المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب كيفية السلام - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ٥

[ابن علان]

فهرس الكتاب

- ‌فصل في الأذكار والدعوات المستحبات بعرفات:

- ‌فصل في الأذكار المستحبة في الإفاضة من عرفة إلى مزدلفة

- ‌فصل في الأذكار المستحبة في المزدلفة والمشعر الحرام:

- ‌فصل في الأذكار المستحبة في الدفع من المشعر الحرام إلى منى

- ‌فصل في الأذكار المستحبة بمنى يوم النحر:

- ‌فصل في الأذكار المستحبة بمنى في أيام التشريق:

- ‌فصل:

- ‌فصل فيما يقوله إذا شرب من ماء زمرم:

- ‌فصل:

- ‌فصل في زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكارها:

- ‌كتاب أذكار الجهاد

- ‌باب استحباب سؤال الشهادة

- ‌باب حث الإمام أمير السرية على تقوى الله تعالى وتعليمه إياهما يحتاج إليه من أمر قتال ومصالحتهم وغير ذلك

- ‌باب بيان أن السنَّة للإمام وأمير السرية إذا أراد غزوة أن يورى بغيرها

- ‌باب الدعاء لمن يقاتل أو يعمل على ما يعين على القتال في وجهه وذكر ما ينشطهم ويحرضهم على القتال

- ‌باب الدعاء والتضرع والتكبير عندالقتال واستنجاز الله تعالى ما وعد من نصر المؤمنين

- ‌باب النهي عن رفع الصوت عند القتال لغير حاجة

- ‌باب قول الرجل في حال القتال: أنا فلان لإرعاب عدوه

- ‌باب استحباب الرجز حال المبارزة

- ‌باب استحباب إظهار الصبر والقوة لمن جرح واستبشاره بما حصل له من الجرح في سبيل الله وبما يصير إليه من الشهادة وإظهار السرور بذلك وأنه لا ضير علينا في ذلك بل هذا مطلوبنا وهو نهاية أملنا وغاية سؤلنا

- ‌باب ما يقول إذا ظهر المسلمون وغلبوا عدوهم

- ‌باب ما يقول إذا رأى هزيمة في المسلمين والعياذ بالله الكريم

- ‌باب ثناء الإمام على من ظهرت منه براعة في القتال

- ‌باب ما يقوله إذا رجع من الغزو

- ‌كتاب أذكار المسافر

- ‌باب الاستخارة والاستشارة

- ‌باب أذكاره بعد استقرار عزمه على السفر

- ‌تنبيه

- ‌فائدة

- ‌باب أذكاره عند إرادته الخروج من بيته

- ‌باب أذكاره إذا خرج

- ‌باب استحباب طلبه الوصية من أهل الخير

- ‌باب استحباب وصية المقيم المسافر بالدعاء له في مواطن الخير ولو كان المقيم أفضل من المسافر

- ‌باب ما يقوله إذا ركب دابته

- ‌باب ما يقول إذا ركب سفينة

- ‌باب استحباب الدعاء في السفر

- ‌باب تكبير المسافر إذا صعد الثنايا وشبهها وتسبيحه إذا هبط الأدوية ونحوها

- ‌باب النهي عن المبالغة في رفع الصوت بالتكبير ونحوه

- ‌باب استحباب الحداء للسرعة في السير وتنشيط النفوس وترويجها وتسهيل السير عليها

- ‌باب ما يقول إذا انفلتت دابته

- ‌باب ما يقوله على الدابة الصعبة

- ‌باب ما يقوله إذا رأى قرية يريد دخولها أو لا يريد

- ‌باب ما يدعو به إذا خاف ناسًا أو غيرهم

- ‌باب ما يقول المسافر إذا تغوَّلت الغيلان

- ‌باب ما يقول إذا نزل منزلًا

- ‌باب ما يقول إذا رجع من سفره

- ‌باب ما يقوله المسافر بعد صلاة الصبح

- ‌باب ما يقول إذا رأى بلدته

- ‌باب ما يقول إذا قدم من سفره فدخل بيته

- ‌باب ما يقال لمن يقدم من سفر

- ‌باب ما يقال لمن يقدم من غزو

- ‌باب ما يقال لمن يقدم من حج وما يقوله

- ‌كتاب أذكار الأكل والشرب

- ‌باب ما يقول إذا قرب إليه طعامه

- ‌باب استحباب قول صاحب الطعام لضيفانه عند تقديم الطعام: كلوا أو في معناه

- ‌باب التسمية عند الأكل والشرب

- ‌فصل:

