الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب مدح الأكل الطعام الذي يأكل منه
روينا في "صحيح مسلم" عن جابر رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أهلَه الأُدْمَ، فقالوا: ما عندنا إلا خل، فدعا به فجعل يأكل منه ويقول:
ــ
باب مدح الآكل الطعام الذي يأكل منه
اعلم أنه لا منافاة بين قضية الترجمة وما سبق من حديث ابن أبي هالة من قوله وكان يعني النبي صلى الله عليه وسلم لا يذم ذواقًا ولا يمدحه فإن المراد لا يمدحه بحسب طبعه وميله إليه وهواه لأن ذلك شأن أرباب العنية بالطعام والشره فيه فإذا وقع المدح منه فيكون لباعث شرعي من جبر خاطر كما في حديث الباب أو إعلام بفضيلة تخص الطعام كما ورد منه في اللبن ونحو ذلك. قوله: (روينا في صحيح مسلم الخ) هذا بعض من حديث جابر وهو ما ورد عنه قال: كنت جالسًا في داري فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم فأشار إلي فقمت إليه فأخذ بيدي فانطلقنا حتى أتى بعض حجر نسائه فدخل ثم أذن لي فدخلت والحجاب عليها فقال: هل من غداء قالوا: نعم، فأتى بثلاثة أقراص فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه
قرصًا ووضع بين يدي قرصًا وأخذ الثالث فكسره باثنين فوضع نصفه بين يديه ونصفه بين يدي وفي رواية فأتي بغلق من خبز ثم قال: هل أدم؟ ، وفي رواية: أما من أدم؟ فقالوا: لا إلا شيء من خل فقال: هاتوا فنعم الأدم الخل، وفي رواية قال جابر: فما زلت أحب الخل منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحافظ: أخرجه مسلم والنسائي وأبو داود وأبو عوانة اهـ. وفي الجامع الصغير من تخريج أحمد ومسلم والسنن الأربعة من حديث جابر قال الحافظ: ووقع في رواية أحمد من طريق يزيد بن هارون عن جابر بلفظ كنت في ظل داري فلما رأيته وثبت إليه فجعلت أمشى وراءه قال: ابن قد دنوت منه والباقي نحوه وورد من حديث عائشة قالت: قال رسول الله روقوله: "يا عائشة هل عندك من أدم" قالت: خل، قال:"نعم الأدم الخل" أخرجه مسلم والترمذي ويستأنس به في تسمية المبهم ويؤيده ما أخرجه أبو نعيم في الحلية في ترجمة هشام الدستوائي عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة هل عندك من أدم" قالت: نعم خل، قال: "نعم ا
نِعْمَ الأُدْمُ الخَلُّ، نِعْمَ الأُدْمُ الخَلُّ".
ــ
لأدم الخل" قال الحافظ: ثم رأيت في رواية أحمد عن يزيد بن هارون المشار إليه قريبًا حتى أتى بعض حجر نسائه أم سلمة أو زينب بنت جحش فلعل القصة تعددت اهـ. قال العلقمي في شرح الجامع الصغير وقد رد حديث نعم الأدم الخل من رواية جمع من الصحابة أفردوا بجزء. قوله: (نعم الأدم الخل) قال الدميري قال أهل اللغة الإدام بكسر الهمزة ما يؤتدم به يقال: أدم الخبز فأدمه بكسر الدال وجمعه الأدام أدم ككتاب وكتب والأدم بإسكان الدال مفرد أي كالإدام أي ذلك بحسب الأصل فلا ينافي جواز تخفيف المضموم بالإسكان المطرد فيه قلت وقال في المصباح المنير: أدمت الخبز من باب ضرب وآدمته بالمد باللغتين إذا أصلحت أساغته بالإدام والإدام ما يؤتدم به مائعا كان أو جامدًا وجمعه أدم مثل كتاب وكتب ويسكن للتخفيف فيعامل معاملة المفرد فيجمع على آدم مثل قفل وأقفال اهـ. ولا يخفى ما اختلف كلامهما في الأدم بإسكان الدال فتأمله وقال القرطبي: الإدام ما يؤتدم به أي يؤكل به الخبز مما يطيبه سواء كان مما يصطبغ به كالأمراق والمائعات أو كالجامدات من اللحم والجبن والبيض هذا معنى