الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنْ هَذَا اتَّبَعَنا فإن شِئْتَ أنْ تأذَنَ لهُ، ونْ شِئْتَ رَجَعَ، قال: بل آذنُ له يا رسول الله".
باب وعظه وتأديبه من يسئ في أكله
روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: "كنت غلامًا في حِجْر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غُلامُ،
ــ
أنه ينبغي للمدعو إذا تبعه رجل بغير استدعائه أن لا
يأذن له ولا ينهاه وفيه أنه إذا بلغ باب صاحب الدار أعلمه به ليأذن له أو ليمنعه وفيه أن صاحب الطعام يستحب له أن يأذن له إن لم يترتب على حضوره مفسدة بأن يؤذي الحاضرين أو يشيع عنهم ما يكرهونه أو يكون جلوسه معهم مزريًا بهم لشهرته بالفسق ونحو ذلك فإن خشي من حضوره شيء من هذا لم يأذن له، وينبغي له أن يتلطف في رده ولو أعطاه شيئًا من الطعام ليكون ردًّا جميلًا كان حسنًا.
باب وعظه وتأديبه من يسئ في أكله
أي وعظ الأكل من يسيء في أكله أي لإخلاله بأدب من آداب الاكل. قوله: (في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح الحاء المهملة وقد تكسر أي في حضانته وتحت نظره الشريف ومنه قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} لأنه كان ربيبًا للنبي صلى الله عليه وسلم.قوله: (في الصحفة) هي دون القصعة إذ هي ما تشبع خمسة والقصعة ما تشبع عشرة كذا قاله الكسائي فيما حكاه الجوهري وغيره عنه، وقيل الصحفة كالقصعة وجمعها صحاف. قال الجوهري قال الكسائي أعظم القصاع الجفنة ثم القصعة تليها تشبع العشرة ثم الصحفة تشبع الخمسة ثم المئكلة تشبع والثلاثة ثم الصحيفة تشبع الرجل حكاه عنه المصنف وأغرب ابن حجر في شرح الشمائل حيث قال الصحفة تشبع ضعفي ما تشبع القصعة وقيل:
سَمِّ اللَهَ تعالى، وكُلْ بِيَمِينِكَ، وكُلْ ممَّا يَلِيكَ".
ــ
هما سواء. قوله: (سمِّ الله) الأمر فيه للاستحباب اتفاقًا وتقدم الكلام على ما يتعلق بمعنى هذه وبقوله (وكل بيمينك) وقوله من خرج ذلك في باب التسمية عند الأكل والشرب. قوله: (وكل ما يليك) الأمر فيه للندب لأن أكله مما يلي غيره سوء عشرة وترك مروءة وقد يتقذر صاحبه لا سيما في الإمراق وشبهها، وقيل للوجوب لما فيه من إلحاق الضرر بالغير ومزيد الشره وانتصر له السبكي ونص عليه الشافعي في الرسالة وفي مواضع من الأم، وفي مختصر البويطي يحرم الأكل من رأس الثريد والقران في التمر والأصح أنهما مكروهان ومحل ذلك إن لم يعلم رضا صاحبه وإلا فلا حرمة ولا كراهة. فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يتتبع الدباء من حوالي القصعة والجواب بأنه أكل وحده مردود بأن أنسًا كان يأكل معه على أنه لو سلم لا يجدي لأن الأكل مما يلي الآكل سنة وإن كان وحده كما اقتضاه إطلاق الشافعية وقيل الأولى حمل التتبع المذكور على أنه من يمينه وشماله بعد فراغ ما بين يديه ولم يكن أحد في جانبيه صلى الله عليه وسلم والأول أولى والله أعلم على أن محل النهي حيث كان الطعام نوعًا واحدًا وإلا كالثريد والدباء واللحم فيتعدى الآكل إلى غير ما يليه ومحله أيضًا في غير نحو الفاكهة أما هي فله أن يجيل يده فيها كما في الأحياء ويشهد له ما جاء عند ابن ماجة عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم إذا أتى بطعام أكل مما يليه وإذا أتى بالتمر جالت يده فيه. وأورد في الأحياء أنه صلى الله عليه وسلم قال: كل مما يليك وكان يدور على الفاكهة فقيل له في ذلك فقال: ليس هو نوعًا واحدًا اهـ. وتوقف فيه المصنف لكن خبر ابن ماجه يشهد له وقضية ما رواه الغزالي أن محل الإجالة إذا كانت الفاكهة الحاضرة ذات أنواع فإن كانت نوعًا
فهي كغيرها في ندب الأكل مما يلي الآكل وكراهته مما يلي غيره وليس كذلك بل كل ما يختلف أفراده فلا بأس بالإجالة فيه نوعًا كان أو أنواعًا وإن كان الأولى عدم الإجالة حينئذٍ لما فيه مع وجود ذلك من الشره والتطلع إلى ما عند غيره وترك
وفي رواية في الصحيح قال: "أكلت يومًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت آكُلُ من نواحي الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. كُلْ مِمَّا يَلِيكَ".