- ‌باب لا يعيب الطعام والشراب

- ‌باب جواز قوله: لا أشتهي هذا الطعام أو ما اعتدت أكله أو نحو ذلك إذا دعت إليه الحاجة

- ‌باب مدح الأكل الطعام الذي يأكل منه

- ‌باب ما يقوله من حضر الطعام وهو صائم إذا لم يفطر

- ‌باب ما يقوله من دعى لطعام إذا تبعه غيره

- ‌باب وعظه وتأديبه من يسئ في أكله

- ‌باب استحباب الكلام على الطعام

- ‌باب ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع

- ‌باب ما يقول إذا أكل مع صاحب عاهة

- ‌فائدة

- ‌باب استحباب قول صاحب الطعام لضيفه ومن في معناه إذا رفع يده من الطعام "كل" وتكريره ذلك عليه ما لم يتحقق أنه اكتفى منه وكذلك يفعل في الشراب والطيب ونحو ذلك

- ‌باب ما يقول إذا فرغ من الطعام

- ‌تنبيه

- ‌باب دعاء المدعو والضيف لأهل الطعام إذا فرغ من أكله

- ‌باب دعاء الإنسان لمن سقاه ماء أو لبنًا ونحوهما

- ‌باب دعاء الإنسان وتحريضه لمن يضيف ضيفًا

- ‌باب الثناء على من أكرم ضيفه

- ‌باب استحباب ترحيب الإنسان بضيفه وحمده الله تعالى على حصوله ضيفًا عنده وسروره بذلك وثنائه عليه لكونه جعله أهلا لذلك

- ‌باب ما يقوله بعد انصرافه عن الطعام

- ‌كتاب السلام والاستئذان وتشميت العاطس وما يتعلق بها

- ‌باب فضل السلام والأمر بإفشائه

- ‌باب كيفية السلام

- ‌فصل:

- ‌فصل:

- ‌فصل:

- ‌باب ما جاء في كراهة الإشارة بالسلام باليد ونحوها بلا لفظ

- ‌باب حكم السلام

- ‌باب الأحوال التي يستحب فيها السلام والتي يكره فيها، والتي يباح

- ‌باب من يسلَّم عليه ومن لا يسلَّم عليه ومن يُرد عليه ومن لا يُرد عليه

- ‌فصل: وأما الصِّبيان فالسُّنَّة أن يسلم عليهم

- ‌باب في آداب ومسائل من السلام

- ‌باب الاستئذان

- ‌باب في مسائل تتفرَّع على السلام

- ‌فصل في المصافحة:

- ‌فصل: في استحباب طلب الإنسان من صاحبه الصالح أن يزوره، وأن يكثر من زيارته

الفصل: ‌باب كيفية السلام

ينصف أيضًا نفسه فلا يوقعها في قبيح أصلًا. وأما بذلُ السلام للعالم، فمعناه لجميع النّاس، فيتضمن أن لا يتكبر على أحد، وأن لا يكون بينه وبين أحد جفاء يمتنع بسببه من السلام عليه بسببه. وأما الإنفاق من الإقتار، فيقتضي كمال الوثوق بالله تعالى والتوكل عليه والشفقة على المسلمين، إلى غير ذلك، نسأل الله تعالى الكريم التوفيق لجميعه.

‌باب كيفية السلام

اعلم أن الأفضل أن يقول المسلم: السّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله

ــ

قوله: (وأما بذل السلام الخ) أي مع ما ينضم إلى ذلك من التآلف والتحاب فهو متضمن لمكارم الأخلاق من التواضع وعدم الاحتقار والتآلف والتحاب. قوله: (وأما الإنفاق) أي الشامل للواجب من نفقة الزوجة والمملوك والأصل والفرع بشرطه والمندوب من إقراء الضيف والمواساة والإيثار مع الصبر عند الفاقة والاضطرار (فذلك مع الافتقار يقتضي كمال الوثوق بالله تعالى الخ) أي ويقتضي كمال الكرم قال الشاعر:

ليس العطاء من الفضول سماحة

حتى تجود وما لديك قليل

باب كيفية السلام

قوله: (الأفضل أن يقول المسلم الخ) أي يقول المبتدئ بالسلام (السلام عليكم الخ) بتعريف السلام كما هو الأفضل وزيادة ورحمة الله وبركاته كما هو الأكمل قال ابن القيم في بدائع الفوائد والحكمة في اقتران الرحمة والبركة بالسلام هو أن الإنسان لا سبيل له إلى الانتفاع بالحياة إلا بسلامته من الشر ومن كل ما بين حياته وعيشه وبحصول الخير له وبدوامه فبهذه الثلاث يكمل انتفاعه بالحياة فشرعت التحية متضمنة لذلك فقوله: السلام عليكم يتضمن السلامة من الشر ورحمة الله تتضمن

