الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروينا في سنن أبي داود بإسناد جيد عن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أوْلى النَّاس باللهِ مَنْ بَدَأهُمْ بالسَّلام" وفي رواية الترمذي عن أبي أمامة: قيل: يا رسول الله، الرجلان يلتقيان، أيهما يبدأ بالسلام؟ قالَ:"أوْلاهُما بالله تَعالى" قال الترمذي: حديث حسن.
باب الأحوال التي يستحب فيها السلام والتي يكره فيها، والتي يباح
ــ
عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"
أخرجه الشيخان والترمذي وإنما كان خير المتقاطعين من بدأ بالسلام لما فيه من قطع القطيعة وإماتة حظ النفس وغرضها وإلا قال على جبر الخاطر وإزالة الشحناء من البين والله أعلم.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود) قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث حسن وأخرجه أحمد من وجه ضعيف عن أبي أمامة بلفظ من بدأ بالسلام فهو أولى بالله ورسوله. قوله: (إن أولى النّاس) أي أقربهم من رحمته وقال الطيبي أي أقرب النّاس من المتلاقيين إلى رحمة الله تعالى من بدأ بالسلام، في الكشاف في قوله تعالى:{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ} أي أخصهم به وأقربهم منه اهـ. قوله: (من بدأهم بالسلام) أي لما فيه من التوادد والتحابب المطلوب من أهل الإيمان وفي شرح السنة للبغوي عن عمر بن الخطاب قال: مما يصفى لك ود أخيك ثلاث أن تبدأه بالسلام إذا لقيته وأن تدعوه بأحب أسمائه إليه وأن توسع له في المجلس مع ما فيه من التواضع وإماتة النظر إلى النفس وإماتة حظها من العلو خصوصاً عند بذل السلام لمن لا يعرفه الإنسان ولا يرجو منه شيئًا والله أعلم. قوله: (قال الترمذي حديث حسن) قال الحافظ: أخرجه الترمذي من طريق سليم بن عامر عن أبي أمامة هكذا وفي سنده يزيد بن سنان وهو ضعيف وقد أخرجه أحمد من وجه آخر ضعيف أيضاً عن أبي أمامة وسبق لفظه اهـ.
باب الأحوال التي يستحب فيها السلام والتي يكره فيها والتي يباح
اعلم أنا مأمورون بإفشاء السلام كما قدمناه، لكنه يتأكد في بعض الأحوال ويخفُّ في بعضها. ونهى عنه في بعضها، فأما أحوال تأكُّده واستحبابه فلا تنحصر، فإنها الأصل فلا نتكلَّف التعرُّض لأفرادها.
واعلم أنه يدخل في ذلك السلام على الأحياء والموتى، وقد قدّمنا في "كتاب أذكار الجنائز" كيفية السلام على الموتى. وأما الأحوال التي يكره فيها أو يخف أو يباح فهي مستثناة من ذلك فيحتاج إلى بيانها، فمن ذلك إذا كان المسلَّم عليه مشتغلاً بالبول أو الجماع أو نحوهما فيكره أن يسلِّم عليه، ولو سلم لا يستحق جواباً، ومن ذلك من كان نائماً أو ناعساً، ومن
ــ
قوله: (فأما أحوال تأكده واستحبابه) أي استحبابه المؤكد بدليل قوله فيما يأتي أما الأحوال التي يكره فيها أو يخف يعني استحبابه الخ. قوله: (وقد قدمنا في الجنائز كيفية السلام على الموتى) أي بأن يقول: السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين أو يقول السلام على أهل الديار من المؤمنين. قوله: (أو يخف) أي أصل الاستحباب فيكون سنة ملحقة بالآداب. قوله: (إذا كان المسلم عليه مشتغلاً بالبول أو بالجماع أو نحوهما فيكره أن يسلم عليه) بالبناء للمفعول وعليه نائب الفاعل هذا هو