قلت: قوله: تطيش، بكسر الطاء وبعدها ياء مثناة من تحت ساكنة، ومعناه: تتحرك وتمتد إلى نواحي الصحفة، ولا تقتصر على موضع واحد.
وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم"
ــ
الإيثار الذي هو من شأن الأخيار. قوله: (وفي رواية في الصحيح) قال الحافظ بعد تخريجه بها: خرجه مسلم ثم خرجه الحافظ أيضًا من طريق البخاري. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) أخرجه الشيخان والنسائي وأبو عوانة وابن حبان ثم هذا اللفظ الذي في الأصل من فصل الإذن عن الخبر المرفوع بقوله ثم يقول يعني ابن عمر إلا أن يستأذن أخاه من فعل آدم أحد الرواة له عن شعبة عن جبلة قال الحافظ: وقريب منه رواية أحمد عن محمد بن جعفر فقال بعد القران ثم يقول: إلا الخ، وفي شرح الجامع الصغير للعلقمي نقلًا عن البخاري قال شعبة: الإذن من قول ابن عمر ورواية الأكثر عن شعبة أورده مدرجًا وكذا رواه أبو إسحاق الشيباني ومسعر وسفيان الثوري ثم خرج الحافظ حديث قال ناجية: سمعت ابن عمر يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرن الرجل بين التمرتين حتى يستأذن أصحابه وقال: أخرجه مسلم من طريق ابن مهدي أيضًا والترمذي من طريق أبي أحمد الزبيري عن عبيد الله بن موسى ورواه النسائي من رواية عيسى بن يونس أربعتهم عن سفيان الثوري ورواية مسعر عند النسائي ورواية الشيباني عند أبي داود وللحديث شاهد عند البزار والحاكم من حديث أبي هريرة قال: وضع النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه تمرًا فكان بعضهم يقرن فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نقرن إلا بإذن وفي رواية الحاكم وكنا نقرن من الجوع وروى الطبراني من حديث بريدة رضي الله عنه مرفوعًا كنت نهيتكم
عن جبلة بن سحيم قال: أصابنا عام سنة مع ابن الزبير فرزقنا تمرًا، فكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يمر بنا ونحن نأكل، ويقول: لا تقارنوا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الإقران ثم يقول:"إلا أن يَسْتأذِن الرجُلُ أخاهُ".
قلت: قوله: لا تقارنوا، أي: لا يأكل الرجل تمرتين في لقمة واحدة.