حصول الخير وبركاته تتضمن دوام ذلك وثباته إذ البركة كثرة الخير واستمراره، ولما كانت هذه الثلاثة مطلوبة لكل أحد وهي تتضمن لكل مطالبه وكل المطالب دونها وسائل لها وأسباب لتحصيلها جاء لفظ التحية دالًا عليها بالمطابقة تارة

ص: 285

وبَرَكاتُهُ، فيأتي بضمير الجمع وإن كان المسلَّم عليه واحدًا،

ــ

وهو كمالها وبالتضمن أخرى إذا ذكر السلام والرحمة فإنهما يتضمنان البركة وباللزوم أخرى إذا اقتصر على السلام وحده فإنه يستلزم حصول الخير وثباته إذ لو عدم لم تحصل السلامة المطلقة فهي مستلزمة لحصول الرحمة، وبه يعلم فضل هذه التحية على سائر تحيات الأمم ولذا اختارها الله تعالى لعباده المؤمنين وجعلها تحيتهم بينهم في الدنيا وفي دار السلام وبه يعرف وجه كمال ذلك بذكر البركات إذ قد استوعبت هذه الألفاظ الثلاثة جميع المطالب من دفع الشر وحصول الخير وثباته وكثرته ودوامه فلا معنى للزيادة عليها، لذا جاء في الأثر المعروف انتهاء السلام إلى وبركاته قال والحكمة في إضافة الرحمة والبركة دون السلام أن السلام لما كان من أسمائه تعالى -أي على أحد ما قيل كما تقدم- استغنى بذكره مطلقًا عن الإضافة ولو لم يضافا لم يعلم رحمة من ولا بركة من تطلب إذ لو قيل ورحمة وبركة لم يكن في اللفظ إشعار بالراحم المبارك المطلوب ذلك منه وأيضًا فالسلام من مجرد السلامة المبعدة عن الشر وأما الرحمة والبركة فتحصيل الخير وإدامته وتثبيته وهذا أكمل فإنه المقصود لذاته والأول وسيلة له فأضيف إليه تعالى أكمل المعنيين وأتمهما لفظًا وأطلق الآخر وأفرد السلام لكونه مصدرًا محضًا فهو شيء واحد فلا معنى لجمعه أو لكونه من أسمائه تعالى فيستحيل جمعه أيضًا وأفردت الرحمة أيضًا لكونها مصدرًا بمعنى التعطف والحنان ولا يجمع أيضًا والتاء فيها ليست للتحديد كتاء ضربة بل هي فيها كتاء خلة ومحبة وإفراده ليشعر بالمسمى مطلقًا من غير تحديد وجمعه يشر بالتحديد والتقييد بعود فالإفراد هنا أكثر وأكمل معنى من الجمع وهذا بديع جدًّا أن يكون مدلول المفرد أكثر من مدلول الجمع ولذا كان قوله تعالى {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} أبلغ وأتم من أن يقال الحجج البوالغ وجمعت البركة لأن لفظ الجمع أولى بها على الدوام شيئًا فشيئا ولفظ الجمع أولى لدلالته على المعنى المقصود بها ولذا جاءت كذلك في القرآن وفي التشهد اهـ، بتلخيص والله أعلم. قوله:(فيأتي بضمير الجمع وإن كان المسلم عليه واحدًا) وإتيانه بضمير الجمع حينئذٍ بقصد الملائكة الذين معه ولو أفرد

ص: 286

ويقول المجيب: وَعَلَيْكُمُ السلامُ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ، ويأتي بواو العطف في قوله:"وعليكم".

وممن نص على أن الأفضل في المبتدئ أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الإِمام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي في كتابه "الحاوي" في كتاب السير، والإمام أبو سعد المتولي من أصحابنا في كتاب صلاة الجمعة وغيرهما.

ــ

جاز كما يأتي أما الإفراد للجماعة فلا يكفي إذا أرادهم به. قوله: (وأن يقول المجيب وعليكم السلام الخ) أي بالواو أوله وميم الجمع آخره وإن كان المخاطب واحدًا على وزان ما سبق في الابتداء وزيادة ورحمة الله وبركاته آخره. قوله: (ويأتي بواو العطف في قوله وعليكم) أي استحبابًا وإلا فلو تركها وقال عليكم السلام كفي وكان خلاف الأفضل وقدم المبتدأ في جانب المسلم وعكس في جانب المراد للفرق بين الرد والابتداء وخص المبتديء بتقديم السلام لأنه هو المقصود فخصوا المراد بتقديم الخبر ولأن سلام المراد يجري مجرى الجواب ولذا اكتفى فيه بالكلمة المفردة الدالة على أختها فلو قال: وعليك لكان متضمنًا للرد ولذا اكتفى به بعض أصحابنا كما حكاه عنه الشيخ فيما يأتي، وإنما أعيد لفظ المسلم بعينه تحقيقًا للماثلة ودفعًا لتوهم المسلم عدم رد تحيته عليه لاحتمال أن يرد عليه شيء آخر والحاصل

