاء وهو القلب أي غير أنه لا يكفئ الإناء للاستغناء عنه. قوله: (ورواه أكثر الرواة بالهمز وهو فاسد من حيث العربية) فساده باعتبار ما ذكره من كونه من كفأت الإناء أو من الكفاية أما إنه مأخوذ من المكافأة فلا فساد. وقال الجواليقي: الصواب غير مكافأ بالهمز أي أن نعمه تعالى لا تكافئ قال الحافظ: ثبت هذا اللفظ هكذا في حديث أبي أمامة بالياء ولكل معنى والله أعلم.
المراد بهذا المذكور كلِّه الطعام، وإليه يعود الضمير. قال الحربي: فالمكفي: الإناء المقلوب للاستغناء عنه، كما قال:"غير مستغنىً عنه" أو لعدمه، وقوله: غير مكفور، أي: غير مجحود نعم الله سبحانه وتعالى فيه، بل مشكورة، غير مستور الاعتراف بها والحمد عليها. وذهب الخطابي إلى أن المراد بهذا الدعاء كلِّه الباري سبحانه وتعالى، وأن
الضمير يعود إليه،
ــ
قوله: (المراد بهذا المذكور كله) أي الذي ذكر بعود الضمائر إليه من قوله مكفي وما بعده للطعام المدلول عليه بقرينة المقام أي غير مقلوب ولا مكفي أي غير متروك للاغتناء عنه أو لعدمه بل لا تزال حاجة العباد إلى نعم الله مستمرة ومنها الطعام وهو مجريها عليهم بمنه على الدوام وذكر غير مكفور على هذا لعوده إلى الطعام وإن كان من جملة النعم الجسام والكفر فيه بالمعنى المقابل للشكر أي إن هذا الطعام لم يكفر بجحده وستره وترك الشكر عليه بل لا يزال مشكورًا والاعتراف بأنه من النعم مذكورًا والله أعلم. قوله: (وذهب الخطابي الخ) أي إن الضمائر من مستغنى عنه وما بعده ترجع إلى الباري المذكور قال الحافظ: ما ذكر المصنف عن الخطابي من أن الضمير في قوله مستغنى عنه الله يدل له ما جاء في بعض طرق حديث أبي أمامة عنه أنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أقول عند فراغ الطعام "قال: قل اللهم أطعمت فأشبعت وسقيت فأرويت ذلك الحمد غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنك" قال
الحافظ: حديث حسن وفي بعض رواته مقال بسبب اختلاطه لكن له شاهد يشده وهو ما جاء عن رجل من بني سليم كانت له صحبة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من طعامه قال: "اللهم لك الحمد أطعمت فأشبعت وسقيت فأرويت غير مكفور ولا مودع ولا مستغنى عنك" وفي واحد من رواته ضعف من قبل حفظه وباقي رجال الإسنادين ثقات، وما ذكره عن الخطابي من أن معنى غير مكفي الخ دليله حديث أبي هريرة قال: دعا رجل من الأنصار من أهل قباء رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقنا معه فلما طعم النبي صلى الله عليه وسلم وغسل يده قال: الحمد الله الذي يطعم
وأن معنى قوله: غير مكفي: أنه يُطْعِمُ ولا يُطْعَمُ، كأنه على هذا من الكفاية، وإلى هذا ذهب غيره في تفسير هذا الحديث، أي: إن الله تعالى مستغنٍ عن معين وظهير، قال: وقوله: ولا مودَّع: أي: غير متروك الطلب منه والرغبة إليه، وهو بمعنى المستغنى عنه، وينتصب "ربنا" على هذا بالاختصاص أو المدح أو بالنداء، كأنه قال: يا ربنا اسمع حمدنا ودعاءنا،
ــ