الإدام عند الجمهور من الفقهاء والعلماء سلفًا وخلفًا وقال أبو حنيفة وأبو يوسف في البيض واللحم المشوي مما يصطبغ به ليس شيء من ذلك بأدام ويبني على ذلك من حلف لا يأكل إدامًا فهل يحنث بأكل ذلك أم لا فيحنث عند الجمهور ولا يحنث عندهما، والصحيح ما صار إليه الجمهور بدليل قوله صلى الله عليه وسلم وقد وضع تمرة على كسرة هذه إدام هذه ولما سئل عن أدم أهل الجنة أول ما يدخلونها فقال زيادة كبد الحوت ولقوله صلى الله عليه وسلم سيد إدام أهل الدنيا والآخرة اللحم اهـ. وأما معنى الحديث فقال المصنف في شرح مسلم نقلًا عن الخطابي والقاضي عياض فهو مدح للاقتصار في المأكل ومنع النفس عن ملاذ الأطعمة تقديره ائتدموا بالخل وما في معناه مما تخف مؤنته ولا يعز وجوده ولا تتأنقوا في الشهوات فإنها مفسدة للدين مسقمة للبدن هذا كلام الخطابي ومن تابعه، والصواب الذي ينبغي أن يجزم به أنه مدح الخل نفسه وأما الاقتصار في المطعم وترك الشهوات فمعلوم من قواعد أخر وقول جابر ما زلت أحب الخل الخ كقول أنس ما زلت أحب الدباء من حينئذٍ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أي من حين تتبعه لها من القصعة وهذا يؤيد ما قلناه في معنى الحديث من أنه مدح للخل نفسه وذكرنا أن تأويل الراوي إذا لم يخالف الظاهر يتعين
المصير إليه والعمل به عند جماهير العلماء من الفقهاء والأصوليين وهذا كذلك بل تأويل الراوي هنا هو ظاهر اللفظ فتعين المصير إليه اهـ. كلام المصنف وناقش فيه بعضهم بأن ما قال إنه الصواب غير ظاهر إذ ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يمدح طعامًا ولا يذمه أي لأن في الأول: شائبة الشهوة وفي الثاني: احتقار النعمة ولك دفعه بما أشرنا إليه أن مدحه الطعام هنا جبر خاطر من جاء به وتقلله وكونه لا يمدح الطعام المراد أنه لا يفعل ذلك بحسب داعية الطبع بل يفعل لداعية من دواعي الشرع والله سبحانه وتعالى أعلم، وقول ابن حجر الهيتمي فإنه قامع للصفراء نافع للبدن لا يصلح أن يكون تعليلًا لمدحه صلى الله عليه وسلم إياه تفضيلًا فإنه من الحكميات وخواص طبيات ولا يناسب حمل كلامه صلى الله عليه وسلم على ذلك ثم ورد في رواية عن جابر فجعل صلى الله عليه وسلم يأكل ويقول: نعم الأدم الخل اللهم بارك في الخل وفي رواية فإنه كان إدام الأنبياء من قبلي وفي حديث لم يقفر بيت فيه خل رواها ابن ماجه وبالرواية الثانية يندفع قول ابن القيم ومن تبعه هذا ثناء عليه بحسب الوقت لا لفضله على غيره لأن سببه أن أهله قدموا له خبزًا فقال: أما من إدام قالوا ما عندنا إلا خل فقال: ذلك جبرًا لقلب من قدمه وتطييبًا لنفسه لا تفضيلًا له على غيره إذ لو حضر نحو لحم أو عسل أو لبن كان أحق بالمدح اهـ. ولا يخفى أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب مع أن الحديث ليس فيه إلا مدحه لا إنه أفضل من سائر الأدم، هذا وفي طلبه صلى الله عليه وسلم الإدام إشارة إلى أن أكل الخبز بالأدم من أسباب حفظ الصحة بخلاف الاقتصار على أحدهما قال ابن القيم: الخل مركب من الحرارة والبرودة والرطوبة وهي أغلب عليه وهو يابس في الثالثة قوى التجفيف يمنع من انصباب المواد ويلطف ولنفع المعدة الملتهبة ولقمع الصفراء ويحلل اللبن والدم إذا جمد في الجوف ولدفع ضرر الأدوية القتالة وينفع الطحال ويدبغ المعدة ويعقل البطن ويقطع العطش ويمنع الورم حيث يريد أن يحدث ويعين على الهضم ويضاد البلغم ويلطف الأدوية الغليظة ونزف