أن الجواب يكفي فيه قوله: وعليك وإنما كمل قطعًا للتوهم وتكميلًا للعدل وأيضًا فإن المسلم لما تضمن سلامه الدعاء للمسلم عليه بوقوع السلامة وحلولها عليه وكان الرد من المراد متضمنًا لطلب أن يحل عليه من ذلك مثل ما طلبه له كما إذا قال غفر الله لك فإنك تقول ولك فغفر ويكون هذا أحسن من قولك وغفر لك ومثله نظائره لأن تجريد القصد إلى مشاركة المدعو به للداعي في ذلك الدعاء مثل دعائه وكأنه قال: ولك أيضًا أي أنت مشارك لي في ذلك مماثل لا أنفرد به عنك ولا أختص به دونك ولا ريب أن هذا المعنى يستدعي تقديم المشارك المساوي كذا لخص من كتاب بدابع الفوائد لابن القيم. قوله: (الإِمام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي) قال بعض المحققين: يقع للمصنف مثل هذه العبارة كثيرًا في الروضة وغيرها وهي مشكلة فإنه صرح في المجموع بأنه يحرم التسمية بشاهان شاه ومعناه ملك الأملاك

ص: 287

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وبملك الملوك قال الأذرعي وذكر بعضهم وأظنه القاضي أبا الطيب أن في معنى ذلك أو قال: يقرب من ذلك قاضي القضاة وأفظع منه حاكم الحكام اهـ. وظاهره حرمة هذين قياسًا على ما قبلهما وعليه فأقضى القضاة أولى من قاضي القضاة لكن الإجماع الفعلي سيما من مثل المصنف يدل على الجواز إلا أن يجاب بأن ذلك لا دليل فيه ألا ترى إلى إجماعهم على النطق بأبي القاسم حتى من مثل المصنف المرجح لحرمة التكني به مطلقًا وكان عذرهم الاشتهار بهذه التكنية أو نحوه والمحرم إنما هو وضعها ابتداء لا النطق بها بعد ذلك للاشتهار بها كما مر وبه يعتذر عن نطق المصنف هنا بما ذكر وعلى القول بالجواز فقد يفرق بأن في ملك الأملاك من ظهور الشمول الله تعالى ما ليس في قاضي القضاة، وحاكم الحكام يتردد النظر فيه ولحوقه بملك الملوك أظهر قال ثم رأيت ما يصرح بجوازهما وذلك لأن أقضى القضاة أول من لقب به الماوردي فاعترض عليه بعض أهل عصره بأن هذه اللفظة تشبه أحكم الحاكمين فيدخل فيه الباري سبحانه وتعالى وكذا قاضي القضاة لأنه سبحانه وتعالى وصف نفسه بالقضاء في غير آية نحو {يَقْضِي بِالْحَقِّ} وفي دعائه صلى الله عليه وسلم:"يا قاضي الأمور" ويدخل فيه أيضًا كل قاض تقدم من الأنبياء وغيرهم فلم يلتفت الماوردي إلى هذا الإنكار بل استمر على التلقيب به وأجاب هو والمحققون من علماء عصره بأن مثل هذا اللفظ إذا أطلق إنما ينصرف عرفًا إلى أهل عالمه وزمانه فقط واستدل ابن المنير المالكي لجوازه بما فيه نظر وهو أنه صلى الله عليه وسلم أطلق على أقضى القضاة في قوله: أقضاكم عليّ وأما قاضي القضاة فأول من لقب به أبو يوسف صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهما وكانت الأئمة متوفرين في عصره ولم ينكر أحد منهم ذلك وإنما توقف فيه بعض المتأخرين بما ذكر، والحاصل أن العرف خصص هذين بإطلاقهما على أعدل القضاة وأعلمهم بالنسبة لأهل زمنه في بلده أو إقليمه وقد أنكروا على من أراد التلقيب بشاهان شاه وأفتى الماوردي بتحريمه لصحة الحديث بالمنع منه وكان من أكبر أصدقاء الملك فشكره الملك على ذلك وقال له: أنا أعلم لو حابيت أحدًا في الحق لحابيتني وعارضه الحساد بأنه تلقب بأقضى القضاة وهو نظير ما منع منه فلم يلتفت إلى معارضتهم اهـ، وسيأتي في كتاب الأسماء عن شيخ الإسلام زكريا في شرح البخاري في الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم شاهان شاه جواز أقضى القضاة.