الأحسن، وكره ذلك للنهي عنه كما سبق في باب كراهة الذكر على قضاء الحاجة من أن مكالمته بعيدة من الأدب والمروءة فلا يلائم ذلك إيجاب الرد وقد تقدم نظم العارف ابن رسلان للمواضع التي يكره فيها ابتداء السلام في باب النهي عن السلام على قاضي الحاجة في أوائل الكتاب. قوله:(ولو سلم) هو بالبناء للفاعل وفاعله المستتر يعود إلى المسلم المفهوم من قوله لم يسلم عليه أي لو سلم المسلم على المشغول بقضاء الحاجة (لم يستحق جواباً) لتقصيره بمكالمة من مكالمته بعيدة عن الأدب والمروءة ومكارم الأخلاق والفتوة. قوله: (ومن ذلك من كان نائماً أو ناعساً) أي من الحال المذكور الذي يكره فيه السلام على من قام به من كان نائماً أو ناعساً قال في شرح الروض الضابط كما قاله الإِمام أن
ذلك من كان مصلياً أو مؤذناً في حال أذانه أو إقامته الصلاة، أو كان في حمام أو نحو ذلك من الأمور التي لا يؤثر السلام عليه فيها، ومن ذلك إذا كان يأكل واللقمة في فمه، فإن سلم عليه في هذه الأحوال لم يستحق جواباً. أما إذا كان على الأكل وليست اللقمة في فمه، فلا بأس بالسلام، ويجب الجواب. وكذلك في حال المبايعة وسائر المعاملات يسلم ويجب الجواب. وأما السلام في حال خطبة الجمعة، فقال أصحابنا:
ــ
يكون الشخص بحالة لا يليق بالمروءة القرب منه فيها فيدخل فيها النائم والخطيب والمصلي وغيرهم. قوله: (أو مؤذناً في حال أذانه) أي فلا يجيب وفارق القراءة بأنه يخل بشعاره بخلافها ولا يسن في أثنائه وفارق التلبية بأنه فيها يؤدي إلى لبس فيخل بالإعلام المقصود من الأذان بخلاف التلبية نعم يسن له أن يجيب بعد تمام الأذان والإقامة. قوله: (أو كان في حمام) عللت الكراهة باشتغاله بالاغتسال أو بأنه مأوى الشياطين وقضية الأول ندبه على غير المشتغل بشيء وقضية الثاني عدم ندبه على من فيه ولو بمسلخه ويوجه الأول بأن كونه مأوى الشياطين لا يقتضي كراهة الرد عليه ألا ترى أن السوق محلهم أيضاً ويسن السلام على من فيه، ويؤيد ذلك ما في الفتح للحافظ: قال ابن دقيق العيد واحتج من منع السلام على من في الحمام بأنه بيت الشيطان وليس موضع التحية لاشتغال من فيه بالتنظيف قال: وليس هذا المعنى بالقوي في الكراهة بل يدل على عدم الاستحباب اهـ. قوله: (ومن ذلك إذا كان يأكل الخ) الشرب كالأكل كما في التعليقة وفي الروضة للمصنف قال القاضي أبو محمد والمتولي لا يسلم على مشتغل بالأكل ورأى الإِمام حمل ذلك على ما إذا كانت اللقمة في فيه وكان يمضي زمان في المضغ والابتلاع ويعسر الجواب في الحال أما إذا سلم بعد الابتلاع وقبل وضع لقمة أخرى فلا يتوجه المنع. قوله: (وأما السلام في حال الجمعة الخ) المعتمد أنه يجب الرد وإن كان السلام مكروهاً كما في المجموع وغيره وفارق عدم وجوبه على قاضي الحاجة كما تقدم بأن مكالمته لا تليق بالمروءة بخلافه هنا فإنه ليس كذلك ومن ثم
يكره الابتداء به لأنهم مأمورون بالإنصات للخطبة، فإن خالف وسلَّم فهل يرد عليه؟ فيه خلاف لأصحابنا، منهم من قال: لا يرد عليه لتقصيره، ومنهم من قال: إن قلنا: إن الإنصاف واجب لا يرد عليه، وإن قلنا: إن الإنصاف سُنَّة رد عليه واحد من الحاضرين، ولا يرد عليه أكثر من واحد على كل وجه.