ولا يطعم منَّ علينا فهدانا وكل بلاء حسن أبلانا الحمد الله غير مكفور ولا مودع ولا مكافأ ولا مستغنى عنه الحمد الله الذي أطعم من الطعام وسقى من الشراب وكسى من العري وهدى من الضلالة وبصر من العماية وفضل على كثير ممن خلقه تفضيلًا الحمد الله رب العالمين أخرجه الحافظ من طريق الطبراني في الدعاء. قوله: (وأن معنى قوله غير مكفي الخ) أي إنه تعالى هو المطعم الكافي وهو غير مطعم ولا مكفي. قوله: (ولا مودع أي غير متروك الطلب الخ) هذا على كونه مشدد الدال مفتوحها وسبقت فيه على هذا الوجه معان أخر وأنه يجوز كسر الدال على ما فيه ومآل الكسر والفتح إلى معنى واحد هو دوام الطاعة والطلب والافتقار إلى الكريم سبحانه. قوله: (وهو بمعنى المستغنى عنه) أي فذكره بعده بمنزلة التأكيد والاهتمام بالمقام وليس قوله ولا مستغنى عنه بعده من عطف التفسير لأن في ذكره فائدة لم تستفد من قوله غير مودع نصًّا هي أنه لا استغناء لأحد من العباد عن الباري إذ أصل الوجود ودوامه إنما هو من إمداده ولو انقطع المدد ساعة لفني العالم عن آخره والله أعلم. قوله: (على هذا) أي كون الضمير من مكفي وما بعده يعود إلى الله تعالى، والذي يخص هذا الوجه هو النصب على الاختصاص أما على النداء بحذف أداته أو على اضمار نحو أعني على أنه صفة مقطوعة عن الاسم الكريم فجاز على هذا الوجه وعلى كون الضمير يعود للطعام والله أعلم. قوله:(على الاختصاص الخ) وكذا يجوز كونه منصوبًا بتقدير نحو أعني مما لا يدل قوله مدح وغيره مما ذكر .. قوله: (اسمع حمدنا ودعاءنا) أي المذكور على الأول بالتصريح وعلى الثاني بالإشارة كما تقدم نظيره من كلام سفيان في حديث أفضل
ومن رفعه قطعه وجعله خبرًا، وهذا قيده الأصيلي كأنه قال: ذلك ربنا، أو أنت ربنا، ويصح فيه الكسر على البدل من الاسم في قوله: الحمد الله. وذكر أبو السعادات ابن الأثير في "نهاية الغريب" نحو هذا الخلاف مختصرًا. وقال: ومن رفع "ربنا" فعلى الابتداء المؤخر: أي ربنا غير مكفي ولا مودَّع، وعلى هذا يرفع "غير" قال: ويجوز أن يكون الكلام راجعًا إلى الحمد، كأنه قال: حمدًا كثيرًا غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عن هذا الحمد. وقال في قوله: ولا مودَّع: أي غير متروك الطاعة، وقيل: هو من الوداع، وإليه يرجع، والله أعلم.
ــ
الدعاء: لا إله إلا الله الخ بأن فيه التعرض للسؤال وسؤال النوال كما قال من قال:
إذا أثنى عليك المرء يومًا
…
كفاء من تعرضه الثناء
قوله: (ومن رفعه قطعه) أي فيكون التقدير هو أي المثني عليه بهذه الأوصاف ربنا أو أنت ربنا وأغرب الحنفي في شرح الحصن وأعرب ربنا مبتدأ خبره محذوف أي ربنا ذلك، ونقل المصنف للرفع وجهًا آخر عن صاحب النهاية حاصله أن ربنا مبتدأ مؤخر وأن قوله غير مكفي الخ بالرفع خبر
عنه مقدم. قوله: (ويصح الكسر) أي الجر لكنه تسامح في التعبير فعبر عن لقب أحد أنواع الأعراب بلقب أحد أنواع الباء. قوله: (على البدل من الاسم الخ) وأجاز ابن التين كما نقله العلقمي كونه بدلًا من الضمير في قوله مستغنى عنه أي بناء على كونه يعود للبارئ كما نقله المصنف عن الخطابي وبه يندفع اعتراض ابن حجر هذا الوجه ورده بأنه واضح الفساد فإن الضمير يعود إلى الحمد كما لا يخفى على من له ذوقوله اهـ. قوله: (ويجوز أن يكون الكلام راجعًا إلى الحمد) وعليه فيتعين في رواية الجر في لفظ ربنا أن يكون بدلًا من الاسم الكريم عن الضمير المجرور بعن، هذا ما يتعلق بما ذكره المصنف ولميرك في هذا المقام كلام نفيس فيه تفصيل للمقام وإجمال مع ايضاح في المقال وعبارته: اعلم أن ضمير اسم المفعول في الجمل
وروينا في "صحيح مسلم" عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن الله تعالى ليَرْضَى عَنِ العَبْدِ يأكُلُ الأكلَةَ فيَحْمَدُهُ عَلَيها، ويَشْرَبُ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيها".