قوله:

ص: 288

ودليله ما رويناه في مسند الدارمي وسنن أبي داود والترمذي عن عمران بن الحصن رضي الله عنهما قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عَشْرٌ، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه ثم جلس، فقال: عِشْرونَ، ثم جاء آخر فقال: اللام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه فجلس، فقال: ثلاثُون"

ــ

(ودليله ما رويناه في مسند الدارمي الخ) قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث حسن غريب أخرجه أحمد متصلًا مرفوعًا عمرة وأخرجه أيضًا عن هوذة بن خليفة عن عوف الأعرابي عن أبي رجاء وهو العطاردي فلم يذكر غمران بن الحصن، قال وهكذا رواه غير هوذة عن عوف مرسلًا قال الحافظ: والذي وصله عن عوف وهو جعفر بن سليمان مرفوعًا من رجال مسلم وفيه ضعف يسير، قال الحافظ: أخرجه النسائي، قال الحافظ: ووجدت للحديث شاهدًا جيدًا من حديث أبي هريرة قال: إن رجلًا مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مجلس فقال: السلام عليكم فقال: "عشر حسنات" قال ثم مر رجل آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله فقال: "عشرون حسنة" قال فمر رجل آخر فقال: السلام عليكم ورحمته وبركاته فقال: "ثلاثون حسنة" هكذا بلغني عن عبد العزيز بن عبد الله بن جعفر بن أبي كثير عن يعقوب بن زيد التيمي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أخرجه البخاري في الأدب المفرد ورواته من شرط الصحيح إلا يعقوب بن قلد التيمي وهو صدوق وقال: أخرج النسائي في الكبرى من طريق إبراهيم بن طهمان عن يعقوب بن زيد حديثًا آخر في السلام بسند حديث أبي هريرة هذا وذكر في سنده اختلافًا على سعيد المقبري اهـ. قوله: (السلام عليكم) ضمير الجمع يحتمل أن يكون تعظيمًا له صلى الله عليه وسلم وأن يكون له ولمن كان معه من أصحابه قال في المرقاة ومع وجود هذا الاحتمال لا يصلح للاستدلال بأن يقال: الأفضل أن يؤتى بضمير الجمع وإن كان المسلم عليه واحدًا. قوله: (فرد عليه) أي بمثله أو بأحسن منه (فقال عشر الخ) أي له أو المكتوب أو كتب أو حصل له عشر حسنات واقتصر العاقولي على إعرابه فاعلًا فقال: أي

ص: 289

قال الترمذي: حديث حسن.

ــ

حصل له عشر حسنات قال فذهب إلى أن كل واحدة من قوله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حسنة مستقلة فإذا أتى المراد بواحدة منها حصل له عشر حسنات وإن قالها كلها حصل له ثلاثون حسنة وعلى هذا فالأفضل أن يؤتى في السلام والرد بأفضله فيقول: وعليكم السلام ورحمة وبركاته فيأتي بواو العطف في قوله: وعليكم اهـ. قوله: (قال الترمذي حديث حسن) زاد في السنن غريب من هذا الوجه من حديث عمران بن حصين وكذا قال الحافظ: حديث حسن غريب قال الحافظ بعد تخريج حديث عمران المذكور وقال الترمذي في الباب عن علي وسهل بن حنيف وأبي سعيد قال الحافظ: وفيه أيضًا عن أبي هريرة ومالك بن التيهان وابن عمر ومعاذ بن أنس وهو الجهني وغيرهم وعنى بقوله: وغيرهم ابن عباس وسلمان الفارسي وعائشة قال: فحديث علي أخرجه البزار وفي سنده مختار بن نافع وقد ضعفوه ولفظه: دخلت المسجد فقلت: السلام عليكم فقال: وعليكم السلام عشر لي وعشر لك الحديث وحديث سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال: السلام عليكم كتبت له عشر حسنات ومن قال: السلام عليكم ورحمة الله كتبت له عشرون حسنة ومن قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كتبت له ثلاثون