وأما السلام على المشتغل بقراءة القرآن، فقال الإِمام أبو الحسن الواحدي: الأولى ترك السلام عليه لاشتغاله بالتلاوة، فإن سلم عليه كفاه الرد بالإشارة، وإن رد باللفظ استأنف الاستعاذة ثم عاد إلى التلاوة، هذا كلام الواحدي، وفيه نظر، والظاهر أنه يسلم عليه ويجب الرد باللفظ. أما إذا كان مشتغلاً بالدعاء، مستغرقاً فيه، مجمعَ القلب عليه، فيحتمل أن يقال: هو كالمشتغل بالقراءة على ما ذكرناه،
ــ
وجب الرد هنا وإن لم يشرع السلام لأن عدم مشروعيته لعارض لا لذاته بخلافه ثم. قوله: (ولا يرد عليه أكثر
من واحد) أي ولا ينبغي ذلك. قوله: (والظاهر أنه يسلم عليه) أي باللسان وجوباً قال الأذرعي: إذا اتصف القارئ بما ذكره المصنف في الداعي من قوله فأما إذا كان مشتغلاً بالدعاء مستغرقاً فيه الخ فهو كالداعي بل أولى لا سيما المستغرق في التدبر اهـ. وكأنه سبب اعتراض والد الحافظ ابن حجر على المصنف فيما ذكر حيث قال في نكته على الأذكار ما قاله الشيخ في القارئ بأنه يأتي في حقه نظير ما يأتي في الدعاء لأن القارئ قد يستغرق فكره في تدبر معاني ما يقرؤه ثم اعتذر عنه بأن الداعي يكون مهتماً بطلب حاجته فيغلب عليه التوجه طبعاً والقارئ إنما يطلب منه التوجه شرعاً والوساوس مسلطة عليه ولو فرض أن يوفق للحالة العلية فهو نادر اهـ. ولا يخفى أن التعليل الذي ذكره الشيخ من تفكر الداعي يأتي نظيره في القارئ اهـ. كلام الفتح قلت ولك منع جريان التعليل الذي ذكره المصنف في القارئ بأن توجه ذاك لما كان طبعاً تنكدت حاله بما يصرفه عنها ولا كذلك
والأظهر عندي في هذا أنه يكره السلام عليه، لأنه يتنكَّد به ويشق عليه أكثر من مشقة الأكل. وأما الملبِّي في الإحرام فيكره أن يسلَّم عليه، لأنه يكره له قطع التلبية، فإن سلم عليه رد السلام باللفظ، نص عليه الشافعي وأصحابنا رحمهم الله.
فصل: تقدَّمت الأحوال التي يكره فيها السلام، وذكرنا أنه لا يستحق فيها جواباً، فلو أراد المسلَّم عليه أن يتبرع برد السلام، هل يشرع له، أو يستحب؟ فيه تفصيل، فأما المشتغل بالبول ونحوه، فيكره له رد السلام، وقد قدَّمنا هذا في أول الكتاب، وأما الآكل ونحوه
ــ
القارئ لأنه مأمور بالتوجه شرعاً وقد جرى ابن حجر الهيتمي في تحفته على ما أومأ إليه كلامه من اعتبار عدم الاستغراق في القراءة وعدم التنكد بذلك حيث قال رجح المصنف ندبه على القارئ وإن اشتغل بالتدبر ووجوب الرد عليه ويتجه أخذاً مما مر أنه في متدبر لم يستغرق في التدبر قلبه وإلا فإن شق عليه لم يسن ابتداء ولا جواب له لأنه الآن بمنزلة غير المميز بل ينبغي فيما لو استغرقه هم كذلك أن يكون حكمه ذلك اهـ. قوله: (والأظهر عندي أنه يكره السلام عليه) أي فلا يجب عليه الرد وقد ورد من شغل متوجهاً إلى الله تعالى أدركه المقت في الوقت. قوله: (وأما الملبي في الإحرام) افهم التقييد أنه لا يكره السلام عليه فيها في غير الإحرام وهو كذلك لعدم مشروعيتها. قوله: (رد باللفظ) أي استحباباً وتأخيره إلى فراغها أحب كما في المؤذن ويفرق بين عدم وجوب الرد عليهما وبين وجوبه على القارئ بأنه مفوت لشعارهما بخلافه وبين الندب في التلبية وعدمه للمؤذن بأنه قد يخل بالإعلام المؤدي إلى لبس بخلافه فيها.
فصل
قوله: (فأما المشتغل بالبول ونحوه) أي كالمشتغل بالجماع. قوله: (فيكره له) كراهة تنزيه،
أخرج الشافعي بسنده أن رجلاً سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فرد عليه وفيه أنه أخبره أنه إن عاد إلى مثل ذلك لا يرد عليه فهذا بيان للجواز وسبق