ــ
الثلاث لا يخلو إما أن يكون راجعًا إلى الله تعالى أو إلى الحمد أو إلى الطعام الذي يدل عليه السياق فعلى الأول يجوز حينئذٍ أن يقرأ غير منصوبًا بإضمار أعني أو على أنه حال أي الله سبحانه غير مكفي رزق عباده لأنه لا يكفيه أحد غيره وقيل أي غير محتاج إلى أحد لكنه هو الذي يطعم عباده ويكفيهم ولا مودع أي غير متروك الطلب منه والرغبة فيما عنده ولا مستغنى عنه لأنه في جميع الأمور هو المرجع والمستعان والمدعو، ويجوز أن يقرأ مرفوعًا أي هو غير مكفي الخ وعلى الثاني معناه أن هذا الحمد غير مأتي به كما هو حقه لقصور القدرة ومع هذا فغير مودع أي غير متروك بل الاشتغال به دائم من غير انقطاع كما أن نعمه سبحانه لا تنقطع عنا طرفة عين ولا مستغنى عنه لأن الإتيان به ضروري دائمًا ورفع غير ونصبه بحمالهما وعلى الثالث معناه أنه غير مكفي من عندنا بل هو الكافي والرزاق أو غير مردود إليه لأن الاحتياج إليه قد بلغ الغاية ولا مودع أي متروك لأن الحاجة له دائمة ولا مستغنى عنه جملة مؤكدة للجملة السابقة والرفع والنصب في غير بحالهما أيضًا.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم عن أنس الخ) قال في السلاح ورواه مسلم والترمذي والنسائي اهـ. وأخرجه الحافظ من حديث أنس أيضًا مرفوعًا بلفظ إن الله ليدخل العبد الجنة بالأكلة أو الشربة يحمده عليها. قوله: (ليرضى عن العبد) أي يرحمه ويثيبه كما جاء في الرواية الأخرى يدخله الجنة. قوله: (يأكل الأكلة) في محل الحال أي حال أكله وحمده ربه تعالى والأكلة بفتح الهمزة اسم للقمة ويرجح الأول قوله ويشرب الشربة إذ هو بالفتح لا غير وأشار في السلاح إلى احتمال الوجهين هنا وأن بعضهم رجحه ولعل هذا وجهه وكل من الأكلة والشربة مفعول مطلق. قوله: (فيحمده) أي أنه
يرضى أكله المتعقب بالحمد مع أن نفعه لنفسه فكيف بالحمد على ما لا نفع له فيه وفيه أن أصل سنة الحمد بعد كل من الطعام والشراب يحصل بأي لفظ اشتق من مادة حمد بل مما يدل على الثناء على الله تعالى
وروينا في "سنن أبي داود" وكتابي "الجامع" و"الشمائل" للترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من طعامه قال: "الحَمْدُ لِلَهِ الَّذِي أطْعَمَنا وسَقانا وجَعَلَنا مُسْلِمِينَ".
وروينا في "سنن أبي داود والنسائي" بالإسناد الصحيح عن أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال: "الحَمْدُ لِلهِ الذِي أطْعَمَ وَسَقَى وَسَوَغَهُ
ــ
وما سبق من حمده صلى الله عليه وسلم المشتمل على تلك الصفات البليغة البديعة إنما هو بيان للأكمل. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) وكذا رواه النسائي وابن ماجه كما في السلاح ولفظ الكتاب لأبي داود ولفظ الترمذي كان صلى الله عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال فذكره وزاد في الحصن وابن السني قال الحافظ بعد تخريجه للحديث من طريق الإِمام أحمد: هذا حديث حسن وأخرجه أيضًا من طريق الطبراني عن أبي سعيد بلفظ كان صلى الله عليه وسلم إذا أكل طعامًا قال الحمد الله الخ مثله سواء وأفاد الحافظ أن النسائي أخرجه في اليوم والليلة. قوله: (إذا فرغ من طعامه) أي من أكله. قوله: (الحمد الله الخ) لما كان الحمد على النعم به العبد ويستجلب به المزيد أتى به صلى الله عليه وسلم تحريضًا على التأسي به ولما كان الباعث على الحمد هو الطعام ذكره أولًا لزيادة الاهتمام وكان السقي من تتمته إذ لا يخلو الطعام عن الشراب في أثنائه غالبًا ثنى به وختم الذكر بقوله وجعلنا مسلمين للجمع بين الحمد على النعم الدنيوية والأخروية وإشارة إلى أن الأولى بالحامد أن لا يحرر حمده على دقائق النعم بل النظر إلى جلائلها أحق ولأن الإتيان بحمده من نتائج الإسلام وهذا أنفس من قول بعضهم لما أراد ذكر كثير من النعم ذكر أشرفها وهو الإسلام وإلًا فلا وجه لذكره في هذا المقام اهـ.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود والنسائي الخ) وكذا أخرجه أبو يعلى وأخرجه ابن حبان من طريق أبي يعلى كذا قال الحافظ: وقال: الحديث صحيح وأشار إلى أن الطبراني أخرجه في كتاب الدعاء. قوله: (وسوغه) هو بتشديد الواو سهل كلًّا من دخول اللقمة ونزول الشربة في الحلق فالإفراد
وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا".