حسنة" قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث غريب وسنده منكر والمعروف رواية محمد بن جعفر ابن أبي كثير عن يعقوب بن زيد كما تقدم قريبًا من حديث أبي هريرة ومحمد بن جعفر من رجال الصحيحين بخلاف موسى بن عبيدة فإنه متفق على ضعفه من قبل حفظه مع صلاحه وصدقه، قلت: موسى المذكور هو الراوي للحديث عنه عن سهل، قال: وقد رواه يعني موسى بسند آخر فأخرج حديث سهل أبو يعلى في مسنده الكبير عن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه الطبراني من رواية أبي بكر وعثمان بن أبي شيبة كلاهما عن أبي أسامة وأخرجه الطبراني أيضًا من رواية الحسن بن علي الحلواني عن أبي أسامة عن موسى عن أيوب بن خالد عن مالك بن التيهان رضي الله عنه أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم فذكر نحو حديث أبي هريرة وهذا يمكن أن يفسر به من لم يسم في حديث

ص: 290

وفي رواية لأبي داود من رواية معاذ بن أنس رضي الله عنه زيادة على هذا، قال:"ثم أتى آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال: أربعون، وقال: هَكَذا تَكُونُ الفَضَائِلُ".

ــ

أبي هريرة، وحديث معاذ بن أنس الجهني هو ما أشار إليه الشيخ بقوله وفي رواية لأبي داود الخ وسيأتي بيان حال سنده وفيه ومغفرته زيادة على غيره من الأحاديث وكذا في حديث أنس الآتي عند ابن السني وحديث ابن عمر أخرجه الطبراني في الأوسط عنه عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم فقال: "عشر" الحديث ورجاله رجال الصحيح إلا أبا هارون العبدي فقد ضعفوه وقد رواه مرة أخرى فقال عن أبي سعيد بدل ابن عمر وهي العبادة انتهى كلام الحافظ بتلخيص، وحديث عائشة سيأتي في الكلام على حديث أنس عند ابن السني في هذا الباب وحديث سلمان أخرجه أحمد في الزهد ولم يخرجه في المسند لضعف هشام بن لاحق عنده وقد وثقه غيره وهو عن سلمان قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله فقال: "السلام عليك ورحمة الله" ثم جاء آخر فقال: السلام عليك ورحمة الله فقال: "السلام عليك ورحمة الله وبركاته" ثم جاء آخر فقال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال: "وعليك" فقال: يا رسول الله حييت هذين بأفضل مما حييتني به، فقال:"إنك لن تدع شيئًا فرددنا عليك مثلها وشاهد هذا الحديث حديث ابن عباس قال: جاء ثلاثة نفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم: سلام عليكم فرد عليه صلى الله عليه وسلم: "عليكم ورحمة الله" فجاء الثاني فقال: سلام عليكم ورحمة الله فرد عليه صلى الله عليه وسلم فقال: "سلام عليكم ورحمته وبركاته" فجاء الثالث فقال: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقال صلى الله عليه وسلم: "وعليك"، وأبو الفتى الثالث جالس مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله زدت فلانًا ولم تزد ابني شيئًا فقال: "ما وجدنا له مزيدًا فرددنا عليه كما قال". قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الطبراني لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد اهـ. قوله: (وفي رواية لأبي داود من رواية معاذ بن أنس الجهني) قلت: لفظ حديثه كحديث عمران بن حصين كما في السلاح وقد أخرج الحافظ حديث معاذ وساق لفظه وهو أن رجلًا

ص: 291

وروينا في كتاب ابن السني بإسناد ضعيف عن أنس رضي الله عنه قال: "كان رجل يمر بالنبي صلى الله عليه وسلم يرعى دواب أصحابه فيقول: السلام عليك يا رسول الله، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: وعَلَيْكَ السلامُ وَرَحْمَةُ الله وبَرَكاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ وَرِضْوانُهُ، فقيل: يا رسول الله تسلم على هذا سلامًا ما تسلمه على أحد من أصحابك؟ قال: وما يَمْنَعُني مِنْ ذلِكَ

ــ

أتى إلى مجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم فرد عليه وقال: "عشر حسنات" ثم جاء رجل آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه وقال: "عشرون" ثم جاء رجل آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقال: "ثلاثون حسنة" وجاء آخر فقال: ومغفرته فقال: "أربعون حسنة" ثم قال: هكذا تكون الفضائل قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث غريب أخرجه أبو داود ولم يسق من لفظه إلا ما ذكره الشيخ بل أحال به على لفظ حديث عمران اهـ. وكأن هذا الخبر لضعفه لم يقل الأصحاب