ــ
عن القرآن في التمر وإن الله قد وسع عليكم فأقرنوا وسنده ضعيف لكن يؤيده الإجماع العملي كوضع المائدة بين الضيفان والله أعلم اهـ. قوله: (عن جبلة بن سحيم) جبلة بفتح الجيم والموحدة والسلام مخففًا وسحيم اسم والده بمهملتين مصغرًا تابعي ثقة: توفي سنة مائة وخمسة وعشرين وجبلة ليس له في البخاري عن غير ابن عمر شيء ذكره الحافظ في الفتح. وله: (عام سنة) بالإضافة أي عام قحط ووقع في رواية أبي داود في مسنده فأصابتنا مخمصة ح ابن الزبير يعني عبد الله لما كان خليفة وروي من وجه آخر عن خليفة لفظ كنا بالمدينة في بعض أهل العراق فرزقنا تمرًا في أرزاقنا وهو القدر الذي يصرف لهم في كل سنة من مال الخراج وغيره فأعطاه بدل النقد تمرًا لقلة النقد إذ ذاك بسبب المجاعة التي حصلت. قوله: (لا تقارنوا) في رواية البخاري في الشركة فيقول: لا تقرنوا. وفي فسر المصنف قوله: لا تقارنوا بقوله:
أي لا يأكل الرجل تمرتين في لقمة وبمعناه تقرنوا. قوله: (عن الأقرأن) كذا لأكثر الرواة واللفظة الفصحى بغير ألف وأخرجه أبو داود الطيالسي بلفظ القرآن وأخرجه أحمد عن حجاج بن محمد عن شعبة وقال عن محمد بن جعفر عن شعبة الأقران والقران بكسر القاف وتخفيف الراء ضم تمرة إلى أخرى وهو أفصح من الأقران، والنهي سببه ما كانوا فيه من ضيق العيش ثم نسخ لما حصلت التوسعة روى البزار من حديث بريدة كنت نهيتكم عن القران في التمر إلى آخر الحديث السابق قريبًا. قال المصنف واختلف في هذا النهي هل هو على التحريم أو الكراهة والصواب التفصيل فإن كان الطعام مشتركًا بينهم فالقران حرام إلا برضاهم ويحصل بتصريحهم أو ما يقوم مقامه من قرينة حال أو دلالة بحيث يغلب على الظن ذلك ومتى شك في رضاهم فهو حرام وإن كان
وروينا في "صحيح مسلم" عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، أن رجلًا أكل عند النبي صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال:
ــ
لأحدهم أو غيرهم وأذن لهم في الأكل اشترط رضاه ويحرم لغيره ويجوز له هو إلا أنه يستحب له استئذان الآكلين معه ويحسن للضيف ألا يقرن وأن يتأدب بآداب الاكل مطلقًا إلا أن يكون مستعجلًا ويؤيد الإسراع لشغل آخر وقال الخطابي: إنما كان هذا في زمنهم حين كان الطعام مضيقًا، فأما اليوم مع اتساع الحال فلا حاجة إلى الإذن. قال المصنف وليس كما قال والصواب ما ذكرناه من التفصيل فإن الاعتبار بعموم اللفظ بخصوص السبب لو ثبت اهـ. وقال في النهاية إنما نهى عن القرآن لأن فيه شرها وذلك يزري بفاعله أو لأن فيه غبنًا لرفيقه، وقيل: إنما نهي عنه لما كانوا فيه من شدة العيش وقلة الطعام، وكانوا مع هذا يواسون من القليل، فإذا اجتمعوا على الأكل آثر بعضهم بعضًا على نفسه، وربما كان في القوم من قد اشتد جوعه فربما قرن بين التمرتين أو عظم اللقمة فأرشدهم إلى الإذن فيه ليطب به أنفس الباقين اهـ. قال شيخ الإسلام زكريا والنهي عنه للتنزيه إلا أن يكون شركة بينهم وأما خبر الطبراني كنت نهيتكم عن الإقران في التمر فاقرنوا الخ ففي سنده اضطراب فإن يصح فمحمول على بيان الجواز وهو لا ينافي كراهة التنزيه وقيل: إنه ناسخ لها ثم قال: والنهي عن ذلك نهي تنزيه فهو جائز وإن كره لأن ذلك إنما وضع بين أيدي النّاس للأكل فسبيله سبيل المكارمة لا سبيل التشاح لاختلاف النّاس في الأكل اهـ.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) أخرجه مسلم من طريق ابن الحباب عن سلمة بن الأكوع واقتصر على تلك الطريق وجاء من طريق إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لرجل يقال له: بسر بن راعي العير من أشجع وهو يأكل بشماله فذكر الحديث. أخرجه أحمد وابن حبان وأخرجه الحافظ من طريق الدارمي وغيره عن إياس وقال في رواية الدارمي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلًا وفي آخره فما وصلت يمينه إلى فيه بعد وقد أعاد المصنف هذا الحديث في باب الدعاء على من ظلم ويأتي فيه من بحث هناك إن