وروينا في "سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه" عن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أكَلَ طعامًا فقال: الحَمْدُ لِلهِ الذي أطْعَمَني هذا ورَزَقَنِيهِ مِنْ غَيرِ حَوْلٍ منِّي ولا قُوَّة، غُفِرَ لهُ مما تَقدَّمَ مِنْ ذنْبِه" قال الترمذي: حديث حسن. قال الترمذي: وفي الباب - يعني باب الحمد على الطعام إذا فرغ منه- عن عقبة بن عامر وأبي سعيد وعائشة وأبي أيوب وأبي هريرة.
ــ
باعتبار ما ذكر. قوله: (وجعل له) أي لما ذكر (مخرجًا) أي خروجًا أو مكان خرووج أو زمانه.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي) قال في الحصن وأخرجه الحاكم وابن السني كلهم من حديث أبي داود قال الحافظ: والحديث حسن. قوله: (غفر له ما تقدم من ذنبه) وجد في سنن أبي داود زيادة وما تأخر وعليها علامة الصيمري أحد رواة السنن وتقدم ما في ذلك في باب ما يقول إذا لبس ثوبه أوائل الكتاب. قوله: (قال الترمذي وفي الباب الخ) قال الحافظ: تقدم حديث أبي
سعيد وحديث أبي أيوب وسيأتي حديث عائشة في آخر كتاب أذكار الطعام ولأنس حديث آخر يأتي في أثناء هذا الباب وبيض شيخنا لحديث عقبة بن عامر وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فأخرجه الطبراني في كتاب الدعاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دعا رجل من الأنصار من أهل قباء رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقنا معه الحديث السابق في الكلام على قول الخطابي أن معنى قوله غير مكفي أنه يطعم ولا يطعم وخرجه الحافظ ابن حجر من طريق الطبراني المذكورة ومن طريق أخرى ثم خرجه من طريق ثالث وقال بعد تخريجه هذا حديث حسن من هذا الوجه أخرجه النسائي وابن حبان والحاكم ثم خرجه من طريق أبي نعيم وقال في حفظ الثلاثة أي الذين أسند عنهم أبو نعيم هذا الحديث مقال وهم من أهل الصدق ثم قال وللحديث شواهد سابقة ولاحقة منها عن أبي هريرهَ رضي الله عنه حديث آخر.
ثم قال: قال شيخنا يعني الحافظ زين الدين العراقي وفي الباب ممن لم يذكره الترمذي عن أبي أمامة ومعاذ بن أنس وعبد الرحمن بن عوف وأبي موسى الأشعري والحارث بن الحارث الأزدي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعبد الله بن عمرو وابن عباس ورجل من سليم ورجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ: وفيه ممن لم يذكراه عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما ومن مرسل سعيد بن جبير ومن مرسل عمرو بن مرة ومن مرسل من حديث سعيد بن أبي هلال وقد تقدمت أحاديث أبي أمامة ومعاذ بن أنس ورجل من في سليم ويأتي حديث عبد الله بن عمرو وحديث الرجل الذي خدم وحديث ابن مسعود، وأما حديث عبد الرحمن بن عوف فأخرجه البزار بسند لين ولفظه كان صلى الله عليه وسلم يقول إذا فرغ من طعامه الحمد الله الذي أطعمنا وسقانا الحمد الله الذي أشبعنا وروانا الحمد الله الذي أنعم علينا فأفضل اللهم إنا نسألك برحمتك أن تجيرنا من النار، وأما حديث أبي موسى فأخرجه أبو يعلى بسند ضعيف ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من أكل فشجع وشرب فروى" ثم قال: "الحمد الله الذي أطعمني وسقاني فأشبعني وأرواني" خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وأما حديث الحارث بن الحارث الأزدي فأخرجه الطبراني في الكبير بسند واه ولفظه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعد فراغه من طعامه:"اللهم لك الحمد أطعمت وسقيت فأشبعت ورويت ذلك الحمد غير مكفور ولا مستغنى عنك ربنا"، وأما حديث ابن عباس فخرجه الحافظ بسنده عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج أبو بكر رضي الله عنه بالهاجرة فسمع بذلك عمر رضي الله عنه فخرج فقال: ما أخرجك يا أبا بكر هذه الساعة؟ فقال: والله ما أخرجني إلا ما أجد من حاق الجوع، فقال: والله ما أخرجني غيره فبينما هما كذلك إذ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما أخرجكما" قالا: ما نجد من حاق الجوع؟ قال: "وأنا والذي نفسي بيده ما أخرجني غيره فقدما وانطلقوا إلى بيت أبي أيوب الأنصاري" قال وكان أبو أيوب يدخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعامًا أو لبنًا فأبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ عن إتيانه في حينه فأطعمه أهله وانطلق إلى نخله يعمل فيه فلما أتوا بابه خرجت امرأته فقالت: مرحبًا، فقال لها:"وأين أبو أيوب؟ " قالت: يأتيك الساعة فرجع فبصر به أبو أيوب فجاء يشتد عدوًا فقال: مرحبًا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبمن معه فرده وجاء إلى عذق فقطعه فقال: ما أردت إلي هذا! قال: تأكل من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بسره ورطبه وتمره ولأذبحن لك مع ذلك، فقال: لا تذبح
ذات در، فأخذ عناقًا فذبحه وقال لامرأته: اختبزي وأطبخ أنا فلما أنضج وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيئًا فوضعه على رغيف، وقال:"يا أبا أيوب أبلغ بهذا فاطمة فإنها لم تصب مثل هذا منذ أيام" فلما أكلوا وشبعوا قال النبي صلى الله عليه وسلم خبز ولحم وبسر ورطب وتمر ودمعت عيناه هذا هو النعيم الذي تسألن عنه يوم القيامة فكبر ذلك على أصحابه فقال: "إذا أصبتم مثل هذا فضربتم بأيديكم فقولوا بسم الله وببركة الله فإذا شبعتم فقولوا الحمد الله الذي أشبعنا وأروانا وأنعم علينا فأفضل" فإن هذا كفاف هذا وذكر بقية الحديث، قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث حسن فيه غرابة من وجهين أحدهما ذكر أبي أيوب والثاني ما في آخره من التسمية والحمد وقصة فاطمة والمشهور في هذا قصة أبي الهيثم بن التيهان وقد أخرج الحاكم هذا الحديث من طريق الفضل بن موسى قال: أخبرنا عبد الله بن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس وليست فيها هذه الزيادة ثم خرجه الحافظ بسند له عن يونس عن عكرمة عن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الظهيرة فوجد أبا بكر الصديق جالسًا في المسجد فقال: "ما أخرجك هذه الساعة يا أبا بكر رضي الله عنه؟ " فقال: أخرجني الذي أخرجك يا رسول الله فجاء عمر رضي الله عنه فقال: "ما أخرجك يا عمر رضي الله عنه" فقال: أخرجني الذي أخرجكما قال فقعد يحدثنا ثم قال: هل بكما قوة فننطلق إلى هذا النخل وأومأ بيده إلى دور الأنصار فنصيب طعامًا وشرابًا وظلًا فقلنا: نعم، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وانطلقنا معه إلى منزل أبي الهيثم بن التيهان فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا وأم الهيثم خلف الباب كل ذلك تسمع الكلام فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الانصراف خرجت أم الهيثم تسعى فقالت: يا رسول الله قد سمعت سلامك ولكن أردت أن نزداد من سلامك فقال لها: "خيرًا ودعا لها بخير" ثم قال: "أين أبو الهيثم؟ " قالت: هو قريب يأتي الساعة ذهب يستعذب لنا من الماء فلم نلبث أن جاء أبو الهيثم ومعه حمار عليه قربتان من ماء فوضع عن حماره وبسط لنا بساطًا تحت شجرة ثم صعد إلى نخلة فصرم أعذاقًا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذا يا أبا الهيثم؟ " قال: أردت أن تأكلوا من بسره ورطبه وتذنبوا به ثم ذهب ليذبح فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياك واللبون اذبح لنا عناقًا" فأمر امرأته فعجنت عجينًا وقطع أبو الهيثم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اللحم فشوى وطبخ ووضعنا رؤوسنا فانتبهنا وقد أدرك الطعام فأكلنا وشربنا وحمدنا الله تعالى فقال صلى الله عليه وسلم: "هذا من النعيم الذي تسألن عنه" ثم ذكر بقية الحديث، قال الحافظ: أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب الأطعمة عن هلال بن بشر حدثنا أبو خلف عبد الله بن عميس عن يونس بن عبيد الخ وأخرجه أبو يعلى عن زكريا بن يحيى الخراز عن أبي خلف قال ابن صاعد في هذا الحديث عن عمر يعني أن ابن عباس لم يحضر القصة قال الحافظ: وهو كذلك فقد وقع في رواية زكريا المذكورة بالسند المذكور عن ابن عباس أنه سمع عمر يقول وساق الحديث بتمامه، وهكذا أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير عن أبي زرعة الرازي عن زكريا، قال الحافظ: وقصة أبي الهيثم هذه قد جاءت من رواية أخرى أطول من هذا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجها الترمذي من طريق أبي سلمة عند وليس فيه الحمد وقد أخرج الحاكم فيه من طريق أبي سلمة وزاد فيه كالذي هنا في حديث ابن عباس وزاد فيه عن ابن عمر نحوه وسيأتي قريبًا في باب الترحيب بالضيف من طريق الأشجعي عن أبي هريرة شبيه بأصل القصة باختصار لكن قال رجل من
الأنصار: لم يقل أبو الهيثم ولا أبو أيوب، وأما حديث علي رضي الله عنه فأخرجه الحافظ بسنده إلى ابن أعبد قال: قال لي علي: أتدري ما حق الطعام؟ قلت: وما حق الطعام؟ قال: تقول بسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا قال: وتدري ما شكر الطعام قلت: وما شكر الطعام؟ قال: تقول إذا فرغت: الحمد الله الذي أطعمنا وسقانا قال الحافظ: وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وابن أعبد لا يعرف اسمه وسماه بعضهم عليًّا ولا يصح، وأما حديث ابن عمر فقد ذكر مع حديث ابن عباس وأما حديث ابن مسعود وما بعده فسيأتي في آخر الباب، ثم قال: آخر الباب أما حديث عمرو بن مرة فقد ذكرته في حديث عبد الله بن عمرو أي الآتي من حديث ابن السني كان صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من الطعام يقول: الحمد الله الذي منَّ علينا الخ وحديث عمرو بن مرة شاهد كما سيأتي، وأما حديث سعيد بن جبير فأخرجه ابن أبي شيبة مقطوعًا ولفظه كان إذا فرغ من طعامه قال: اللهم أشبعت وأرويت ورزقت فأكثرت فزدنا وأما حديث سعيد بن أبي هلال فأخرجه ابن السني من طريق الليث عن سعيد عمن حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال إذا فرغ من طعامه الحمد الله الذي أطعمني فأشبعني وسقاني فأرواني
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بلا حول مني ولا قوة فقد أدى شكر ذلك الطعام ورجاله ثقات إلا أنه مرسل فيه مبهم أو معضل لأن سعيدا لم يسمع من صحابي وكان كثير الإرسال، قال ثم وقفت بعد ذلك على ما جاء عن نوفل بن معاوية وسيأتي في شواهد حديث ابن السني عن ابن مسعود آخر الباب وعن سلمان الفارسي أخرجه الطبراني في الكبير ولفظه كان إذا فرغ من طعامه قال الحمد الله الذي كفانا المؤنة ووسع علينا من الرزق وله شاهد موقوف عن الحسن البصري وغيره، وجاء في الباب عن سعد بن مسعود الثقفي قال: كان نوح إذا لبس ثوبًا أو أكل طعامًا قال: الحمد الله فسمي عبدًا شكورًا قال الحافظ بعد تخريجه من طريق أبي نعيم: موقوف حكمه الرفع وسنده قوي وله شاهد من حديث محمد بن كعب القرظي قال: كان نوح إذا أكل قال: الحمد الله وإذا شرب قال: الحمد الله وإذا ركب قال: الحمد الله فسمّاه الله عبدًا شكورًا أخرجه الحافظ من طريق ابن المبارك، وله شاهد أيضًا عن مجاهد في قوله تعالى:{أنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} قال: لم يأكل شيء قط إلا حمد الله ولا شرب شيء قط إلا حمد الله ولم يمس شيء قط إلا حمد الله فأثنى الله عليه أنه كان عبدًا شكورًا قال الحافظ بعد إيرادهما وتخريجهما: هذان موقوفان على هذين التابعيين وسند كل منهما قوي وقد جاء موقوفًا عن سلمان أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير وكذا ابن مردويه والحاكم في المستدرك كلهم من طريق سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان ولفظه كلفظ سعد يعني ابن مسعود قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين قال الحافظ: هو على قاعدته أن تفسير الصحابي له حكم المرفوع إذا كانت لا مجال للاجتهاد فيها لكن لها شرط آخر وهو أن لا يكون الصحابي أخذ عن أحد من أهل الكتاب وسلمان كان ممن أخذ لكن سعد لم ينقل عنه ذلك وأخرج ابن أبي حاتم من طريق حكيم بن عمير أحد التابعين من أهل الشام قال: كان نوح إذا أكل قال: الحمد الله الذي أطعمني وقال في الشرب والقيام كذلك وفي آخره ولا يصنع شيئًا إلا قال: الحمد الله وقد جاء نحو ذلك مرفوعًا صريحًا أخرجه ابن مردويه من حديث أبي فاطمة الأزدي وهو صحابي معروف بكنيته لا يعرف اسمه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان نوح عليه السلام
لا يحمل شيئًا صغيرًا أو كبيرًا إلا قال بسم الله والحمد الله فسمّاه الله عبدًا شكورا" وهو حديث غريب جدًّا وسنده ضعيف، قال الحافظ:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وجاء من طريق النضر بن شفي بمعجمة وفاء مصغر عن عمران بن سليم قال: كان نوح عليه السلام إذا أكل الطعام قال: الحمد لله الذي أطعمني ولو شاء أجاعني وإن شرب قال: الحمد الله الذي سقاني ولو شاء أظمأني وإذا لبس ثوبًا قال: الحمد الله الذي كساني ولو شاء أعرابي وإذا انتعل نعلًا قال: الحمد الله الذي حذاني ولو شاء أحفاني وإذا قضى حاجة قال: الحمد الله الذي أخرج عني أذاه ولو شاء لحبسه أخرجه ابن جرير في التفسير وأخرجه سعيد بن منصور وفي سنده ضعف، قال الحافظ: وجاء في الباب عن أبي جعفر الباقر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شرب الماء قال: "الحمد الله الذي سقانا عذبًا فراتًا ولم يجعله ملحًا أجاجًا" حديث مرسل فجابر الجعفي الراوي عنه ضعيف والباقر يروي عن جابر فيؤخذ من هذا نوع لطيف من علوم الحديث الباقر عن جابر وعنه جابر الأدنى الجعفي والأعلى الصحابي وليس هذا في كتاب ابن الصلاح، وخرجه الحافظ عن باقر من طريق أخرى ولفظه الحمد الله الذي سقانا عذبًا فراتًا برحمته ولم يجعله ملحًا أجاجًا بذنوبنا فأفادت هذه الطريق زيادة ما ذكر في طرفي المتن وأخرج الحافظ مثل هذا اللفظ عن الحسن البصري موقوفًا عليه بسند حسن قال وهو يقوي الذي قبله، وجاء في الباب عن شهر بن حوشب أخرجه الحافظ بسنده إلى إسماعيل بن عياش قال: كان ابن أبي حسين المكي يقدمني فقال له أصحاب الحديث: إنك تؤثر هذا الغلام الشامي وتقدمه علينا فقال: إني أؤمل فيه وكان قد حدثهم عن شهر بن حوشب بحديث إذا جمع الطعام أربعة فقد كمل فسأله أن يحدثهم به فحدثهم ونسي الرابعة فقال لي: كيف كنت حدثتكم فقلت: حدثتنا عن شهر بن حوشب قال: إذا جمع الطعام أربعة فقد كمل يكون أصله حلالًا ويسمي الله في أوله ويحمده في آخره وتكثر عليه الأيدي فالتفت إلى أصحابه فقال: كيف رأيتم وأخرجه الحافظ من طريق أخرى بدون القصة ثم قال: هذا موقوف حسن إن كان الذي نقله عنه شهر بن حوشب صحابيًّا ثم يحتمل أن يكون مرفوعًا وإلا فهو مقطوع وقد تقدم خير الطعام ما كثرت عليه الأيدي وهذا شاهد له، وجاء في الباب عن معاوية بن قرة أخرجه ابن أبي الدنيا من طريقه ولفظه من أكل طعامًا أو شرب شرابًا أو لبس لباسًا وقال: بسم الله والحمد الله غفر له ومعاوية هذا من ثقات التابعين وأبوه صحابي وابنه إياس بن معاوية القاضي المشهور بالذكاء
وروينا في "سنن النسائي" وكتاب ابن السني بإسناد حسن، عن عبد الرحمن بن جبير التابعي، أنه حدَّثه رجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثماني سنين أنه كان يسمع النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرب إليه طعام يقول:"بِسْم الله، فإذا فرغ من طعامه قال: اللهُم أطْعَمْتَ وَسَقَيتَ، وأغْنَيتَ وأقْنَيتَ، وَهَدَيْتَ وأحْيَيتَ، فَلَكَ الحَمْدُ على ما أعْطَيتَ".