بقضيته من زيادة ومغفرته في أكمل السلام بل جعلوا أكمله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحكمة الاقتصار على وبركاته تقدمت في كلام ابن القيم وسيأتي مزيد من هذا المقام إن شاء الله تعالى. قوله: (وروينا في كتاب ابن السني بإسناد ضعيف) قال الحافظ: أخرجه ابن السني من رواية بقية بن الوليد عن يوسف بن أبي كثير عن نوح بن ذكوان عن الحسن عن أنس، وابن أبي كثير وشيخه نسب كل منهما إلى أنه كان يضع الحديث وبقية وإن كان عيب عليه التدليس وصرح بالتحديث في هذا السند فإنه كان يغلب عليه كثرة الرواية عن الضعفاء والمجهولين، وقد ورد ما يعارض هذا وهو حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام " فقلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته فذهبت تزيد، فقال لها صلى الله عليه وسلم:"إلى هنا انتهى السلام" يعني وتلا ورحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت، قال الحافظ: هذا حديث حسن غريب جدًّا في أخرج لرواته في الصحيح إلا أن ابن المسيب لم يسمع من عائشة وسيأتي حديثها بدون هذه الزيادة في باب حكم السلام وجاء عن ابن عباس موقوفًا عليه أخرجه البيهقي في الشعب

ص: 292

وهو يَنْصَرِفُ بأجر بضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا؟ ".

قال أصحابنا: فإن قال المبتدئ: السلام عليكم، حصل السلام، وإن قال: السلام عليك، أو سلام عليك، حصل

ــ

من طريق محمد بن عمرو بن عطاء قال: بينما أنا جالس عند ابن عباس إذ جاء سائل فقال: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه ومضى في هذا، فقال ابن عباس: ما هذا السلام وغضب غضبًا شديدًا فقال له ابنه: إن هذا من السؤال، فقال ابن عباس: إن الله عز وجل جعل للسلام حدًّا ثم قرأ: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت، قال الحافظ وسنده إلى ابن عباس صحيح وله طريق أخرى صحيحة عن ابن عباس أخرجها ابن وهب في جامعه عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أنه سلم على ابن عباس فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، قال ابن عباس: من هذا؟ قال: فقلت: أنا عطاء، فقال: انتهى السلام إلى وبركاته وتلا الآية وأخرج ابن وهب أيضًا بسند صحيح عن ابن عمر أن رجلًا سلم عليه فزاد ومغفرته فانتهره ابن عمر وقال: حسبك إلى وبركاته، وجاءت مراسيل بمعنى ذلك فمنها عن عمرو بن الوليد أحد الثقات التابعين من أهل مصر ومنها عن الحسن البصري كلاهما نحو حديث ابن عمر ومنها عن مسلم بن أبي مريم وهو أحد ثقات التابعين كحديث عمران وزاد في آخره فقال رجل: ألا أقوم يا رسول الله ثم أعود فيكثر لي الأجر؟ فقال: "بلى" فقام فجال شيئًا ثم أقبل فقال: سلام عليكم فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "ما أسرع ما نسي صاحبكم" وسنده صحيح. قوله: (وهو ينصرف بأجر بضعة عشر رجلًا) أي عدد أصحابه الذين يقوم بخدمتهم فيعينهم على القيام بالطاعة ففيه فضل الإعانة بالخدمة وقد الحديث

المشهور في السفر الذي كان فيه بعض الصحابة صيامًا وبعضهم مفطرًا فخدم المفطرون ونام الصائمون فقال صلى الله عليه وسلم: "ذهب اليوم المفطرون بالأجر". قوله: (وإن قال المبتدئ السلام عليكم حصل السلام) أي بأفضل صيغة من حيث التعريف والإتيان بميم الجمع وإن فوت كماله من زيادة ورحمة الله وبركاته. قوله: (السلام عليك) أي بحذف ميم الجمع (أو سلام عليك) أي بحذف أل من سلام وميم الجمع من عليكم (كفى) لكن محله إن كان المسلم عليه واحدًا وإلا فلا يكفي كما تقدمت الإشارة إليه.

ص: 293

أيضًا. وأما الجواب فأقله: وعليك السلام، أو وعليكم السلام، فإن حذف الواو فقال: عليكم السلام أجزأه ذلك وكان جوابًا، هذا هو المذهب الصحيح المشهور الذي نص عليه إمامنا الشافعي رحمه الله في "الأم"، وقاله جمهور أصحابنا. وجزم أبو سعد المتولي من أصحابنا في كتابه "التتمة" بأنه لا يجزئه ولا يكون جوابًا، وهذا ضعيف أو غلط، وهو مخالف للكتاب والسنة ونص إمامنا الشافعي.

أما الكتاب، فقال الله تعالى:{قَالُوا سَلَامًا قَال سَلَامٌ} [هود: 69] وهذا وإن كان شرعًا لمن قبلنا، فقد جاء شرعنا بتقريره.