ــ
قال الحافظ: وأوسعت القول في هذا الباب أي ما يقال بعد الطعام لقول الشيخ عن الترمذي وفي الباب عن فلان وسمى ستة وزاد شيخنا عليه في شرحه تسعة وزدت نظير ذلك أو أكثر لما فيها من الموقوف اهـ. كلامه ملخصًا، ولعظم فائدة هذا المقام نقلنا ما أشار إليه الحافظ وإن طال به الكلام والله أعلم.
قوله: (وروينا في سنن النسائي وكتاب ابن السني) قال الحافظ بعد تخريج الحديث: هذا حديث صحيح أخرجه النسائي في الكبرى من طريق يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن سعيد بن أبي أيوب عن بكر بن عمرو عن أبي هبيرة يعني عبد الله عن عبد الرحمن بن جبير عن رجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم وابن السني من طريق عبد الله بن زيد المقرئ عن سعيد وساقه الشيخ على لفظه. قوله: (بإسناد حسن) قال الحافظ في اقتصاره على حسن نظر فإن رجال سنده من يونس إلى الصحابي أخرج
لهم مسلم وقد صرح التابعي بأن الصحابي حدثه في رواية المقرئ فلعله خفي عليه حال ابن هبيرة. قوله: (التابعي) قال الحافظ: احترز بذلك عن آخر شارك المذكور في اسمه واسم أبيه لكنه دونه في الطبقة وهو عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي الحمصي وراوي هذا الحديث لم يسم جده وهو مصري قديم ذكر ابن يونس أنه حضر فتح مصر والحمصي خل روايته عن التابعين وقد روى أيضًا عن أنس فهو تابعي صغير. قوله: (وأغنيت وأقنيت) الأول من الغنى أي أغنيت من شئت بالكفاية في الأموال والثاني بالعفاف أي أعطيت المال المتخذ قنية وفي هذا الذكر اقتباس من قوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} . قوله: (وهديت) أي أوصلت من شئت من العباد إلى طرق الرشاد. قوله: (فلك الحمد على ما أعطيت) أي جميع الذي أعطيته أو على جميع عطائك مما ذكر ومما لم
وروينا في كتاب ابن السني عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقول في الطعام إذا فرغ:"الحَمْدُ لِلَهِ الَّذي مَنَّ عَلَينا وهَدَانا، والَّذي أشْبَعَنا وأرْوانا، وكُل الإحْسانِ آتانا".
وروينا في "سنن أبي داود والترمذي" وكتاب ابن السني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال
ــ
يذكر فما موصولة أو مصدرية.
قوله: (وروينا في كتاب ابن السني الخ) هو طرف من حديث فرقة ابن السني وجمعه ابن عدي وسبق ذكره في أول كتاب آداب الطعام والشراب والكلام على حال الحديث قال الحافظ: ووجدت له شاهدًا فأخرج بسنده عن عمرو بن مرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من طعامه قال: "الحمد الله الذي من علينا فهدانا والحمد الله الذي أشبعنا وأروانا وكل بلاء صالح أبلانا" قال الحافظ بعد تخريجه: هذا سند صحيح لكنه مرسل فإن عمرو بن مرة تابعي كوفي من الثقات المخرج لهم في الصحاح لكنه يقوي به حديث عبد الله بن عمرو المذكور قبل، قال: ووجدت له شاهدا أيضًا من حديث أنس أخرجه المعمري في اليوم والليلة من طريق إسحاق بن أسيد بمهملة بوزن عظيم عن رجل عن أنس رفعه أنه كان إذا فرغ من طعامه قال: الحمد الله الذي من علينا فهدانا فذكر مثل هذا المرسل سواء وزاد الحمد الله الذي كفانا المؤنة وأوسع علينا من الرزف وسنده ضعيف من أجل الرجل الذي لم يسم وفي إسحاق لين قال الحافظ: ووجدت لهذه الزيادة الأخيرة شاهدًا من حديث سلمان الفارسي خرجه الطبراني ولفظه كان إذا فرغ من الطعام يقول: الحمد الله الذي كفانا المؤنة وأوسع علينا الرزق وفي سنده يزيد بن عطاء وفيه ضعف وقد خرجه الطبراني أيضًا وابن أبي شيبة يزيد وسنده صحيح لكنه موقوف على سلمان ولسلمانِ حديث آخر يأتي مع سعد بن مسعود. قوله: (منّ علينا وهدانا) عطف الهداية على المنة من عطف الخاص على العام اهتمامًا بشأنها وقوله هدانا أي إلى أمور الدارين.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي الخ) أخرجه الحافظ بسنده