وهو حديث أبي هريرة الذي قدمناه في جواب الملائكة آدم صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا "أن الله تعالى قال: هي تحيتك وتحية ذريتك" وهذه الأمة داخلة في ذريته، والله أعلم.

واتفق أصحابنا على أنه لو قال في الجواب: عليكم، لم يكن جوابًا، فلو قال: وعليكم بالواو، فهل يكون جوابًا؟ فيه وجهان لأصحابنا ولو قال المبتدئ: سلام عليكم، أو قال: السلام عليكم، فللمجيب أن يقول في الصورتين: سلام عليكم، وله أن يقول: السلام عليكم، قال الله تعالى:{قَالُوا سَلَامًا قَال سَلَامٌ} [هود: 69] قال الإِمام أبو الحسن الواحدي من أصحابنا:

ــ

قوله: (واتفق أصحابنا أنه لو قال عليكم لم يكن جوابًا) قال ابن المزجد في التجريد ظاهر الآية والحديث أنه يكفي في السلام ورده أن يقول: سلام ويكون الخبر محذوفًا تقديره سلام عليكم كذا في الجواهر والمعروف أنه لا يكفي جوابًا إن لم يزد الواو وكذا إن زادها فقال: وعليكم في الأصح عند الإِمام وعلله كما في الروضة بأنه ليس فيه تعرض للسلام قال في الروضة ومنهم من جعله جوابًا للعطف وقياسه أنه لا يتأدى به السنة فيما سبق من سلامه، ثم قول المصنف (وأما الجواب فأقله السلام عليك الخ) ظاهره الاكتفاء بما ذكر وإن أتى المسلم بلفظ الرحمة والبركة وظاهر كلام

ص: 294

أنت في تعريف السلام وتنكيره بالخيار، قلت: ولكن الألف واللام أولى.

ــ

الروياني أنه يجب رد مثل الابتداء مطلقًا نقله في التجريد. قوله: (أنت في تعريف السلام وتنكيره بالخيار) أي سواء في ذلك الابتداء والجواب وفي التجريد للمزجد يجوز للمجيب أن ينكر السلام فيقول: عليكم أو عليك سلام سواء عرف المبتدئ سلامه أم لا والأولى التعريف فيهما وإذا نكر فلا فرق بينهما بين أن ينونا أو لا اهـ. قوله: (لكن الألف والسلام أفضل) قال العاقولي: الفرق بين

المنكر والمعرف أن المعرف لا بد له من معهود خارجي أو ذهني فإن ذهبت إلى الأول كان المراد بالسلام السلام الذي سلمه آدم عليه السلام على الملائكة وإن ذهبت إلى الثاني كان المراد جنس السلام الذي يعرفه كل أحد من المسلمين أنه ما هو فيكون تعريضًا بأن ضده لغيرهم من الكفار الأشرار. اهـ. وفي بدائع الفوائد لابن القيم بعد ذكر فوائد التعريف بأل: قول المراد وعليك السلام بالتعريف متضمن للدلالة على أن مقصوده من الرد مثل ما ابتدأ به وهو بعينه فكأنه قال ذلك السلام الذي طلبته لي مردود عليك وواقع عليك وهذا المعنى لا يحصل بالمنكر لأن المعرف وإن تعدد ذكره واتحد لفظه فهو شيء واحد بخلاف المنكر ومن هنا يتبين معنى حديث لن يغلب عسر يسرين وقد تعريف السلام في الرد فائدة ثانية هي أن مقام الرد ثلاثة مقام فضل ومقام عدل ومقام ظلم فالفضل أن يرد عليه أحسن من تحيته والعدل أن يرد عليه نظيرها والظلم أن يبخسه حقه وينقصه منها فاختير للراد أجمل اللفظين وهو المعرف بالأداة التي تكون للاستغراق والعموم كثيرًا ليتمكن من الإتيان بمقام الفضل وفائدة ثالثة هي أنه هو المناسب في حق المراد تقديم المسلم عليه على السلام فلو نكره وقال: عليك سلام لصار بمنزلة قولك عليك دين وفي الدار رجل فخرج مخرج الخبر المحض وإذا صار خبرًا بطل معنى التحية لأن معناها الدعاء والطلب فليس بمسلم من قال: عليك سلام إنما المسلم من قال: سلام عليك فعرف سلام المراد باللام إشعارًا بالدعاء للمخاطب وأنه راد عليه التحية طالب له السلامة من اسم السلام اهـ. وكلامه في حكمة التعريف في الرد وكلام العاقولي في حكمة التعريف مطلقًا وقول ابن القيم ليس بمسلم من قال: عليك سلام محله عندنا ما لم يقصد به الرد وإلا كفى

ص: 295